حماس بين العداء المصري والتودد الأوروبي
[ 25/07/2009 - 09:42 ص ]
أحمد الفلو
بعد أن فاجأت حماس العالم بنصرها المؤزر في حرب الفرقان، فإن هذا النصر لم يكن سوى بداية تحول تدريجي إلى مرحلة ريادة الأمة وقيادة المشروع الحضاري للعالم الإسلامي برمته, وأضحى جلياً للأوروبيين بأن حركة حماس لاعب أساسي في المنطقة وأن القضاء عليها عبر كل وسائل الحصار والمراقبة والقتل هو نوع من العبث, لأن حماس تمثل ضمير الشعب الفلسطيني وخياره المؤكد دون أدنى شك, و لعل هذا يفسر لنا حقيقة ذلك السعي الأوروبي للتقرب من حماس,على العكس مما تشيع بعض الأوساط الإعلامية التابعة لعرب التخاذل من أن حماس تحاول أن تستفيد من كون الأسير شاليط يحمل الجنسية الفرنسية للتقرب من فرنسا باعتبار ذلك معبراً يوصلها إلى إقامة علاقات مع البيت الأبيض كي تحوز على شرف اعتراف أمريكا بدور أساسي لحماس في المنطقة.
ويبدو أن التحركات الأوروبية الأخيرة قد استفزت عدو الفلسطينيين أبا الغيط فهو كعادته في كل مرة حين يستعرض خفةَ دمه وظرافته ليطلق تصريحاً لجريدة الحياة في 22/7/ 2009 يقول فيه ( لا أوافق على الحوار بين فرنسا وحماس لأنه سيؤدي إلى المزيد من الانقسام ) ولاندري حتى الآن من هو الذي طلب موافقة ذلك الوزير المعجزة والدبلوماسي الفذّ على هذا الحوار!, وحتى الآن لم يقدم لنا سعادة أبي الغيط تفسيراً لإدخال مصر لإحدى عشر شاحنة محملة بالأسلحة إلى قطاع غزة في شباط/2007 من خلال معبر كرم أبوسالم متجهة إلى حرس عباس وقادمة من دولة الإمارات بهدف تأجيج الفوضى والحرب الأهلية الفلسطينية, مادام سعادة أبو الغيط حريصاً على الوحدة الفلسطينية, ولكن يبدو أن بوابة المعبر تتسع لدخول شاحنات الأسلحة بينما تضيق بشاحنات الأغذية وحليب الأطفال.
ويكمل أبوالغيط تخاريفه (هناك وضع غير طبيعي وغير صحي في الحركة الوطنية الفلسطينية لأن هناك منظمة حماس طردت السلطة الفلسطينية من غزة وخلقت سلطة موازية في غزة، وبالتالي لا يمكن لمصر ولن تسمح في المستقبل أن ترى تجسيداً للانقسام الفلسطيني) وهو هنا تغافل عن حقيقة أن حماس حسمت الأوضاع ضد التسيب الأمني وتطالب كل يوم بتصحيح ذلك الوضع الذي آل إليه ولكن حماس لم تخرج على الشرعية لأن الشرعية هي حماس والانتخابات دليل على ذلك هذا إن لم يكن أبو الغيط يعلم ذلك حتى الآن فكيف يمكن أن تنقلب الشرعية على نفسها ؟ كما أن سعادة أبي الغيط هذا يبدو أنه لا يعلم أن رئيس السلطة لم يعد له أي قيمة قانونية.
ويعود الوزير المعجزة ليتحفنا بنكاته السخيفة قائلاً (إذا كان البعض يتصور أن فتح المعبر للتجارة لكي يخفف الوضع عن الفلسطينيين نقول إن تخفيف الوضع عن الفلسطينيين من معبر رفح لا يمكن أن يتم مقترناً بالاعتراف بالسلطة الحمساوية في غزة هذا بُعد ,أما والبعد الآخر الأهم أن معبر غزة هو للأفراد ودائماً للأفراد, هناك معبر مصري آخر في كرم أبو سالم يستخدم لمرور التجارة وكل شيء آخر. يبقى أن هناك سلطة احتلال إسرائيلية وعليها مسؤوليات ولا يجب أن تساعد مصر إسرائيل في الادعاء بأنها ليست سلطة احتلال) ويبدو أن أبا الغيط قد نسي وهو يتحدث عن معابر بلاده إلى قطاع غزة أن المساعدات الإنسانية في القانون الدولي لا تخضع لظروف النزاعات السياسية, أما تجويع الفلسطينيين بحجة أن ذلك سيجعل إسرائيل تدعي أنها ليست سلطة احتلال فيمكن أن ننظر إلى هذا الكلام من الزاوية نفسها التي نشاهد فيها أفلام اسماعيل ياسين الكوميدية, لأن سعادة الوزير يجهل أن إسرائيل انسحبت من قطاع غزة منذ 15/8/2005 وأن الضفة الغربية هي التي تحت الاحتلال, ولكن يبدو أن سعادة الوزير أبو الغيط بحاجة إلى دورة تثقيفية في الجغرافيا والتاريخ والسياسة, وهل يمكننا بناءً على ادعاءات أبي الغيط أن نعتبر أن مساعدة العرب ومنهم مصر الجهاد الجزائري في فترة الاحتلال كان خطيئة كبرى لأنها أعفت المحتل الفرنسي من مسؤولياته تجاه الجزائر.
ومنذ نشوء حركة حماس فإن قيادة تلك الحركة تتسم باتباعها سياسات تحكمها مجموعة من الضوابط والمبادئ الأساسية لعل أولها هو المعايير الشرعية الإسلامية ومدى تطابق أي عمل أو قرار تتخذه الحركة مع أحكام الشريعة مما يجعل حماس تنأى بنفسها عن الوقوع في دائرة العبث السياسي الفارغ ويبرِؤها من خطيئة تقديس الأشخاص, أما ثاني تلك الضوابط فهو التشبث بثوابت القضية الفلسطينية وعدم التفريط بها بحال من الأحوال حتى لو أدّى ذلك التمسك إلى فناء الحركة برمتها (لاسمح الله) لأن فلسطين في قناعة حماس أهم من الحركة ذاتها, ويتجلى ثالث تلك الضوابط في حرص حماس بل و وتمسكها بتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني وذلك ناتج طبعاً عن كونها حركة شعبية انطلقت من مخيمات اللاجئين و امتزجت بآلامهم ودموعهم ودماء أبنائهم, ثم يأتي البذل والعطاء لفلسطين بلا حدود رابع تلك المبادئ مما أضفى على تلك الحركة صفة النزاهة والمصداقية وأغلق الباب أمام المتنفعين والمتكسبين من وراء القضية ممن سبقوا حماس و تولوا زمام القضية أربعين عاماً وحولوا النضال الفلسطيني إلى شركة تجارية.
ولقد بات من المؤكد أن الدبلوماسية المصرية بسذاجتها اللامتناهية تتصور أن تجاهل وجود حماس و تكريس الرئيس السابق التالف عباس ومن خلال تحريضها للدبلوماسية الأوربية للامتناع عن الاعتراف بحماس والحوار معها نقول أن الدبلوماسية المصرية بهذا السلوك الغبي قد تتمكن من فرض العزلة الدولية على حماس, وهي بذلك حسبما تعتقد أن ليس للدبلوماسية الأوروبية مستشعرات ودلائل أوصلتها إلى نتيجة مفادها أن لامناص من الحوار مع حماس, كما أن قيادة حماس أيضاً تعلم أن عدم الرضوخ للشروط الأوروبية على حساب قضيتنا المقدسة وكذلك الثبات والصمود السياسي المبدئي في وجه المطالب الإسرائيلية ومناكفات السلطة العميلة, نقول أن ذلك الثبات هو الذي أكسب حركة حماس الاحترام والهيبة وارتقى بها أمام الفلسطينيين أولاً ثم وضعها محل اهتمام الأوربيين عامة والفرنسيين خاصة, وأن سياسات التفريط والاستعطاف التي ينتهجها حاكمي القاهرة ورام الله منذ عقود هي التي أفرزت كل تلك التراجعات التي شهدتها قضيتنا المقدسة.