الرومان يضمون معظم الوطن العربي إلى إمبراطوريتهم: كانت بلاد المغرب هي أول مناطق الوطن العربي خضوعاً للرومان الذين تمكنوا من إخضاعها لسيطرتهم إثر صراع مرير خاضوه مع مدينة قرطاج التي مدت سيطرتها من تونس ليشمل بلاد المغرب العربي وفكر قائدها الشهير هانيبال(حنا بعل) في السيطرة على روما نفسها وانطلق بجيشه لتحقيق ذلك عابراً أسبانيا ثم فرنسا وبعد أن عبر جبال الإلب لمهاجمة روما كان جيشه قد أصيب بالإنهاك من جراء طول الطريق ووعورتها الأمر الذي مكن الرومان من القضاء عليه وإخضاع البلاد التي كان يحكمها لسيطرتهم، ثم اتجهوا بعد ذلك لإكمال سيطرتهم على ماتبقي من البلدان المطلة على البحر المتوسط فكان احتلالهم لسوريا(بلاد الشام) في مطلع القرن الأول قبل الميلاد ثم مصر في أواخر القرن نفسه، ثم فكروا بالسيطرة على اليمن عبر واليهم في مصر يوليوس جالوس الذي جهز حملة لذلك بقيادته عام (24ق.م) ولكنها باءت بالفشل نتيجة للمقاومة التي واجهتها في بلاد اليمن وعادت تجر اذيال الهزيمة من حيث أتت.
وقد عمل الرومان على إخماد المقاومة العربية التي قامت ضد حكمهم حيث وقفوا إلى جانب اليهود في بلاد الشام ضد الدولة النبطية التي قادت صراع مرير ضد الطرفين انتهى مع الأسف بالقضاء عليها عام(106م) وضم المناطق التي كانت تحكمها إلى الدولة الرومانية.
وهو المصير نفسه الذي لقته دولة تدمر العربية التي كان الرومان يعاملونها في بداية الأمر بصورة مميزة طالما كانت سياستها تدور في الفلك الروماني ولكن في عهد ملكتها الزباء (زنوبيا) تغير الأمر عندما بدأت هذه الملكة ببناء إمبراطورية تدمرية بصورة مستقلة عن السيطرة الرومانية حيث تعدت سيطرتها لتشمل بلاد الشام والاناضول ومصر وشمال الجزيرة العربية وغرب العراق، فما كان من الرومان إلا أن قاموا بالتوجه صوب تدمر وقضوا على هذه الدولة عام( 373م) بعد أن كبلوا ملكتها الشجاعة بالسلاسل وقادوها إلى روما لتزين موكب نصرهم، ومع ذلك ظلوا ينظرون إلى شجاعتها بإعجاب حيث وصفها الامبراطور الروماني الذي تولى مهمة القضاء عليها بأنها إمرأة ولكنها أرجل من كل الرجال.
· الصراع السياسي البيزنطي على المنطقة العربية: وفي هذا الخضم ظهر في المنطقة العربية الفرس الساسانيين حيث تمكنوا من السيطرة على دولة الحضر العربية شمال بلاد الرافدين وضموها إلى دولتهم بعد أن أخذوا منها كل ما يمكن نقله وقاموا بأسر جميع سكانها ونقلوهم إلى العاصمة الفارسية ليكونوا عبيداً للفرس إنتقاماً منهم لعدم قبولهم الخضوع لسيطرتهم والحكم في ظل التبعية لهم، وكما سجل التاريخ لنا بطولة الملكة الزباء وشجاعتها واستبسالها في رفع الضيم الروماني عن شعبها ورفضها لعروضهم بأن تستمر حاكمة في ظل تقديم الولاء لهم، فقد سجل لنا موقفاً آخر مغايرلإمرأة أخرى هي الأميرة الحضرية النضيرة بنت الضيزن حيث ذكرت لنا كتب المصادر العربية أنها سهلت للملك الساساني سابور دخول مدينة الحضر والقضاء على والدها الملك مقابل أن يتزوجها الملك الساساني، وقد انتهى بها المطاف حسب ماذكرت تلك المصادر بالقتل على يد زوجها- الذي خضبت يداه بدماء أبيها وقومها- خوفاً من أن تخونه كما خانت أبوها خصوصاً عندما علم منها مستوى الرفاهية والنعيم والعيش الرغيد الذي كان أبوها يوفره لها.
وفي هذه الأثناء قامت دولة المناذرة في الحيرة حيث احتضنها الفرس الساسانيين عندما قبلت أن تكون مجرد دولة تابعة لهم، وبالمقابل دعم الرومان البيزنطين قيام دولة مماثلة في بلاد الشام هي دولة الغساسنة لتقوم معهم بنفس دور المناذرة للفرس، حيث دخلت الدولتان العربيتان في صراع مرير خدمة لاسيادهم الفرس والبيزنطيين الذين ما فتئوا يدعمونهم طالما وهم يبدون خضوعهم لهم، ولكنهم عملوا على القضاء على الدولتين في نهاية المطاف عندما لاحظوا أن بعض ملوكها بدأو يتصرفون كأنداد لهم وليس كأتباع كماحدث مع الملكين الغسانيين الحارث بن جبلة وابنه المنذر في مواجهة البيزنطيين، وكذلك مع ملكي الحيرة المنذر بن ماء السماء والنعمان بن المنذر في مواجهة الفرس، حيث أنتهى الأمر بالأخيرموتاً في البلاط الكسروي تحت أقدام الفيلة، ولم يكتف كسرى الفرس بذلك بل طلب من قبيلة شيبان العربية تسليمه نساء وأموال النعمان التي كان قد استودعها لديهم عندما علم بنية الملك الفارسي بالغدر به فما كان من هذه القبيلة الا أن رفضت ذلك.
وقد أدت العنجهية التي تعامل بها الفرس في هذه الحادثة وغيرها من الحوادث التي اظهر فيها الفرس احتقاراً للعرب وعدم مبالاة بهم إلى ظهور دعوة لالتفاف القبائل العربية وتوحدها لمقاومة ذلك وكان ثمرة ذلك النصر الذي حققته مجموعة من القبائل العربية بزعامة قبيلة شيبان ضد الفرس في يوم ذي قار وكان كما قال عنه رسول الله e : ( أول يوم أستنصفت فيه العرب من الفرس). · الأحباش وسيطرتهم على اليمن والجزيرة العربية:
إلى جانب الاحتلال الفارسي والبيزنطي الذي تعرضت له المنطقة العربية في هذه الفترة كانت قد ظهرت قوة استعمارية ثالثة تمثلت بالأحباش الذين مدوا سيطرتهم نحو الجزيرة العربية ابتداء من القرن الثاني الميلادي وساعدهم على ذلك عندما استعان بهم الملك السبئي علهان نهفان الهمداني ضد الحميريين ولكنهم سرعان ما بدأوا يعملون لمصلحتهم الخاصة كأي محتل وشرعوا في مد سيطرتهم على الأراضي اليمنية بما فيها أراضي دولة سبأ المستنجدة بهم الأمر الذي جعل الملك السبئي شاعرم أوتر بن علهان نهفان يعمل ضد سياسة أبيه ويعمل على توحيد الجبهة اليمنية في مواجهة الغازي لكنه لم يتمكن من دحرهم من اليمن تماماً حيث ظل الوجود الحبشي فيها إلى أواخر القرن الثالث الميلادي عندما أجلاهم عنها الملك الحميري شمر يهرعش الذي وحد اليمن كله تحت إمرته.