قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54
الدكتور زغلول النجار
في الوقت الذي ساد اعتقاد الناس بثبات الأرض وسكونها, جاء القرآن الكريم بالتأكيد علي جريها وسبحها, وعلي جري كافة أجرام السماء وسبحها في فسحة الكون الرحيب, ولكن لما كانت هذه الحقائق خافية علي الناس في زمن تنزل الوحي فقد جاءت الإشارات القرآنية إليها بصياغة لطيفة, رقيقة, غير مباشرة حتى لا تصدهم عن قبوله فيحرموا نور الرسالة الخاتمة, ويكون ذلك سببا في حرمان البشرية من هديها..!!
من هنا جاءت الإشارات القرآنية إلي عدد من الحقائق الكونية التي كانت غائبة عن علم الناس في زمن الوحي ـ ومنها حركات الأرض ـ بصياغة مجملة, غير مباشرة, ولكنها في نفس الوقت صياغة بالغة الدقة في التعبير, والشمول في الدلالة, و الاحاطة بالحقيقة الكونية, لتبقي مهيمنة علي المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها, وشاهدة للقرآن الكريم بأنه كلام ا لله الخالق, وللنبي الخاتم الذي تلقي الوحي به( صلي الله عليه وسلم ) بأنه كان معلما من قبل خالق السماوات والأرض, ومؤكدة علي وصفه( صلي الله عليه وسلم ) للقرآن الكريم بأنه لا تنتهي عجائبه, ولا يخلق علي كثرة الرد.
الإشارات القرآنية إلى حركات الأرض
استعاض القرآن الكريم في الإشارة إلي حركات الأرض بغشيان( أو بتغشية ) كل من الليل والنهار للآخر, واختلافهما, وتقلبهما, وولوج كل منهما في الآخر, وبسلخ النهار من الليل, وبمرور الجبال مر السحاب, وبالتعبير القرآني المعجز عن سبح كل من الليل والنهار كناية عن الحركات الانتقالية للأرض, وذلك علي النحو التالي :
أولا : آيات غشيان الليل النهار
وجاء ذكرها في آيتي الأعراف رقم( 54 ) , والرعد رقم( 3 ) كما سوف يفصل بعد ذلك بقليل.
ثانيا : آيات اختلاف كل من الليل والنهار
تباطؤ سرعة دوران الأرض حول محورها مع الزمن مدون فى أجساد النباتات وغيرها من الكائنات الحية والبائدة
وهي خمس آيات كريمة تؤكد كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس يقول فيها الحق تبارك وتعالي :
( 1 ) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار........ لآيات لقوم يعقلون
( البقرة : 164 )
( 2 ) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( آل عمران : 190 )
( 3 ) إن في اختلاف الليل والنهار وماخلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ( يونس : 6 )
( 4 ) وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون ( المؤمنون : 80 )
( 5 ) إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين* وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون* واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون
( الجاثية : 2 ـ5 )
ويؤكد القرآن الكريم اختلاف الليل والنهار بتعبير آخر يقول فيه ربنا ( تبارك وتعالي ) :
( 6 ) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو اراد شكورا
( الفرقان : 62 )
وبتعبير ثالث يقول فيه ( سبحانه وتعالي ) :
( 7 ) والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر* ( المدثر : 34,33 )
وبتعبير رابع يقول فيه ربنا ( تبارك وتعالي ) :
( 8 ) والليل إذا عسعس* والصبح إذا تنفس ( التكوير : 18,17 ) .
ثالثا : آية تقليب الليل والنهار
وقد جاءت في سورة النور حيث يقول الخالق( سبحانه وتعالي ) : يقلب الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ( النور : 44 )
وفيها إشارة واضحة إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
رابعا : آيات إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل
وهي خمس آيات يقول فيها ربنا( تبارك وتعالي ) :
( 1 ) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل. ( آل عمران : 27 )
( 2 ) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير
( الحج : 61 )
( 3 ) ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.... ( لقمان : 29 )
( 4 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل... ( فاطر13 )
( 5 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور
( الحديد : 6 )
والولوج لغة هو الدخول, ولما كان من غير المعقول دخول زمن في زمن آخر, اتضح لنا ان المقصود بكل من الليل والنهار هنا هو المكان الذي يتغشيانه أي الأرض, بمعني ان الله( تعالي ) يدخل نصف الأرض الذي يخيم عليه ظلام الليل بالتدريج في مكان النصف الذي يعمه النهار, كما يدخل نصف الأرض الذي يعمه النهار بالتدريج في مكان النصف الذي تخيم عليه ظلمة الليل, وهو ما يشير إلى كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس بطريقة غير مباشرة, ولكنها تبلغ من الدقة والشمول والاحاطة مايعجز البيان عن وصفه.