منتدى التربية و التعليم تلمسان
اهلا بالزائر الكريم يرجى التسجيل للافادة و الاستفادة
سجل لتتمكن من تصفح المنتدى
منتدى التربية و التعليم تلمسان
اهلا بالزائر الكريم يرجى التسجيل للافادة و الاستفادة
سجل لتتمكن من تصفح المنتدى
منتدى التربية و التعليم تلمسان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى التربية و التعليم تلمسان

لتحضير جيد للامتحانات و الاختبارات لجميع المستويات
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  العاب فلاشالعاب فلاش  
تعلم ادارة المنتدى انه تم فتح مؤسسة رياض باروتجي لبيع ادوات الحاسوب و الشبكة باسعار جد مناسبة على الرغبين في التواصل و تقديم اللطلبات ترك رسالة خاصة لمدير المنتدى
تعلم ادارة المنتدى انه تم فتح مؤسسة رياض باروتجي لبيع ادوات الحاسوب و الشبكة باسعار جد مناسبة على الرغبين في التواصل و تقديم اللطلبات ترك رسالة خاصة لمدير المنتدى
Awesome Hot Pink
Sharp Pointer
المواضيع الأخيرة
» حصرى تحويل رائع لirissat6800 hd الى جهاز AB CryptoBox 400HD وFerguson Ariva 102E-202E-52E HD
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالجمعة ديسمبر 06 2019, 00:54 من طرف saad sa

» أسطوانة الاعلام الآلي سنة أولى ثانوي علمي
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالجمعة أبريل 07 2017, 13:09 من طرف mhamedseray

» مذكرات تخرج في التاريخ
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالأحد يناير 08 2017, 23:30 من طرف hawarkmirza

» _ كــيفــيــة ادخــال شفرة الجزائر الارضية الجديدة على مختلف الاجهزة
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالسبت يناير 07 2017, 01:29 من طرف bobaker1992

» قرص خاص بالتدريس عن طريق المقاربة بالكفاءات
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالخميس نوفمبر 24 2016, 22:48 من طرف حسان عبدالله

» شروط و طلبات الاشراف للاعضاء
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالسبت سبتمبر 10 2016, 21:37 من طرف محمد عصام خليل

» فروض واختبارات لمادة العلوم الطبيعية ثانية ثانوي
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالجمعة فبراير 26 2016, 10:19 من طرف mhamedseray

» مواضيع مقترحة للسنة الخامسة ابتدائي لمادة دراسة النص
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالجمعة يناير 22 2016, 00:32 من طرف ouassila-2012

» قرص اللغة العربية
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالجمعة نوفمبر 27 2015, 13:57 من طرف بنت القالة

» القانون الأساسي لجمعية أولياء التلاميذ
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالأربعاء نوفمبر 25 2015, 13:40 من طرف belounis

» فروض واختبارات مقترحة في العلوم الطبيعية 4 متوسط
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالخميس نوفمبر 12 2015, 14:09 من طرف بدر الصافي

» مذكرة الانتقال من المخطط المحاسبي الوطني الى النظام المحاسبي المالي الجديد
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالأربعاء نوفمبر 11 2015, 00:29 من طرف rachid s

» كتاب رائع جدا فيزياء وكيمياء يشمل كل دروس 4 متوسط
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالسبت أغسطس 29 2015, 14:59 من طرف abbaz29

» لأساتذة الفيزياء...قرص شامل لكل ما تحتاجه لسنوات التعليم المتوسط الأربع
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالخميس أغسطس 27 2015, 01:49 من طرف abbaz29

» قرص في مادة الفيزياء حسب المنهاج
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالأربعاء أغسطس 26 2015, 20:02 من طرف mhamedseray

» قرص السبيل في العلوم الفيزيائية (دروس شاملة صوت و صورة)
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالسبت أغسطس 15 2015, 05:00 من طرف mhamedseray

» ملخص دروس الفيزياء في الفيزياء
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالأحد أغسطس 09 2015, 00:29 من طرف mhamedseray

» جميع دروس وتمارين محلولة فيزياء وكيمياء أولى ثانوي
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالسبت أغسطس 08 2015, 17:33 من طرف mhamedseray

» شاهد كيف تحصل ببساطة على "إنترنت مجاني" من القمر الأصطناعي؟
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالثلاثاء مايو 19 2015, 19:40 من طرف ocean

» قرص رائع في الفيزياء للسنة الرابعة
فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Emptyالأحد مارس 22 2015, 22:06 من طرف sbaa

ساعة 258
عدد مساهماتك: 105
الملف البيانات الشخصية تفضيلات التوقيع الصورة الشخصية البيانات الأصدقاء و المنبوذين المواضيع المراقبة معلومات المفضلة الورقة الشخصية المواضيع والرسائل الرسائل الخاصة أفضل المواضيع لهذا اليوم مُساهماتك استعراض المواضيع التي لم يتم الرد عليها استعرض المواضيع الجديدة منذ آخر زيارة لي
سحابة الكلمات الدلالية
جهاز متصفح تحويل سريع
عدد مساهماتك: 105
الملف البيانات الشخصية تفضيلات التوقيع الصورة الشخصية البيانات الأصدقاء و المنبوذين المواضيع المراقبة معلومات المفضلة الورقة الشخصية المواضيع والرسائل الرسائل الخاصة أفضل المواضيع لهذا اليوم مُساهماتك استعراض المواضيع التي لم يتم الرد عليها استعرض المواضيع الجديدة منذ آخر زيارة لي
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم

اهلا بك يا
عدد مساهماتك 105 وننتظر المزيد

المواضيع الأكثر نشاطاً
الدولة العباسية
اكلات مغربية شهية
قرص خاص بالتدريس عن طريق المقاربة بالكفاءات
موسوعة الطب لتعميم الفائدة
Informatique
موسوعة الطب لتعميم الفائدة2
للتعليم الجامعي بحوث مذكرات مواقع هامة جدا
هل تعلم ’?
كلمة مدير المنتدى
اسطوانات تعليمية من الابتدائي الى الثانوي - موقع مهم -
pirate
United Kingdom Pointer

 

 فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ocean
Admin
ocean


مزاجي *: : عادي
الجنسيه *: : جزائر
عدد المساهمات : 16284
تاريخ التسجيل : 21/07/2009

فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي Empty
14112010
مُساهمةفلسفة الحضارة في فك مالك بنبي

مدخل منهجي:
تجدر الإشارة إلى أن هذا الموضوع نال جائزة المجلس الأعلى للغة العربية التشجيعية في المحور الفكري ،وتم طبع هذا العمل بالعنوان نفسه سنة 2005،وبعد مضي المدة القانونية المسموح بها للاحتفاظ بالعمل من قبل هذه الهيئة"03سنوات"،أردت نشرها لأول مرة بين قراء "أصوات الشمال" للإطلاع عليها ، وإبداء ما أمكن من ملاحظات وانتقادات بشأنها لرغبة إحدى القارئات "الافتراضيات" في ذلك؟؟ ربما لإعادة قراءتها..فقد يكون فيها ما هو بحاجة إلى تقويم من قبل أساتذتنا ،ومفكرينا .. أو شيئ من هذا القبيل..ببساطة لأنني صرت أعشق الوضوح و الانتقادات من هذا النوع..والشكر موصول لكل قراء ومتتبعي غرائنا "اصوات الشمال"،وعلى الله القصد.
الفصل الأول:مالك بن نبي ..الحكاية والمسار
- ما يشبه التقديم:
رجل مرّ من هنا… يختلف عن غيره من المفكرين بمنهجه العلمي الدقيق ورؤاه المتجذرة في العقلانية والسمو،لم يشأ أن يستبق الآتي، ولا أن يؤسس لفرضيات، أو تخمينات بعيدا عن الواقع، والمعطيات الراهنة، فالراهن وحده - في نظره - هو الذي يمنحنا فرصة تقصي،وتحسس ال.. ما قبل، وهو أيضا الداعي الذي يجعلنا نضع مقدمات لنتائج كفيلة باستشراف ال..ما بعد وبين هذا وذاك يحلق فكر " مالك بن نبي" الثاقب، حتى لقد عبر أحد الباحثين عن إعجابه بخاصيته الفكرية، فاعتبره سابقا لزمانه منظرا مرموقا أعطى لكل مقام مقامه، وأوجد لكل حادث تفسيرا منطقيا قائما على درء الأحكام المسبقة،أو الواهية، فأسس بذلك لمدرسة فكرية جديدة عقلا، وروحا جعلت الكثير من معاصريه ينتقدونه أو يهمشونه لأسباب واهية وأخرى لكونه" جزائري " !
نعم لكونه جزائري بالدرجة الأولى، ومن شمال أفريقيا بالدرجة الثانية.
لقد طرح هذا التساؤل مرارا: ماذا لو كان " بن نبي" مشرقيا؟ هل كان سيغيب ويلغى من حسابات الحركية الفكرية العربية الإسلامية رغم اختلاف توجهاتها ومرجعياتها ؟ أم أنّ الفكر مرهون بمقاييس جهوية وإقليمية، وربما حتى استعمارية ؟ فلقد حاول البعض أن يشكك في قدرات "بن نبي" واتهامه بميوله نحو الحضارة الأوربية وأوجدوا تفسيرا لذلك كون الجزائر عاشت حقبة استعمارية طويلة في إشارة إلى إمكانية طمس هذه الهوية،و كأنها الدولة العربية الوحيدة التي عانت من ويلات الاستعمار فهل ذنب " مالك بن نبي" أنه جزائري ؟ إنّ "ابن نبي"من خلال قراءتنا الجادة لطريقته المميزة في التحليل والتعليل، وقدرته على النفاذ إلى دقائق الأشياء تخوله أن يكون في الدرجة الأولى من المفكرين القلائل الذين عرفتهم البشرية، فهو مفكر عالمي بأتم معنى الكلمة،أوجد فضاءات حضارية، وإجابات لأسئلة الراهن الحضارية التي تشترك فيها الإنسانية جمعاء،لأن الأصل في الحضارة هو التفكير الجماعي غير المحدود والهادف إلى المجاوزة، والانتقال بالفرد من عزلته إلى الطرف الآخر من المعركة التي تشترك فيها البشرية، إلى الشعور بضرورة التنسيق مع الآخر والتعاون معه فالحياة لنا جميعا، والحضارة طموح مشروع لكل البشرية وإن اختلفت الروافد، والمرجعيات إلا أنّ الغاية واحدة، والمطلب واحد وفي ذلك مشهد آخر غير المشاهد ذات الفكرة المحدودة التي ميزت المسارالفكري العربي، و الاصلاحي خصوصا وهنا مكمن الفرق.إنّ الفترة التي جاء فيها هذا المبدع لم تكن لتتناسب مع ما قد مه من أفكار وتفسيرات ومقدمات فاعلة، وأحيانا استشرافية، فمحيط الأمّة الذي كان محصورا في صراعات واتجاهات فكرية مختلفة، وإن كانت تتبنى المطلب الإصلاحي وترى أي فكرة خارج هذا الإطار محكوما عليها بالإجهاض رغم أن المعركة الحقيقية كانت أكبر من ذلك، و أعمق،إلا أنّ هذا لم يمنع" مالك بن نبي"من تثمين بعض الجهود التي قام بها"محمد عبده" في مصر و"ابن باديس" في الجزائر،ويمّم هو إلى الطرف الآخر من المعركة،إلى الأفكار الناجعة والفاعلة، والمؤسِّسة لفعل الحضارة المفقود والتي بدأت الدراسات تتناوله بشيء من الاهتمام، والعناية، لأن هؤلاء أدركوا حقيقة ما أتى به" ابن نبي" والواقع فرض ذلك فرضا. << إذن فالواقع يفرض العودة إلى السؤال الحضاري.. سؤال الفاعلية، سؤال النهضة، وهذا هو سؤال"ابن نبي" الذي لم يستمع إليه معاصروه جيدا لذلك فالزمان الآن زمانه..>> كما يعبر عنه الأستاذ" محمد شاويش".
إنّ الإصلاحات الحضارية التي ولدها الفكر" البنابي"هي اليوم بمثابة مرجعيات قارّة، ومدروسة لكل اتجاه فكري يضع إيجاد تفاسير مقنعة لأسئلة الحضارة،والراهن،مطلبا له،ومسارا تقتضيه المعطيات التي يدور في فلكها المجتمع العربي، والإسلامي بعد أن وقع تحت طائلة الاستعمارالجديد الذي أفرد له الاتجاه "البنابي" فصولا خاصة حتى قبل أن يوجد، وهاهو الراهن يثبت بما لا يدع مجالا للشك صحة ما ذهب إليه بعيدا عن الخلفيات المسبقة، أو الفرضيات المبنية على ثغرات تخمينية ليست من المنهج العلمي في شيء.
لقد وقف "ابن نبي" شامخا بفكره،مستجيرامن أفكاره بأفكار أخرى أكثر جدة، وأعمق تحليلا، وأقوى قدرة على التدقيق،والتواصل دون أن تكون له نظرة سوداوية لواقع الأمة المعيش،أو رجعية فكرية تلغي كل ما هو آت من وراء البحر من تجارب ناجحة تقدم للأمة أكثر ما تؤخر، فما جدوى أن يعيش إنسان القرن العشرين بأفكار القرن التاسع،أو العاشر؟ فهو أول من نادى بضرورة تجديد الموروث الحضاري والثقافي، ونفض الغبار عليه، لتشمل هذه النظرة حتى ذلك الكم الهائل من علوم القرآن والحديث والتفسير لأن المعطيات تغيرت، والحال يقتضي أن نطبق المناهج العلمية في
استكناه حقائق، وأسرار القرآن الكريم، والسنة الشريفة بعيدا عن التأويلات، والقناعات الجامدة التي ترى في ذلك لغو لا طائل من ورائه بدعوى أن الأقدمين لم يتركوا لنا شيئا نبحث فيه، وهو ما رفضه ابن نبي جملة وتفصيلا.
إنّ فلسفة الانطلاق من الواقع في وضع المقدمات،والتحليل العقلاني لأصل المشكلات،وأسبابها لهي الصبغة الخاصة،والمتوثبة التي طبعت المدرسة التجديدية والمتأصلة للفكر " البنابي" وكرست استقلاليتها عن كل المؤثرات، والمعوقات، والخلفيات التي لم تزد أمور الأمة إلا تعقيداحيث كسرت تلك الحواجز المزيفة،والتي أبعد ما تكون عن قيمنا، وموروثنا الحضاري، والثقافي، بل ساهمت في تضليل العقل وتحجيم دوره، ومنح المجال لشيوع الخرافة والرّدة الفكرية،وكان الفضاء الخصب،والمناسب لها هو الأمة العربية التي خرجت منهكة خائرة القوى من حقبة استعمارية خيمت تداعياتها وانعكاساتها على الحالة العامة،فكان من الطبيعي أن يكون هذا الدور الكامن مغيَّبا، بفعل تهاوي القيم، وصراعها أحيانا نتيجة للشلل الحاصل، والذي يتطلب رؤية شاملة، ودراسة أعمق لأن المشكلة حضارية بالأساس تتطلب زمنا، ونهجا مبنيا على استمرارية الفكرة، وفضاء اجتماعيا يعيش مخاضا عسيرا يقتضي العناية به، وشموله بالرعاية، والتوجيه، والإشراف على ميلاده الطبيعي بعيدا عن الحلول القيصرية المفضية إلى نتائج عكسية تزيد في مغبة الوهن الذي كرسته ظروف استثنائية، وأخرى مفتعلة لتضاعف من جراح هذا المجتمع.
إنّ النهضة المرتقبة، والتي ينبغي لنا التحضير لها، والعمل على وضع أسسها، لهيَ أمر مفروض،وضروري لإثبات الذات من جهة وتحقيق الإقلاع بعد فترة الركود، أوما سماها بفترة " ما بعد الحضارة" فالأمة تعيش أشد حالات ضعفها، وتجاوزها لهذه المرحلة لن يكون غدا حتما،بل هومرتبط بمدى نجاعة وفاعلية الفرد العربي، فالإنسان هو مفتاح الحضارة ومحورها، والانطلاقة لا تكون إلا من هذا الاتجاه بتكوين عالم الأشخاص، وتحقيق الوثبة النفسية بعد الصدمة،وفترة الفراغ التي يصارعها هذا الفرد،غير أن الانتقال من مرحلةالاستلاب،أوالسلبية إلى مرحلة التوثب والمبادرة والخلق لا تكون إلا في نطاق علائقي اجتماعي مبدؤه قائم على شمولية النظرة المعزِّزة للبعد الاجتماعي،والداحضة للنظرة الفردانية المنعزلة التي كانت سببا في تعميق جراح الأمة ونكوصها في لحظة أشد ما تكون بحاجة إلى التظافر، والتكافل المحرك لدواليبها والباعث على التفاعل والانسجام،لأن تفكك النسيج الاجتماعي هو أصعب مراحل مجتمعات ما بعد الحضارة،مما يعني عمليا التأسيس لأي بناء أو مشروع نهضوي من هذه النقطة بالذات.
لقد عثر"ابن نبي" على حقيقة ثابتة، وأساسية مؤداها ضرورة إيجاد فضاءات للتفاعل الاجتماعي الهادف إلى التغيير،والبناء قبل التفكير في أي مرحلة أخرى، فالبداية من هنا، والنتائج ترجمة للمقدمات العملية، والمنطقية،فإذا ما كانت كذلك، جاءت توقعاتنا مطابقة تبعا لما وضعناه من مقدمات.
لقد توصل " ابن نبي" إلى مجموعة من التعليلات، والنتائج المنطقية، والرؤى الهادئة، والمتزنة في نفس الوقت تتخذ المنهج العلمي مسارا ثابتا لها، ولا تلغي النظرات الفكرية الأخرى سواء كانت عربية إسلامية، أو غربية، وكثيرا ما ضرب لنا أمثلة من هنا، وهناك تبرر انفتاح الفكر"البنابي"على الأفكار، والحضارات الأخرى بعيدا عن التعصب، والفردانية، فقدم بذلك مشروعه الحضاري الضخم كبديل لفرضيات أثبتت فشلها،أو بقيت حبيسة فلسفة هجينة تفتت الأفكار الخلاقة، وتنبذ كل دعوة إلى التغيير،و المبادرة.
إنّ الإنسان بصفته مشروع المشاريع الذي يقوم عليه كل فعل نهضوي جاد، والأفكار المتأصلة والمنبثقة عن واقع اجتماعي،و ثقافة خاصة، وقيّم راسخة،ع والم تحدث الإقلاع المنشود إذا ما تفاعلت إيجابيا بفعل ما تنتجه كترجمة لهذا التفاعل..كلها المشروع الحضاري الذي بشر به " ابن نبي"، وخصه بدراسات شاملة دوافعها الأساسية الرغبة في تغيير الواقع، وإثبات الأنا الحضاري بخصائص ومقومات عربية، وطنية متأصلة، ومرهونة بالمنهج العلمي السليم.
لقد حاولنا في بحثنا هذا التركيز على هذه النقط ة،لأننا بحاجة إلى قراءة واعية، وجديدة لفكر" مالك بن نبي" خاصة في أبعاده الحضارية التي تؤسس لمستقبل واعد، ومشرق كفيل باستعادة المركز الريادي لهذه الأمة، يقول " محمد شاويش"<< إننا الآن بحاجة إلى قراءة أفكار هذا المفكر الهادئ، والتعلم منه، لا أعني بالضرورة أن نقره على كل تفاصيل تحليلاته ولكن يجب أن نستخلص ما هو قيم حقا في فكر "بن نبي"، وهو طريقته في رؤية مشكلة الحضارة الإسلامية،وتحليلها،والجوانب التي يلفت انتباهنا إلى ضرورة التركيز عليها>> .
من هذا المنطلق القائم على علاقة الدين بالحضارة كون هذه الأخيرة تنبثق أساسا عن فكرة دينية، تعرضنا بالتحليل إلى مفهوم الإسلام وأبعاده عند" بن نبي" بعد أن ناقشنا موقع مفكرنا من الفكر الإسلامي المعاصر الذي تناول القضايا الكبرى للأمة بغض النظر عن فلسفة كل اتجاه،أو طريقة تحليله حتى ننصف- ولو من باب الأمانة العلمية-المفكرالجزائري" مالك بن نبي"، ثم تقصينا فلسفة الحضارة عنده كمفهوم،وكرؤيا،وكبناء شامل له شروطه، ومقوماته وعوامله التي يقوم عليها بعد الوقوف على أسباب الانحدار الذي تعيشه الأمة، وتحديد العلاج الناجح لذلك، وتوفير المناخ الملائم.
ولئن اقتصرنا في عملنا المتواضع هذا على فواصل معية فلأن محيط " الفكر البنابي " يحتاج في كل لحظة إلى قراءة متجددة، وعميقة، وليس في مقدور أي كان استكناه حقائقه، مما يجعلنا مدينين لهذا المفكر المتميز بالكثير.. وصدق من قال أن العظماء لا يموتون بل يولدون في كل يوم مرّة !

ـ" مالك بن نبي "..حياته وآثاره:
مالك بن نبي مفكر جزائري ولد بمدينة تبسة التابعة إداريا لمدينة العلم والعلماء قسنطينة آنداك سنة 1905م، ونشأ في أسرة فقيرة نسبيا من أم خياطة وأب موظف دخل الكتاب صغيرا شأنه شأن عمالقة الفكر، والأدب العربي خاصة أنّ هاته الفترة تميزت باحتكار المعمرين للمدارس النظامية ولم تكن السبل متاحة إلا للقليل.
استمر على هذه الحال أربع سنوات، إلى غاية انتسابه إلى إحدى المدارس الفرنسية، ورغم ذا فقد بقي محافظا على علاقته بأقرانه،وبمحيطه خاصة،الحلقات التي كانت محورها المساجد.
ولمّا أتم دراسته الإعدادية اتجه إلى تبسه سنة 1918م لينهي المرحلة الثانوية، ومن ثمة حصوله على منحة دراسية بقسنطينة حيث درس الفرنسية، والعربية معا إلى غاية سنة 1922م التي تميزت بربط علاقات متعددة مع تلامذة الشيخ عبد الحميد بن باديس - رحمه الله - انتقل إلى فرنسا بحثا عن العمل سنة 1925م،ولم يتسن له ذلك،فعاد ليحصل بعد ذلك على منصب كاتب محكمة "بآفلو"- ولاية الأغواط حاليا- ثم تم نقله إلى" شلغوم العيد "إلا أنه استقال بسبب حدوث خلاف بينه وبين كاتب محكمة الصلح الكورسيكي، وبحلول الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929م لم يجد بدا من السفر إلى باريس ثانية إكمال دراسته وسجل بمعهد الدراسات الشرقية،وتعرف هناك على تنظيم " الوحدة المسيحية للشبان الباريسيين" وفقا لتطلعات شباب تلك المرحلة،فأصبح عضوا فاعلا،إلاّ أنّه قرّر بعد ذلك ترك معهد الدراسات الشرقية لينتقل إلى مدرسة اللاّسلكي فرع هندسة الكهرباء فجمعته المقادير بزوجته الفرنسية الأصل والتي أصبح اسمها " خديجة" فكانت سندا له، وملاذا مهما في أهم مرحلة من حياته وذلك سنة1931 م تعرف إلى مجموعة من العلماء،والمفكرين
أهمهم المستشرق ماسينيون، والمهاتما غاندي إضافة إلى منحى الفكر لدى " شكيب أرسلان"عن طريق"فريد زين الدين"(1)،إلى أن عاد إلى الجزائر صيف سنة 1932م، ويمضي بقية حياته متنقلا بين فرنسا والجزائر رغم شوقه إلى الأسفار، والرحلات، إلا أنّ الرغبة في بعث العنصر الجزائري، وتوجيهه، وإخراجه من عزلته المفروضة عليه فرضا، جعلته يفكر في إنشاء معاهد، ومراكز إشعاع لم يكن من اليسير تحقيقها(2)، فانقطعت بذلك زياراته لفرنسا رغم وجود زوجته بها، وإنما ظل يراسلها من" القاهرة" بعد أن تكفل"جمال عبد الناصر"به، فانشغل بأمور الفكر والتنظير من سنة 1956م إلى غاية 1963م حيث عاد مديرا للتعليم العالي إلى غاية 1967 م.
وما يلاحظ على " مالك "أن ثقافته فرنسية، وأداءه اللغوي كذلك وهذا مرتبط بنمط تكوينه الذي تلقاه، ورغم ذلك فقد تعلم العربية بالقاهرة، وكتب بها، وألف بها الكثير من الأعمال فكان أحد مستشاري المؤتمر الإسلامي.
كان بسيطا، متواضعا، صادقا، هاجسه إعمال الفكر، وتبويب رؤاه الإصلاحية، والفلسفية، والحضارية إلى غاية وفاته بتاريخ: 31/10/1973م.
يقول د/أسعد السحمراني:<< كان مالك غزيرا في إنتاجه الفكري بعض مؤلفاته وضعت ككتب، وبعضها مجموعة محاضرات نسقت في كتب، معظم ما كتبه بالفرنسية ومن ثم كان يستعين ببعض طلابه،أو أصدقائه لتعريبها..>>(3) ليترك بذلك رصيدا فكريا هائلا تمثل في كتب:
o الصراع الفكري في البلاد المستعمرة.
o مشكلة الثقافة.
o ميلاد مجتمع.
o إنتاج المستشرقين.
o في مهب المعركة.
o بين الرشاد والتيه.
o شروط النهضة.
o مذكرات شاهد القرن.
o وجهة العالم الإسلامي.
o المسلم في عالم الاقتصاد.
o آفاق جزائرية.
o تأملات.
o دور المسلم ورسالته.
o الفكرة الإفريقية الأسيوية في ضوء مؤتمر باندونغ.
o الظاهرة القرآنية.
وممّا لا يعرفه الكثيرون أنّّ لمالك بن نبي محاولات في مجال الرواية، كما يذكره د/ أحمد منور في مقال له،صادر بجريدة الشروق اليومي العدد287،بتاريخ 14/10/2001، فقد أصدر ابن نبي رواية عن دار النهضة الجزائرية سنة 1948م، بعنوان: "لبيك"، بعد أن أصدر كتاب "الظاهرة القرآنية" سنة1947م، ومهما يكن من أمر فإن الأحداث التي تدور في الرواية التي أشرنا إليه نابعة من الواقع حسب ما يؤكد الدكتور "أحمد منور":
"تجري وقائع رواية لبيك في جزء هام منها في مدينة عنابة، أما الجزء الآخر فيجري على ظهر الباخرة المتوجهة بالحجاج إلى البقاع المقدسة، ويتحدث المؤلف عن مدينة عنابة حديث العارف بها وبعادات أهلها في الاحتفاء بموسم الحج، وباستقبال المدينة للحجيج باعتبارها منطقة عبور رئيسية لمعظم حجاج المناطق الشرقية للبلاد الذين يتوجهون منها بحرا نحو الحج"
كل هذا،إضافة إلى مجموعة من المحاضرات، والمخطوطات التي بقيت حبيسة الأدراج.


ـ الفكر البنابي وموقعه من الفكر الإسلامي:
كما سبقت الإشارة إليه،فإن مالكا يعتبر مفكرا إسلاميا وإصلاحيا ذا مرجعية عربية قويمة رغم أنّ جل كتاباته باللغة الفرنسية، ولئن كانت بوادر الانبثاق الفكري لدى مفكرنا بارزة للعيان،إلا أن هناك عوامل كان لها دور في الحد من هذا الانبثاق نتيجة لخلفيات،وأسيقة كرست مشرقية الفكر بدل مغربيته،أو بالأحرى عوربته لذلك نجد أن مقام مفكرنا مفترض أن يكون في واجهة الفكر العربي المعاصر.
تحديدا من هذا المنظور،وتقصيا للمعطيات التي أحاطت بفترة نبوغ هذا المفكر، فإننا نحاول تحديد موقعه في الفكر الإسلامي المعاصر الذي عرف مجموعة من التحولات، والانزياحات بفعل ظروف معينة .فما موقع مفكرنا في هذا المسار؟ !
يشير الباحث " محمد شاويش" إلى أنّ "مالك بن نبي" يشغل موقعا خاصا في الفكر الإسلامي نظرا لطبيعة تكوينه، و مرجعياته الفكرية،بل يقول أنه يشكل لوحده مدرسة خاصة من مدارس الاتجاه الفكري الإسلامي المعاصر خاصة وأنه يمثل اتجاها، عاش فترة استعمارية ليست ككل الفترات الاستعمارية التي عاشتها الأقاليم الأخرى،وما رافق ذلك من محاولات مسخ للهوية،وللذات معا،وفق خطط عملية مدروسة ذات غايات استعمارية قذرة ارتبطت بتهاوي الأمّة العربية ككيان بدأ يتآكل من الداخل شيئا فشيئا،فكان المصير الحتمي طبعا.
إلا أنّ محاولات المسخ هذه، لم تمنع مفكرا مثل مالك بن نبي من أن يكون حلقة أخرى من حلقات الإصلاح التي قادها في مصر " محمد عبده"، وفي الجزائر"عبد الحميد بن باديس"ومن ورائه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،وهو ما أهله لأن يكون مشاركا في التغيرات السياسية والايديولوجية في العالم الإسلامي،وفي المشرق العربي حسب" محمد شاويش "(04) إنّ الظروف الاستعمارية المحيطة بأهم مراحل حياته كانت ضرورة بوجه ما لتحريك الفعل الحضاري والفكري في مجتمع تسحقه الغطرسة،وويناله التنكيل، وتصهره مرحلة فمرحلة الدعوات التبشيرية،و
االتنصيرية، ولا يمكن بأي حال الفصل بين ما تعيشه الجزائر،والأقاليم العربية الأخرى،لأن هذا التداعي يصب كله في نطاق تراجع الدّور الحضاري للأمّة العربية أو الإسلامية في فكر مالك بن نبي فكان لابد من التعرف على أعراض هذا الداء الذي حاول المستشرقون أن يحددوه في صياغ واحد، وهو الإسلام الذي اعتبروه السبب الوحيد والمباشر في تخلف هذه الأمّة،وهو ما جعل مالكا يدخل في معارضات ومناظرات كثيرة لرّد هذا الزيغ فالمشكلة في رأيه ليست البحث عن طرق حصار العلل، وإنما في كيفية الانطلاقة، والإقلاع من جديد بدءً من القدرات الباقية أو الكامنة بمحاولة إحيائها، وتهيئتها لميلاد حضاري آخر على اعتبار أنّ التداعي الذي عرفه العالم العربي طبيعي إذا ما تدارسنا خلفيات ذلك من منظور ناضج.
إن هذا التفكير السليم لا يكون إلاّ لمفكر بحجم " مالك بن نبي" بل هي ميزة من ميزات مدرسته، يقول " محمد شاويش " : << إنّ ميزة مدرسة مالك بن نبي التي تهبها طابعها الخاص في مدارس الفكر الإسلامي المعاصر هي أنها تركز على مشكلة الحضارة الإسلامية، وليس على مشكلة السلطة السياسية>>(05)
فالسلطة السياسية هي من صلب الحضارة،أوهي وجهها القائم على تصوراتها، وتوجهاتها، وأنماطها الموضوعة لها بعيدا عن أي صراع خفي أو ظاهركما يعتقد الكثير من المفكرين،وذلك هو الفرق الكامن بين نظرة مالك لأبعاد الأشياء، ونظرة معاصريه من أقطاب المدارس الأخرى<< لكن الفرق بينه وبين المدارس الإسلامية التي ظهرت من الستينيات فصاعدا أنه لم يواجه مشكلة ابتعاد الدولة الحديثة عن الشريعة، بل استمر في المدة القليلة التي عاشها بعد الاستقلال في الاطمئنان إلى أنه لا خطر على الإسلام نفسه، وإنما الخطر هو في استمرار المسلمين في وضع الانحلال الحضاري>>
ومن هذا المقتطف يمكن أن نتبيَّن ذلك الرفض الخفي الذي كان تواجهه أفكار مالك من قبل المدارس الأخرى مثل مدرسة " محمد عبده " التي عرفت بأفكارها المتشددة، والرافضة لمثل هذه التصورات والتي كانت قطبا من أقطاب الوهابية ذات الاتجاه السلفي،فرغم أن مفكرنا في بداية حياته تأثر بهذا الاتجاه بالغ التأثر كما يعبر في"مذكرات شاهد القرن"إلا أن وجهته اختلفت مما كان- في رأينا- سببا مباشرا في عدم اكتساح أفكاره المشرق العربي نظرا للمرجعية الفكرية المتشددة لهذه المدرسة الإصلاحية،و
مثيلاتها، رغم ما لاقته أفكار مالك في أوربا وفرنسا تحديدا من وجاهة،وتقدير،فالاختلاف لم يكن أساسه المرجعية،بقدر ما كان في طريقة معالجة القضايا الكبرى، والراهنة لأن القدرات الفعلية تختلف، وتتنوع مما ساهم في بروز نمطية جديدة تعتبر مدرسة - كما أشرنا- <<إنّ طريقة " مالك بن نبي" في طرح مشكلة المسلمين كمشكلة حضارة ومجتمع، ودعوته المجتمع الإسلامي للنهوض بعمله الخاص الدؤوب، ودون انتظار نيل الحقوق من طرف خارجي هي طريقة قيمّة جدا نحتاج إليها هذه الأيام حين نرى أنّ من الإسلاميين من يمحور كل نشاطه حول هدف مطالبة السلطة بحقوق أو قوانين ويترك مهمة الإصلاح الاجتماعي مؤجلة بانتظار تطبيق الشريعة الإسلامية !
إنّ طريقة مالك بن نبي في التحليل الصّبور لمشاكل الحضارة يحتاج إليها جيل الشباب عندنا الذين يميلون في حماسهم إلى ترك التحليل العلمي المنهجي، وتفضيل رفع الشعارات عليه>>(06)
إنّ ما ذهبنا إليه في السابق، ويؤكده الأستاذ " محمد شاويش" في الإجابة على كثير من الأسئلة ظلت معلقة إلى حين حول المكانة التي من المفروض أن يحتلها تنظير هذا المفكر في طريقة تحليله وتفكيره، وبنائه، ومعالجته للقضايا بعلم ونجاعة؟ !ألأنه كان من شمال إفريقيا؟ أم لأنّ تكوينه بالفرنسية؟ !أم لأنّه كان مرتدا في نظر أولئك المصلحين ومدارسهم؟ !
أم أنّ المرحلة التي تعيشها الأمّة في تلك الفترة تقتضي تغليب العاطفة على الفكر، والحماسة على التبصر..؟ !
<< لعل لجوء بن نبي إلى التحليل الصّبور مما لا يجعله كاتبا مفضلا عند هؤلاء الشباب الذين يعجبهم الأسلوب الحماسي الذي يطرح أفكارا قليلة،وعواطف كثيرة، " مالك بن نبي" يطرح على العكس عواطف قليلة، وأفكارا كثيرة !
وهو بمنهجه هذا يعتقد أن مسألة نهضة الحضارة تخضع لسنن الله في الكون،وهي بالتالي تستوجب منا أن ندرس هذه السنن بإمعان لنستطيع التأثير، ونكون فاعلين في الحضارة.
العمل الصّبور المنهجي الدؤوب المتواضع الذي يقبل بإنجازات صغيرة هي لبنات بناء الحضارة المنشودة، ولا يتبع مبدأ " كل شيء،أو لا شيء"، وانطلاقا من هذا العمل، ومن قيام كل فرد في المجتمع بواجبه نحصل على حقوقنا الكبرى في العالم>>(07)
إنّ الاختلاف الواضح في الرُّؤى والأبعاد يفسر لنا حقيقة ما كان يجري من صراع تختلف مضامينه،وأدواته وفلسفاته أيضا، فتوليد الأفكار والحلول ليس كاتباع نمطيات سابقة، والاعتداد بها، وذاك هو الفرق الكامن، والداعي إلى بروز المدارس الشرقية في الفكر والإصلاح مع انكماش الدور الإصلاحي والفكري المغاربي بصفة عامة في وجه هذا التيار الشرقي الذي وإن كانت لنا مرجعياته، فإن الحلول ليست كذلك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي :: تعاليق

ocean
رد: فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي
مُساهمة الأحد نوفمبر 14 2010, 23:15 من طرف ocean
إنّ مالكا في منظور الفكر الإسلامي المعاصر بناء على معطيات غير دقيقة محكوم عليه من قبل كثير من المفكرين بأنه عالم اجتماعي ذي مرجعيات تختلف عن أولئك الذين يمثلون هذا الاتجاه في ظل غياب نظرة فاحصة لحقيقة الموروث والمكاسب التي أسّس على إثرها رؤاه، وفرضياته، وتخميناته.
وإن كان هذا الرأي فيه جانب مهم من الصواب إلا أنّ الخلفية التي بني علها لا تنطلق من أساسا لفكرة ذاتها كمضمون، وكأداء وكوسيلة،أو علاج، ولكنها نابعة من شعور سائد بالاحتوائية السلبية القائمة على تراكمات حضارية وفكرية معينة أثرت في تحديد جملة من المفاهيم،لكن هذا الحكم لا يلبث أن يتداعى حين يمخُر مفكرنا عباب القضايا الإسلامية ذات الرصيد الحضاري اللصيق بالتركيبة الاجتماعية للإنسان العربي حتى تنتفي من المتخيل الفكرة القابلة بانحصار الفكر"البنابي" ضمن الصياغ الاجتماعي، بل نعتبرها نقطة قوة تفصل بين زمنين، واتجاهين، ومعطيين، فمن الجانب الزمني، لو استطعنا أن نضع مسارا متواصلا بدء من تجليات العلامة " أبو حامد الغزالي".. وإلى اليوم نجد أن هذا المسار يكاد يكون ثابتا دون زوايا،أو انتماءات ولو من باب التشكل نتيجة لسيادة مصطلح " الفكر الإسلامي" كحدود مضبوطة محرَّمُ تجاوزها، بل يكفي أن تنتزع الصفة اللصيقة به" الإسلامي" حتى يتوارد إلى الخاطر ذلك الانسلاخ بين الصفة، والمضمون، وإن كان غير ما يثبته الواقع.
أما من ناحية الوجهتين فهما اللتان تمثلان انقسام الفكرة الإسلامي في حدِّ ذاته إلى أصولي، ومخالف له، ولا نقصد بالمخالف له هنا المنفتح أو ما هو سائد، بل إنّ الجوهر هو الاختلاف بغض النظر عن المرجعيات أو الفلسفات، والمنهجيات حيث استطاع " مالك بن نبي" الجمع بين مجموعة من الرّؤى، والدلالات،وحتى القضايا التي اعتبرت إلى حدّ بعيد حكرا على فئة دون الأخرى، لتتحدّد هنا دلائلية المعطيين اللذين ذكرناهما سابقا،فإما فكر إسلامي ذو خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وإما فكر مناقض حتى وإن كانت تبعاته وأصوله إسلامية مما أوقع الرّبكة في تحديد مفهوم هذا المصطلح الذي لم يتم الفصل في جدله الدائر إلى اليوم بدليل تولد مجموعة من الصفات التي وإن كانت تصب كلها في بوتقته إلى أنها تتفرق ضمن علاقة ضدية لا تعكس بحق سعة هذه المرجعيات المعتمدة مثل: " راديكالي - واقعي-أصولي - سياسي"وهنا أقف مؤيدا لما توصل إليه الأستاذ " محمد شاويش" حين يقول:<< في الحقيقة إنّ الذي يقرأ" بن نبي" وفي ذهنه منذ البداية طريقة الاتجاهات المعاصرة المسّماة الاتجاهات الإسلامية قد يميل، وهو يبحر في صفحات بعض مؤلفاته إلى عدِّه مجرد باحث اجتماعي،أو باحث في فلسفة التاريخ كان من الممكن أن لا يكون أصلا باحثا مسلما فكثير من نظرياته الاجتماعية،والتاريخية صالحة لأنْ تقال في ثقافة أخرى مهما كان انتماؤها الديني.
هذه نقطة افتراق كبرى عن الاتجاه الإسلامي السياسي السائد إذ أنّ هذا الاتجاه الأخير لا يهتم بالتحليل الاجتماعي، والتاريخي بحدِّ ذاته بل هو أساسا تشغل باله فكرة واحدة هي إقامة المشروع الإسلامي أو بالأحرى دولة على أساس الشريعة الإسلامية، وهو يرى أنَّ مشاكل المسلمين ناتجة عن غياب هذه الدولة، وأنه ما من حلٍّ مجدٍ قبل هذا القيام، وكل التحليلات السوسيولوجية والتاريخية إن وردت في كتابات هذا التيار، وورودها نادر فهي ترد لتأكيد هذه الفكرة الرئيسية>>(08)
فمن خلال ما أشار إليه باحثنا نجد أنّ هناك حكما سائدا ضمن التيار الفكري الإسلامي لا يمكن تنحيته،أو حتى التخفيف من وطأته إذ يلغي مشروعية الرأي الآخر بمجرد خروجه عن غطاء الشرعية الإسلامي، فلا فكر خارج هذه الحدود المرسومة وهو ما يعني مصادرة الفكرة المقابلة رغم أن فلسفة الدين الإسلامي تقتضي مقارعة الرأي بالرأي،وتقبل الحل الآخر ولو كان مناقضا بعيدا عن التزمت الفكري الذي ل يعطي بدائل دائمة ومستمرة وفاعلة بقدر ما يساهم في تجميد الفكر أصلا.
هنا مكمن الفرق بين الوجهة التي اتخذها" مالك بن نبي" كمفكر منفتح على الأفكار الأخرى،وبين الفئة الأخرى التي حددت أبعادها حتى قبل أن تجد البديل لكن هذا لا يعني البتة غياب المحاورات الجادّة،ومحاولات الخروج عن الأطر المرسومة سلفا، بل ظهرت إرادة في تجديد الرؤيا، وبعث المشهد من جديد كما عبر عن ذلك الاتجاه الواقعي في الفكر الإسلامي من خلال الحوار، والانفتاح، والرغبة في إيجاد فضاءات فكرية أملتهاالظروف،والمعطيات،وحتى النتائج التي توصل إليها هؤلاء نتيجة لمقدمات مقفلة ومضبوطة،إلا أنّ المعيار"البنابي"كان فعلا نقطة تحوّل- بعدما اعتبره الكثير ردّة- حرَّك من جديد دواليب اختراق الآخر،ومعرفة مرجعياته،وخلفياته وحتى محاولات التشيؤ فيه، ونمطياته مما أحدث ارتدادات حاولت وضع مفكرنا في إطار ضيق بالتركيز على تكوينه والظروف التي تعيشها أمته من استعمار، ومحاولات طمس لهويته إلا أنّ فلسفة الاتجاه لديه كانت أقوى،فاعمق الحضاري الذي عالج به تفاعلات الأحداث التي تمر بها الأمّة الإسلامية، وما تعانيه من مشكلات انطلاقا ممّا وضعه من تصورات منطقية عكفت على تتبع، وتقصي أسباب الدّاء كمرحلة أولى قبل إصدار الأحكام،أو تسفيهها على نحو ما فعل الكثيرون بحيث بسَّط المشكل إلى أدنى وحداته التفصيلية بدقة متناهية ساهمت في بلورة رؤيا حضارية فكرية يخامرهااليقين أكثر من الشك أو الاندفاع.
فإذا نظرنا إلى كتاباته في النهضة وشروطها نجد أنه يحيط بالأسباب والظروف" ال.. ماقبلية " للموضوع حتى لا تخرج عن نطاق الدّورة الحضارية وإن شئنا القانون الحضاري الذي بنا عليه فرضياته، ثم البت في أصل المشكل دون فصله عما سبقه وفقا لما اكتسبه من تنظيرات وخبرات ترتبط دائما بقانون طبيعي عام أساسه الضعف من بعد القوة، والقوة بعد الضعف حسب كرونولوجيا التطور البشري والاجتماعي.
إنّ ما أدى إلى تغييب دور " مالك بن نبي" كمفكر إسلامي بارز يختلف عن الموجة التي عرفها الفكر العربي الحديث، والمعاصر هي كونه لم يركز على ضرورة تطبيق المشروع الإسلامي وإلغاء الاجتهادات الأخرى،هذه النظرة التي لا تزال سائدة إلى اليوم خاصة المنظور السلفي ممّا أعطى صورة لدى هؤلاء عن إقصاء مفكرنا للدور الريادي الذي تؤديه الشريعة الإسلامية في أي مشروع بناء حضاري، فالدين نواة الحضارة، ومركب عناصرها ولاشيء غير ذلك فالفرق الكمين بين الاتجاهين أنّ هامش الفكر، والمنطق، والحكمة وجد له مساحة هامة في المسار التحليلي، وحتى العلمي " لمالك بن نبي" الذي يرى أن مجموعة النصوص الفقهية بحاجة إلى اجتهادات عملية، وعلمية فهي لا تكفي وحدها لبناء حضارة أو تجسيد حلم أمّة ما لم يكن هناك عامل آخر مؤثر وهو العلم،أو إحكام العقل بعيدا عن الجاهزية التي جمدت كثيرا من الأفكار المشرقة التي أصبح العنصر الإسلامي بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى.
إنّ المشكلات العامة التي يعيشها المجتمع الإسلامي بصفة عامة لا ينبغي حصرها في إطار النصّوص والتشريعات الموجهة للأمّة بل لآبدّ من العمل على تدعيمها بكل ما من شأنه تفعيل الحلول، وتقليل هامش الخطأ دون أن تتعارض مع تركيبتنا، وتكويننا، واعتقاداتنا وحتى عاداتنا.
فالشريعة في نظره قانون عام للمسلمين، ولكن حياتهم الاجتماعية تتقرر بسنن لا تتعارض معها،وإن كانت نصوص الشريعة لا تكفي وحدها لاستخلاصها.
وفي اعتقادي أنّ هذا الرأي هو بالذات رأي عالم شرعي متبحر رغم أن العناصر المتسرعة الجاهلة في مجتمعنا قد تسارع إلى التنديد بهذا الفهم الذي هو في الحقيقة للمتأمل بديهي فما الجدوى من الشريعة التي هي نواة كل بناء حضاري- كما أشرنا إليه - دون أن تكون مجسدة، ومؤثرة، وناجعة في آن واحد؟ !فهي ليست نصّوصا فقط، بل فكرة، وحياة، ومسار.
فالفكرة لا تكون فكرة ما لم يعبر عنها، ومادام الحال كذلك فهي المدّافع على تأسيسها وبلورتها كمجال معرفي يحدث التواصل الخلاق بين النّص الشرعي، والرغبة في استكناهه، والمتمعن في حيثياته وأبعاده ليس كسوط شاهر سطوته، وإنما كوسيلة للتوجيه العقلاني المتفرد،السمح الذي يهذب الأنا الكاسدة إذ تستحيل إلى الأنا- المنتجة-المفكرة- الفاعلة بعيدا عن القمع.
وهي حياة بما ترتبه من سلوكات وحتى أفكار تعطي الصورة الملائمة للفرد الواغل فيها قناعة، واجتهادا بما يفضيه الانطباع الشامل عن مدى نجاعة هذا الأسلوب النصّي الذي يفرض نفسه عن طريق المحاورة، والإقناع والمبادرة أحيانا ضمن الأسيقة الحياتية المختلفة.
من هنا يتحدَّد مسار كل مشروع طلائعي مبني على رؤى صحيحة، وواعدة دونما حاجة إلى استغراق الزمن في ترتيبات تساهم في تشييع الجهد، وتفتيته ووضع حدود له هي ابعد ما تكون عن حقيقة،وأسلوب الفرد المسلم المنشود.
<< والاختلاف الكبير لرؤية "بن نبي" عن رؤية الإيديولوجيا العربية المعاصرة كلها، وليس عن إيديولوجيا الحركة الإسلامية ما بعد "البنا" فحسب،ه وأنه لا يرى حل مشكلة المسلمين في استلام السلطة مهما تكن جيدة بل يراها أساس فعلا اجتماعيا، وتجدّدًا نفسيا روحيا لمجتمع متين، شبكة علاقاته الاجتماعية كثيفة يقوم فيه كل فرد بواجبه ويركز على واجباته أكثر مما يركز على حقوقه>>(09)
إنّ فلسفة الدولة- المشروع ليست في النصوص،أو الكم الهائل من القوانين، والمؤسسات، والهيئات - على اختلافها بقدر ما تكمن في الفرد ذاته الذي هو محور المشروع، فمهما بلغت تلك الجوانب فهي شكلية لا يمكن أن تؤدي دورها كاملا ما لم يكن الفرد ناضجا بالدرجة الأولى،وناجحا في المقام الثاني.
فالمشكلة ليست في إقامة الشريعة الإسلامية وتطبيقها أو عدم التقيد بها بل إن الإشكال أعمق من كل تصور، وهنا يكمن الفرق في التنظيرات، والسياسات، والرؤى السوسيولوجية المهتمة بالفكر الحضاري.
فالإطار الذي يجب الاهتمام به ليس هو النظام السياسي القائم وفلسفته،إنما هو العنصر-الجزء الذي يعتبر وسيلة التغيير والمبادرة، والانتعاش على اعتبار أن الهدف الإيجابي الذي يراد الوصول إليه محدد، فلا تهم الطريقة،ولا الشكل والنمط لأن الهدف مرسوم حسب خاصية كل مجتمع من المجتمعات فالشريعة والدين بصفة عامة عامل نهضة مؤثر لكن ليس هو النهضة المقصودة ذاتها، كما أنه ليس عاملا من عوامل الانحطاط الحضاري بل أنّ المسبب للانحطاط هو الابتعاد عن الدين،فالدور على الأفراد،وليس على الفلسفات،أو التوجهات المتبناة في أي تنظير حضاري.
<< إنّ هذا لا يجعل من " مالك بن نبي" شخصا لا يريد تطبيق الشريعة، لكن فهمه الأوسع أفقا لهذا التطبيق المستند بصورة أفضل إلى سنن الله في المجتمع،والحضارة.
فهو لم يؤسس حزبا سياسيا، ولا يطرح شعار إسقاط الأنظمة السياسية، ورؤيته لم تكن أيضا لتجعله يركز على مسألة الصراع على امتلاك القرار السياسي رغم أنه ما كان يهمل دور هذا القرار،غير أنه لم يكن يحسُّ بهذا الفصام المرير عن الأنظمة الحاكمة الذي يحسُّ به كثير من عرب اليوم…>>(10)
فمن خلال هذا الطرح يتبين أنّ مفكرنا لم يحمل الهم السياسي الذي حمله معاصروه في قالب ديني ثابت، فالمشكلة الوحيدة لديهم هي الأنظمة السياسية على أساس أنها محور الشر، بل هي الشر ذاته والبديل لها دائما هو الشريعة الإسلامية غير انه بديل- في نظرهم- قائم على التقويض الكلي للدولة ككل،والانطلاق من جديد في سباق زمني غير متكافئ عكس الفكر " البنابي" الذي حاول سد هذه الثغرة لأن الخطأ ليس في الدين بل الخطأ في التقويض، والهدم القائم على وازع عاطفي غير ممنهج،ولا يملك من الأسلوب العلمي المنطقي إلاّ النتيجة دون مقدمات،أو ترتيبات،أو فرضيات تذكر.
أجدني أمام هذه النظرة الشارحة،الفاصلة ممتنا لهذا المفكر الذي وضع الاجتهاد نصب عينيه بعيدا عن الخلفيات والأحكام المسبقة فماذا لو تمعن معاصروه في هذه النتيجة؟ !
إنّ الصراع مع الأنظمة السياسية هو رأس المشكلة عند هؤلاء فهو ثابت حضاري غير أن " مالكا" يبعد الصراع كلية من أي مشروع أساسه التغيير نحوالأفضل، وليس التغييرمن أجل التغيير،فالصراع قد يكون وسيلة، ولكنه لن يكون فلسفة، ونمطا حضاريا أبدًا.
ومن بين النقاط التي ساهمت في تجسيد فكر"ابن نبي" واعتباره منهجا غريبا عن الفكر الإسلامي أنه لم يشر في دراساته وأبحاثه إلى مفهوم الجهاد الذي ظل لصيقا بهذا التيار توجها، ومدلولا، ربما لأنه يعتبر في تصوره بعيدا عن أصل المشكلة الحضارية التي تتخبط فيها الأمّة،أو هو كما يشير" محمد شاويش" -<< لا يراه طريقا يحل بذاته المشكلة حيث تحولت فكرة الجهاد إلى فخ يقود الأمّة الإسلامية إلى حتفها>>(11)
ومما لا يخفى أنّ كل الاتجاهات الإسلامية المعاصرة في الفكر والدعوة تشهر الجهاد كسلاح ردع،وضرورة للتغيير حتى وإن كان الراهن يثبت أن لا قدرة لنا على ذلك، وغاب عن هؤلاء أنّ الحوار والمحاجّة،والمفاوضات هي أبرز سمات الدين الإسلامي الذي يقوم على مقارعة الفكرة بالفكرة قبل أن تتحول إلى السيف والقوة.
إنّ الجهاد في نظر مفكرنا يكون حلا أخيرا بعد استنفاذ كل السبل،والوسائل الأخرى لأن الجهاد الحقيقي الذي يفترض أن يتخذه، ويتفهمه الفرد في الأمّة هو مقاومة عوامل الانحطاط في النفس أولا ثم في المحيط الأسري الصغيرثانيا، ثم في المجتمع، ثم الأمّة فماذا يفيد الجهاد في مجتمع أفراده مبعثرون، ولا وجود حتى لتواصل أدنى بين فيئاته،فما بالك إذا تعلق الأمر بقضية كبرى كالجهاد؟ !
إنّ السبب المباشر – في رأينا- الذي جعل " ابن نبي" لا يسترسل كثيرا في هذا الموضوع هو غياب الشروط الفعلية له،أو لنقلْ انعدامها تماما، وبالتالي غياب الفكرة أصلا، مما حدا بعلماء و مفكري الأمّة إلى الريبة في أمر" مالك بن نبي" مع محاولة إيجاد تفاسير وتعليلات لتغاضيه عن كثير من المحاور التي لم يكن يرى من ورائها جدوى، فمعالجته للمضامين، والقضايا كانت بطريقة تختلف تماما عن هؤلاء،هي أكثر عمقا وتمحيصا،وأشد تقصيا،وأبعد نظرا وأعلم منهجا، والدليل بقاء هذا الكم الهائل من الأفكار والرؤى تصارع التقلبات التي عرفتها الأمّة الإسلامية دون أن تحيد عما رسم لها،أو يتلاشى أداؤها .فكل الاتجاهات الفكرية الإسلامية من السلفي إلى الواقعي إلى السياسي أوجدت بدائل، ومبررات لكنها لم تصل درجة الإقناع،أو حتى الثبات ممّا أوقعها في تناقضات كان الضحية فيها المجتمع الإسلامي المشتت فكرا لا عقيدة،لا هوية،لا انتماء،ويكفي أن نضرب مثلا عن التيارات السلفية المختلفة،والأشد تعارضا فيما بينها في الفكر الإخواني في مصر، والجزائر..
من هنا نجد أنّ القراءة المتأنية، والفاحصة لمعطيات الراهن دون فصله عن ماضيه أو آتيه باعتباره يشكل حلقة ذات صيرورة طبيعية مكنت للفكر" البنابي"، وشدت من إزره وفق التصورات العلمية الممنهجة التي بؤأته الزيادة- وإن أنكر الكثير من المدّعين على " ابن نبي" ذلك- فهو لم يتشيع إلى أي من الأقطاب التي ذكرناها، وإنما تشيع إلى الرأي الع لمي الفاحص،الرافض للمقدمات الجاهزة، أو القابلة للانكماش.
وأمام هذا الهرم الدافق الذي يتأكد لنا يوما بعد يوم سبقه،وأحقيته في ريادة الفكر العربي على امتداد مناحيه، وتجاربه إنتاجا، وعقلانية وموضوعا كرّست الخاصية " البنابية" فهي نظرية مستقلة بذاتها ،متفردة بأسلوبها، وفرضياتها فما هي الأسباب يا ترى التي جعلت كل ما قدّمه" ابن نبي" لا يحظى بما حظي به بعض معاصريه،وإن كانوا أقل شانا وتجربة منه؟ !
لقد ناقش كثير من المختصين هذه النقطة،وأسهبوا فيها محاولة منهم إيجاد قناعات حقيقية تقلص من وطأة هذا الإنكار لجهود عالم ومفكر متميز،إلا أننا مع كل هذا تؤكد أن " العقدة الشرقية" رمت بظلالها، وأحكامها على كل ما هو خارج عن الدائرة الشرقية، فلا مكان لصوت مغاربي أو جنوبي مهما بلغ،ولم يقتصر هذا على الفكر فحسب بل تعداه إلى الأدب، ومختلف علوم الاجتماع وحتى على صعيد السياسة فالهيمنة الشرقية ذات ترسبات لا شعورية أفضت إلى نتائج حجبت عنها الوجه الآخر للحكمة، لتحسس الغير الذي ينبض ملء فيه، ويحاول فرض أسلوبه، وطريقته لتجاوز الهيمنة المحكوم عليها بالتلاشي، والاندثار، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخرج عن الإطار الطبيعي.
لقد فهم هؤلاء أنّ صوتا جزائريا محدود الخاصية، والمرجع يعاني محقا استعماريا مبنيا على تبعية الأخذ، والتحصيل،لا تستطيع إنتاج مشروع حضاري راق، ولا حتى تبني فكرة من الأفكار، فما بالك بقضايا الأمّة الكبرى التي يرون أنها حكرا على تلك الجهة التي رسمت لمسارها هالة بدأت تداعيات تقوُّضها تمارس حقها اليوم بتمركز ثقل المشهد الثقافي العربي في لعبة توازنات بعد أن أثبت الواقع أن لا عقدة سواء غربية أو شرقية على محك المنهج العلمي السليم لقد تساءل الأستاذ " محمد شاويش" عن السر في قلة تأثير فكر" مالك بن نبي" رغم إشراقاته، وأرجع ذلك إلى عدة أسباب إضافة إلى السبب السابق الذي ذكرناه، حيث أرجع بعضا منها إلى صعوبة أسلوبه، ووعورة لغته، ولجوئه إلى التحليلات النظرية الدقيقة- وهو أمر ميّز مسار وتجربة مفكرنا- ممّا دفع إلى عدم الاهتمام به،خاصة أنّ صفة الجاهزية، والبساطة وتغليب العاطفة هي الأرضية التي يستثمر فيها الكثير من المفكرين العرب، وليس العكس.
إلاّ أنّ أهم ما أشار إليه الأستاذ "محمد شاويش" هو أن "ابن نبي" جاء في غير وقته،أو ولد لزمان غير زمانه، فترة ميزها النضال والحركات التحررية، والصراع الإيديولوجي مع موجة من الأقنعة.
والحال- في نظرنا-أنّ الظروف والزمن الذي وجد فيه "ابن نبي" ميزها الشعور الداخلي بالانتكاسة،والجمود بعد مرحلة سبات حادة قوقعت الأمّة من الداخل، وهمشت دورها من الخارج، ولم تكن الظروف تسمح ببروز الفكرة كمصطلح جديد،بل أن أساس العمل هو الإحياء الماضوي وهو ما عمل عليه مختلف العلماء، والإصلاحيون الذين لشدة ما ألمَّ بالأمّة لم يكن لديهم الاستعداد الكافي للبحث الناجع،والاستقراء العلمي والموضوعي للظاهرة التي تتخبط فيها الأمّة، فالمشكلة لم تكن حضارية أبدًا في تصورهم، وإنما هي عقائدية- مسجدية ترتبط بتركيبة الإنسان الموجود في تلك اللحظة وكل عمل خارج هذا الإطار يعتبر لاغيا، وهو ما أسس عليه معاصروه رؤاهم وإصلاحاتهم.
أما "ابن نبي" فكان بعيدًا عن هذا الطرح لأنه رأى ما حدث إنتاجا طبيعيا لمجموعة من المعطيات، والأحداث وحتى الترتيبات، فلم يصدمه الراهن بقدر ما مكن وسائل البحث، والتقصي لديه، فأعطى الظاهرة نصيبها من العناية والاهتمام.
إن قراءة جديدة اليوم لفكر" مالك بن نبي"ومحاولة تحديد موقعه في الفكر الإسلامي تجعلنا نضع الرجل في مكانه الطبيعي، في واجهة معيارية تتوقف عندها كل محاولات الإلغاء،أو الإنكار لأن المعطيات أثبتت أن تشعب الفكر الإسلامي، واختلافه، واهتمامه بالقضايا الهامشيه للأمّة، لم يزدها إلا ضلالا.
لقد وضع " بن نبي" إصبعه على الجرح بعيدا عن الانفعال الزائد والأحكام السلبية المتسرعة، والحلول السهلة دونما محاولة ربط للأحداث ببعضها، فهي لا تنفصل - في نظره- ولها قانونها كما للطبيعة قانون أيضا.
من هنا بقي المشروع المنشود للأمّة يصارع نفسه في زوايا منعدمة النور، وكل زاوية يفصلها عن الزاوية الأخرى حقب دامسة، فلا يمكن لها أن تتشكل و ما لم تجد قوانين اكتمالها، وهي الفكرة التي بقي" مالك بن نبي" يناضل من أجلها،ويعمل على تكريسها.
<< إذن هذا الواقع يفرض العودة إلى السؤال الحضاري سؤال الفاعلية، سؤال النهضة،وهذا هو سؤال بن نبي الذي لم يستمع إليه معاصروه جيدا لذلك فالزمان الآن زمانه>>(12)

- الإسلام والبعد الحضاري في فكر" مالك بن نبي":
تجدر الإشارة إلى أنّ "ابن نبي" يرى النواة الأولى لإحداث وثبة الانطلاق الحضاري تكون أساسا فكرة ذات طابع ديني ممّا يعني أنّ العلاقة قائمة ومتينة بين كل مشروع حضاري مبني على فلسفة بناء ناجحة.
لذلك فالفكرة الدينية هي مرحلة لتجاوز العتبة وتحريك المفاعل، ووضعه في مساره الصحيح بحيث يصبح الفرد- المشروع على الاستعداد للبناء بعد أن أوجد ديناميكية التفاعل الاجتماعي بينه وبين الطرف الآخر، وهكذا.
وكثيرا ما استشهد مفكرنا بالحضارة الإسلامية التي كان نواتها ظهور الدعوة المحمدية التي فكت القيود الفكرية والعقبات التي تجهض المبادرة، والاقتدار، بل وتكبل حتى الرغبة في التجاوز، وتغيير الأنا- فما بالنا إذا كان المشروع مشروع حضارة؟.
إذن، فالدين عامل مهم وفاعل في بعث أي أسلوب أو نمط بناءٍ هدفه الانتشار، والاكتساح، والفاعلية المجاوزة لراهن الأشياء باعتباره مكونا له وظيفة تحرير الفرد الذي لا يزال بحاجة إلى إشباع ذاته،والفرد الذي لا يزال يحاول التخلص من هذه التبعية،لأن الإقلاع لا يكون إلا سدّ هذين المنفذين اللذين يميزان التركيبة البيولوجية للإنسان الذي يبقى دائما بحاجة إلى التبشير بضرورة إقلاعه.
إنّ ما أراد أن يصل إليه " ابن نبي"،هو ضرورة الانطلاق في أي بناء حضاري من أرضية صلبة أساسها الفرد الذي تم كبح شهواته بصفة طبيعية، روحية متيقنة تجعله محصنا في وجه كل الاستفزازات، أو العواقب، أو ردود الأفعال بما يضمن صيرورة العمل المنجز، وتواصله،وتأثيره فيما حوله فكيف ينظر" ابن نبي" للإسلام وما مفهومه، وأبعاده؟ !
في البداية نشير إلى أنّ فهم "مالك بن نبي" للإسلام يختلف عن شلة كبيرة من العلماء المسلمين الذي ينحصر في حدود العلائقية الصرفة بين المرء، وخالقه في صياغ الأوامر، والنواهي والنصوص غير القابلة للتأويل أو الاجتهاد، فهو يراه وسيلة لإقامة التوازن بين جانبين مهمين، ومكملين لبعضهما البعض هما الروح و المادة، فمتى كانت العلاقة القائمة إيجابية، كان نتاجها نظام اجتماعي متناسق، ومتكاثف، وإن حدث العكس كانت المشكلة الحقيقية التي ولدها الانفصام الحادث بين المنحيين.
فالإسلام مسلك حياتي قائم على أساس تحقيق التوازن في شخصية العنصر المسلم الذي هو مفتاح الحضارة خارج الأطر الفلسفية المجردة،أو التنظير الغارق في التصوف، والانعزال، فهو مشروع حياة ناجع قبل أن يكون صفة اعتقادية روحية تعِدُ لليوم آخر وتسفه الراهن، وإلاَّ فما فائدة الحياة؟ !
إنّ الفهم الخاطئ لسماحة الإسلام، وعمق دلالته شوه كثيرا تلك الصورة الناصعة التي ارتسمت في المتخيل الحضاري للبشرية، حيث اتجهت الجهود إلى مناقشة وإثراء القضايا الهامشية بما تثيره من جدل، وخلافات ظنا منها أنها في قلب المعركة، حتى صورت الإسلام دينا قاصرًا عن تحقيق أحلام، وطموحات البشرية التي تتوق لكيان ديني يخلصها من مشاكلها الكبرى،ويضعها على الجادّة.
" فالقصور في الحقيقة ليس في الإسلام، وفيه ثوابت التشريع لكل زمان ومكان، وإنما في سوء التفسير، أو عدم إعطاء الاهتمام للتطوير"(13)
إنّ الإسلام قوة تماسك ووحدة في نظر " ابن نبي"وهو الدين الوحيد الذي يملك القدرة على تفعيل هذه الخاصية الروحية وتمتينها، وتجسيدها، فقد نجح في الجمع بين الأعداء، والسادة والعبيد في زمن لم يكن يخطر على بال تحقيق هذا الحلم، لينطلق بعد ذلك هذا الزخم المتداخل في بناء حضارة لم يعرف لها العالم حدودًا.
<< قوة التماسك الضرورية في المجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام،ولكن أيَّ إسلام؟..الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا، والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي، وقوة التماسك هذه جديرة بأن تؤلف لنا حضارتنا المنشودة، وفي يدها- ضمانا لذلك - تجربة عمرها ألف عام، وحضارة ولدت على أرض قاحلة وسط البدو ورجال الفطرة، والصحراء>> (14)
فالسر الكامن وراء هذا التجسيد الفعلي للمسار الحضاري الصحيح كان في الحركة الإيجابية التفاعلية التي أوجدها الإسلام في مجموعة من الأفراد تختلف تركيبتهم البشرية من فرد إلى آخر، ولكنهم على اتفاق في ضرورة إنتاج مسار عملي منشود محدد،وصارم وفق فلسفة التكافل الاجتماعي والرغبة في بلوغ المرام مادام الجميع متساويين في المشهد المبدئي الأساسي، فالكل يعمل، والكل ينتج، والكل يساهم لأن المعركة مشتركة.
إنّ الإسلام بفلسفته المبنية على أساس التوفيق بين الحرية السياسية للفرد،والحرية الاجتماعية في نطاق الكل والشمول أعطى درسا لدعاة الديموقراطية حسب" ابن نبي"وكرس مبادئها في أسمى صورها،ووافق الرغبة والميول البشرية في مجال العمل،والمنافسة والإنتاج، ولم يقيِّد هذه الحاجة مطلقا، والمتتبع لمختلف التجارب الغربية في هذا المجال يدرك مدى ما ينطوي عليه التنظير الإسلامي من زوايا ضيئة كفيلة بالقضاء على مخلفات، وتداعيات الأنظمة، والتطبيقات السياسية التي وإن نجحت في مجال ما، فإنها ستخسر في مجال آخر كما نرى اليوم: << إنّ البلاد التي يحدث فيها هذا الاختلاف بين القيم السياسية والقيم الاجتماعية، تعاني صراع الطبقات الذي ربما ينتهي إلى تأسيس نوع من الديموقراطية يعطي المواطن الضمانات الاجتماعيةاللازمة، ولكن على حساب حرياته السياسية، ولكن الإسلام تلافى هذا المعوِّق لأنه أتى لمشكلات الحياة المادية المتصلة بالنظام الاقتصادي، بالحلول المناسبة دون أن يمس الفرد في حرياته الذاتية،وعليه فالإسلام يبدو وكأنه جمع موفق بين مزايا الديموقراطية السياسية والديموقراطية الاجتماعية، فالتشريع الإسلامي يتمم فعلا السمات السياسية.. بسمات ديموقراطية أخرى متصلة بالجانب الاقتصادي أيضا..>>(15)
لقد ركز الإسلام على نقطة التوازن التي أهملتها مختلف الأنظمة الهادفة إلى الخلق الحضاري والخروج للبشرية بمشروع متكامل يبدو من المستحيل تجسيده نظرا لما ذكرناه سابقا، ونتيجة لعدم شمولية طرحها،فهي إن قدمت بدائل اقتصادية معينة فإنها تهمل جوانب اجتماعية في الطرف الآخر للمشروع مما يؤدي إلى بروز خلل أشبه بالخلل التقني الذي يعطل الإقلاع،أو يؤدي إلى نسف كلي لما تم بناؤه في حالة الإقلاع، والنتيجة واحدة في النهاية.
<< يصح القول بأن الحكم الإسلامي د يموقراطي في مصدره وعمله.. والإسلام يتضمن كل السمات التي تطبع الديموقراطية السياسية التي تمنح الفرد مسؤولية في تأسيس الحكم، والضمانات اللازمة التي تحميه من جور هذا الحكم>>(16) فلا وجود إذن، ولا نجاح لمشاريع على حساب الفرد ذاته بإلغاء دوره أو محاولة حصره،أو تشويش فعاليته الكامنة بالحد من حريته، وبالتالي من قدرته على الإبداع والمبادرة، فلكي نجسد ذواتنا الحضارية على أسس قوية لابد أن نعمل على تجسيد دور الإنسان المجاوز المبدع المبادر، القادر على التواصل والانسجام مع باقي أفراد المجتمع في علاقة تكاملية قائمة على النجاعة، والفاعلية.
لقد أثبتت الرسالة المحمدية أنّ مشروعها هو الإنسان المسلم الحر بعيدًا عن عقدة النقص أو التمييز التي طبعت مختلف الأجناس الأخرى، حيث غرست في شعوره المبادرة وروح الإبداع انطلاقا من تساوي الأفراد أمام الله، وعدم التفرقة بينهم إلا بمقدار تقوى كل فرد،وكان الهدف الأساسي إثرها توليد عنصر التكافل، والتفاعل ثم النهوض.
إنّ الإسلام بنى فلسفته على دحض تهميش الفرد،وإفراغه من دوره كطرف أساسي له حقوقه، وكرامته، وخاصيته التي ميزته تميزا عادلا وفي قوله تعالىSmile ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ( مايحض الفرضيات الاستشراقية المتعصبة لحنقها الشديد على الدين الإسلامي الذي يطرح بدائل قائمة وعملية لإنقاذ العالم من العبودية والانكسار.
ocean
رد: فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي
مُساهمة الأحد نوفمبر 14 2010, 23:16 من طرف ocean
فالإنسان المسلم عملي بطبعه، فعّال بعقيدته، مقدام بتركيبته ينبري لتحقيق ما رسم من أهداف مشروعة مع الإدراك التام لإنسانيته كإنسان يمثل محور الوجود في رحاب دين ذي رسالة عالمية لا تعرف الحدود فهو لا متناه، مشرئب دائما إلى تخليص الإنسانية من براثن فلسفات أثبت التاريخ ضحالتها، ومحدوديتها << فالإسلام في مركز العالم الحديث حيث محت الحضارة التكوينات، والأوضاع الأخلاقية التقليدية حيث فرضت تكويناتها، وأوضاعها الصناعية فخلقت بذلك فراغا روحيا هائلا بدأ الناس يستشعرونه في العالم المتحضر،فهو بسبب روابطه العديدة بالنسيج الإنساني الراهن… هذا الإسلام هو الجسر الذي يصل ما بين الأجناس، والثقافات فهو عامل بلورة وعنصر جوهري إذا ما أردنا اليوم تكوين مركب حضارة أسيوية، وغدًا تكوين حضارة عالمية>>(17) ولن يتأتى ذلك إلا بالاستثمار الدائم للطاقات التي تولدها الإرادة الدائبة، والرغبة في المزيد، كون أنّ الوثبة العملية الدافعة إلى سلوك الإنسان هذا المنحى المثابر،قد حققها الدين، وعمل على إيداعها الإنسان كمفتاح ضروري، ودائم لكل حالة ركود،أو إحباط قد تصيب الأنا المنتج.
إلاّ أنّ استغلال هذه القدرات لا ينبغي أن يكون بمنأى عن المسار الجماعي العام حتى لا تتسم المبادرة بالفردانية المخلة، فلابد من توجيه هذه الطاقات ورسم وجهات لها بما لا يتعارض والخطوط الكبرى للعملية.
<< في المجتمع العربي، وفي العالم الإسلامي طاقات، وخامات بشرية ومادية،تؤهلها للعب الدور العالمي المطلوب،ولكن باستثمار هذه الطاقات وفق المثل العليا، والقيم الإسلامية وبشكل مقنن منظم يحولها إلى طاقات فاعلة،ويزيل عنها صفة العطالة،والكسل،وبتأثير من الفكرة، ولإطار الروحي تصبح هذه القدرات قوى اجتماعية فاعلة يؤدي فيها الإنسان دوره بالشكل الذي يليق به،وبهذا الأسلوب يعالج مرض الفصام،أو ازدواج الشخصية الذي يعانيه الكثيرون بين شخصيتهم>>(18)
إنّ هذه النقطة بقدر أهميتها، لم يتناولها إلا القلة من مفكرينا فالانفصام الحادث بين طرفي الإنسان كتجربة، وكفكرة كان سببا في تقويض، وإجهاض كم هائل من المبادرات، وأحيانا صرفها عمّا أريد لها نتيجة للتردد غير المبرر،أو الإقدام غير المدروس، أو الموجه.
فعندما نتساءل عن الصيغة التي استطاع بها نبي هذه الأمّة وفي ظرف وجيز تشكيل ملامح دولة قوية، قائمة على قاعدة صلبة، نجد أنّ المشكل النفسي للأفراد الذي يولد التردد، أو لنقل السبب المباشر قد أمكن تجاوزه ليصبح سلاحا فعالا في معركة إثبات الوجود بعد أن كان سببا في الخمول، والركود الذي أدى إلى نتائج أبرزها الواقع، وحللتها التجارب، وكيفها التاريخ.
أما الجانب الآخر المشرق من فلسفة المسيرة المحمدية فكان ذلك القائم على تنسيق الجهود والعلاقات بين كل أطراف المشروع انطلاقا من أنّ الهدف هو الجميع،ولا حاجة للفرد ما لم يكن للطرف الآخر حاجته، وبذلك يكتمل الإعداد في علاقة توافقية تقصي من أبجديتها كل ما من شأنه تحويل هذه العلا قة إلى منحى ضدي لا يكرس الرهانات الكبرى ولا يقيم اهتماما لها.
<< فالمشكلة التي نواجهها إذن ذات جانبين: جانب اجتماعي وجانب نفسي،وقد أرتنا أوجه التعارض السالفة أنه لكي نعالجها من كلا جانبيها، يجب أن تكون لدينا فكرة عليا تصل ما بين الروحي والاجتماعي،وتجري من جديد تركيب الشخص السليم المسلم بحيث يتماثل مع ذاته، في المسجد وفي الشارع>>(19)
إنّ فلسفة التوحيد القائمة على جدلية الوجود، والتمكين للإنسان في هذه الأرض بعد أن يعبد الله، ويؤمن بوحدانيته،هي التي كونت في المتخيل الشعوري للفرد ضرورة تحقيق ذلك التناسق بين جانبين مهمين في حياته الدينية، والعملية يقتضيان التوجيه، والإحياء الدائم الذي لن يقوم به إلا الدين البارز كبطارية شحن للطاقات، وشحذ للهمم، وتكسير للخمول، والسلبية الناجمين عن نكران هذا الدين أو عن سوء فهمه مثلما فعل العديد من المتصوفة الذين حصروه في نطاق العزلة، والخلوة على نحو ما كان يفعله الرهبان ظنا منهم أنّ لا حاجة للدين بالدنيا، وأنّ المشروع كله في هذا الوجود هو الهرب من واقع مشؤوم نحو رحاب آخر يرونه واسعا، وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن هذا.
إنّ " مالك بن نبي" نظر إلى فلسفة التصوف والعزلة نظرة فيها كثير من المنطق، والعقلانية،ورافع من أجل فكرته القائلة بضرورة إخراج الدين من بؤر الدجل التي تشبه إلى حد بعيد ما حدث في العصور الكنيسية المظلمة التي جمدت كل رغبة،أو مبادرة لتغيير الواقع،أو تفعيله نظير رؤيا قاصرة قوامها إشاعة السلبية والكمون من منطلق فاسد،فما الفائدة من الحياة إذن إذا كانت كلها تنحصر في معبد، أو كهف؟ ! والعيش عالة على الغير رغم أنّ الدين بعيد عن هذه الشبهة تماما؟ !
<< إنّ الدين مركب القيم الاجتماعية، وهو يقوم بهذا الدور في حالته الناشئة حالة انتشاره، وحركته عندما يعبر عن فكرة جماعة أما حين يصبح الإيمان إيمانا جذريا دون إشعاع،أعني نزعة فردية فإنّ رسالته التاريخية تنتهي على الأرض إذ يصبح عاجزًا عن دفع الحضارة وتحريكها،إنه يصبح إيمان رهبان، يقطعون صلاتهم بالحياة ويتخلون عن واجباتهم، ومسؤولياتهم>>(20)
فالمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه العقيدة يكمن في الإصرار على التغيير، والمبادرة، والضرب في الأرض باستغلال القدرات العقلية، والذاتية، التي أساسها الإنسان بما مكنه الله له على هذه الأرض، فلو نكصنا على أعقابنا،وانسحبنا من الواقع الحياتي بحثا عن الآخرة، تجردنا من مسؤولياتنا وكان علينا تحمل تبعات ذلك.
<< فالمسلم دوره في الدعوة والتبليغ، ودوره في نشر الحضارة والمثل، وكلما ازدادت أساليب الحصار من قوى المادة، والقوة، وضاق الخناق، يجب أن يخرج من أعماق ذلك عزم قوي على العطاء من أجل توسيع دائرة الانتصار، وهذا الفعل هو صنيع الشخص المتزن المتوازن الذي يحسن تحويل المثل، والقيم إلى سلوك معيش يطبقه على نفسه، ويكون القدوة، والطليعة التي تتقدم الصفوف حتى يسهم في صنع رصيد التاريخ>>(21)
بمعنى آخر،أنّ الإنسان المسلم هو ذلك المبشر بالحضارة المنشودة والداعي إليها عكس ما يعتقد الصوفية الذين حصروه في ملاءة العبادة،والجمود دون التفكير حتى في أدنى متطلباته الذاتية كالسعي لكسب القوت، فهو عالة على غيره من هذا المنظور، والإسلام لم يأت بهذا مطلقا بل جاء داعيا إلى السعي، والعمل لتحسين أوضاع هذا الفرد فمنهجه قوة الفكر والذكاء، ووضع فيه مكامن التغيير لينطلق في إثبات ذاته،وقدراته وتفوقه بإرادة منه بعد تجاوز الحاجز النفسي الذي كثيرًا ما قيده، وجعله رهين خرافات، وتصورات لفترة غير قصيرة، فجاء الإسلام مبشرا به ومنقذا له من براثن التعصب، والجهل، والقابلية للاستعمار.
<< فالمسلم ممثل لدور فريد لأنه يحمل شريعة فريدة بكل ما فيها تدفعه ليكون واعيا للخير، عاملا من أجل الإنسان، فمسرح التاريخ متروك لدوره الرائد وإذا لم يقم بهذا الدور المعتدل الذي يحمل العدل سيترك فراغا تنفذ إليه شرائع التطرف نحو المادية الصرفة أو نحو المثالية البحتة، وهنا تكون مصيبة البشرية، فعلى المسلم دور الدعوة، ومن ثم دور الشهادة على الآخرين بعد إبلاغهم، فكون الإنسان المسلم ممثلا وشاهدا ليس أمرًا حاصلا باختياره، وإنما هو تكليف إلهي، وتشريف بإعطائه الدور الظاهر على كل الأدوار>>(22)
لأنّ الفلسفة التي يقوم عليها الدين الإسلامي ذات أبعاد حضارية قبل كل شيء، فهي تؤسس لهذا الفعل داخل الإنسان ذاته، وتفعله بما يزكي رغبته في الانبعاث، والتألق بدافع تركيبته القائمة على حب التفوق، والانتصار التي تميز الإنسان بصفة شاملة.
لقد أيقظ الدين الإسلامي في الإنسان كوامن الأشياء، وحركها وأوجد لها مناخا مناسبا "لانفجارها" ورسم لها فضاءاتها المأثورة حتى لا تحيد عن المسار الصحيح، وتخرج عما هيئت له، فأسست نواة حضارة في ظرف زمني قصير لا يتجاوز العشريتين وتوسعت شرقا، ومغربا، شمالا، وجنوبا لتحتل بذلك عالمية الدور وتقوض أركان الحضارات الزائفة، الحضارات القائمة على فلسفة القوة، والقهر والمغيبة لدور الإنسان الفاعل المنتج.
لكن كل هذا عرف تراجعا بفعل الردّة التي عرفه الفكر الإسلامي نتيجة لأسباب معينة،أهمها القصور في فهم العلم القرآني الذي شجع على شيوع الدجل، والركود المفضي إلى التداعي الحر بحيث بدأت تتكرس ملامح جاهلية أخرى، ونمطيات فكرية، وعقلية رجعية معدومة الإبداع، والاجتهاد قائمة على بدع ما أنزل الله بها من سلطان.
إنّ " مالكا" كان منهمكا أشد الاهتمام بهذه النقطة، وركز على توضيحها لأنها السبب المباشر في الهزة العنيفة التي عرفها الإسلام والأمّة الإسلامية بما أحدثته من ثغرات،وفجوات أسهمت في تفتيت الخيارات الإسلامية وبالتالي الفرد المسلم الذي خالجه الانفصام الحادث في معتقداته، ودواخله بفعل موجة التشكيك في روافدها، وتبعاتها مما ولد فضاء يسوده التململ الذي يسبق التداعي، والاندثار وهو ما حدث فعلا، بعد أن تفه الاجتهاد، وحصر العلم كله في ملا سنات الحيض، والنفاس، ومسح الجوربين من تركه حيث ألفت في هذا الإطار الرسائل، والكتب الضخمة ظنا من هؤلاء أنّ المعركة الأصلية تبدأ من حيث بدأوا، فتاهَ علماء الأمة،وحادوا عما وجدوا له.
<< إنّ التخلف بين الضمير، والعلم هو السبب المباشر في الانفصال الحادث في العالم الإسلامي"بصفين"، فالقرآن من حيث كونه نظاما فلسفيا كان علما يتجاوز في مداه آفات لضمير الجاهلي بطريقة فريدة، فنتج عن ذلك انفصال بين أولئك الذين استعبدتهم حمية الجاهلية وأفكارها الاجتماعية، وشرائط الحياة التي جاء بها القرآن ليمحوها محوًا من طبائع النّاس>>(23)
فالهوة هنا بادية،وهي التي أفضت تداعياتها إلى ما عرفته"صفين " والناجمة عن سوء فهم لما جاء به القرآن كدستور للمسلمين،فأصبح بمثابة عامل انقسام بينهم، كل هذا ناتج عن صدمة أحدثت تحولا في تركيبة الإنسان المسلم،أو لنقل خللا كانت نتائجه متوقعة، ومنطقية لمقدمات فرضت نفسها على محيط هش.
<< إنّ النهضة تكون فيما يبذله العالم الإسلامي من جهد في الميدان النفسي،هي حركة ضمير ليتدارك تخلفه عن الفكر القرآني
وعن ركب الفكر العلمي الحديث>>(24)
فالأساس العلمي لفكر الإنسان المسلم المبشر بالنهضة ينبغي أن يبنى على حقائق دافعة تضع القرآن كدستور إسلامي واف، وتشجع على تطوير المناهج العلمية لفهمه، ومحاولات تدارسه، فالمشكلة حسب "ابن نبي" أننا لم نستحدث مناهج علمية كفيلة بالكشف عن مكونات القرآن الكريم، ولم نجتهد حتى في محاولة فهمه،واستيعاب تجلياته، وأحكامه، ورؤاه ذات البعد الحضاري الأعمق.
فإذا ما أردنا أن نستفيد استفادة علمية من هذا الكاتب الجامع، كان علينا إحياء حركة دراساته، وأبحاثه في ميدان علوم القرآن والتفسير،وحتى فيما يتعلق بالأحكام فكل ما قدم إلى حد الآن يحتاج إلى تجديد، وإلى ضخ نفس آخر لإحداث وثبة حضارية أخرى، فلا بد من تعديل مناهج التفسير- على سبيل المثال- لأنها لم تعد تواكب هذا التغير في المعطيات الراهنة ولا حتى الفكر البشري ذاته فإنسان القرن الرابع الهجري ليس هو إنسان القرن الحادي والعشرين، لغة، وتفكيرًا ونمط حياتنا، وتركيبة نفسية…
<< مشكلة التفسير القرآني على أية حال هي مشكلة العقيدة الدينية لدى المتعلم، كما أنها مشكلة الأفكار الدارجة لدى رجل الشارع،ومن هاتين الوجهتين ينبغي أن يُعدل منهج التفسير في ضوء التجربة التاريخية التي مرَّ بها العالم الإسلامي>>(25)
إنّ "مالك بن نبي" وقف على نقطة هامة، وبنى عليها معالجته للأوضاع الراهنة، وهي ضرورة تجديد الرصيد الفكري، والحضاري للأمّة، وبعث نفس جديد وضخ دماء جديدة في جسدها حتى يمكننا النهوض والانبعاث بمعطيات أخرى، وبأهداف، وطموحات متجددة، وفقا للعصر الذي نعيش فيه ونرتبط به،فمن غير المقبول أن نبني حضارة في القرن الحادي والعشرين بروافد، وفلسفات ومعطيات لم تعد صالحة الآن وهو ما زكته التجربة، وفرضه الواقع.
<< إنّ نجاح مسألة تحديث،وتعديل مناهج التفسير يعيد الصلة بين الإنسان، والإسلام، والعصر، فيتهيأ المناخ العقلي في ظل الفهم القرآني لتحصيل العلم، ولتطوير واقع الحياة بجانبيها الاجتماعي، والمادي، وينهى هذا التغني الممل الذي يفترضه بعض الناس إعلاءً لشأن القرآن الذي لا يحتاج لما يأتيه من مديح البشر طالما أنّ الله - تعالى- قد تعهد بحفظه، فكلما اكتشفت حقيقة علمية أو نجح عالم في إحداث اختراع يحاولون القول لقد تحدث القرآن عنه في سورة كذا>>(26) فمن خلال هذه النظرة، يتأكد لنا أنّ الكثير من الفلسفات تتميز بالرجعية، إن لم نقل تحتكم إلى الردّة في إثراء تصوراتها.
إنّ القول بشأن كل ما اخترع أنه موجود في القرآن الكريم في سورة كذا.. وكذا هو تثبيط للإرادة الإنسانية الناجحة، والقرآن نفسه يثمن دور العلماء، وما يقومون،وميزهم عن كثير من عباده،والآية صريحة في هذا المقام: )قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(
فإذا ما أرجعنا كل ابتكار،أو عمل مشهود إلى رافد واحد وهو القرآن الكريم- كما أشر الأستاذ أسعد السحمراني- فما جدوى أن يبذل هذا العالم جهودًا معتبرة، وأبحاثا معمقة ليجد الرجعيين والمثبطين،والذين في نفوسهم مرضُ يقولون: هذا موجود في سورة كذا،والآية كذا.. ألا خَسِئَ الدجالون !<< إنّ القرآن لم يأت قطعا وبصورة شاملة، لا بالحساب العشري، ولا بالجبر، ولكنه يأتي بالمناخ العقلي الجديد الذي يتيح للعلم أن يتطور.. والأمر الجدير بالملاحظة هو أنّ تطور العلم لا يناط بالمعطيات العلمية فحسب،بل بكل الظروف النفسية الاجتماعية التي تتكون في مناخ معين>>(27)
فالكتاب المنزل على عبده محمد- صلى الله عليه وسلم- المتشابه الشامل لكل ما سبقه من طروحات، ورسالات لم يكن في حقيقة الأمر مجرد آيات مرصوفة ومحددة بل أنّ ما يحمله أعمق من ذلك بكثير، فقد جاء ليضع القاطرة على السكة، ويقدم العلاج، والدليل ويطرح المشكلة من زاوية أخرى غير مسبوقة متجاوزا كل الفرضيات، والتخمينات، وواضعا نتائج قطعية لمقدمات وأسباب ترجح استعمال العقل، وتحفيزه ليكون له الدور المطلوب في مثل هذه الرهانات.
<< فالقرآن في واقع الأمر ليس موسوعة في الرياضيات أو الطبيعيات،أو غيرها، بل هو قواعد لمنهج يربط وينظم علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بالإنسان، وفيه توفير لمناخ يحض على العلم والإبداع لأعمار الأرض، وإذا ما وردت فيه بعض معطيات العلوم، أو حقائق العلم، فإنّ ذكرها على سبيل المثال لا الحصر لفتح الآفاق أمام العلم،لا إقفال الأبواب بوجهه تحت حجة أنّ كل علم هو في القرآن،ويجب هجر ما سواه،ففي مثل هذا الطرح تجن على الإسلام الذي أعطى العقل دوره،وفتح للعلم طريقة،وأثاب المشتغل به>>(28)
لقد أساء هؤلاء فهم الإسلام على حقيقته، وبالتالي تغييب دور الفرد الناجح، والمنتج امتدادًا للمعركة الحقيقية المكرسة للتبصر، والتفحص، والتقصي فيما جاء به القرآن الكريم من أحكام منها ما تعلق بفلسفة البناء الحضاري للأمّة الإسلامية، و منها المتعلق بعلاقة هذا الفرد بربه القائمة على رابطة وثيقة مميزة تهيئه لاقتحام المعارك الحضارية، والحياتية بشيء من الثقة والاعتداد بالنجاح وهو ما غيبته معظم الرسالات الأخرى، فكان منطقيا أن يكون القرآن منهجا فكريا سليما بحد ذاته يقوم على مخاطبة العقل، وتخليص الروح من الشوائب وتهذيبها نشدانا للتكامل، وليس الكمال الذي يقلص من هامش التغيير، والعمل، والبحث المستمر.
ولعل بروز هذه الخاصية الإسلامية في فكر" مالك بن نبي" ودأبه على مناقشتها ما يجعله رائدًا في طرحه،مخالفا لكل الاتجاهات التي حاولت حصار، وتهميش الأفكار النابضة بالجدّة، والساعية إلى التغيير المنتظر لأن المعالجة العلمية للمشكلات الكبرى هذه المرّة جاءت من فلسفة ثاقبة،وروافد ناجعة لمفكر ظلَّ لفترة كبيرة يعاني التهميش.
فالمفكر"مالك بن نبي" بدت نظرته مخالفة تماما لما هو سائد في فترة يميزها الانحدار، والشعور بالخيبة،غير أنّ هذا الشعور لم يحجب عن مفكرنا النظر، والتمحيص في دواخل المكلات التي كانت سببا في ظهور رجعية فكرية بسبب سوء فهم الدين الإسلامي لعوامل موضوعية، وأخرى غير ذلك قد يكون للاستعمار ضلع فيها.
<< هكذا فهم "مالك بن نبي" الإسلام منقذا، والمسلم ممثلا، وشاهدًا، والطريق تحديث منهج التفسير، واللحاق بركب العلم فالإصلاح عنده بالعودة إلى مناخات يوفرها الإسلام كما كان الحال أيام السّلف الصالح>>(29)
 

فلسفة الحضارة في فك مالك بنبي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» من روائع الحضارة الإسلامية .. النظام الاقتصادي في الحضارة الإسلامية2
» من روائع الحضارة الإسلامية .. النظام الاقتصادي في الحضارة الإسلامية
» تحميل كتاب روائع الإمام مالك (تحميل كتاب روائع الإمام مالك) و كتب اخرى
» كتب مالك بن نبي للتحميل
» المسلم في عالم الإقتصاد - مالك بن نبي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التربية و التعليم تلمسان :: المنتدى الاول-
انتقل الى: