50 سنة مرت على التجارب النووية التي أقدمت عليها الآلة العسكرية الفرنسية في الصحراء الجزائرية ما بين سنوات 1960 إلى ,1966 نصف قرن يمر ولكن الموت مازال يطارد كل سكان مناطق "رقان" و"حمودية" و"عين إينكر" بولاية أدرار، بسبب تجارب "الموت" على مدى السنين القادمة، لأنها خرجت عن إطار التجارب العلمية بعدما تركت تلك التجارب آثارا سلبية لا يمكننا تقدير حجمها، لأنها وبكل بساطة مازالت تحصد العشرات من الجزائريين ولو عن طريق الموت البطيء.
احتضنت الجزائر خلال يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين ملتقى دوليا حول "آثار التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية" عرف مشاركة ممثلي دول وحكومات وخبراء من الوكالة الدولية للطاقة ومختصين من الهيئات الدولية العاملة في مجال الطاقة النووية، وكذا منظمات حقوق الإنسان، ومستشارين في القانون الدولي.
وعكف المشاركون على كشف واحدة من أبرز جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر في سنة ,1960 المتعلقة بالتفجيرات النووية التي خلفت الآلاف من الضحايا، فضلا عن ترك أجهزة ومعدات ومحطات ومطارات وطائرات ومحطات طاقة كلها ملوثة بالمواد المشعة المباشرة التي تسببت بدورها في التشوهات الخلقية والأمراض الوراثية التي يعاني منها سكان المناطق التي أجريت فيها التجارب حتى الآن. وتبقى تلك المناطق شاهدة على تلك التفجيرات التي أكلت الأخضر واليابس ولم تخلف من ورائها سوى الدمار واللاحياة.
وحسب شهادة أحد الجنود الفرنسيين ويليام كوب الذي شارك في عملية التفجير النووي بمنطقة (رقان) بولاية أدرار في تصريح لـ"الخبر الأسبوعي"، فإن التجربة كانت مريرة والمشكلة الآن هم الضحايا في المنطقة الذين يتأثرون بفعل الإشعاعات النووية ويصابون بأمراض أهمها التشوهات الخلقية ومرض السرطان وانخفاض الخصوبة وتباعد الولادات وحالات الإجهاض وضعف الجهاز المناعي.
وطالب الجندي السابق الحكومة الجزائرية والفرنسية بالعمل سويا من أجل إيجاد حلول لهذه المشاكل التي نجمت عن تلك التجارب والتي تهدد السكان والأرض والحيوان أيضا. وقال إن تلك المناطق أصبحت الحياة فيها صعبة بفعل ما تركته من النفايات المشعة والسامة بالإضافة إلى أن إزالة الإشعاعات النووية عملية صعبة ومعقدة.
كما أوجب تقدير مخاطرها الصحية والإنمائية وفق المعايير العلمية التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة النووية. وطالب الباحث الجزائري في مجال الهندسة النووية، الدكتور عمار منصوري، في تصريح صحفي على هامش الملتقى، بإجراء بحوث جادة حول تلك التجارب وآثارها الوخيمة على حياة البشر في العالم ككل. وكشف أن آثار التجارب النووية في الجزائر تمس كل المناطق التي تبعد بـ700 كيلومتر عن منطقة التفجيرات في ولاية أدرار.
وقال منصوري إن فرنسا قامت رسميا بـ17 تفجيرا نوويا جويا وتحت الأرض بين 13 فبراير 1960 و16 فبراير ,1966 مضيفا أنها فرضت السرية على كل المعلومات المتعلقة بتلك التفجيرات. وأوضح أن فرنسا أعلنت في سنة 2006 عن 40 تفجيرا مصغرا أسمتها (بولان) وهي قنابل تحتوي على البلوتونيوم الأخطر من اليورانيوم لتجريب أنظمة تفجير القنابل. وأوضح أن القانون الأخير الصادر في فرنسا بتعويض ضحايا التجارب النووية هو ثمرة نضال طويل لجمعيات قدماء ضحايا التجارب النووية.
ومن جانبه اعتبر المحامي الفرنسي جون بول تيسونيار قانون تعويض ضحايا التجارب النووية الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي خطوة إيجابية غير كافية "لأن الأهم في هذا الملف هم الضحايا". وطالب المحامي الفرنسي الدولة الفرنسية الذهاب بعيدا في حل هذا الملف ومحاولة دراسة وضعية سكان الجنوب الجزائري الذين مازالوا يتعرضون للإشعاعات النووية.
مد وجزر
ومن جانبها تطالب الجزائر منذ سنوات الحكومة الفرنسية بتعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في عدد من مناطق الصحراء، وقال وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي في تصريح صحفي قبل أسبوع إنه يتعين على فرنسا تحمّل مسؤوليتها في إزالة التلوث الإشعاعي في مناطق التجارب النووية في الصحراء.
وكشف تقرير نشره الباحث الفرنسي برينو باريلو أن عدد الضحايا قارب الـ42 ألف شخص، فيما أقرت وزارة الدفاع الفرنسية قبل سنتين بوجود 500 ضحية فقط. وفضح تقرير سري نشرته صحف فرنسية قبل أيام قيام السلطات العسكرية الفرنسية باستخدام جنود فرنسي كفئران تجارب خلال هذه التفجيرات.
كما أن الآلاف من الجزائريين الذين ولدوا في المنطقة في الفترات التي تلت التفجيرات قبل وبعد الاستقلال وحتى الآن ظهرت عليهم الكثير من الأمراض ذات الصلة بتأثير الإشعاعات النووية كالإصابات بالسرطان وضعف الجهاز المناعي والتشوهات الخلقية وانخفاض الخصوبة وتباعد الولادات وحالات الإجهاض والولادات المبكرة والمشوهة.
وقد صادق البرلمان الفرنسي قبل أسابيع على قانون يجبر الحكومة الفرنسية على تعويض ضحايا التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا في عدد من مستعمراتها السابقة كالجزائر وبولينيزيا. لكن الحكومة الجزائرية اعتبرت القرار سياسيا لا يعبر عن إرادة فرنسية جادة لحل ملف التفجيرات النووية، كونه يفرض اشتراطات صعبة التحقيق على ضحايا التفجيرات النووية للحصول على التعويضات، كما أنه لا ينص على تحمّل فرنسا مسؤوليتها في الكشف عن موقع التفجيرات وتطهير المنطقة من الإشعاعات النووية.
ويعد ملف التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية من بين أبرز القضايا الخلافية في مسار العلاقات الجزائر وباريس، والمتوترة منذ أكثر من سنة.
فتيحة زماموش