تهويد الحرم الإبراهيمي مقدمة لهدم الأقصى
العرب
بقرارها ضم الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم إلى ما يسمى "التراث اليهودي"، تكون إسرائيل قد وجهت صفعة مدوية لتيار أوسلو في السلطة الفلسطينية، وبرهنت مجددا على أنها ليست كيانا يستحق التعامل معه بسلام بل كيانا قائما على العدوان وتزوير حقائق التاريخ والجغرافيا، وهذا الأمر بات واضحا من خلال تسريع جرائم التهويد في القدس المحتلة وكل الأماكن المقدسة في الضفة الغربية.
هذه السياسة تفضح بوضوح حكومة بنيامين نتانياهو، فهي ليست حكومة متطرفة فحسب، بل فاقدة للحياء أيضا، وتمتلك من الصفاقة ما يسمح لها بفرض الأمر الواقع دون الخشية من أي رد فعل موجع، يساعدها في ذلك، ما تلقته من ضمان تلو الضمان بأن سياستها العدوانية، لن تواجه من الجانب الرسمي الفلسطيني والعربي بغير المناشدات والتوسلات للعودة إلى المفاوضات والاتصال بالجانب الأمريكي أو الأوروبي أو اللجنة الرباعية كلها، واستجدائها للضغط على نتنياهو وعصابته المتطرفة لتعديل سياسة حكومته التهويدية والقاضمة لحقوق الشعب الفلسطيني حقا بعد حق، بحثا عن خرافة الوجود اليهودي المهدد.
ويبدو أن قضاء بنيامين نتانياهو عاما واحدا في الحكم قد حقق لكيانه العنصري ما فشل فيه أسلافه من المجرمين، فمع استمرار الاستيطان في الضفة والقدس بدأ نتنياهو تطبيق خطة واسعة النطاق من الاعتداءات على الأرض والبشر وصولا إلى السطو المباشر على التاريخ والتراث العربي الفلسطيني والإسلامي، فبعد قوانين التهويد لأسماء القرى العربية، وقوانين النكبة وسلسة القوانين العنصرية وضم القدس والجولان، يأتي اليوم الدور لتهويد وضم الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم إلى ما يسمى " قبر راحيل "، وكل ذلك يدخل في صلب مشروع نتانياهو لجعل إسرائيل دولة خالصة لليهود، وهدم أي أثر قد يحيل إلى الإسلام أو المسيحية، قبل أن يتم تصفية ما تبقى من الشعب الفلسطيني قتلا وتهجيرا إلى خارج فلسطين كلها.
الصيف الماضي عندما جرى تصويت بالكنيست الإسرائيلي على خطة مستقبلية تعمل عليها إسرائيل، وتقضي بأن يكون الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين، ثارت ثائرة الحكومة الأردنية وشقيقتها الفلسطينية في رام الله، حتى وصل الأمر إلى مسامع الجامعة العربية بالقاهرة، فأصدرت بيانا تضمن تحذيرا وإدانة للتهديد الإسرائيلي ودعوة لاجتماع عاجل على مستوى المندوبين، ثم وزراء الخارجية، وتم تكرار نفس العبارات بنفس اللغة ونفس الحجم، ونفس النتيجة أيضا، فإسرائيل ماضية في سياستها لا تأبه لأحد، بل أصبحت ترى في التهديدات والتحذيرات العربية أمرا مطلوبا لتغذية هذه السياسة، واستخدامها لاستمالة مزيد من الرأي العام الغربي لنصرتها في وجه طابور من الدول العربية، بات واضحا أنه طابور عاطل عن عمل أي شيء على المستوى القومي.
إننا نشعر بالإشفاق والمرارة ، عندما نشاهد ونسمع إخوة لنا فلسطينيين يناشدون القادة العرب والمسلمين وأحرار العالم بضرورة التحرك والضغط على دولة الاحتلال لوقف اعتداءاتها واحترام مقدسات وحرمات العرب والمسلمين في فلسطين.. عندما نسمع ذلك ونشاهده نشفق على هذا الشعب المنكوب، فالتدخل العربي العاجل الذي ينتظره الفلسطينيون لن يأتي، مثلما لم يحصل ذلك منذ توقيع ما يسمى "اتفاقيات السلام" بين إسرائيل ومصر ثم السلطة الفلسطينية والأردن لاحقا.
منذ البداية كنا نعرف أن تلك الاتفاقيات المشؤومة كانت بيعا غير مشروط لفلسطين والفلسطينيين للكيان الغاصب، ومن لم يصدق ذلك سابقا، فما عليه إلا أن يصحو من رقدته الآن، فالمفاوضات و"العملية السلمية" هاهي نتيجتها، قلب للحقائق في فلسطين، واغتصاب بدم بارد للمقدسات الإسلامية والمسيحية، والحبل مازال على الغارب.
قبل أسابيع عندما كانت الحافرات الإسرائيلية تصل الليل بالنهار وتنبش تحت أساسات المسجد الأقصى المبارك، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس حاضرا بتصريحاته، وبعد "إدانته" للحفريات، يبدو أنه وجد الفرصة ذهبية للإعلان أن المقاومة المسلحة لم تعد لها جدوى، وأن الخيار الوحيد هو التفاوض السلمي وتكثيف الجهد الدبلوماسي، وتعليق الأمل على سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أغرق الفلسطينيين على غرار سابقيه بالوعود الجوفاء لإقامة الدولة الفلسطينية المنتظرة.
تصريحات محمود عباس تلك، لا تقل خطورة عن جرائم التهويد الإسرائيلية الجارية الآن، فحكومة الاحتلال لم تكن تنتظر أفضل من هدية كهذه تعتبر المقاومة المسلحة "إرهابا"، لا يأتيه غير "أعداء السلام" وفق فلسفة تيار أوسلو، أما الإرهاب الإسرائيلي الذي يمارس على الفلسطينيين التقتيل والتجويع وتزوير التاريخ، فتلك قضايا، ربما يتم حلها، حسب مفاهيم السلطة، عن طريق المفاوضات واللقاءات السرية والتنسيق الأمني، وغيرها من متطلبات مسيرة السلام.
إن ما ألحق الخراب بالقضية الفلسطينية ليس فقط غطرسة إسرائيل واستقواءها بالراعي الأمريكي أو غيره، وإنما غياب الإرادة الوطنية الواحدة سواء الفلسطينية أو العربية، هو الذي أوصل قضية الشعب الفلسطيني إلى هذا الدرك من المأساة، وجعله عرضة للاستخفاف من طرف أعدائه، وهو ما لم يحصل له طوال العقود الماضية.
قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، عندما كانت السلطة مطلقة للاحتلال، كان الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله جمرة نضال متوقدة، لم تتجرأ معها إسرائيل أن تقترب من المقدسات الإسلامية والمسيحية في كامل الأرض الفلسطينية من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، لأن إسرائيل كانت تعرف أن لهذا الشعب المحتل قيادة في الخارج لا تعتبر المقاومة المسلحة حتى ولو بالحجارة "إرهابا" أو خروجا عن اللياقة السياسية، وأنها تؤمن بأن كل أساليب الدفاع عن القضية، بما فيها العمل المسلح والعمليات الاستشهادية، مشروعة تؤيدها كل الشرائع والقوانين.
لا نريد أن نقسو كثيرا على الشعب الفلسطيني، فنكبته لم تعد في وطنه، بل في قياداته وفي النظام العربي الرسمي، وقلنا سابقا إن هذا النظام لم يعد يرجى منه خير، وحتى لو هدمت إسرائيل الأقصى فلن يتجاوز رد الفعل العربي الإدانة والشجب، أما رد الفعل الذي يكون بحجم الجريمة فقد بات ميؤوسا منه، وهذه هي المصيبة الأعظم، وما علينا إلا أن نصبر ونحتسب.
Alarab Online.
All rights reserved.
ارسل هذا الخبر الى صديق بالبريد الالكتروني