آفــات اللســــان الإشـاعـة

آفــات اللســــان الإشـاعـة

up_depart/1/1629.gif

آفــات اللســــان الإشـاعـة

تمت الإضافة بتاريخ : 09/04/2009م
الموافق :
14/04/1430 هـ

جمع وإعداد صـلاح الـدين
أبو جـزر

خاص ينابيع
تربوية

"َّ َ إِنَّ
الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " النور-19 إن الحمد لله وحده لا شريك له
نستعين به ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هاد له أما بعد ،،،
يعتري أمتنا الإسلامية والأمم جميعا ظاهرة من جملة الظواهر التي تنتشر في
المجتمعات وهذه الظاهرة موضوعها يهم الجميع إنها ظاهرة الإشاعة ، وما أكثر
تلك الإشاعات التي تطلق في أوساطنا ونسمعها هذه الأيام بقصد أو بدون قصد
فكم لها من خطر عظيم وأثر بليغ في ترويجها فإنها أخطر من السلاح الفتاك
والمدمر للمجتمعات والأشخاص والحكومات .

آفــات اللســــان الإشـاعـة Afat-allsan-

آفــات اللســــان الإشـاعـة Afat-allsan-

الإشاعة لغةً :

قال في اللسان تحت مادة شيع شيعت فلانا
اتبعته ، وشايعه : تابعه وقواه ويقال شاعت الأخبار وفي معجم مقاييس اللغة
نلاحظ أن المادة شع تأتي بمعني تفرق وانتشر ومن ذلك شعاع الشمس والشَعاع
بالفتح الدم المتفرق ، والمعني المشترك بين المعاني اللغوية لمادة شيع هو
الانتشار والتكاثر .

الإشاعة اصطلاحاً :

فلها العديد من التعريفات أنتقي منها : " : كل قضية أو عبارة مقدمة للتصديق تتناقل
من شخص إلى شخص دون أن تكون لها معايير أكيدة للصدق " وهي " بث خبر من مصدر ما في ظرف معين ولهدف ما يبغيه
المصدر دون علم الآخرين وانتشار هذا الخبر بين أفراد مجموعة معينة "
"" هي الأحاديث والأقوال والأخبار
التي يتناقلها الناس والقصص التي يرددونها دون التثبت من صحتها والتحقق من
صدقها "" وكما يلاحظ فإن هناك رابطا
بين المعنوي اللغوي والاصطلاحي عاملا مشتركا هو الانتشار والتكاثر
."" "" فالإشاعة إما خبر من شخص أو
من جريدة أو من مجلة أو من إذاعة أو من تلفاز أومن رسالة خطية أو من شريط
مسجل فهذه الوسائل كلها هي طرق تناقل الأخبار بين الناس وانتشارها بينهم "".

إن الإشاعة قديمة قدم الإنسان وتطورت وترعرعت
مع تطور الحضارات قديما وحديثا وقد ذكر ذلك في كتاب الله عز وجل قصة نوح
علية السلام وهود وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد صلى
الله عليه وآله وسلم ولا شك أن كان لها الأثر في بعض المعوقات في
طريق دعوة الأنبياء والرسل فنوح عليه السلام اتهم بأنه يريد أن يتفضل علي
قومه ثم يشاع انه ضال "" إنا لنراك في ضلال
مبين "" ويشاع عنه بالجنون "" وقالوا مجنون فازدجر "" وهذا نبي الله موسي وما أطلق علي فرعون من شائعات
"" قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ
إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ""الأعراف 109 وقوله :" يُرِيدُ أَن
يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ""
الشعراء34 وقوله " قَالَ أَجِئْتَنَا
لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى "" طه 57 وفي
بداية الحضارة الإسلامية كانت حادثة الإفك التي تولي كبرها المنافقون حتى
أنزل الله قرآنا ببراءة عائشة عيها السلام ويكذب من جاء بالإفك ،وإشاعة
مقتل الرسول صلي الله عليه وسلم في معركة أحد وما كان لها من أثر في صفوف
المسلمين وفي التاريخ أمثلة عديدة من هذه الشائعات فكم سمع المسلمون من
الأذى و الإهانة والتشكيك في وحدة صفوفهم وكلمتهم وهذا ليس بغريب إنما
الغريب أن يساعد في نشر أذاهم شريحة من المسلمين إن تلك الشريحة من الناس
هم أسرع الناس الي فتنة ويحرصون وهم أهل ذلك أن يكونوا ممن يتولي كبره في
حمل راية الفتنة وتصدير الشائعات "" وَقَدْ
مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ
لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ""إبراهيم- 46 فكم من إشاعة أطلقها
مغرض وسمعها وصدقها أدت إلى تباغض الإخوان والأصدقاء والعداوة بين الأصحاب
والزملاء وإساءة سمعة الفضلاء وتفريق جماعات ونكبة شعوب وانهيار وهزيمة
جيوش فترك ذلك آثارا عميقة وفرقة دائمة لا تجتمع .

الإشاعة تختلف حسب اختلاف الشخص المنقول عنه
أو الأشخاص المنقول عنهم فتارة تكون مدحا وتارة تكون ذما وتارة تكون خليطا
بين النوعين وتارة تكون غريبة أي في سياق وقائعها حتى تكون في عداد
المستحيلات لكن تلقف الناس وتناقله لها جعل المستحيل أمرا ممكن الوقوع .

فإن من اغلب حال المروجين للإشاعات إصغاء
السامعين لحديثه وأشخاصهم بأبصارهم إليه وتشوقهم لسماع كل ما يقول دافع من
أعظم الدوافع لنقل الإشاعة وبكل حال نقل الإشاعة بدون تروي ولغير مصلحة
يؤدي إلى مفاسد كثيرة {وَإِذَا
جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ
رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ
الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً
}.النساء_83 "

قال سيد قطب رحمه الله عند كلامه في قوله
تعالي الصورة التي يرسمها هذا النص هي صورة جماعة في معسكر الإسلام لم تألف
النظام ولم يدركوا قيمة الإشاعة في خلخلة المعسكر وفي النتائج التي تترتب
عليها وقد تكون قاسمة لأنهم لم يرتفعوا إلى مستوي الأحداث ولم يدركوا جدية
الموقف وان كلمة عابرة وفلتة لسان قد تجر.

أخي ناقـل الإشــاعـة :

1- أن يتق الله تعالي
في نفسه وليعلم أن الله مراقبه في كل ما يقول ويفعل وانه محاسب علي كلمة
"" مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ
رَقِيبٌ عَتِيدٌ "" ق-18 وقال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث " كفي بالمرء كذبا أو إثما إن يحث بكل ما يسمع
"

2- أن يكون قصده سليما لا لون فيه كأن يستغل
الإشاعة للتنفيس عن نفسه مما يجد في صدره عن المنقول عنه "" أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ
فَاحْذَرُوهُ "" البقرة 235 وقوله "" يَعْلَمُ
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ""غافر-19

3- أن يتروى ويتثبت في كل ما يقول ويحذر من
التزايد في الكلام وان لا ينقل إلا ما كان متأكدا من سماعه أو رؤيته حتى
تبرأ ذمته .

4- أن يكون مقصده من نقل الإشاعة التأكد من
صحتها إلى المنقول عنه فعليه أن يبين هذا لمن يستمع إليه حتى يستنير
بآرائهم ويستشير أهل العلم والفضل في أمر هذه الإشاعة وان يأخذ بمشورتهم
ويستنير بآرائهم .

وأنت أخي من نُقلت إليك
الإشاعة فعليك :

1- أن يُذكر الناقل الله تعالي وانه محاسب
ومؤاخذ علي كل كلمة يلفظ بها ويحثه علي التروي والتأكد وعدم العجلة في نقل
الإشاعة .

2- أن لا تبادر بتصديق الإشاعة فورا خاصة إذا
لم تكن الأدلة والقرائن قائمة اكمل قيام وأتمه .

3- إذا كانت الإشاعة عن شخص موسوم بالخير
فينبغي أن يحمل علي المحمل الحسن ويلتمس له العذر .

4- أن تتأكد من أن يكون من نسبت إليه الإشاعة
معلوما أو مجهولا .

اذكر هنا
دليلا يبين لنا كيف كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون المقام الملائم لكل
كلام يعرفون المقام الملائم لكل كلام.

روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه أن عمر
بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أراد أن يقوم مقاماً للناس يتكلم فيه عن خبر
بلغه يطعن في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه حيث تمت البيعة في عجلة من
الأمر فلما هم عمر بالقيام ذلك اليوم قال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله
تعالى عنه : يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم
فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم
فتقول مقالة يطيرها عنك كلّ مطيِّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على
مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه
وأشراف الناس، فتقول ما قلت متكئاً، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على
مواضعها.

فقال عمر: أما والله – إن شاء الله – لأقومن
بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.. ".

فتدبر أخي المسلم رعاك الله هذا الكلام،
واجعله نصب عينيك، ثم انظر كيف أشار عبد الرحمن على عمر رضي الله تعالى
عنهما بتأخير الكلام عن تلك القضية مع بالغ أهميتها وحساسيتها درءاً
للمفسدة التي يتوقع حدوثها.

وما كان من عمر - وهو من هو - إلا أن يأخذ
بهذا الرأي السديد الرشيد، فأخَّر كلامه حتى قدم المدينة على صاحبها أتم
الصلاة والتسليم، فرضي الله عن صحابة نبينا فلنعم المعلم هو، ولنعم
المتعلمون هم.

لو أن كل ناقل أو منقول إليه الإشاعة وضع في
حسبانه بعض المضار المترتبة عند كون الإشاعة كذبا أو زورا أو مبالغا فيها
لتردد أناس كثير في نقلها .

والمسلم مأمور بالتثبت لقوله تعالي : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات- 6.

فقد أمرنا الله بالتبيين وتحذير وتنبيه إلى
ما يؤدي إلى عدم التبيين من اتهام المشاع عنه بما هو منه برئ ثم يعقب ذلك
الندم ووالأسف من الناقل .

فان ذلك يترك من آثار
كبيرة علي بطلان الإشاعة منها :

• اتهام البريء بما ليس فيه .

• انعدام أو تقلص الثقة المتبادلة بين الناقل
والمنقول له .

• تلوث الذمم والألسنة نتيجة الخوض في أمور
بلا تروي ولا تثبت .

واعلم أخي المسلم أن في الإعراض عن الإشاعة
وعدم الاكتراث بها سبب رئيس في إخمادها. قال الإمام مسلم رضي الله عنه قال
الإمام مسلم صاحب الصحيح رحمه الله تعالى -: (.. إذْ الإعراض عن القول المطروح أحرى لإماتته وإهمال ذكر
قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهاً للجُهال عليه).

وان لدفن الإشاعة
وإماتتها ودحضها طرق كثيرة منها :

1- تذكير الناقل بالله - تعالى - وتحذيره من
مغبة القول بلا علم.

2- تذكير الناقل بالعاقبة المتحصلة إذا كانت
الإشاعة كذباً أو مبالغاً فيها( فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ
نَادِمِينَ) .

3- عدم التعجل في تقبل الإشاعة دون استفهام
أو اعتراض.

4- عدم ترديد الإشاعة لأن في ترديدها زيادة
انتشار لها مع إضفاء بعض بل كثير من الكذب عليها، وكما قيل في المثل
الروسي Sad

الكذبة كرة ثلجية تكبر كلما دحرجتها).

5- اقتفاء خط سير الإشاعة وتتبع مسارها
للوصول إلى جذورها، ووضع اليد على مطلقيها ومحاسبتهم بحزم .

6- عدم المبالاة أو إظهار التعجب والاهتمام
عند سماعها من أطراف أخرى، والتشكيك في صحتها، فهذا بحد ذاته يخفف فورة
ناقلي الإشاعة، ويجعلهم يراجعون أنفسهم قبل بث تلك الشائعة.

7- أن يحاول أن يرد على الإشاعة في الصحف وما
شاكلها إذا كانت الإشاعة ناشئة من الصحف أو أنها بلغت بين الناس مبلغاً
عظيماً، فإن في بيان بطلان الإشاعة أمام أكثر عدد من الناس أسرع وسيلة
للقضاء عليها وإخماد ذكرها، وإن لم يخمد بالكلية فعلى الأقل إزالة القناعة
التامة بها من أذهان الناس.

وان كان في أيامنا هذه قد كثرت الإشاعة ولا
أريد أن اذكر أمثلة لأنها معروفة لدي الجميع وصدق القائل : وكم حرق المنقول
قوم وصحفوا فكم افسد الراوي كلاما ينقله فإننا نعيش في زمن كثر فيه ترويج
الإشاعة ولكي لا تؤثر علي المسلم بأي شكل من الأشكال فلا بد أن يكون هناك
منهج واضح محدد لكل مسلم يتعامل فيه مع الإشاعة :

• أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم
لقوله تعالي "" لَوْلَا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ
خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ "" النور- 12

• أن يطلب المسلم الدليل البرهان علي أية
إشاعة يسمعها لقوله تعالي "" لَوْلَا جَاؤُوا
عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء
فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ "" النور- 13

• أن لا يتحدث المسلم بما سمعه ولا ينشره فان
المسلمين لو لم يتكلموا بأي إشاعة لماتت في مهدها لقوله "" وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم
مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ
عَظِيمٌ "" النور- 16

• أن يرد الأمر إلى أولي الأمر ولا يشيعه بين
الناس أبدا وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة والتي لها أثرها الواقعي
لقوله تعالي n]َوإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ
الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى
الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً] النساء -
83 فإذا حوصرت الشائعات بهذه الأمور فانه يمكن أن نتفادى الآثار السيئة
المترتبة عليها بإذن الله عز وجل .

فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا من
الشائعات فان مسئوليتها عظيمة في الدنيا والآخرة خصوصا إذا كانت ضد مسلم
وهو منها برئ احذروا أن تكونوا انتم الانطلاقة لكل شائعة واحذروا أن تكونوا
مروجين لهذه الإشاعات.