الطرح الغوغائي والإسهام في تشويه الدعوة

الطرح الغوغائي والإسهام في تشويه الدعوة

up_depart/1/2369.gif

الطرح الغوغائي والإسهام في تشويه الدعوة

تمت الإضافة بتاريخ : 06/02/2010م
الموافق :
22/02/1431 هـ

يُقال:

متى يبلغِ البنيانُ يوماً تمامَه ** إذا كنتَ تبنيهِ وغيرُك
يهدمُ

هكذا هي عملية "الهدم" التي يمارسها الكثير ممن يتصدى لقضايا الدعوة من
غير بصيرة ولا علم ولا وعي. إنه يركب الموجة التي
أصبحت تحتمل كل أحد، حتى لو كان لا يملك مؤهلات الركوب، فهو لا يستطيع أن
يواكب احتياجات العمل الدعوي في مقابل التغيرات الكبرى التي ساهمت في تغير
قناعات الناس، وبعثرت مواقع التأثير، وأوجدت الشرخ
الكبير في الكيان الدعوي، وخاصة بعد الانفتاح الفضائي والإعلامي واتساع
حرية التعبير من خلال الكتابة في الإنترنت وغيرها..

ترى لو كان الشافعي - رحمه الله -
يتحرك بعقلية بعض الشباب المتحمس وتصوراتهم لقضايا الفقه والعقيدة والفكر،
هل سوف ننال منه كتاب "الرسالة"؟ ولو كان ابن تيمية - رحمه الله - سوف
يتعامل مع القضايا المعقدة بتبسيطية وقصور في الفهم والإدراك هل سوف نحصل
منه على "درء تعارض العقل والنقل"، أو "منهاج السنة"، أو "نقض المنطق" أو
"الرد على المنطقيين"؟، ولو كان الشاطبي - رحمه الله - لم
يمتلك تلك العقلية الناضجة والناقدة هل سوف نقرأ له "الموافقات" أو
"الاعتصام"؟ ولو كان ابن القيم - رحمه الله - سوف يركب موجة التوجيه دون
تأهل هل سوف نقرأ له "الطرق الحكمية" أو "إعلام الموقعين" أو "اجتماع
الجيوش الإسلامية"؟

إن المشكلة الكبرى أننا نتعامل مع
قضايانا الكبرى تعامل "الفاست فود"، وعلى طريقة إخواننا أهل الدعوة
والتبليغ "الأحباب" في تأهيل الداعية بيوم وليلة بل
وساعات من باب: "ثق ثمك يرزقك الله"، وإن تعجب فالعجب كيف أن داعية
مشهوراً، قد أطبقت شهرته الآفاق وهو يصرح أنه قد "التزم" أي دخل في سلك
الدعوة الإسلامية سنة 2004 م، أي قبل أربع سنوات ونصف من الآن، وله في
البروز الإعلامي ثلاث سنوات!

هذه السيول الكبيرة من الكلام الوعظي
الذي ينهمر علينا من القنوات الفضائية، والارتجالية في إعداد الموضوعات،
وخلو الوعظ من أعظم شيء يقويه ويشدّ من أزره "آيات
الكتاب وأقوال رسوله الله صلى الله عليه وسلم"،
فكل شغل الداعية الشاغل هو في: اتصلت عليّ وقالت يا شيخ، رآني في الشارع
وقال: يا شيخ، ثم يأتي بقصص باردة تشك أحياناً أنها من نسج الخيال، وتبحث
في كلامه عن معلومة مؤصلة، أو فكرة محكمة، أو هداية راشدة فلا تجد إلاّ
النزر اليسير. وكذا غياب الاحترافية في نقاش المشكلات الاجتماعية
والاقتصادية وغيرها، وكأن بعض الدعاة في واد والناس في واد آخر.

على المستوى الفكري، والصراع بين
الإسلام والأفكار المناهضة له تجد أن هناك ضموراً في مسائل التفكير والحجاج
العقلي والدفاع العلمي عن المسائل المثارة، بل وتجد خذلاناً كبيراً للكتاب
والسنة حين يتصدى من لم يطالع أي كتاب عقدي محكم في حماية التصورات
الإعتقادية للإسلام، ولم يقرأ في الفلسفات المناهضة للشريعة، ومناقشة أفكار
المخالفين مناقشة علمية تنم عن قناعة عقلية تفصيلية بالوحي والرسالة،
ومقارعة الخصوم بالحجة والبرهان، ولذلك يتوجه من لا يستطع حمل هذا الجهد
الكبير إلى الدخول في المعركة بلا سلاح إلاّ سلاح التشهير والسب والشتائم،
ويوهم نفسه أنه هو من يقف أمام سيل الأفكار الخطيرة على تصور الإنسان
المسلم وعقيدته، وهو في المحصلة النهائية مفسد لمشروعات الآخرين ومشوّه
لسمعة من يحمل الكتاب والسنة، ومنفّر للناس من أي حامل للواء الدعوة، فيفسد
من حيث إنه يصلح، وإن كان الزمان لا يخلو من قائمين بالحق بالعلم والواجب
الشرعي، إلاّ أن صوت هؤلاء يضيع في ضجيج الغوغائيين الذين لا يحسنون إلاّ
الصراخ.

إن نقد "الذات"
وليس جلدها مشروع مهم لتقويم منهج الدعوة والدعاة، ولذا فنحن بحاجة
إلى ارتفاع الأصوات الداعية إلى تصحيح المسيرة، وتجديد منهج الدعوة بما
يوافق العقل والنقل، وتنبيه المتسلّقين على الدعوة بضرورة التأصيل والتأهيل
العلمي والفكري للتصدي لهذه الأفكار وكيفية مخاطبة الناس بكافة طبقاتهم
وشرائحهم؛ فميدان الفكر والعلم والدعوة والإصلاح يحتاج إلى البصيرة النافذة
(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ).

إنني أجزم أن البعض بعد قراءة هذا
المقال سوف يقول بأنني أفتّ في عضد إخواني، وغيره من الكلام الذي مللنا
سماعه من بعض النرجسيين الذين يهتمون بمشاعر "مَن لم يُسَمّوا" أكثر من
اهتمامه بعقلية ملايين المسلمين التي تخدع بالطرائق الخاطئة والمنحرفة عن
جادة الحق والصواب، ولم يدرك هؤلاء بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان
يتعامل مع صحابته بالتوجيه والإرشاد والنصح والتقويم لطريق الدعوة، فهو
يعلنها بوجه أبي ذر -رضي الله عنه- فيقول: يا أبا ذر، إنك امرؤ ضعيف!!
ناهياً إياه عن تولي أمر اثنين من المسلمين؛ لأنه لا يحسن هذا، ونحن بحاجة
إلى أن نأخذ على أيدي إخواننا ممن يمتهنون الدعوة، وننصحهم ونقوّم أعمالهم
ولا نجاملهم؛ لأن مجاملتهم تعني مزيداً من تخلف الأمة، ومزيداً من تجهيلها،
ومزيداً من إبعادها عن الطريق الصحيح؛ فبمستوى الدعاة ورقيهم وعمقهم
وفهمهم وجودة أفكارهم نستطيع أن نصنع أمة واعية لا تلهث وراء مكائن
الخياطة.. والزئبق الأحمر في إبرها!

بعد هذا.. ما
الذي ينبغي أن نصنع؟

أولاً: مراجعة الخطاب الدعوي وتقويمة وتقييمه من خلال مؤتمرات
رسمية وغير رسمية، ونقد الخطاب الدعوي المعاصر والخروج بمقررات تكون صالحة
للتنفيذ.

ثانياً: إنشاء معاهد لتطوير البناء الشمولي للداعية الإسلامي،
وتكوينه فكرياً وذهنياً وثقافياً بما يتحقق مع متغيرات العصر ومتطلباته.

ثالثاً: تطوير المناهج الدعوية في الكليات الشرعية التي يتخرج منها
هؤلاء الدعاة.

رابعاً: تكثيف الحوار بين "الدعاة" و "العلماء" من خلال لقاءات مفتوحة ومباشرة وبشفافية عالية لمناقشة مسائل
الخطاب، وقضايا الدعوة، ومستجداتها بشكل دوري ومحكم.

خامساً: إنشاء مراكز "دعم الدعاة" لتقوم بمهمة كتابة
التقارير التي يستفيد منها الدعاة من خلال مواقع إنترنت في مسائل الشرع
والفكر والاقتصاد والسياسية حتى يلم الداعية، ولو بعمومات في عموم المسائل
المطروحة في الساحة.

سادساً: إنشاء "جمعية شرفية للدعاة" تكون محكمة الشروط، حتى لا
ينتسب لها إلاّ من تتوافر فيه صفات متينة، وتكون لها عضوية لها صفة
اعتبارية للداعية، وإكسابه ثقة وسائل الأعلام بمختلف أنواعها، وتكون جهة
لإنصاف الدعاة والوقوف معهم في حال تعرّضهم لمشكلة أو تشويه أو هجمة
إعلامية.

سابعاً: إنشاء أوقاف يكون ريعها لتطوير الأداء الدعوي والدعاة تتحمل
الإنفاق الذي يحتاجه الداعية من دورات تدريبية، أو لغات أجنبية، أو تهيئة
ظروف معيشية وغيرها، حتى يكون الداعية متفرغاً لتطوير نفسه.

المصدر : نوافذ -
الإسلام اليوم .

» المرحلة الأولى ( جهاد الدعوة ) - ثلاث سنوات من الدعوة السري
» المرحلة الأولى ( جهاد الدعوة ) - ثلاث سنوات من الدعوة السرية
» أدوار الدعوة ومراحلها
» لمرحلة الأولى ( جهاد الدعوة ) - الرعيل الأول
» منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ الدعوة الإسلامية