وأول من نصب الأصنام في الكعبة هو عمرو ابن لحي (وسام لحي حارث ابن عامر الخزاعي) وذلك عندما غلبت خزاعة على البيت وجلت جرهم عن مكة كان عمرو أول من تولى البيت من خزاعة وعاش قرابة ثلاثمائة وخمسة وأربعون عاماً ويروى أنه خرج إلى الشام في تجارة له ورأى قوماً يعبدون الأصنام فأعجبه ذلك فأعطوه صنماً يدعى هبل فنصبه على الكعبة وأكثر من نصب الأصنام حولها وغلبت على العرب عبادتها وانمحت الحنفية تماماً إلا لمعاً منها وبذلك يقول شحنة بن خلف الرهمي
شتى بمكة حول البيت أنصابا ياعمرو إنك قد أحدثت آلهة فقد جعلت له في الناس أربابا وكان للبيت رباً واحداً أبداً سيصطفي دونكم إلى البيت حجابا لتعرفن بأن الله في مهل
وانتشرت الوثنية في كل أرجاء الجزيرة العربية وكان مركزها الرئيسي الكعبة وكان العرب يقصدونها من كل صوب ليقيموا شعائر الحج والتجارة وإنشاد الشعر وسماعه.
وكان العرب بمجملهم يؤمنون بالله إلى جانب اعتقادهم بالأوثان ويرون أنه خالق الكون ومصرف الأمور وما ممارسة العربي لبعض الطقوس الوثنية إلا انسياق وامتثال لأحكام العرف والتقاليد إذ أن عبادتهم لها أخذت طابع التقليد وأنّ ما مشت عليه الأسلاف هو الصواب (هذا ما وجدنا عليه آباؤنا) الآية وليس في كل ما ورد في مصادر الشعر العربي والروايات والسير ما يدل على وجود شعور ديني عميق أو عاطفة روحية شديدة ولم يكن العرب شديدي التعصب لدياناتهم فنرى مثلاً:
امرؤ القيس الكندي الشاعر المعروف وقيل أنه خرج بعد مقتل أبيه يريد الثائر فمد بتباله وهي على مسير سبع ليال جنوباً من مكة وبها صنماً للأعراب يقال له (ذو الخصلة) مستقسماً عنده بقداحه وهي ثلاثة (الآمر، الناهي، والمتربص) فأجالها ثلاثاً فخرج له الناهي في كل مرة فما كان منه إلا أن جمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وسبه بأمه وقال للصنم: (لو كان أبوك قتل ما عقتني) وكذلك ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجاهلية أنه صنع لنفسه صنماً من التمر ليتعبده فلما جاع أكله وكان العرب مدركين الجانب الاقتصادي لوجود الكعبة ولم يكن لهم لاهوتاً خاصاً أو علماً بالتكوين لكن كان لديهم القدر الكافي من النضوج الفكري ليكونوا مهد الرسالة وانطلاقتها وعلى هذا كان العرب بمجملهم يعبدون الصور والتماثيل ويتجهون نحوها بالصلوات واللبيب منهم من يقصد الخالق بصلاته ويتخذ من الأصنام مقاماً وعبادة الأصنام طاعة للخالق ووسيلة للتقرب إليه وأخبرنا بذلك الله تعالى عن قولهم (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) أما الجاهل فلا يعلم بأنه يشير بألوهية الخالق ويعتقدها جميعاً وهذا ما حمل على القول بأن الوثنية كانت بقية دين توحيدي قديم لم تبق إلا آثاره، وهذا الدين قد كان بالفعل ولكن الوثنية دخيلة عليها ونظراً لتعدد القبائل وامتزاج بعضها ببعض فقد نتج عنه تنوع في المعتقدات والديانات. فنرى:
1- من عكف على عبادة الأصنام وحج إليها وقصدها ونحر لها وتنسك.
2- ومنهم من عبد الملائكة على أنها بنات الله على حد زعمهم (اللات والعزى ومناة).
3- الصابئة ومقرهم اليمن وحران من قبل وهم عبدة النجوم.
4- النصرانية وكانت في الشمال ونجران.
5- اليهود وكانت بيثرب وخيبر وفدك.
6- وكذلك الطوطمية تدل على وجودهم أسماؤهم (جحش، ثور، كليب، أسد)
7- الدهريون وهم من لم يؤمن بدين أو إله ويخبرنا الله بقوله (إنما نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) وقولهم (ما هي إلى أرحام تدفع وأرض تبلع).
8- ومنهم من سما عن عبادة الأوثان وآمن بالله الواحد ولم يتبع نصرانية ولا يهودية وآمنوا بالعقاب والثواب ودعوا الناس على التمسك بما تبقى من الحنفية وسنة إبراهيم ومنهم:
أ ـ عبد الله بن هاشم جد الرسول عليه الصلاة والسلام:
واسمه شيبة الحمد بن هاشم (واسم هاشم عمرو وسمي بهاشم لأنه أول من هشم الخبز وأطعم الثريد) ابن عبد مناف ابن قصي بن كلاب، وكان بموقع الرياسة وهو الذي حفر زمزم ومنع الطواف في الحرم عرياناً وحرم الخمر واكن يوصي ولده بصلة الأرحام وإطعام الطعام ويرغبهم بالله ويهديهم فعل من يراعي في المعتقد معاداً وبعثاً ونشوراً وتراثنا الإسلامي يتغنى بمواقفه أمام أبرهة الحبشي حين أتى لهدم الكعبة وقوله ((للبيت رب يحميه)) ولما صرف الله الأحباش عن بيته الحرام وقف عبد المطلب أمام الكعبة قائلاً:
من يرده بآثام يصدلم إن للبيت رباً مانعاً لم يزل ذاك على عهد أبرهم نحن آل الله فيما مضى صلة ذي القربى وإيفاء الذمم نعبد الله وفينا سنة يدفع الله بها عنا النقم لم تزل لله فينا حجة
ب ـ أمية أبي الصلت الثقفي:
وكان شاعراً عاقلاً يقول أشعاراً على آراء أهل الديانة يصف فيها السماوات والأرض والشمس والنجوم والقمر والملائكة والبعث والنشور والجنة والنار ويعظم الله تعالى ربما كان وصفه مستمداً من الإيقونات التي رأها على جدران الكنائس فقد كان ذا أسفار كثيرة في بلاد الشام وهناك اتصل بالرهبان واطلع على الكتب القديمة. وله أخبار طويلة ومن قوله:
من لم يقلها فنفسه ظلما الحمد لله لا شريك له
ووصف الجنة وأهلها:
وما فاهوا به لهم مقيم فلا لغو ولا تأثيم فيها
ووصف الحساب قائلاً:
شاب فيه الصغير يوماً طويلاً إن يوم الحساب يوم عظيم فقصارى أيامه أن يزولا كل عيش وإن تطاول حيناً ويروى أنه أول من كتب ((باسمك اللهم)) ومنه أخذتها قريش مستفتحتة بها أوائل كتبها، وكان أنه سيبعث نبي وهذا زمانه فكان يترقب أن تحل النبوة في شخصه ولما بلغه ظهور النبي تأسف واغتاظ وجاء ليسلم فرده الحسد، وكان قد حرم على نفسه الخمر وعبادة الأوثان ومن قوله
وأي عبد لك لا ألما إن تغفر اللهم جماً
وشعره مليء بمفردات تشابه إلى حد بعيد المفردات القرآنية فنرى من أشعاره روح التدين والتعبد والتعظيم لله عز وجل والتفكير في خلقه والتسليم أنه لا دين عند الله إلا الدين الحنيف دين إبراهيم عليه السلام.
ج ـ خالد بن سنان العبسي:
هو خالد بن سنان بن غيث من عبس ويروى أن ناراً ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها وكانت تنتقل وكانت العرب تتمجس وتغلب عليها المجوسية، فأخذ خالد هراوة وشدّ عليها وهو يقول: (بدا بدا.... كل هدى. مؤد إلى الله الأعلى، لا دخلنها وهي تتلظى، ولا خرجن منها وثيابي تتندى) فأطفأها، ويروى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال «ذلك نبي أضاعه قومه» ويروى أن ابنته سمعت قارئاً يقرأ: «قل هو الله أحد» فقالت: كان أبي يقول كذلك.
د ـ قس بن ساعدة الإيادي:
وكان حكيم العرب ذكره النبي عليه الصلاة والسلام كيف كان يطوف بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يردد: «أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات ومن بات فات وكل ما هو آت آت، أما بعد فإن في السماء لخبر وإن في الأرض لعبر، نجوم تمور وبحار تفور وسقف مرفوع ومهاد موضوع ، أقسم بالله قسماً لا حانثاً فيه ولا إثماً، إن لله ديناً هو أرضى من دين أنتم عليه، مالي أراهم يذهبون ولا يرجعون، ارضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا، سبيل مؤتلف وعمل مختلف
ك ـ زيد بن عمرو بن نفيل
وهو ابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان قد رغب عن عبادة الأصنام فأولع الخطاب سفهاء مكة به فآذوه، فسكن كهفاً في حراء وكان يدخل مكة سراً وقال في فراق دين قومه:
أدين إذا تقسمت الأمور أرباً واحداً أم ألف رب
وقال أيضاً:
له الأرض تحمل صخراً ثقالا وأسلمت وجهي لمن أسلمت
ث ـ رئاب الألشني: وكان من عبد القيس ، وكان على دين المسيح عيسى بن مريم ويروى أنه كان لا يموت أحد من ولد رئاب فيدفن إلا رأوا واسطاً على قبره.
ص ـ لبيد العامري:
الشاعر المعروف وكان حكيماًً لا تخلو أشعاره بمجملها من الدينية وأشهر ما قاله:
وكل نعيم لا محالة زائل ألا كل ما خلا الله باطل
ض ـ حنظلة بن صفوان
وكان من ولد إسماعيل عليه السلام وهو الذي أرسل أصحاب الرس وهزا قبليتان (ادمان ويامن) وقيل: رعويل ذلك في اليمين.
ط ـ أصحاب الأخدود: وكانوا نصارى أيضاً في اليمين (قصتهم مذكورة في القرآن الكريم).
ك ـ حبيب النجار: وكان يسكن أنطاكية.
م ـ جرجس: أدرك بعض الحواريين فأرسل إلى الموصل.
ن ـ أبو قيس صرمة بن أنس: من الأنصار من بني النجار، وكان قد ترهب ولبس المسوح وقال أعبد الله رب إبراهيم، وهجر الأوثان واتخذ بيتاً وجعله مسجداً لا تدخله طامثاً ولا جنباً أسلم وحسن إسلامه.
ت ـ أبو عام الأوسي: وكان سيداً قد ترهب في الجاهلية وهو والد حنظلة غسيل الملائكة.
ث ـ عبد الله بن جحش الأسدي: هاجر إلى الحبشة بعد إسلامه وعاد إلى النصرانية. 4- المبشرين: وهم الذين بشروا بمبعث النبي وهم فئة كبيرة لا مجال لحصرهم ولكن على سبيل الذكر نذكر منهم: 1ـ تبان أسعد أبو كرب الحميري:
وكان مؤمناً موحداً آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة قال في ذلك:
رسول الله بارئ النسيم شهدت على أحمد أنه لكنت وزيراً له وابن عم فلو مد عمري إلى عمره على الأرض من عرب أو عجم والزم طاعته كل من
وهو أول من كسا الكعبة الانطاع والبرود فلذلك يقول بعض حمير:
ملاءً مقصباً وبروداً وكسونا البيت العتيق وجعلنا لبابه أقليدا فأقمنا به الشهر عشراً 2- ورقة بن نوفل:
وهو ابن عم خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد قرأ الكتاب وطلب العلم ورغب عن عبادة الأصنام وبشر خديجة بزوجها وأنه نبي هذه الأمة، وأنه سيؤذى ويُكذب ولقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا بن أخي اثبت على ما أنت عليه فالذي نفس ورقة بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولتؤذين ولتكذبن ولتخرجن ولتقاتلن ولئن أدركت يومك لأنصرن الله نصراً يعلمه) ومات نصرانياً على دين المسيح عليه السلام. 3- بحيرا الراهب:
كان مؤمناً على دين المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام واسممه في النصارى جرجس وكان من عبد القيس، ولما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمه إلى الشام مروا ببحيرا الراهب وهو في صومعته. بشر بالنبي وأعلم أبا بكر وبلال بقصته وما يكون من أمره وأخبر عمه أبا طالب بذلك وفرح كثيراً وسأله أن يرجع به وحذرهم عليه من اليهود. 5- الكهان: سبب نفساني لطيف يتولد من صفاء المزاج والطباع وقوة النفس ولطافة الحسن
1ـ سطيح (ربيع ابن ربيعة ابن مسعود)
2ـ شق بن صعب بن يشكر بن رهم
وكثيرون منهم يقال إنهم بشروا بقدوم النبي.
وأما العرافة:
فهي ما دون الكهانة والكهانة أصلها نفسي وهي كانت في العرب على الأكثر وفي غيرهم على وجه الندرة: لأنه شيء يتولد من صفاء المزاج الطبيعي ومهما يكن من أمرهما فهي لم تأخذ الطابع الديني إنما أخذت الطابع النفسي وشيئاً من الطب كقول عروة:
وعراف نجد إن هما شفيا جعلت لعراف اليمامة حكمه
وبقيت دون بلورة أو توحيد فقد كانت على الغالب اجتهادات فردية.
ومن هذه الأديان والمعتقدات التي كانت سائدة قبيل الإسلام نعلم أن العرب في هذا العهد كانوا في اضطراب روحي، يريدون الوصول إلى حقيقة دينية يطمئنون إليها فكان الإسلام نفسه هذه الحقيقة.