البيزنطيون ( 324 – 634)
في الفترة البيزنطية صارت الناصرة مدينة مقدسة بالنسبة للعالم المسيحي وأقيمت فيها كنيسة للمرة الأولى، هي كنيسة البشارة البيزنطية، التي ما زالت بقايا منها في كنيسة البشارة الحديثة حتى اليوم. وقد حافظت قرية الناصرة على طابعها اليهودي بينما استفاد أهلها من وفود الحجاج المسيحيين إليها. وإذا كانوا قد رحبوا بالحجاج المسيحيين واستقبلوهم بحفاوة وأطلعوهم على المواقع الهامة للمسيحيين مثل الكنيس الذي كان يسوع يصلي فيه، إلا أنهم بقوا معادين للمسيحية ورفضوا إقامة كنيسة في المدينة حتى لم يبقَ أمامهم مفر. وقد انتهى الوجود اليهودي في الناصرة عند نهاية هذه الحقبة من الزمن.
نبذة حول الفترة البيزنطية
ابتداء من نهاية القرن الثالث بدأت الإمبراطورية الرومانية تواجه صعوبات عديدة، من أسبابها غزو البربر للإمبراطورية. وعندما أدرك القيصر الأخير ديوكلتيانوس أن الإمبراطور لم يعد يستطيع السيطرة على جميع أنحاء الإمبراطورية قام بتقسيمها إلى قسمين: شرقي وغربي. وقد ورث الإمبراطورية الشرقية قسطنطين الذي نقل مقره من روما إلى بيزنطة (مدينة استنبول اليوم)، والتي سميت لاحقا على اسم الإمبراطور "قسطنطينيو بوليس". وبينما أخذ القسم الغربي ينهار فإن القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية، بيزنطة، واصل في الازدهار وحافظ على تقاليد السلطة من الماضي. في عام 324 أعلن الإمبراطور الروماني قسطنطين عن المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية، وابتداء من هذه الفترة بدأت المسيحية في الانتشار السريع في أوروبا. وهكذا نشأت المسيحية الشرقية، الأرثوذكسية، التي تختلف عن المسيحية الكاثوليكية التابعة للحبر الأعظم في روما.
الناصرة تصبح مدينة مقدسة للمسيحية وإقامة كنيسة البشارة البيزنطية
كانت بلادنا ضمن أراضي الإمبراطورية البيزنطية. وقامت هيلينة والدة قسطنطين التي كانت مؤمنة ورعة بالعديد من الزيارات إلى المنطقة وكرست بعض المواقع الهامة للمسيحية حتى اليوم، مثل كنيسة القيامة في القدس. صارت الناصرة في هذه الفترة مكانا مقدسا للمؤمنين المسيحيين. في عام 356 وافق قسطنطين على إقامة كنائس في الجليل، لكن ذلك قوبل بمعارضة شديدة للغاية من يهود الناصرة ولم يتمكن يوسف الطبراني من تنفيذ مهمته، حيث أبدى اليهود عدوانيتهم للمسيحية ورفضوا إعطاءها موطئ قدم. أقيمت الكنيسة الأولى في الناصرة عام 427 ميلادي بواسطة أسقف (صاحب وظيفة في الكنيسة المسيحية) القدس، كونون، كما نرى حتى اليوم على أرضية الفسيفساء في الكنيسة المجاورة للمغارة المقدسة. وهناك بقايا أخرى من كنيسة البشارة البيزنطية يمكن مشاهدتها في الكنيسة الحديثة.
حسب شهادات حجاج مسيحيين يتبيَّن أنه حتى في نهاية القرن السادس كانت في الناصرة جالية يهودية ذات مكانة راسخة. وعلى الرغم من نظرة اليهود المعادية للمسيحية فقد استقبلوهم واصطحبوهم في جولات للتعرف على معالم المدينة المسيحية وخاصة الكنيس الذي كان يسوع يصلي فيه.
نهاية الناصرة بصبغتها اليهودية
في عام 614 قام الفرس بغزو بلادنا فكان اليهود من حلفائهم المخلصين ضد المسيحيين. يهود طبريا، جبال الجليل والناصرة ساعدوا الفرس في حربهم ضد الحكم البيزنطي وساهموا في هدم الكنائس. كانت هذه إحدى الحملات الشرسة في القتل والتدمير ضد مسيحيي البلاد. بعد خمسة عشر عامًا انقلبت الأمور رأسا على عقب فعاد البيزنطيون لاحتلال البلاد من جديد. وقد انتقم المسيحيون من يهود الناصرة والجليل وكما يبدو ففي عام 630 تمَّ إنهاء الوجود اليهودي في الناصرة وقد قتل سكانها أو لاذوا بالفرار.