وكاثروهم فانهزم اليهود هزيمة قبيحة وقتل منهم خلق كثير وكان هرقل قد ملك الروم بقسطنطينية وغلب الفرص بحيلة دبرها على كسرى حتى رحل عنهم ثم سار من قسطنطينية ليمهد ممالك الشام ومصر ويجدّد ما خرّبه الفرس منها فخرج إليه اليهود من طبرية وغيرها وقدّموا له الهدايا الجليلة وطلبوا منه أن يؤمّنهم ويحلف لهم على ذلك فأمّنهم وحلف لهم ثم دخل القدس وقد تلقاه النصارى بالأناجيل والصلبان والبخور والشموع المشعلة فوجد المدينة وكنائسها وتمامتها خرابًا فساءه ذلك وتوجع له وأعلمه النصارى بما كان من ثورة اليهود مع الفرس وايقاعهم بالنصارى وتخريبهم الكنائس وأنهم كانوا أشدّ نكاية لهم من الفرس وقاموا قيامًا كبيرًا في قتلهم عن آخرهم وحثوا هرقل على الوقيعة بهم وحسنوا له ذلك فاحتج عليهم بما كان من تأمينه لهم وحلفه فأفتاه رهبانهم وبطاركتهم وقسيسوهم بأنه لا حرج عليه في قتلهم فإنهم عملوا عليه حيلة حتى أمّنهم من غير أن يعلم بما كان منهم وأنهم يقومون عنه بكفارة يمينه بأن يلتزموا ويلزموا النصارى بصوم جمعة في كلّ سنة عنه على ممرّ الزمان والدهور فمال إلى قولهم وأوقع باليهود وقيعة شنعاء أبادهم جميعهم فيها حتى لم يبق في ممالك الروم بمصر والشام منهم إلا من فر واختفى فكتب البطارقة والأساقفة إلى جميع البلاد بإلزام النصارى بصوم أسبوع في السنة فالتزموا صومه إلى اليوم وعرفت عندهم بجمعة هرقل وتقدّم هرقل بعمارة الكنائس والديارات وأنفق فيها مالًا كبيرًا.
وفي أيامه أقيم ادراسلون بطرك اليعاقبة بالإسكندرية فأقام ست سنين ومات في ثامن طوبه فخربت الديارات في مدّة بطركيته وأقيم بعده على اليعاقبة بنيامين فعمر الدير الذي يقال له دير أبوبشاي ودير سيدة أبو بشاي وهما في وادي هبيب فأقام تسعًا وثلاثين سنة ملك الفرس منها مصر عشر سنين ثم قدم هرقل فقتل الفرس بمصر وأقام فيرش بطرك الإسكندرية وكان منانيًا وطلب بنيامين ليقتله فلم يقدر عليه لفراره منه وكان هرقل مارونيًا فظفر بمينا أخي بنيامين فأحرقه بالنار عداوة لليعاقبة وعاد إلى القسطنطينية فأظهر الله دين الإسلام في أيامه وخرج ملك مصر والشام من يد النصارى وصار النصارى ذمّة للمسلمين فكانت مدّة النصارى منذ رفع المسيح إلى أن فتحت مصر وصار النصارى من القبط ذمّة للمسلمين.
منها مدة كونهم تحت أيدي الروم يقتلونهم أبرح قتل بالصلب والتحريق بالنار والرجم بالحجارة وتقطيع الأعضاء. "
****************
وبلغ التمادي بكسرى أن خاطب هرقل قائلا له : " إنك تقول أنك تعتمد على إلهك، فلماذا إذن لم ينقذ أورشليم من يدي..؟! "
ولما وجد هرقل أنه لا يستطيع الوقوف أمام الفرس عزم أن ينقل مقر الإمبراطوريه الى تونس فمنعه بطريرك تونس وأفرغ خزائن الكنائس إليه ودفع أموالا كثيره إليه ليدافع بها عن المملكه المسيحيه . فإشتد ساعده فصالح التتر ليأمن جانبهم وتعهد أن يقوم بدفع مبلغا من المال لهم سنويا . ونجح في التصالح مع الآفار (قبائل متبربرة) تمهيدا للمعركة..
وحشد هرقل قوات ضخمه وزحف بها الى كيليكيه حيث كانت قوات الفرس معسكره هناك وعسكر فى المكان الذى كسر فيه الإسكندر المقدونى جيوش داريوس الفارسى ، وأقدم الرجل على استغلال تراخي كسرى نتيجة انتصاراته، فقام بعمليات عسكرية داخل أراضي الفرس، ونجح في اختراق مدينة كلورومية مسقط رأس زرادشت. ونشب القتال وإلتحمت جنوده برجال الفرس فسقط الكثيرين من الفرس قتلى فى هذا القتال الدموى وقام باسر أعداد كبيره منهم ونال هرقل النصر بعد عده مواقع ورجع الى عاصمته ثانيه غانما بين أصوات التهليل لابسا أكاليل النصر .
ورغم أن الفرس قد حاولوا التحالف مع القبائل البربرية لحصار العاصمة، إلا أن القوات البيزنطية نجحت في اختراق الحصار وضربه..واسترداد مدينة خلقدونية.
وقامت قوات الفرس بالإنسحاب من الأقاليم المحتله خوفا من قطع خط العوده الى بلادهم ، فعبر هرقل البحر الأسود وقطع جبال أرمينيا ولما وصل الى نينوى عسكر هناك حيث كانت القوات الفرس الهائله منسحبه فى طريقها الى وطنها متعبه ومنهكه من السفر , فوقف أمامهم بجنوده وقهرهم وطاردهم حتى داخل بلادهم وإسترد الأغنام التى سلبوها وأدوات كنيسه القيامه وإسترد خشبه الصليب المقدسه وأعاد زكريا الأسقف الى مكانه فى أورشليم كما أعاد خشبه الصليب الى مكانها فى كنيسه القيامه .
وكانت تلك الهزائم للفرس سببا في قتل كسرى بن هرمز، الذي تولى ولده من بعده ليتصالح مع هرقل،
قائمه بالأباطره البيزنطين الذين قتلوا بوحشيه مما يدل على عدم ثبات الحكم وأدى لإنهيار الإمبراطوريه