الراجح إن لفظة (( تاريخ )) عربية الأصل ، فهي من : أرَخَ ، يأرٌخٌ أرخاً ، بمعنى بين الوقت ، أي وَقت.
وبهذا المعنى وحده استخدم العرب هذه المفردة ، وهم يعينون أوقات الإحداث لديهم ، وقد كانوا يعتمدون حدثا مهما وكبيرا مبدأً لتواريخ الإحداث الأخرى ألاحقة ، وحتى السابقة القريبة العهد ، فيعرف وقتها قياسا إلى ذلك الحدث الكبير ، كحرب البسوس ، وعام الفيل ، ونحو ذلك ، فيقال : حدث كذا قبل حرب البسوس بعامين ، وحدث كذا بعد عام الفيل بعشرة أعوام ، وقد ثبت دائما أن مولد النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) يؤرخ بعام الفيل .
أما بعد الإسلام فقد تعارف المسلمون على التاريخ قياسا إلى أحداث دينية جديدة، كالمبعث النبوي، وعام الحصار في شعب أبي طالب، والهجرة إلى المدينة المنورة... وأستمر الأمر هكذا حتى أحسوا بالحاجة الماسة إلى تأريخ ثابت ومحدد موضع اعتماد الجميع .
فاعتمدوا التقويم الهجري القمري بالفعل منذ سنة 17للهجرة، في خلافة عمر بن الخطاب ( رض) ، وجعلوا أول محرم هو مطلع التاريخ الهجري .. ولاعتبارات خاصة ميزوا بها هذا الشهر.
ولم تظهر لفظة (( التاريخ )) بمعنى الكتاب الجامع للإحداث عبر السنين ، حتى النصف الأول من القرن الثاني ، في كتاب عوانة بن الحكم ، المتوفى سنة 147هـ ، والذي أسماه : كتاب التاريخ ، فهو أول كتاب في التاريخ يحمل هذا العنوان ، ثم اعتمد بعد ذلك على نحو واسع ، فكتب تحت العنوان نفسه هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، المتوفى سنة 204هـ ، كتاب : تاريخ أخبار الخلفاء ، وكتب الهيثم بن عدي ، المتوفى سنة 206هـ كتاب : التاريخ على السنين ، وكتاب : تاريخ الأشراف الكبير.
كما أعتمد لفظ (( تاريخ )) عنوانا لكتب التراجم كما يوحي به كتاب الهيثم بن عدي تاريخ الأشراف الكبير ، واعتمد أصحاب الحديث في تراجم الرجال ، كالبخاري ، المتوفى سنة 256هـ في كتابه : تاريخ البخاري .