سيبيو أفريكانوس (قاهر الفيلة)
اكتسب ( سيبيو ) شهرته من كونه القائد الوحيد الذي انتصر على ( هانيبال ) وفي عقر داره .
ولذلك كرموه بلقب ( أفريكانوس ) ، وهو مدين بهذا الانتصار إلى جواسيسه .
كانت مشكلته في مواجهة جيش ( هانيبال ) تنحصر في الفيلة التي يستخدمها كسلاح مدرع كاسح . ولكي يتغلب ( سيبيو ) على مشكلة الفيلة أرسل جواسيسه إلى معسكر ( هانيبال ) حيث اختلطوا بسياس الفيلة ، وعلموا منهم أن نقطة ضعف الفيل تكمن في شدة انزعاجه وفزعه إذا سمع أصواتاً مدوية .
فلما التقى الجيشان ، أحدث جيش ( سيبيو ) ضجة هائلة بالطبول ، فساد الذعر والارتباك بين الفيلة ، وفقد جنود ( هانيبال ) السيطرة عليها ، وانتصر( سيبيو ) عام 203 ق.م .
وفي حملته ضد ( سايفاكس ) ملك ( نوميديا ) حليف ( هانيبال ) ، أرسل أخاه ( لاليوس ) مبعوثاً ظاهره التفاوض على الهدنة ، وباطنه التعرف على إمكانيات العدو ، وأرسل معه ضباطاً متخفين في ثياب عبيد حتى لا يشك فيهم ( سايفاكس ) لكنه تفنن في إبعاد ( لاليوس ) ورفاقه عن تحصينات معسكره ، فأوعز ( لاليوس ) إلى رجاله بوخز الخيل التي معهم كما لو كانت حشرة لدغتهم .
ولما صهلت الخيل خائفة راح رفاق ( لاليوس ) يطاردونها بطريقة طافوا معها في أرجاء المعسكر ، وتعرفوا على نقاط الضعف والقوة ، وفشلت مفاوضات الهدنة فهاجم ( سيبيو ) المدينة وأشعل في تحصيناتها النيران ، وأرغم ( سايفاكس ) على الصلح.
يهوذا الإسخريوطي
استتر عيسى – عليه السلام – وحواريوه في البستان ليمضوا فيه الليل - وفجأة شق السكون صوت أقدام وقعقعة أسلحة ، وظهرت مجموعة من الرجال شاهرين سيوفهم .. ووقفوا على بعد خطوات .. وتقدم ( يهوذا الاسخريوطي ) من السيد المسيح ، عانقه ، وقبله قبلة الرياء المسمومة والتي لم تكن سوى الإشارة المتفق عليها بين ( يهوذا ) والجند ، للإرشاد إلى شخص المسيح ..
ترى ما الذي دفع ( يهوذا ) إلى ارتكاب أبشع خيانة عرفها التاريخ ؟؟ ... كرس ( عيسى ) – عليه السلام – كل جهده لدعوة الناس إلى الفضيلة ، والسعي إلى رد اليهود عن ضلالتهم ، وإلى اتباع شريعة ( موسى ) السمحة ، التي حرفوها ، ونهاهم عن تركيز الاهتمام في جمع المال ، وكانوا قد حضوا الفقراء والمحتاجين على تقديم ما يملكون من نذر يسير إلى صندوق الهيكل ، ليتدفق الذهب إلى خزائنهم .
وكان من اليهود طائفة أنكرت القيامة ، واستبعدوا الحساب ، وكذبوا الثواب والعقاب ، ومنهم طائفة أخرى انغمست في الملذات والشهوات .
لم يترك ( عيسى ) – عليه السلام – سبيلا لهدايتهم إلا سلكه ، لينتشلهم من وهدة الضلال . وشعر كهنة اليهود بخطر انفضاح أسرارهم وزوال دولتهم ، فثارت ثائرتهم ، وقلبوا علية ولاة الروم ، وصوروه لرجال السياسة مؤلبا للجموع ، مثيراً للفتن ، منافساً للحكام .
وتحالف الكهنة والساسة ضده .. وشوا بالمسيح عند ( بلاطس النبطي ) الحاكم الروماني . رموه بالسحر ، واستطاع ( كيافاس ) كبير الكهنة اليهود إقناع الحاكم بأن انتشار دعوة ( عيسى ) سوف يؤدي إلى زوال حكمه وتقويض سلطانه. ونعتوه بأنه كافر بدينهم ، وأجمع الكل على التخلص منه .
بثوا من حوله العيون لرصد تحركاته والإيقاع به ثم قتله . وبذلوا الوعود بالأموال والأماني عن الناس ، حتى لا يثير قتله ثورة . ومما يؤسف له أن يستجيب لغوايتهم ( يهوذا الإسخريوطي ) أحد حوارييه الاثنى عشر ... دلهم عليه وتقدم الجند نحوه ليقبضوا عليه لكن قدرة الله تجلت فأنجاه من كيد الكائدين .
أخفاه سبحانه وتعإلى عن أعين الناظرين ، وأوقع أبصارهم على رجل شديد الشبه بالمسيح .. انقضوا على الرجل الشبيه بوحشية ، فانعقد لسانه من الخوف والفزع ولم يستطع الكلام .. وصلبوه فوق جبل الزيتون .. ولم يكن ذلك الرجل المجهول سوى ( يهوذا ) ، الجاسوس الخائن ..
ولكن ما الذي دفع ( يهوذا ) إلى ارتكاب هذه الخيانة التاريخية ؟؟
يعتقد البعض أنه تجسس ووشى بمعلمه من أجل المكافأة المرصودة رغم تفاهتها .. ومقدارها ثلاثون قصعة فضية .. ويرى البعض الآخر أن إرادة الله جعلت من ( يهوذا ) عبرة لعل الناس به يتعظون ويحذرون.
الجاسوسية في العصور الوسطى
اتسمت جيوش العصور الوسطى بقلة العدد ، وبدائية السلاح ، فكان لابد لمن يريد النصر الؤزر أن ينشط سلاحه الثالث .. سلاح المخابرات ، حتى يقصر أمد الحرب ، ويقلل الخسائر ، وتنجح خططه في مفاجأة العدو ، وتضيق الخناق عليه ، وقطع خطوط إمداده وتموينه ، وشل حركته ، وإجباره على الاستسلام . ويتوقف ذلك إلى حد كبير على مقدار ما يتوافر له من معلومات عن ظروف العدو ، والعدة ، والخطة ، والمواقيت ، والروح المعنوية للجند ، ومواطن القوة والضعف في الجيش ، وكشرط أساسي للنصر ، لابد أن يكون الاعتماد الأول - بعد مشيئة الله - على توفير أفضل حالات الاستعداد للجيش المحارب ، وإلا فلا قيمة لأثمن المعلومات ، والأمثلة على ذلك كثيرة .
هزيمــة الملك هــارولد
لم تعرف إنجلترا قبل الملك هارولد في القرن الحادي عشر حاكماً اهتم بالمخابرات مثل اهتمامه . توافرت لديه كل المعلومات عن خطة " وليم الفاتح " في الهجوم على إنجلترا: التوقيت ، ومكان نزول الجيش ، وعدد الجنود الذين جمعهم وليم الفاتح ، وخط سير المعركة . ومع ذلك خسر هارولد الحرب ، لا بسبب نقص المعلومات ودقتها ، ولا لخطأ ارتكبته مخابراته ، بل لأن جنوده سئموا القتال ، ودب فيهم المرض والهلاك ، بعد السير مسافات طويلة .
خــوارق النينجــا
فيما عدا الملك هارولد ، لم يكن بين حكام أوروبا من أهتم بالمخابرات في العصور الوسطى ، على عكس حكام الشرق ، إذ لابد وأن تكون تعاليم " صن تزو " الصينية قد انتشرت في شرق الصين وغربه ، وعرفها اليابانيون والمغول .
في اليابان ظهر فن " النينجا " ، وهو اسم مأخوذ من كلمة يابانية معناها " اللامرئي " أو فن " الاستخفاء " . كان يمارسه في اليابان ، في القرن الثاني عشر ، فئة من صفوة شباب الساموراي بدنيا واجتماعياً ، قيل انهم تدربوا حتى اكتسبوا القدرة على المشي فوق الماء ، والحصول على المعلومات أثناء التخفي ، والاختفاء والظهور حسب إرادتهم ، على الرغم مما في هذا الزعم من مبالغة وتحريف ، إلا أنهم خضعوا لتدريب شاق ، على أعمال فذه منذ الصغر ، كالمشي على الحبال المشدودة ، والتعلق في فروع الأشجار بدون حركة لمدة طويلة ، والسباحة تحت الماء مسافات طويلة .
حتى صاروا سادة التخفي ، والتمويه ، والاستطلاع ، ومن هنا اكتسبوا اسمهم الخرافي : " النينجا " وبهذه القدرات برعوا في الخدمات التي أدوها ، سواء كانوا جواسيس أو مقاتلين ، كما أنها أكسبتهم منزلة عالية جدا في المجتمع الياباني .
جانكيـــز خـــان
ويتجلى استخدام المغول للجاسوسية بأوضح معانيه في عهد جانكيز خان .
فما كان لذاك " الإمبراطور المقاتل المغوار " - وهذا هو اسمه بلغته - أن يبسط سلطانه على الأرض ما بين منغوليا وأبواب العالم العربي ، بدون خطط محكمة .. وكانت الخطط المحكمة تحتاج بالضرورة إلى معلومات دقيقة ، يستقيها جواسيس أكفاء ، ويجمعها عملاء أذكياء من جنسيات مختلفة ، كمقدمة وأساس لغزواته .
كما كان يكلف التجار المتجولين ، ينتشرون في البلاد التي يوشك أن يغزوها ، يسجلون المعلومات اللازمة ، ويدونون مشاهداتهم وما يسمعون ، ويرسلونها إليه . وكثيرا ما لجأ جانكيز خان إلى إيفاد بعض أمهر قواده في مهام جاسوسية صعبة ، ومن هؤلاء : قائد اسمه " سبتاي " وآخر اسمه " نويون" سبتاي يخدع التتار : كان " سبتاي " من أبرز قادة جيش " جانكيز خان " .
فلما عزم الأخير على شن الحرب على التتار ، افتعل خلافا مع " سبتاي " ، وكلفه باللجوء إلى قائد التتار ، وزعم أنه تخلى عن جانكيز خان وانشق عليه .
وأنه يرغب في الانضمام إليه . وإثباتا لحسن نيته قدم له معلومات مزيفة خلاصتها أن جيش المغول بعيد عنهم ، وصار يزود جانكيز خان بالمعلومات سرا . وفوجئ التتار بجيش المغول يحدق بهم ، فأدركوا أن " سبتاي " لم يكن سوى جاسوس خدعهم . لكن بعد فوات الأوان .
نويون في الصين : أما " نويون " ، فقد ارسله " جانكيز خان " على رأس قوة مغولية من الفرسان ، لمساعدة إمبراطور الصين في القضاء على تمرد حاكم الإقليم الجنوبي . وكان جانكيز خان يضمر شرا للإمبراطور الصيني ، فأوصى " نويون " بالحصول على كل المعلومات اللازمة لشن هجوم على الصين ، ونفذ " نويون " الوصية ، واستفاد " جانكيز خان " من المعلومات في وضع خطته.
المخابرات في صدر الإسلام
ازدادت حاجة المسلمين إلى الاستخبار منذ خرج النبي ( محمد صلي الله عليه وسلم ) من مكة مهاجراً إلى المدينة يرافقه صاحبه ( أبو بكر الصديق ) وبعدها حدثت عدة عمليات .. منها :
* أخبار أيام الهجرة الأولى : في الطريق إلى المدينة كمنا في غار حراء ثلاثة أيام . وكان ( عبد الله بن أبي بكر ) يحمل لهما أخبار أحوال المسلمين والكفار في مكة أولاً بأول .
* سرية عبد الله بن جحش : في السنة الثانية للهجرة ، كلف النبي ( صلي الله عليه وسلم ) ( عبد الله بن جحش ) ، برصد تحركات قريش ، ومعرفة أخبارهم إذا يروى أن رسول الله دفع إلى ( ابن جحش ) كتاباً أمره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة يومين ، وينفذ ما فيه . ولما فتح الكتاب في حينه ، قرأ نصه : " إذا نظرت في كتابي هذا ، فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ، فترصد بها قريشا ، وتعلم لنا من أخبارهم " . أعلن ( عبد الله بن جحش ) محتوى الكتاب على رفاقه ، وساروا نحو غايتهم السامية في مهمتهم الاستطلاعية لقوات المشركين ، والتقوا بثلاثة تخلفوا عن قافلة لقريش حتى يحصلوا على معلومات عن قوات المسلمين ، فاشتبك معهم ( عبد الله بن جحش ) ورجاله ، وقتل أحدهم ، واقتاد الآخرين إلى النبي ( صلي الله عليه وسلم ) يستجوبهم .
* عيونعلي أبي سفيان : في غزوة بدر الكبرى ، خرج ( صلى الله عليه وسلم ) من المدينة ، وسار مع أصحابه حتى اقتربوا من ( الصفراء ) ، وبعث من يأتيه بأخبار ( أبي سفيان بن حرب ) ، وأخبرته العيون أن قريشاً سارت إلي ( أبي سفيان ) ليمنعوا إبله وتجارته حتى لا تقع في أيدي المسلمين .