قراءة إستراتيجية في الحرب على غزة
بقلم العميد المتقاعد وليد سكرية
الوضع السياسي المحيط بالحرب
تعثر المشروع الأميركي في جعل العراق أو لبنان منطلقاً لدفع المشروع الأميركي لصياغة شرق أوسط جديد، يؤمن هيمنة أميركية بشروط إسرائيل الأمنية والصهيونية، وضع أميركا أمام الحقائق التالية:
عدم إمكانية إرضاخ إيران بالحرب. وفشل العقوبات الإقتصادية عليها من تحقيق أهدافها حتى الآن.
عدم جدوى احتلال أميركا لسوريا، لحتمية نشوء مقاومة أشد وأوسع مما واجهته في العراق.
عجز إسرائيل عن تحقيق أهداف سياسية بالحرب ضد سوريا أو لبنان.
حتمية دفع المشروع الأميركي انطلاقاً من المسار الفلسطيني. بتحقيق تسوية سلمية على هذا المسار. مما يتطلب إزالة العوائق بالقضاء على المقاومة.
خيارات الرئيس الأميركي أوباما
احتواء إيران بالحوار. يتطلب نزع مخالبها. وإضعاف قدراتها على التأثير والمواجهة. وعزلها حصارها سياسياً داخل إيران؛ مع الضغط عليها اقتصادياً وتهديدها بالحرب.
حوار سوريا لفصلها عن إيران. يتطلب إغراءها بأثمان، لا تستطيع أميركا فرضها على إسرائيل. ليس الجولان فقط؛ بل قيام حالة عربية توازن إيران وتركيا وإسرائيل.
تحقيق تسوية سلمية على المسار الفلسطيني؛ يليها سلام بين الدول العربية المعتدلة وإسرائيل، مما يعزل سوريا ويضعف موقفها. ويوجد جبهة عربية بمواجهة إيران؛ مع سعي لضم العراق لمجلس التعاون الخليجي. لفصل العرب عن إيران ومواجهتها عسكرياً مستقبلاً.
استحقاقات زمنية أملت الحرب
انتهاء فترة التهدئة بين حماس وإسرائيل أواخر 2008.
إنتهاء حكم الرئيس محمود عباس في 9/1/2009 ورفض حماس سلطته.
تسلح الرئيس أوباما الحكم في 20/1/2009.
الدوافع للحرب
تثبيت وتكريس سلطة محمود عباس. لضمان الإستمرار بتحقيق التسوية السلمية. وضمان الهدوء على حدود إسرائيل.
تهيئة المسار الفلسطيني للسلام بالقضاء على المقاومة. بذلك أيضاً تضعف الموقف السوري والإيراني بمواجهة أميركا.
وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل وضمان أمنها من قبل السلطة الفلسطينية وعدم قيام انتفاضة.
اختبار مستوى ما وصل إليه الجيش الصهيوني من تدريب، واستعادته ثقته بقدراته بعد فشله بحرب تموز 2006.
استغلال نتائج الحرب انتخابياً داخل إسرائيل.
أهداف الحرب
القضاء على المقاومة عسكرياً.
تغيير السلطة السياسية في قطاع غزة. وتكريس سلطة محمود عباس مدعوماً بقوات دولية ربما.
فرض ترتيبات أمنية تضمن أمن إسرائيل.
تحقيق ما ورد بدوافع الحرب أعلاه.
قيود العمل العسكري الإسرائيلي
التسبب بأحداث انتفاضة بالضفة الغربية. فإسرائيل تريد القضاء على المقاومة وليس تعميمها.
مواجهة حرب على الجبهة الشمالية تدرك إسرائيل نتائجها.
في أواخر الحرب أصبح للرأي العام العالمي دور ضاغط لتقييد عمل إسرائيل.
واقع قطاع غزة
طول 35 كم مساحة 350 كم، سكان 1.5 مليون نسمة. يقسم إلى منطقة شمالية سكانها 800 - 900 ألف. هي الأقرب لعمق الكيان الصهيوني، ومنها تنطلق الصواريخ ضد أهداف حيوية. منطقة جنوبية عديدها 400 ألف. محاذية للحدود المصرية ومنها يهرب السلاح إلى القطاع. منطقة وسطى معظمها زراعية تضم عدة مخيمات.
يفتقر القطاع للعمق الإستراتيجي. فكله ضمن مدى نيران المدفعية.
هو أشبه بمدينة محاصرة. يمكن إسقاطه عبر:
اقتحامه عسكرياً واحتلال مدنه وتدمير المقاومة المدافعة عنه.
عبر الحصار وقطع مقومات الحياة لصمود المجتمع المدني، كالغذاء والماء والدواء والطاقة. مع الضغط عسكرياً والإستنزاف.
العمل العسكري
عناصر قوة إسرائيل
التفوق العسكري.
حصار القطاع.
الموقف الدولي المؤيد والعربي المتواطئ.
عناصر ضعف إسرائيل
الخوف من تكبد خسائر بشرية بجنوده تنعكس على معنويات الجيش وعلى الوضع الإنتخابي للحكومة.
تداعيات الحرب المحتملة في الضفة الغربية والجبهة الشمالية.
عناصر قوة المقاومة
الإرادة والصمود والإستعداد للتضحية أمام انسداد الخيارات الأخرى.
تلاحم الشعب مع المقاومة واستعداده لتحمل الصعاب.
المراهنة على تحرك الشارع الفلسطيني والعربي.
المراهنة على الجبهة الشمالية (لبنان وسوريا) إن تخطت إسرائيل خطوطاً حمر.
المراهنة على ضعف الجبهة الداخلية للعدو.
su-41
إستراتيجية إسرائيل العسكرية
إسقاط القطاع وتغيير وضعه السياسي عبر:
إسقاط المجتمع المدني بالحصار والإستنزاف.
تدمير البنية العسكرية للمقاومة والقضاء على سلطتها السياسية.
تسلسل العمل الإسرائيلي
بدأت الحرب مع تشديد الحصار منذ شهور لدفع السكان لاستهلاك احتياطات التموين. مما يضعف القدرة على الصمود طويلاً بالحرب.
نفذت إسرائيل عملية جوية لمدة أسبوع لتحقيق:
القضاء على القيادة السياسية بالضربة الجوية الأولى حيث دمرت منازل قادة حماس.
تدمير قواعد إطلاق الصواريخ ومخازن السلاح والذخيرة.
تدمير ما يمكن من البنية العسكرية للمقاومة.
تدمير مقومات صمود المجتمع المدني بضرب محطات المحروقات ومخازن التموين.
العملية البرية
هدفت لتضييق الحصار وتقطيع أوصال القطاع. والسعي لاحتلال المناطق الخالية من السكان خارج المدن لتدمير مراكز المقاومة وقواعد إطلاق الصواريخ والضغط عسكرياً على المدن مع التهديد بدخولها.
فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية بالعملية الجوية والبرية، فأصبح هدفها فرض ترتيبات أمنية على الحدود المصرية تضمن عدم إعادة تزويد القطاع بالسلاح.
لماذا لم تقتحم إسرائيل المدن
عدم تكبد خسائر كبيرة في صفوف العسكريين. حيث يصبح القتال التحاماً بين مقاوم وجندي، ويصبح السلاح م/د لدى المقاومة مجدياً في تدمير المدرعات الإسرائيلية.
عدم إيقاع آلاف الضحايا في صفوف المدنيين لمالها من تداعيات فلسطينياً وعربياً وعالمياً.
الموقف المهدد على الجبهة الشمالية.
إستراتيجية المقاومة
الدفاع اللامركزي مع وحدة القيادة والقرار السياسي. حيث يصعب التحرك من منطقة إلى أخرى. فكل منطقة بالقطاع تدافع ضمن مجالها.
الإختفاء عن مراقبة العدو ومفاجآته. مع اعتماد التحصن بإنفاق وغيرها.. (دروس مستفادة من حرب تموز 2006 في لبنان).
اعتماد الكمائن والعبوات الناسفة لضعف الأسلحة المتوفرة لديهم وقدرتها على الإشتباك مع العدو لأمدية بعيدة.
الصمود لأطول فترة زمنية مع استمرار التأثير على عمق العدو بالصواريخ بوتيرة محددة تستمر طويلاً دون انقطاع.
اتفاق إسرائيل وأميركا
لم تستطع إسرائيل كسر صمود المقاومة وإجبارها على قبول سلطة محمود عباس، أو قوات دولية في قطاع غزة، أو حتى على الحدود مع مصر.
كما رفضت مصر وجود قوات أجنبية على أرضها لما تعنيه من عدم الثقة بالجيش المصري وضبطه للحدود وانتقاص من سيادة مصر.
لجأت إسرائيل إلى أميركا ومعها حلف الأطلسي لتولي مكافحة تهريب السلاح إلى غزة عبر:
العمل المخابراتي لاكتشاف أعمال التهريب.
مراقبة البحار وتفتيش السفن المشبوهة.
الضغط على مصر لتنفيذ تدابير تمنع وصول السلاح إلى حدود قطاع غزة. مع مراقبة أميركية أوروبية لذلك.
لماذا وقف النار من طرف واحد
لفشل العمل العسكري في فرض سلطة جديدة في قطاع غزة يبرم معها اتفاق وقف إطلاق نار.
الفشل في فرض أو تحقيق ترتيبات أمنية على الحدود المصرية.
عدم جدوى استمرار الحرب لعدم القدرة على تحقيق أهداف عسكرية أكبر مما تحقق. علماً أنها أدركت استحالة اقتحام المدن أو حتى استنزافها لإسقاطها. (بعد تهديدات من الجبهة الشمالية).
نتائج الحرب عسكرياً
فشل العملية الجوية بتحقيق الأهداف.
محدودية الخسائر في الجسم العسكري للمقاومة دليل نجاح التدابير المتخذة مسبقاً.
استمرار إطلاق الصواريخ لنجاح تدابير المقاومة.
قدرة المقاومة على استمرار المواجهة طويلاً.
ارتكاب إسرائيل مجازر أثارت الرأي العام العالمي.
تداعيات الحرب عسكرياً
نجاح نهج المقاومة بمواجهة التفوق العسكري الصهيوني.
فشل إسرائيل بالحسم العسكري رغم التفوق لأسباب محيطة بالحرب فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً ودولياً.
تراجع دور إسرائيل العسكري كأداة عسكرية بيد الغرب تستخدم لتحقيق أهداف سياسية.
تداعيات الحرب سياسياً
فلسطينياً
انتصار المقاومة كخيار سياسي لاستعادة الحقوق.
إضعاف سلطة محمود عباس ونهجه. (هذه التداعيات ستظهر لاحقاً)
عربياً
إحياء القضية الفلسطينية كقضية مركزية، وعودة العداء لإسرائيل ورفض السلام معها كيفما كان.
تراجع قوى الإعتدال العربية بعد افتضاح موقفها المتخاذل بل المتواطئ. مما دفع بعضها لاتخاذ موقف جديد بمؤتمر القمة العربية في الكويت.
تعزيز دور قوى الممانعة وفكر المقاومة.
تعثر التسوية السلمية على المسار الفلسطيني، واحتمال الإنتفاضة الفلسطينية أصبح أكثر احتمالاً.
تعزيز وضع سوريا بالحوار مع الرئيس الأميركي أوباما.
إقليمياً
دخول تركيا بقوة إلى الساحة الشرق أوسطية وكلاعب رئيسي في رسم مستقبل المنطقة.
تعزيز وضع إيران بالحوار مع أميركا.
دولياً
تعثر المسعى الأميركي.
دخول أوروبا إلى صلب المسار الفلسطيني عبر التدابير الأمنية لمنع تهريب السلاح بقبول أميركا وإسرائيل. فيما كانت إسرائيل ترفض سابقاً تدخل أوروبا. الآن أصبحت حاجة لأمن إسرائيل حيث لا تستطيع أميركا.
غموض الموقف الروسي بل تخاذله عن دعم قوى الممانعة لقبوله بحل الدولتين على قاعدة إسقاط حق العودة. وكأن العالم العربي يواجه كامل الغرب (المسيحي) الذي يتقاتل على تقاسم المنافع بالمنطقة. لكنه يحارب تحررها كاملاً من هيمنته.
استمرار الحرب
توقفت الحرب عسكرياً لتستمر سياسياً واقتصادياً لفرض متغيرات عبر:
استمرار الحصار بشكل أو بآخر والتحكم بالمواد التي تدخل القطاع. قد نشهد تقنيناً بالمواد خاصة مواد البناء.
إعادة الإعمار وإدارته. وحصره بسلطة محمود عباس لفرضه واقعاً على شعب القطاع. أو إيجاد شرخ بين الشعب والمقاومة إن مانعت ذلك.
منع بناء القوة العسكرية بالقطاع. عبر العمل الأمني المخابراتي والتدابير الأمنية خاصة على الحدود مع مصر وداخل صحراء سيناء.