داجان.. سوبرمان الموساد الإسرائيلي
أشرف أبوالهول
من المؤكد أن الايرانيين يعرفون من يقف وراء اغتيال العالم النووي الايراني مسعود علي محمدي في طهران يوم الثلاثاء الماضي فكل مسئول ايراني يدرك تماما كلمة السر وهي داجان.
العالم الإيرانى مسعود على محمدى
فلولا هذا الرجل( مائير داجان) لكان البرنامج النووي الايراني قد خرج للنور منذ سنوات ولكن مدير الموساد الاسرائيلي الذي لا يعرف الكثيرون اسمه لأنه يعمل في صمت وبعيدا عن الجلبة الاعلامية وجه علي مدي السنوات السبع الماضية ضربات موجعة للبرنامج النووي الايراني جعلته يراوح مكانه تقريبا وبرغم الضجة الضخمة المثارة حوله وجعلت من داجان سوبرمان الدولة العبرية.
فالمتتبع لما يحدث داخل اسرائيل يعرف تماما أن المدير الحالي لجهاز الموساد والذي تولي منصبه في العاشر من سبتمبر عام2002 حقق انجازات لم يكن يتخيلها أحد سواء فيما يتعلق بالملف النووي الايراني او علي مستوي تحجيم القدرات العسكرية لسوريا أو حتي علي مستوي مواجهة حزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين ومع ذلك فلم يبادر أبدا للإعلان عن عملياته بل كان الإعلان يأتي دائما من الجانب الآخر.
وعندما قرر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو في منتصف العام الماضي التمديد لداجان نقلت الصحف الاسرائيلية عن مقربين من نيتانياهو قولهم ان الفترة الحرجة التي تمر بها الدولة العبرية وتنامي التحديات والتهديدات المحدقة بها تجبر الحكومة الاسرائيلية علي عدم الخوض في تعيين وريث لرئيس الموساد الحالي الجنرال في الاحتياط مائير داجان(65 عاما) الذي عينه رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ارييل شارون في هذا المنصب في عام2002 وتم تجديد فترة ولايته مرتين من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت علي خلفية النجاحات الباهرة التي حققها الموساد في حربه المفتوحة ضد البرنامج النووي الايراني.
ووفقا للمصادر الاجنبية فان الموساد الاسرائيلي في عهد داجان كان مسئولا عن عدد من العمليات الجريئة جدا التي تم تنفيذها في منطقة الشرق الاوسط في السنوات الاخيرة ووفق المصادر الاجنبية كما قالت صحيفة' معاريف' فان الموساد هو الذي نفذ عملية اغتيال القائد العسكري لحزب الله اللبناني عماد مغنية( الحاج رضوان) في العاصمة السورية دمشق في فبراير2008 وتدمير المفاعل النووي السري السوري في دير الزور في سبتمبر2007 وقصف قافلة الشاحنات السودانية التي كانت محملة بالاسلحة الايرانية وفي طريقها الي قطاع غزة لتسليمها لحركة حماس في يناير2001 وقالت المصادر ان العملية تمت علي بعد1400 كيلومتر من اسرائيل وهي بمثابة رسالة موجهة لايران بان سلاح الجو الاسرائيلي قادر علي ضرب المفاعل النووي الايراني علي حد تعبيرها.
واشارت الصحيفة الاسرائيلية الي ان داجان كان من اقرب المقربين من رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق ارييل شارون خلال خدمتهما معا في الجيش وكان شارون مسئولا عنه وفي السبعينيات من القرن الماضي امره شارون بتشكيل وحدة( ريمون) المسئولة عن اعمال تصفية للعديد من رموز المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحصل داجان علي وسام الشرف من الجيش الاسرائيلي وهو اعلي وسام يمنحه الجيش الاسرائيلي لأحد من افراده وبعد ان ترك الجيش انضم الي حزب الليكود برئاسة شارون في عام2000 وفي الانتخابات التي جرت في اسرائيل في عام2001 كان داجان رئيس الطاقم الانتخابي التابع لشارون الذي تغلب في الانتخابات علي غريمه ايهود باراك زعيم حزب العمل بفارق كبير.
وكمكافأة له وايمانا بقدراته عينه شارون رئيسا للموساد خلفا لافرايم هاليفي ليصبح مائير داجان ضمن عدد قليل من الموظفين البارزين الذين يقدمون تقارير الي رئيس الوزراء الاسرائيلي كل يوم خميس في مبني وزارة الدفاع القديمة في حي' كيرياه' بتل ابيب لعرض عملية لنيل المصادقة عليها او تقديم تقرير حول عملية نفذت أو ستنفذ.
ورغم الحرب الكلامية التي تشنها اسرائيل ضد البرنامج النووي الايراني إلا أنه يسود اعتقاد واسع في اسرائيل بأن داجان ومن خلال عمليات سرية معقدة نجح في تأخير البرنامج النووي الايراني لسنوات في الوقت الذي تدعي فيه مصادر رسمية اسرائيلية عدة ان طهران علي بعد ما بين سنة ونصف السنة وخمس سنوات من انتاج اسلحة نووية كما أنه كان الوحيد من بين قادة الأجهزة الأمنية الذي حذر الحكومة الاسرائيلية من شن الحرب الأخيرة ضد لبنان.
وقال الوزير بنيامين بن اليعازر الذي رشح داجان لدي شارون لملء المنصب انه اعاد مؤسسة الموساد لتصبح الذراع العملية الطويلة لاسرائيل وأصبح لديها القدرة علي التوجه الي اي مكان والقيام بأي عمل ترغب فيه.
وداجان ليس غريبا عن نيتانياهو أيضا حيث كان مستشارا لمكافحة الارهاب خلال رئاسته الحكومة الاسرائيلية للمرة الأولي بين عامي1996 و1999.
وعندما أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت استقالته تحت ضغط فضائح الفساد في سبتمبر2008قالت صحيفة معاريف في تقرير مطول:' خلال السنتين الماضيتين اصبح داجان المسئول الأمني المهم الأقرب الي رئيس الوزراء. وقد عززت تقييماته حول حرب لبنان الثانية وانجازات' موساد' المتراكمة ضد ايران وسوريا وحزب الله من مكانته ودفعت اولمرت الي المصادقة علي المزيد والمزيد من المهمات الجريئة لدرجة جعلت اولمرت يقول في الاجتماع الذي أعلن فيه استقالته:' اعتقد ان العمليات التي نفذتها حكومة اسرائيل تحت قيادتي في مجالات مختلفة سواء تلك التي يمكن قولها او التي لا يمكن قولها ستحصل علي مكانها المناسب في تاريخ دولة اسرائيل'. ورغم أن اولمرت لم يدخل في التفاصيل ولكن خلال عام2007 جري قصف منشأة دير الزور النووية التي كانت سوريا تبنيها بمساعدة كوريا الشمالية حسب التقارير الأمريكية والاسرائيلية ونسب حزب الله الي اسرائيل اغتيال القيادي البارز عماد مغنية في دمشق في فبراير2008 ونقلت الصحافة الاجنبية انه تم تفجير مصنع للاسلحة الكيماوية في سوريا مما ادي الي مقتل عشرات من الفنيين السوريين والايرانيين وتم ايضا تفجير قافلة للحرس الثوري الايراني قرب طهران كانت تنقل اسلحة الي حزب الله. ولم يعلن احد المسئولية عن هذه الاعمال.
وبدأ بروز الموساد حتي ادارة داجان في السنة الاخيرة من ولاية ارييل شارون حينما عرضت المؤسسة الدفاعية قائمة بالمعدات والجوانب التنظيمية الضرورية لمواجهة التهديد الايراني. وشملت القائمة وسائل ردع معقدة وحماية للمنشآت الحساسة بتكاليف باهظة ولكن داجان قال لصديقه المقرب وقائده السابق شارون:' انسوا الأمر دعوني اتعامل مع ايران بطريقتي وانا اعدكم بتوفير وسائل ردع في الوقت المناسب' وهو ماتحقق بالفعل ففي عام2007 برزت انباء تحدثت عن سوء الادارة فيما يتعلق بالمشروع النووي الايراني. منها ان احد الجنرالات الذي فر من الخدمة وهو علي رضا أصغري كان مسئولا عن الاتصالات بين بلاده و'حزب الله' وان تاجرا ايرانيا يتعامل في معدات الاتصالات المتطورة اتهم بالتجسس لحساب اسرائيل وحكم عليه بالاعدام وادين ابنه وهو مهندس ساعد في بناء مرافق الطرد المركزي الايراني بانه عميل مزدوج في خدمة وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية.
وتشمل' العوائق' التي وضعها داجان في طريق البرنامج النووي الايراني الحرب النفسية كما ان ما تسرب الي وسائل الاعلام الدولية والتحركات الدبلوماسية تحرج الايرانيين وتزيد من عدد الدول الغربية التي تقف ضدها كما تقول صحيفة' هاآرتس'. وفي احدي تلك الحالات دمر الايرانيون منشأة قرب طهران كانوا يستخدمونها لتطوير اسلحة نووية وطمروها لتصبح ملعبا لكرة القدم بعد ان تسربت انباء وجودها الي الوكالة الدولية للطاقة النووية.
وكما أنه من غير المستبعد أن يكون الموساد تحت قيادة داجان هو الذي يقف وراء اغتيال العالم النووي الإيراني مسعود محمدي فمن غير المستبعد أيضا أن يكون للموساد دور بارز في تأجيج مظاهرات المعارضة الإيرانية التي بدأت عقب الانتخابات الرئاسية في منتصف العام الماضي بهدف واحد هو تدمير إيران من الداخل.