من الذي أضحك وأبكى الأجنة؟ قال تعالى "وأنه هو اضحك وأبكى" (النجم : 39) سنعيش في هذه الآية الكريمة مع إشارة لطيفة من الإشارات العلمية التي يزخر بها القرآن الكريم.
إن معجزة خلق الإنسان تتجلى منذ اللحظة الأولى التي يبدأ فيها خلق الخلايا التناسلية عند الأبوين ثم التقاء الحيوان المنوي بالبويضة لتكوين النطفة الأمشاج ثم العلقة فالمضغة فالعظام التي تكسى باللحم. ثم تأتي اللحظة الحاسمة التي يتحول فيها هذا الجنين من مجموعة من الخلايا النامية إلى خلق أخر مفعم بالحياة يتحرك في أحشاء أمه وتظهر التعبيرات الإنسانية على وجهه. ونتيجة للثورة التقنية الهائلة التي حدثت في السنوات الأخيرة في تصوير الأجنة أصبحنا نرى الأجنة وهي تبتسم وتبكي في أرحام أمهاتها قبل أن ترى النور على الأرض
لقد كانت قدرة العلماء والأطباء على تصوير الأجنة صور ثنائية البعد عن طريق الموجات فوق الصوتية ثورة طبية كبيرة حيث ترسل الموجات الصوتية إلى الرحم ثم يتم استقبال الموجات المنعكسة منها مما يعطي صورة ثنائية البعد للجنين وذلك أتاح للأطباء الكثير من المعلومات عن نمو الأجنة وتطورها. لكن نتيجة للثورة التقنية الرهيبة في العقدين الماضيين تمكن العالمان أولاف فون رام (Olaf von Ramm) وستيفين سميث من جامعة ديوك بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1987م من إحداث ثورة أخرى في هذا المجال وذلك عن طريق إدخال البعد الثالث في عملية التصوير وحدث ذلك بتطوير الطريقة السابقة فبدل أن ترسل الموجات الصوتية بزاوية واحدة يتم إرسالها بعدة زوايا ثم استقبال الموجات المنعكسة، بحيث أصبحت أجهزة الموجات فوق الصوتية تعطي صور حقيقية ثلاثية الأبعاد للأجنة وكان هذا إنجازا عظيما لما تتمتع به هذه الصور من دقتها ووضوحها وقدرتها على إظهار التفاصيل الجسمانية للأجنة. ثم دخل بعد ذلك البعد الرابع وهو بعد الزمن ولقد تضافرت جهود العلماء في هذا المجال حتى ظهر جهاز الموجات فوق الصوتية رباعي الأبعاد (4D UltraSound) والذي مكننا من تصوير الأجنة تصوير حي متواصل أي بمعنى آخر (تصوير فيديو). (1)
تعبيرات الوجه ليست تقليدا للأم
لقد ظل العلماء يعتقدون أن التعبيرات التي تظهر على وجه المولود الصغير كالابتسام أو الضحك هي نتيجة لتقليد المولود لتعبيرات الأم وكانت هذه هي النظرية السائدة. (2)
فالطفل لا يبدأ الضحك والابتسام إلا بعد عدة أسابيع من الولادة. ولكن بعد استخدام تقنية التصوير فوق الصوتي ثلاثي ورباعي الأبعاد لاحظ العلماء ظهور تعبيرات إنسانية حقيقية على وجوه الأجنة. لقد اندهش العلماء عندما لاحظوا أن الجنين في رحم أمه تارة يبكي وتارة يبتسم.
إن هذه الصور لوجوه الأجنة لم تدهش العلماء فقط ولكنها تدهش كل من يراها. إن هذه الصور بالفعل تثير في النفس الإنسانية حالة من الإعجاب لا مثيل لها بخلق الله سبحانه وتعالى وتمتزج مشاعر الرحمة من الآباء والأمهات ومن يتمنوا ان يصبحو أباءا وأمهات مع مشاعر النشوة والسعادة التي تثيرها رؤية هذا الجنين مبتسما ومشاعر الشفقة والرقة عند رؤيته وهو يبكي.
وعند هذه المشاعر يجب أن يثار التساؤل الضروري في هذه الحالة إذا كان الجنين لا زال في رحم أمه لم ير النور بعد، لم ير أمه تضحك ولم يرها تبكي، إذن من علم هذا الجنين الابتسام ومن علمه البكاء؟.......وهذا التساؤل يطرحه العلماء فيقول د/ ستيوارت كامبل (Stuart Campbell) " أنا لا أعرف ما وراء هذا الابتسام؟ أنا لا أستطيع الإجابة ولكن بالفعل تنفتح زوايا الفم وتتحرك الأوداج.....
أن أعتقد أن في هذا دليل على البيئة الخالية من التوتر التي يوجد فيها الجنين داخل الرحم" (3) ولكن الإجابة تأتي سريعا من القرآن الكريم من هذه الآية المعجزة في سورة النجم " وأنه هو اضحك وأبكى" إنه الخالق عز وجل هو الذي وهب الأجنة في بطون أمهاتها القدرة على الضحك والقدرة على البكاء.
وهكذا فعندما يتطور العلم تتطابق حقائقه مع آيات هذا الكتاب المعجز، بل نجد فيه إجابات الأسئلة التي تحير العلماء. ملحوظة (بالرغم من وجود فارق بين الضحك والابتسام في اللغة العربية إلا إن الارتباط كبير بينهما وخاصة في دلالة الضحك وشموله للابتسام. وهذا مايتضح مثلا في تعليق المفسرين على قوله تعالى عن نبي الله سليمان عليه السلام "فتبسم ضاحكا من قولها" يقول القرطبي: أن الضحك يستغرق التبسم، والتبسم دون الضحك وهو أوله. ويقول ابن حجر: التبسم مبادىء الضحك من غير صوت والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور مع صوت خفي فإن كان فيه صوت يسمع من بعيد فهو القهقهة ، وكان من ذهب إلى اتحاد التبسم والضحك خص ذلك بما كان من الأنبياء عليهم السلام فإن ضحكهم تبسم).