الإخبار عن وجود معركة في المدينة
تغرق أحجار الزيت بالدماء منها
بقلم الدكتور خليل إبراهيم ملّا خاطر العزّاوي
أستاذ الحديث وعلومه بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
من علامات الساعة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهرت وانتهت: وجود معركة بين المسلمين في المدينة المنورة، بحيث إن أحجار الزيت تغرق بالدماء، من كثرة من يقتل في تلك المعركة.
فعن أبي ذرٍّ الغفاريٍّ رضيا لله عنه قال : ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً، وأردفني خلفه، وقال : " يا أبا ذر، أرأيت إن أصاب الناس جوعٌ شديد، لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع ؟ " قال : الله ورسوله أعلم. قال : " تعفّف " قال : " يا أبا ذر ، أرأيت إن أصاب الناس موتٌ شديدٌ، يكون البيت فيه بالعبد، (يعني : القبر) ـ كيف تصنع؟ " قلت : الله ورسوله أعلم. قال : " أصبر " قال : " يا أبا ذر، أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضاً حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع؟ " قلت : الله ورسوله أعلم. قال " أقعد في بيتك، وأغلق عليك بابك " قال : فإن لم أترك ؟ قال : " فأت من أنت منهم فكن فيهم " قال : فآخذ سلاحي؟ قال : " إذاً تشاركهم فيما هم فيه، ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك حتى يبوء بإثمه وإثمك " ) رواه أحمد وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والطيالسي وأبو داود وابن ماجة وأبو نعيم والبغوي والبيهقي ـ بإسناد صحيح ـ وصححه ابن حبان والحاكم .
في هذا الحديث الشريف عدة أمور غيبيية، ويهمنا ما يلي:
1. إخباره صلى الله عليه وسلم عن الجوع الشديد في المدينة، وقد وقع ذلك في عام الرماد، سنة ثماني عشرة من الهجرة، في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه، واستمر تسعة أشهر، ومات فيه خلق كثير، حتى استسقى عمر رضي الله عنه بالناس، نتيجة رؤيا رآها أحد بني مزينة[1] رضي الله عنه كما تكرر ذلك في غيره، وآخرها في قصة خروج أهل المدينة ـ كما يأتي بيانه.
2. إخباره صلى الله عليه وسلم عن الموت الشديد، وقد حصل هذا في طاعون عمواس، أسأله تعالى أن يقي المسلمين مصارع السوء.
وقد أدرك أبو ذر رضي الله عنه هاذين الأمرين لأنه توفي سنة اثنتين وثلاثين، في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه.
3. إخباره صلى الله عليه وسلم عن القتال الذي يقع في المدينة، حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء التي ستراق فيها، وقد حصل هذا، كما سأبينه إن شاء الله تعالى بعد قليل.
4. إخباره صلى الله عليه وسلم عن حال المسلم إذا أدرك الفتن، بحيث إنه لا يشارك فيها، ولا يكون سعيرها وموقدها، إنما عليه الاعتزال، حتى تنقشع الغمة، وتزول الفتنة، أسأل الله تعالى أن يقي المسلمين الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
قلت وأحجار الزيت في المدينة موضعان[2]، وإن خفي الثاني على كثير من المحدثين:
الأول : عند الزوراء، بجوار مشهد مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه، وهو موضع استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث عُمير مولى أبي اللحم رضي الله تعالى عنهما، الذي رواه أحمد والثلاثة، وصححه ابن حبان والحاكم.. في آخرين.
وقد دخل هذا الموضع في توسعة المسجد النبوي الشريف، من الجهة الغربية.
وقد حصل في هذا الموضع مقتل محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم المعروف بالنفس الزكية:
قال الإمام الذهبي[3] رحمه الله تعالى في السير : كان مصرع محمد عند أحجار الزيت، في رابع عشر رمضان، سنة خمس. قلت : يعني وأربعين ومائة، زمن المنصور، وقد قتل خلق كثير.
وأما الثاني : فهو في الحرة الشرقية من المدينة، عند منازل بني عبد الأشهل، وقد كان عندها معركة الحرة المشؤومة المشهورة، وكان ذلك لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة، في زمن يزيد بن معاوية، وبقيادة المسرف مسلم بن عقبة المري عامله الله تعالى بعدله، وقد قتل فيها عدد كبير من الصحابة والتابعين رحمهم الله تعالى ورضي عنهم. وقد كتب عنها الكثير، لكن أكثره لا يسلم من الكذب المجازفات والأغاليط والافتراءات، والله المستعان.
فأي الموضعين هو المقصود بهذه المعجزة ؟ وهل كلاهما ؟ كله ممكن.
وهذا الأمر ـ بحالتيه ـ لم يدركه أبو ذر رضي الله تعالى عنه، لأنهما حصلتا بعد موته بدهر، والله تعالى أعلم.
المصدر: نقلاً عن كتاب مختصر أشراط الساعة بقلم الدكتور خليل إبراهيم ملّا خاطر العزّاوي أستاذ الحديث وعلومه بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
[1] انظر تاريخ الطبري (4:96ـ 101) والكامل في التاريخ (2: 555ـ 558) والبداية والنهاية (7: 90ـ 92) .
[2] انظر على سبيل الامتثال : وفاء الوفاء (1121ـ 1123).
[3] سير أعلام النبلاء (6: 218).