العسكرية في القرآن الكريم
العميد/ مصطفى أحمد كمال(1)
التناول القرآني للمعركة الهجومية(2)
أولاً : عام :
(1) عندما نتكلم عن موضوع علمي عسكري مثل المعركة الهجومية وكيفية التناول القرآني لها فليس معنى ذلك أننا نضفي على القرآن الكريم الصبغة العلمية، أو أننا ننادي بأن الكتاب الكريم أحد المصادر العلمية الدنيوية، فالقرآن الكريم كتاب هداية ورحمة، وكل لفظ وكل آية وكل سورة فيه هي إعجاز إلهي لا يشعر به إلا المتدبر بحق، والمتأمل بصدق، والدارس بعمق، وحيث يستزيد ذلك المتدبر أو المتأمل أو الدارس ومضات ونفحات روحانية تتراكم داخله في صورة إيمان فوق إيمان، ونور على نور.
(2) والكتاب الكريم تناول صور المعركة القتالية كما نعرفها في عصرنا اليوم، سواء كانت هذه المعركة هجومية ـ وهي الصورة الرئيسية للمعركة القتالية ـ أو الصورة الدفاعية، وكل ما هو مشتق منهما من صور قتالية أخرى. وحتى يمكننا استعراض التناول القرآني للمعركة الهجومية فمن المهم أن نوضح كيف تتم هذه المعركة، وذلك من خلال صور واضحة ومبسطة يتمكن معها المستمع الكريم غير العسكري أن يلم بتلك المعركة، ثم نتناول بعد ذلك كيفية التناول القرآني للمعركة الهجومية.
(3) ونظراً لأن المعركة الهجومية التي تتم في عصرنا اليوم تنفذ من خلال مجموعة من المراحل؛ لذا فإن تناولنا لها سوف يتم مرحلة مرحلة، أو صورة صورة وبالترتيب والترقيم؛ حتى يكون هناك سهولة ويسر عند إيضاح التناول القرآني، ونعرف ماذا قال القرآن الكريم في كل مرحلة، وكيف عبر عنها، ووجه الإعجاز الموجود في سياق التناول.
ثانياُ: المعركة الهجومية كما تتم في عصرنا اليوم:
تتم المعركة الهجومية في عصرنا اليوم من خلال ست مراحل، هي كالآتي:
1 ـ الصورة الأولى (مرحلة حشد القوات):
لتنفيذ معركة هجومية ضد دفاعات معادية لا بد من حشد القوات في مناطق الحشد، وهي مناطق بعيدة عن العدو يتوفر فيها الأمن سواء من مصادر نيران العدو أو عناصر استطلاعه، وتكون هذه المنطقة على مسافة من العدو مناسبة لا تسبب الإرهاق للقوات عند تنفيذ التحرك. وفي حالة تواجدها على مسافة بعيدة تحدد أماكن وقفات لراحة القوات، وفي هذه المنطقة يتم التزاوج بين عناصر الالتحام والمشاة ( الدبابات ـ القوات الخاصة... ... الخ) وبين عناصر الاقتحام وعناصر النيران ( المدفعية ـ الهاونات ـ الصواريخ... إلخ) وأيضاً تتم جميع إجراءات التخطيط للمعركة للوصول للخطة القتالية التي سوف يتم تنفيذها.
2 ـ الصورة الثانية ( مرحلة التحرك والاقتراب من دفاعات العدو ):
وفي هذه المرحلة تتحرك القوات من مناطق حشدها في اتجاه العدو من خلال تقدم يحقق السيطرة على القوات، وغالباً ما تتم هذه المرحلة ليلاً حتى لا يتكشف فيه الهجوم، إضافة إلى ذلك فإن هناك العديد من الإجراءات التي تهدف إلى سرية التحرك والاقتراب، مثل السيطرة على الضوضاء والإضاءة الخاصة بالقوات، وعلى حجم الاتصالات اللاسلكية حتى لا تلتقط أي محادثات قد يستفيد منها العدو.
3 ـ الصورة الثالثة ( مرحلة التحول من تشكيلات التحرك إلى تشكيلات القتال ):
عند الاقتراب من العدو ووجود القوات في مرامي أسلحته تقوم القوات بالتحول السريع من تشكيل التحرك إلى تشكيل المعركة، ويشترط في هذه المرحلة السرعة في التحول، ووجود إخفاء ممثل في درجة إظلام معينة؛ لذلك غالباً ما نجد أن هذه المرحلة تتم في فترة الشفق البحري([3])حيث تستغل القوات فترة هذا الشفق في إجراء التحول المطلوب من تشكيل التقدم إلى تشكيل المعركة.
4 ـ الصورة الرابعة (مرحلة الهجوم على دفاعات العدو):
بعد انتهاء القوات من اتخاذ تشكيلات القتال ووصولها إلى خط البدء للعملية الهجومية وحيث يكون هذا الوصول غالباً مع انتهاء الشفق البحري وبداية الشفق المدني([4])والذي يعتبر نهاراً كاملاً من وجهة النظر العسكرية. تبدأ العملية الهجومية في الإضاءة الكاملة، حتى تستطيع كل وحدة مقاتلة رؤية الهدف المطلوب الاستيلاء عليه، وتقوم بالقتال في الاتجاه الذي يؤدي بها إلى هذا الهدف. ويختلف شكل المناورة المستخدمة لتنفيذ القتال من وحدة إلى أخرى طبقاً لشكل العدو وطبيعة الأرض ... الخ، ورغم هذا الخلاف المنطقي في شكل قتال الوحدات إلا أن هذا القتال لن يخرج عن اقتراب محسوب باستغلال النيران وخصائص الأرض، ثم الانقضاض السريع على القوات المحاربة في صورة إغارة ممزوجة بصيحة النصر (الله أكبر) ، تلك الصيحة التي أطلقها السلف الصالح فدانت لهم الدنيا شرقاً وغرباً وهم القلة والأقل خبرة.
5 ـ الصورة الخامسة (مرحلة القتال للاستيلاء على أهداف العدو):
تستمر القوات في تنفيذ العملية الهجومية لتدمير دفاعات العدو واختراق قواته، ودفع القوات المتواجدة في الخلف لتطوير عملية الهجوم، واستغلال النجاح الذي يتم تحقيقه، وأهم ما يميز هذه المرحلة:
أ ـ الضوضاء الشديدة والصوت العالي؛ حيث حركة المعدات القتالية، ونيران الأسلحة والمدفعيات، واصطدام قوات الجانبين ببعض.
ب ـ الرؤية المحدودة في أماكن مختلفة والتي تنتج عن الغبار المتصاعد من حركة المعدات والأسلحة والمدفعيات، وتنفيذ القوات لصور المناورة سواء الالتفاف أو التطويق، إضافة إلى ذلك فقد يلجأ أحد الأطراف إلى استخدام المواد الدخانية لتعمية الطرف الآخر.
ج ـ التداخل بين الأطراف المقاتلة، وظهور الاختراقات المحدودة في دفاعات الجانب المدافع في شكل جيوب ما تلبث أن تتوحد وتتسع مشكلة اختراقاً عميقاً يصل إلى وسط أو مركز القوات المدافعة.
د ـ وتعتبر هذه المرحلة هي المرحلة الرئيسية في حجم الخسائر التي تقع بالأطراف المقاتلة سواء في الأفراد أو المعدات.
6 ـ الصورة السادسة ( مرحلة تدمير العدو وتحقيق الهدف ):
تتيح هذه المرحلة كما سبق الإيضاح من خلال توحد الجيوب التي نجحت القوات المهاجمة في اختراقها بدفاعات العدو. ويلاحظ هنا أن عملية استغلال النجاح وتطوير الهجوم تتم في اتجاهات قد نم تركيز القوات فيها منذ بدء الهجوم بحيث يحقق هذا التركيز سرعة الوصول إلى التجمع الرئيسي للعدو وتدميره، والتواجد في منتصفه أو وسطه. وتعرف هذا الاتجاهات باسم الاتجاه الرئيسي للهجوم، وغالباً ما يكون هذا الاتجاه كالآتي:
أ ـ إذا كان الاتجاه الرئيسي للقوات في منتصف مواجهة القتال فإنه يؤدي إلى تدمير التجميع الرئيسي للعدو من خلال شطره إلى أجزاء، وتدمير كل شطر على حدة.
ب ـ إذا كان الاتجاه الرئيسي للقوات في يمين أو يسار مواجهة القتال فإنه يؤدي من خلال مناورة جانبية ومفاجئة غير متوقعة إلى مركز تجميع العدو.
ثالثاً: التناول القرآني للمعركة الهجومية: