-
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
لقد تميز الدين الإسلامي على غيره من الأديان السماوية بحث أتباعه على أن لا يكون إيمانهم بالله إيمانا تقليديا أو شكليا حيث ينشأ الأبناء على دين أبائهم ويقومون بعمل شعائره إما تعصبا أو تحت تأثير المجتمعات التي يعيشون فيها فيصدق بذلك قول الله فيهم "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)" الزخرف.
ولهذا نجد أن القرآن الكريم يزخر بالآيات القرآنية التي تحث المسلمين وغيرهم من البشر على التيقن من وجود الله عز وجل من خلال النظر والتفكر في ما خلق الله سبحانه وتعالى من أشياء فقال عز من قائل "أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)" الأعراف.
وعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد أمر البشر في التفكر في كل شيء تقع عليه أعينهم في هذا الكون إلا أنه سبحانه قد خص عدد كبير من الأشياء بالاسم لتكون مجالا للنظر والتفكر ومن هذه الأشياء ما جاء في قوله سبحانه "وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(21)" الذاريات.
إن في تركيب جسم الإنسان وغيره من أجسام الكائنات الحية من التعقيد وحسن التصميم ما ينفي نفيا قاطعا ما يدعيه الملحدون من أن هذه الأجسام قد صنعت بالصدفة بل على العكس من ذلك فإن تصنيعها يحتاج لصانع لا حدود لعلمه وقدرته. لقد أكد الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة من سورة الذاريات على أنه يوجد في جسم الإنسان وبالطبع في بقية أجسام الكائنات الحية آيات أي معجزات باهرة يمكن أن يستدل عليها أي إنسان عاقل مهما بلغت درجة علمه. إن كل ما يحتاجه الإنسان لكي يكتشف هذه المعجزات في تركيب جسمه هو النظر إلي أعضاء جسمه ومكوناتها إذا كانت ظاهرة والقراءة عنها إذا كانت باطنة ومن ثم التفكير في مواصفاتها والوظيفة التي تقوم بها والطريقة التي تعمل من خلالها والتساؤل فيما إذا كان بالإمكان أن تكون على غير الصورة التي هي عليها أو أن تكون أفضل مما هي عليه.
ومع التأكيد مرة أخرى على أن الإنسان مهما بلغت درجة تعليمه قادر على اكتشاف المعجزات الموجودة في بعض أجزاء جسمه خاصة الظاهرة منها إلا أنه كلما ازداد علم المرء بتركيب جسمه كل ما تكشفت له معجزات كثيرة لا يمكن الاهتداء إليها لغير المتعلم مصداقا لقوله تعالى "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)" الزمر. وفي سلسلة المقالات هذه سأعمل إن شاء الله على بيان بعض أوجه الإعجاز في تركيب مختلف مكونات أعضاء جسم الإنسان مبتدئين بالظاهر منها راجيا أن تكون بابا يدخل منه القارئ إلى عالم التفكر في مكونات أجسامهم ليستيقن أنها خلقت من قبل صانع لا حدود لعلمه وقدرته وهذا هو الهدف الذي أمر الله من أجله البشر في التفكر في أنفسهم في قوله سبحانه "وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(21)" الذاريات .
لا يكاد يمر يوم على الإنسان البالغ إلا ويقوم بتنظيف أسنانه بالفرشاة أو بالمسواك وغالبا ما ينظر إليها ويتفقدها من خلال المرآة ليتأكد من نظافتها ولكن من المؤسف أن أكثر الناس لا يتفكرون في هذه الأسنان وما في خلقها من عجائب. إن في تركيب وترتيب الأسنان في الإنسان وفي غيره من الكائنات الحية من أوجه الإعجاز ما يقنع أي إنسان عاقل مهما بلغ مستوى تعليمه بأنه لا يمكن أن تكون قد صنعت إلا من قبل صانع لا حدود لعلمه وقدرته. إن الوظيفة الرئيسية للأسنان في جميع الكائنات الحية هي أنها أحد أعضاء الجهاز الهضمي حيث تقوم بتقطيع الطعام إلى قطع صغيرة ومن ثم طحنها ومضغها بشكل جيد ليسهل إدخالها من خلال المريء إلى المعدة ومن ثم إلى بقية أعضاء الجهاز الهضمي. ولكي نبرز أوجه الإعجاز في تصميم الأسنان عند الإنسان سنثير في عقل القارئ بعض التساؤلات التي ستقوده إذا ما حاول الإجابة عليها إلى التيقن من أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون قد صنعت بالصدفة كما يدعي الملحدون.
إن أوجه الإعجاز هذه ستكون جلية واضحة فيما لو كلفنا لجنة من ألمع أطباء الأسنان في العالم أن يعملوا على إيجاد تصميم جديد للأسنان بحيث يتفوق على التصميم الحالي في أداء وظيفته. إن أول ما ستناقشه اللجنة بالطبع هو عدد الأسنان اللازمة في كل فك فهل العدد الحالي مناسبا أم يلزم زيادته مع تصغير أحجامها بالطبع لكون طول الفكين ثابتا أو يلزم تقليص العدد إذا ما وجد أن بعضها زائدا عن الحاجة. أما القضية الثانية التي سيناقشونها بعد أن تم تحديد العدد فهي تحديد أشكال هذه الأسنان فهل يمكن أن تكون على شكل واحد وبنفس الحجم أم يلزم اختيار أشكال مختلفة حسب موقع السن على الفك. أما القضية الثالثة فهي الطريقة التي سيتم من خلالها تحديد أحجام هذه الأسنان وضمان تركيبها في أماكنها دون مشاكل. أما القضية الرابعة فهي طريقة تصنيع القوالب التي ستستخدم لصب هذه الأسنان على افتراض أنهم وجدوا أشكالا جديدة غير الأشكال التي هي عليها. وستناقش اللجنة قضايا أخرى كثيرة كالمواد التي ستستخدم في تصنيع هذه الأسنان وطرق تثبيتها في الفك وتحديد لونها. وقبل بيان أوجه الإعجاز في الأسنان سنعطي نبذة سريعة عن أعدادها وأنواعها وترتيبها عند الإنسان البالغ.
يبلغ عدد الأسنان في الإنسان البالغ اثنين وثلاثين سنا نصفها مثبت على عظام الفك السفلي والنصف الثاني على الفك العلوي. ونظرا للتماثل بين أسنان الجزء الأيمن والجزء الأيسر من كل فك فإنه يوجد ستة عشر شكلا مميزا للأسنان وإذا ما افترضنا وجود بعض التماثل بين أسنان الفك السفلي وما يقابلها في الفك العلوي فإن عدد الأشكال سيتقلص إلى ثمانية أشكال مميزة تم تقسيمها حسب الوظيفة التي تقوم بها إلى أربعة أنواع وهي القواطع (شكلين) والأنياب (شكل واحد) والنواجذ (شكلين) والأضراس (ثلاثة أشكال).
وإذا ما ضربنا كل من هذه الأنواع بأربع فإنه سيوجد في فم الإنسان ثمانية قواطع وأربعة أنياب وثمانية نواجذ واثنا عشر ضرسا كما هو مبين في الشكل المرفق. ويوجد للقواطع والأنياب جذر واحد بينما يوجد جذر أو جذرين للنواجذ وما بين جذرين وأربعة جذور للأضراس تختلف من إنسان إلى إنسان تبعا للجينات التي يحملها. وتستخدم القواطع (الثنايا) لقطع أو قضم جزء صغير من قطعة طعام كبيرة كما نفعل عند أكل بعض أنواع الفواكه والخضروات في غياب السكاكين بينما تستخدم الأنياب لتمزيق بعض أنواع الطعام كاللحوم. وأما النواجذ (الضواحك) فتستخدم لتكسير أو تهشيم قطع الطعام الصلبة بينما تستخدم الأضراس (الطواحن) لتفتيت وطحن لقم الطعام لتصبح على شكل معجون طري يسهل بلعه.