معركة البويب
وقعت في السنة الثالثة عشر من الهجرة.
قال ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (7 / 30): وكانت هذه الواقعة بالعراق نظير اليرموك بالشام، فقد بعث أمراء النفوس جيشًا لهم بقيادة مهران واكتمل صف المسلمين تحت إمرة المثنى بن حارثة، فتوافوهم وإياهم بمكان يقال له "البويب" قريب من مكان الكوفة اليوم وبينهما الفرات قالوا: إما أن تعبروا إلينا، أو نعبر إليكم، فقال المسلمون: بل اعبروا إلينا فعبرت الفرس إليهم فتوافقوا، وذلك في شهر رمضان. فعزم المثنى على المسلمين في الفطر فأفطروا عن آخرهم ليكون أقوى لهم، وعبأ الجيش وجعل يمر على كل راية من رايات الأمراء على القبائل ويعظهم ويحثهم على الجهاد والصبر والصمت، وفي القوم جرير بن عبد الله البجلي في بجيلة وجماعة من سادات المسلمين. وقال المثنى لهم: إني مكبر ثلاث تكبيرات فتهيأوا، فإذا كبرت الرابعة فاحملوا. فقابلوا قوله بالسمع والطاعة والقبول، فلما كبر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا حتى غالقوهم. واقتتلوا قتالاً شديدًا، ورأى المثنى في بعض صفوفه خللاً فبعث إليهم رجلاً يقول: الأمير يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم : لا تفضحوا العرب اليوم فاعتدلوا. فلما رأى ذلك منهم ـ وهو بنو عجل ـ أعجبه وضحك وبعث إليهم يقول: يا معشر المسلمين عاداتكم، انصروا الله ينصركم، وجعل المثنى والمسلمون يدعون الله بالظفر والنصر. فلما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من أصحابه الأبطال يحمون ظهره، وحمل على مهران فأزاله عن موضعه حتى دخل الميمنة.
قال محمد بن إسحاق: وحمل المنذر بن حسان بن ضرار الضبي على مهران قائد الفرس فطعنه واحتز رأسه جرير بن عبد الله البجلي، وهربت المجوس وركب المسلمون أكتافهم يفصلونهم فصلاً، وسبق المثنى بن حارثة إلى الجسر فوقف عليه ليمنع الفرس من الجواز عليه ليتمكن منهم المسلمون. فركبوا أكتافهم بقية ذلك اليوم وتلك الليلة، ومن بعد إلى الليل فيقال: أنه قتل منهم يومئذ وغرق قريب من مائة ألف ولله الحمد والمنة وغنم المسلمون مالاً جزيلاً وطعامًا كثيرًا، وبعثوا بالبشارة والأخماس إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وقد قتل من سادات المسلمين في هذا اليوم بشر كثير أيضًا، وذلت لهذه الموقعة رقاب الفرس، وتمكن الصحابة من الغارات في بلادهم فيما بين الفرات ودجلة فغنموا شيئًا عظيمًا لا يمكن حصره