الله أكبر.. في
حرب رمضان
بقلم لواء شوقي محمد بدران
في شهر رمضان عام 1393هـ أتى نصر، وتغلبت الجيوش المؤمنة على القوات الإسرائيلية الغاشمة. وتحقق وعد الله في قوله -سبحانه وتعالى-: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، لقد تحقّق نصر الله بعد سنوات طوال من الصراع مع العدو الإسرائيلي الذي كان يكسب كل جولة . ذلك لأننا لم نكن نحسن الصلة بالله -سبحانه وتعالى-، ولم نكن نأخذ بالأسباب الحقيقية للإعداد والاستعداد الجادّ لملاقاة العدو. ولكن عندما غيّرنا أحوالنا كما أمرنا الحق -تبارك وتعالى- في قوله الكريم: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). وحينما أعددنا أنفسنا عقائديًا وماديًا إعدادًا جيدًا كتب الله لنا النصر. وهذا هو الطريق الصحيح للنجاح والفوز. وذلك ببذل كل جهد ممكن، والاعتماد على الله -تبارك وتعالى- وإخلاص النية لله، وطلب مرضاته، هنا تكون النتيجة الحتمية بالفوز في الدنيا والآخرة، كما قال الحق -سبحانه وتعالى-: (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً).
لقد كان شعار قواتنا المسلحة في حرب رمضان"أكتوبر": (الله أكبر)مدويًا في آفاق السماء، ورجالنا يهاجمون مواقع العدو، فيهزهم هزًا. وقذف الله في قلوب الأعداء الرعب ففروا هاربين. وكان هذا الشعار يقوي عزيمة الرجال، ويبعث فيهم الأمل، ويعطيهم الثقة بأن العدو مهما كان كبيرًا فإن الله أكبر. كانت حرب رمضان عام 1393هـ حربًا مباركة، وكانت في أيام مباركة من شهر مبارك هو شهر رمضان المعظم. وهو شهر مفضّل في الإسلام ترفع فيه الأعمال الصالحة، فما بال الجهاد والقتال فيه لنصرة الحق والدفاع عن الحرمات؟. وقد بدأت المعركة يوم العاشر من رمضان وأعطي لها الاسم الرمزي "بدر" تيمنًا بمعركة بدر التي كانت فاتحة خير على المسلمين، ونصرهم الله -سبحانه وتعالى- بعد أن كانوا أذلة. كان المبدأ الإسلامي في القتال وهو "النصر أو الشهادة" خير دافع لقواتنا للجرأة والشجاعة والتضحية عن عقيدة وإيمان. لذلك احتوت هذه الحرب على الكثير من قصص البطولة والفداء التي قدمها الضباط والجنود ممن نالوا شرف الشهادة.
خطة الخداع
الخداع من أهم عوامل النصر في المعركة. لذلك اهتمت قواتنا بخداع العدو في حرب رمضان، تمسكًا بقول الرسول القائد -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "الحرب خدعة".
وقد نجحت قواتنا في خداع العدو، وأخذه على حين غرة ومفاجأته بالهجوم؛ سواء في توقيت الهجوم أو في حجمه. ولم يكن العدو يتوقع قيام قواتنا بالهجوم في شهر رمضان، وهو شهر الصيام لدى المسلمين، فكان يظنه شهر راحة واسترخاء بالنسبة لقواتنا المسلحة.
وشملت إجراءات الخداع على المستوى الاستراتيجي الإعلان عن إنهاء خدمة عدة آلاف من المجندين إلزاميًا، وكان ذلك موقوفًا منذ حرب يونيو 1967، وإعلان التعبئة لأفراد الاحتياط عدة مرات. كذا الإعلان عن قيام مجموعة من القادة والضباط إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة. والحقيقة أنه لم يتم شيء من هذه الإجراءات، بل كانت فقط لخداع العدو؛ حيث كانت توحي بعدم وجود نية للهجوم.
لقد حققت إجراءات الإخفاء والخداع التي تم التخطيط لها، وقامت قواتنا بتنفيذها نتائج هامة، وكان لها الفضل في تحقيق المفاجأة، وفي امتصاص مجهود العدو الجوي والبري، والذي ضاع في مهاجمة مواقعنا الخداعية والهيكلية.
ولعل خير دليل على نجاح خطة الخداع التي وضعتها قواتنا أن العدو الإسرائيلي فوجئ مفاجأة تامة بالهجوم المصري السوري الساعة الثانية بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973، وفي وضح النهار.
تدمير تحصينات العدو
كان العدو الإسرائيلي قد أقام ساترًا ترابيًا عاليًا على الشفة الشرقية لقناة السويس، وأقام عدة نقاط حصينة. وقد أطلق العدو على هذا الخط الدفاعي: "خط بارليف" نسبة للقائد الإسرائيلي "حاييم بارليف". وخلف الخط الدفاعي الأول أنشأت إسرائيل خطين دفاعيين آخرين.
وهكذا ظن قادة إسرائيل أنه قد توفر لهم الأمن والأمان، ولكن الله خيّب ظنهم، كما جاء في الآية الكريمة فيمن كان قبلهم (وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ).
لم يكن يخطر ببال قادة إسرائيل أن العرب يمكنهم تدمير هذا الخط الحصين، بل إن بعض الخبراء العسكريين بعد دراستهم لتحصينات "خط بارليف"، والمانع المائي الذي أمامه وهو قناة السويس، قالوا: إنه لا يمكن تدميره إلا إذا استخدمت القنبلة الذرية.
وسبحان الله القويِّ العزيز الذي أضاء بصيرة رجالنا البواسل ليتغلبوا على الساتر الترابي المرتفع الذي كان يعتمد عليه "خط بارليف" بفكرة بسيطة، وهي استخدام تيار مائي قوي بواسطة طلمبات ميكانيكية لتجريف الرمال وفتح الثغرات في الحائط الترابي. وقد وفق الحق -سبحانه وتعالى- المهندسين المصريين إلى هذه الفكرة، والتي كانوا قد استخدموها من قبل في بناء السد العالي.