- النعاس من جنود الله :
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ) عن علي -رضى الله عنه- قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا متيقظ إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة يصلى ويبكى حتى أصبح، ذكره البيهقي والماوردي وفي امتنان الله تعالى عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان:
أحدهما: أنه قواهم بالاستراحة على القتال من الغد.
الثاني : أنه أمَّنهم بزوال الرعب من قلوبهم، كما يُقال: "الأمن منيم والخوف مسهر"، وقيل: غشاهم في حال التقاء الصفين.
4 - الماء من جنود الله وله وظائف أربع:
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) ظاهر القرآن يدل على أن النعاس كان قبل المطر، وقال ابن أبي نجيح: كان المطر قبل النعاس. وحكى الزجّاج: أن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر فنزلوا عليه وبقي المؤمنون لا ماء لهم، فوجست نفوسهم وعطشوا وأجنبوا وصلوا كذلك. فقال: بعضهم في نفوسهم بإلقاء الشيطان إليهم: نزعم أنا أولياء الله وفينا رسوله وحالنا هذه والمشركون على الماء؟ فأنزل الله المطر ليلة بدر السابعة عشر من رمضان حتى سالت الأودية؛ فشربوا وتطهروا وسقوا الظهر وتلبدت السبخة التي كانت بينهم وبين المشركين؛ حتى ثبتت فيه أقدام المسلمين وقت القتال.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نزل النبي صلى الله عليه وسلم يعني حين صار إلى بدر والمسلمون بينهم وبين الماء رملة وعصة فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس بينهم: تزعمون أنكم أولياء الله، وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تُصلُّون مجنبين؟
فأمطر الله عليهم مطرًا شديدًا، فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وثبت الرمل حين أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدَّواب، فساروا إلى القوم، وأمد الله نبيه بألف من الملائكة فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة مجنبة.
5 - الملائكة بحاجة إلى معية الله سبحانه:
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ).
فالملائكة بدون عون الله تعالى عاجزون عن تحقيق أي نصر حتى وهم يثبتون المؤمنين ويقاتلون معهم، لا بد لهم من معية الله سبحانه ليلقي الرعب في قلوب الكافرين.
6 - الله تعالى يدير المعركة:
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ* ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ لنار)
قوله: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ)
يقول: قووا عزمهم، وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين، وقد قيل وهم من المشركين وقد قيل إن تثبيت الملائكة المؤمنين كان حضورهم حربهم معهم، وقيل كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم، وقيل كان ذلك بأن المَلَك يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت هؤلاء القوم يعني المشركين يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفن فيحدث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك فتقوى أنفسهم. قالوا: وذلك كان وحي الله إلى ملائكته.
(سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ) يقول تعالى: سأرعب قلوب الذين كفروا بي أيها المؤمنون منكم وأملؤها فَرقًا حتى ينهزموا عنكم، فاضربوا فوق الأعناق.
7 - المؤمنون من جند الله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ* وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)
وبعد هذه المعية وهذا العون. لا مجال لفرار المؤمنين من الزحف فقد أمر الله عز وجل في هذه الآية ألا يولي المؤمنون أمام الكفار وهذا الأمر مقيد بالشريطة المنصوصة في مِثْلي المؤمنين فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنين من المشركين فالفرض ألا يفروا أمامهم.
وقال الجمهور من العلماء أن حكم الآية باقٍ إلى يوم القيامة وليس في الآية نسخ، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأكثر العلماء. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات … وفيه - والتولي يوم الزحف".
وأما يوم أحد فإنما فر الناس من أكثر من ضعفهم ومع ذلك عنفوا، وأما يوم حنين، فكذلك من فر إنما انكشف من الكثرة.
8 - الحصى من جند الله:
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ)
روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدروا عن بدر ذكر كل واحد منهم ما فعل: قتلت كذا، فعلت كذا؛ فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك، فنزلت الآية إعلامًا بأن الله تعالى هو المميت والمقدر لجميع الأشياء، فقيل: المعنى لم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم بسوقهم إليكم حتى أمكنكم منهم، وقيل: ولكن الله قتلهم بالملائكة الذين أمدكم بهم، (تفسير القرطبي ج4،7 ص384).
(وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى)
ولما التحم القتال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه يسأل الله النصر وما وعده، وأُمِر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأخذ من الحصى كفاً فرماهم بها وقال: "شاهت الوجوه، اللهم ارعب قلوبهم وزلزل أقدامهم" فانهزم أعداء الله لا يلوون على شيء وألقوا دروعهم، والمسلمون يقتلون ويأسرون وما بقي منهم أحد إلا امتلأ وجهه وعيناه ما يدري أين توجه والملائكة يقتلونهم.
9 - استفتاح الكافرين من جند الله:
(إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) قال: الأموي حدثنا أسباط بن محمد القرشي عن عطية عن مطرف في قوله (إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ) قال: قال أبو جهل: اللهم أعن أعز الفئتين وأكرم القبلتين وأكثر الفريقين فنزلت الآية.
كأنما هو يدعو على نفسه وفئته فاستجاب الله له.
10 - كثرة الكافرين وفئتهم من جند الله:
لأن الله تعالى ناصر حزبه ومؤيد جنده (وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ولن يدعهم للكثرة المشركة تتحكم بهم. فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا