ما الأزمة المالية؟
الأزمة المالية هي التداعيات الناجمة عن أزمة الرهون العقارية التي ظهرت على السطح في العام 2007 بسبب فشل ملايين المقترضين لشراء مساكن وعقارات في الولايات المتحدة في تسديد ديونهم للبنوك.
وأدى ذلك إلى حدوث هزة قوية للاقتصاد الأميركي، ووصلت تبعاتها إلى اقتصادات أوروبا وآسيا مطيحة في طريقها بعدد كبير من كبريات البنوك والمؤسسات المالية العالمية.
ولم تفلح مئات مليارات الدولارات التي ضخت في أسواق المال العالمية في وضع حد لأزمة الرهون العقارية التي ظلت تعتمل تحت السطح حتى تطورت إلى أزمة مالية عالمية، لم يخف الكثير من المسؤولين خشيتهم من أن تطيح بنظم اقتصادية عالمية وأن تصل تداعياتها إلى الكثير من أنحاء العالم.
تفجر الأزمة
يمكن القول إن منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي شهد تفجر الأزمة المالية في الولايات المتحدة لدرجة أن المحللين الاقتصاديين والسياسيين اعتبروا بداية الأسبوع الثالث في هذا الشهر “أسبوعا داميا” وتاريخيا للاقتصاد الأميركي انهارت فيه مؤسسات مالية ضخمة، بعد سنوات طويلة من النجاح، واضطرت مؤسسات أخرى للاندماج خشية السقوط، في حين تواصل المد الزلزالي الاقتصادي ليطال مؤسسات مالية كبرى في أوروبا وآسيا باعتباره نتيجة محتومة لارتباطها الاستثماري بالسوق المالية الأميركية.
الازمة المالية العالمية
مخاطر الازمة المالية تطال الجميع في العالم وتهدد المؤسساتوالعقارات والبورصة والنمو.
باريس – شهدت الازمة المالية التي بدأت قبل اكثر من سنةتطورات خطيرة ومتسارعة الاسبوع الماضي اثارت بوادر موجة ذعر في الاسواق.
وتعاقبت الاحداث مع افلاس مصرف “ليمان براذرز” وعملية الاندماج بين “ميريل لينش” و”بنك اوف اميركا” وتحول آخر واكبر مصرفين مستقلين في وول ستريت “مورغان ستانلي” وغولدمان ساكس” الى مجموعتين مصرفيتين قابضتين، واخيرا تدخل الدولة الاميركية بشكلاستثنائي وغير مسبوق لانقاذ مجموعة التأمين العملاقة “ايه اي جي” وظهور بوادر موجةذعر في الاسواق.
وفي مواجهة مخاطر انهيار النظام المالي طرح الرئيس الاميركي جورج بوش خطة انقاذتقوم على انشاء صندوق خاص من 700 مليار دولار لمساعدة المصارف على التخلص من ديونهاالمشكوك بتحصيلها، واحيلت الى الكونغرس للمصادقة عليها.
ولا تزال اسئلة عديدة عالقة حول مستقبل النظام المالي وانعكاسات هذه الازمة علىالاقتصاد العالمي.
* بعد مصرف ليمان براذرز، هل يمكن لمصارف اخرى اعلان افلاسها؟
- طاولت الازمة الاخيرة فئة محددة من المؤسسات المالية وهي مصارف الاعمال في وولستريت. وهي معرضة اكثر من سواها لان قسما كبيرا من نشاطاتها على علاقة بالاسواقالمالية ولم تكن تستند الى مصارف ودائع كبرى.
وتعتمد مصارف الاعمال هذه حصرا على المصارف الاخرى لاعادة تمويلها. وفي حال وقوعازمة ترفض المصارف خلالها اقراض بعضها البعض، تكون هذه المصارف معرضة بصورة خاصةللازمة التي يطلق عليها تعبير “ازمة السيولة”.
لا شك ان مصارف الودائع ايضا ليست بمأمن من الافلاس نتيجة موجة ذعر بين الزبائن،لكنه من الشائع عموما ان الدولة لا يمكن ان تدع مثل هذا الامر يحصل.
والامثلة على ذلك كثيرة، فقد عمدت الحكومة البريطانية الى تأميم مصرف “نورذرنروك” في ايلول/سبتمبر 2007 كما قامت الحكومة الالمانية بدعم مصرف “اي كا بي” لتجنيبه الافلاس. وفي 1995 جمعت الدولة الفرنسية اصول مصرف “كريديه ليونيه” المشكوكفي تحصيلها ضمن بنية خاصة لانقاذ المصرف من الانهيار. وفي واشنطن عمدت الادارة الىاطلاق خطة انقاذ ضخمة بقيمة 700 مليار دولار تقوم على السماح لوزارة الخزانة بانتشتري من المصارف اصولا عقارية عاجزة عن بيعها لاعادة تحريك عجلة القروض.
* وصلت مجموعة ايه اي جي الاولى في العالم للتأمين الى شفير الافلاس. هل تهددالمخاطر شركات تأمين اخرى ايضا؟
- قامت مجموعة ايه اي جي بتنويع نشاطاتها الى جانب نشاطات التأمين التقليدية لاسيما في الاسواق المالية. فكانت تعرض على المصارف تأمينها من مخاطر الاعتمادات غيرالمحصلة. وازاء حجم التزاماتها وتدهور البيئة المالية، قامت وكالات التقييم بخفضعلامات الشركة بشكل مفاجئ ما ارغمها على البحث بشكل سريع عن اموال تسمح لهاباستعادة ملاءتها، غير ان ذلك لم يكن ممكنا بدون مساعدة الدولة الاميركية.
ولم تواجه اي شركة تأمين كبرى اخرى حتى الان مخاطر من هذا النوع.
* لماذا قام الاحتياطي الفدرالي الاميركي بانقاذ “ايه اي جي” فيما ترك مصرفليمان براذرز يعلن افلاسه؟
- اوضح اندريه ليفي لانغ الرئيس السابق لمصرف باريبا ان “الاحتياطي الفدرالياعتبر بالنسبة لليمان براذرز ان افلاسه لن يكون على قدر كبير من الخطورة لعدم وجودمودعين بين زبائنه”. واعتبرت واشنطن بالتالي ان مخاطر انتشار عدوى الافلاس الىالنظام المالي بمجمله ضئيلة.
في المقابل، رأت السلطات الاميركية ان افلاس “ايه اي جي” يهدد باثارة ما يعرفب”مخاطر معممة”. وتبقى هذه النقطة موضع جدل. فقد اعتبر دوني كيسلر رئيس مجلس ادارةشركة سكور الفرنسية لاعادة التأمين انه لم يكن يجدر بالدولة الاميركية ان تنقذ “ايهاي جي” ورأى في ذلك تدخلا في قواعد المنافسة.
وقال لاذاعة “بي اف ام” ان “افلاس شركة تأمين لا يترتب عنه العواقب ذاتها مثلافلاس عميل مصرفي. فالظاهرة لا تهدد بان تتعمم في قطاع التأمين واعادة التأمين”.
* هل ستؤدي الازمة المالية الى تفاقم وضع السوق العقارية؟
- كانت السوق العقارية تشهد اساسا تراجعا قويا في دول كثيرة بسبب ارتفاع معدلاتالفائدة الذي يزيد كلفة القروض ومن تشدد المصارف في مطالبها حيال الزبائن المحتملينلشراء عقارات. وكان العديدون يعتبرون ان هذه “الفورة العقارية” ستخمد ذات يوم فيمطلق الاحوال.
وعمدت المصارف الى جمع اموال طائلة لتكون من جديد قادرة على منح قروض، لكن هذهالازمة الجديدة تهدد بمزيد من التدهور في ميزانياتها وقد تبدي مزيدا من التشدد فيمنح قروض للعائلات الراغبة في شراء منزل.
وتنطبق هذه الظواهر ايضا على قطاع عقارات الشركات الذي يشهد تباطؤا قويا.
هل من الممكن حصول انهيار في البورصات؟
- بدأ الاسبوع الماضي بـ”اثنين اسود” لينتهي في فورة استثنائية وارتفاع تاريخيمع ترقب خطة انقاذ القطاع المصرفي التي ارسلتها وزارة الخزانة الى الكونغرس في وقتمتأخر الجمعة وبدأت مناقشتها معه الاثنين. وتبقى اسواق البورصة متقلبة للغاية ولايتوقع احد عودة الهدوء اليها في الوقت الحاضر.
ولا تزال الاسواق عرضة لاي حدث سلبي في القطاع المصرفي فيما تطرح شكوك كثيرة حولامكانيات نجاح خطة واشنطن.
وسجلت البوصات الكبرى في الولايات المتحدة واوروبا تراجعا ما بين 20 و25% منذسنة ما يعني ان الفورة المالية هبطت كثيرا حتى الان ما يحد من مخاطر حصول انهيار.
وانهيار البورصة هو من حيث تعريفه هبوط بنسبة 20% في يوم واحد او 30% في فترةاطول.
* ما هي العواقب على المدخرين؟
- الذين اودعوا اموالهم في اسهم او سندات تكبدوا خسارة تراجع قيمة مستنداتهم.
اما الذين يحتاجون الى هذه الاموال بشكل فوري او الذين تتوافر اموالهم نقدا (وفقخطة ادخار مستحقة مثلا) فسوف يميلون الى اعادة توظيف اموالهم في استثمارات خالية مناي مخاطر مثل دفاتر الادخار او الايداع التي تعرض المصارف عليها حاليا فوائد مغريةمن اجل اجتذاب الودائع واستخدامها في اعادة تمويل نشاطاتها.
في المقابل، سيتوجب على الذين لا تستحق مدخراتهم خلال الاشهر المقبلة (مثل مبالغالتأمين على الحياة مثلا او صناديق التقاعد) والذين يمكنهم الانتظار، ان يتسلحوابالصبر وينتظروا حتى ترتفع الاسعار مجددا على امل ان تصح القاعدة التي تقول ان اياموال توظف في البورصة تكون دائما مربحة على المدى البعيد.
* ما ستكون العواقب على المؤسسات؟
- التصلب المتوقع في شروط منح الاعتمادات سيطاول المؤسسات مباشرة لان المصارفستتشدد اكثر في معايير الاقراض. كما ستجد الشركات صعوبة اكثر من قبل في اللجوء الىالسوق من خلال اصدار اسهم او سندات، لاعادة تمويل نفسها.
واوضح اريك هاير الخبير الاقتصادي في “المرصد الفرنسي للوضع الاقتصادي” انه “بعدما حققت استثمارات الشركات ارتفاعا بمعدل 3,1% في السنة بين 1995 و2005، منالمتوقع ان تتراجع بنسبة 1,9% عام 2009″.
وسيهدد هذا النقص في الاموال بعض الشركات بالتصفية. وتتوقع مجموعة “اولر ارميس” لتأمين القروض تزايد عدد الشركات التي تواجه صعوبات بنسبة 10 الى 15% عام 2008 فيفرنسا.
* هل تزيد هذه الازمة الجديدة من مخاطر حصول انكماش اقتصادي؟
- كان الانكماش متوقعا اساسا في عدد من البلدان ويهدد العديد من البلدان الاخرى. ومن المتوقع ان يطاول الانكماش الذي يتميز بنمو اقتصادي سلبي على مدى فصلينمتتالين، منطقة اليورو وربما ايضا الولايات المتحدة.
والمصاعب الجديدة التي يواجهها النظام المصرفي قد تحد اكثر من القروض ما سينعكسبشكل اكبر على قطاعي الاستهلاك والاستثمار اللذين يعانيان اصلا من تراجع ثقةالافراد والشركات في تطور الحركة الاقتصادية.
وراجع صندوق النقد الدولي بشكل غير رسمي في نهاية اب/اغسطس توقعاته للنموالعالمي فخفضها الى 3,9% للعام 2008 مقابل 4,1% سابقا، والى 3,7% للعام 2009 مقابل 3,9% سابقا.