· بحث للدكتور :
عبد الخالق عبد الله
·
جامعة الإمارات العربية المتحدة قسم
العلوم السياسية
·
المنشور في مجلة عالم الفكر
·
الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة
والفنون والآداب – دولة
الكويت العدد 28 عام 1999 م
العولمة :
جذورها، وفروعها، وكيفية التعامل معها
بقلم : صالح سليمان العامر
جذور العولمة والتعامل معها:
في القرن الحادي والعشرين أصبح
من الواضح أن معظم التحولات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية
المذهلة والمتسارعة التي يشهدها العالم هي إما سبب من أسباب العولمة أوانها
مجرد نتيجة من نتائجها الضخمة والعميقة . لقد كانت حركة دمج العالم موجودة
باستمرار وعبر كل العصور التاريخية، بيد أن هذه الحركة أخذت تتسارع خلال
التسعينيات بشكل خاص مستمدة صورتها من الثورة العلمية والتكنولوجيا الراهنة
والتطورات المدهشة في وسائل الاتصالات والمعلومات التي تقود الطريق إلى
المستقبل .والعالم – الآن - يعيش لحظة بدايات
العولمة ومازال يتعرف على مقدماتها ولكن العالم لا يعرف - على الإطلاق -
إلى أين تتجه العولمة وما هي نهاياتها ؟وهناك
محاولات فكرية عديدة لفهم طبيعة التحولات والتغيرات في جميع الاتجاهات
والمجالات واستيعاب هذا العالم الجديد وفهم سماته الأساسية ومساراته
المستقبلية منها على سبيل المثال و أبرزها :
1 -المؤلف
"صموئيل هانتغتون" بعنوان صدام الحضارات : الذي أشار فيه إلى أن البشرية -
وهي في طريقها نحو عالم جديد - كانت مقبلة على الحرب الدامية بين مناطق
الحضارة الكبرى .
2 –المؤلف
"فرانسيس فوكوياما" في كتابه "نهاية التاريخ" الذي شخص فيه المرحلة
الراهنة من التاريخ وكأنها مرحلة انتصار نهائي للنموذج السياسي والفكري
الليبرالي الذي يحظى بالقبول الواسع من أكبر قدر من الدول والمجتمعات في
العالم.
3 –"بول
كيندي" مؤلف كتاب "صعود وهبوط الامبراطوريات" والذي توقع فيه انهيار
الاتحاد السوفيتي، وتنبأ باحتمال تراجع هيمنة الولايات المتحدة على الشأن
العالمي في المستقبل إذا ظل الإنفاق العسكري الأمريكي على مستوياته العالية
والتي لا تتناسب مع نصيبها من الإنتاج الإجمالي العالمي .
4 –"رونالد
روبرتسون" مؤلف كتاب "العولمة" الذي يؤكد على أن العولمة هي تطور نوعي
جديد في التاريخ الإنساني بعد أن أصبح العالم أكثر ترابطاً وأكثر تماسكاً
والوعي بهذا الارتباط هو من أهم سمات هذه اللحظة .
5 –"جون
بسبيت" مؤلف كتاب "ملة العولمة" وتحدث فيه عن القوى التكنولوجية والتكتلات
الاقتصادية الجديدة التي ستلعب الدور الحاسم في تشكيل مستقبل البشرية خلال
القرن المقبل .
6 –"والفين توفللر" مؤلف الكتب
التالية : أ – ( الموجة الثالثة ب - صدمة المستقبل ج - تحولات القوة ) وهو
الذي سبق الجميع من حيث التعمق في فهم طبيعة الفصل الجديد في التاريخ
وتجديد سماته المميزة عن العصور السابقة . * اللحظة الحضارية الجديدة
كغيرها من اللحظات التاريخية السابقة واللاحقة مليئة بالفرص والمخاطر
الاحتمالات
وإن فرص العولمة كثيرة ومتنوعة وبالإمكان استغلالها لتحقيق أهداف محلية
ووطنية وغايات إنسانية وعالمية مثل: الفرص العلمية المصاحبة للثورة العلمية
والتكنولوجية والاتصالية وتقنية المعلومات .
أما مخاطر العولمة التي تحملها
في طياتها من سياسية وثقافية واقتصادية والمرتبطة بحركة العالم عن طريق
الولايات المتحدة ونتيجة تداخل هذه الفرص مع المخاطر كان من غير الممكن
اختزال العولمة وتبسيطها فلا يمكن اختزالها في الفرص والمخاطر أو العكس،
ولا يمكن تجاهل إيجابيات العولمة الواضحة كل الوضوح كما لا يمكن استبعاد
سلبياتها البارزة كل البروز ولا يمكن التغافل عن المستجدات الحياتية
والفكرية المعاصرة والاعتقاد بأن العالم يتغير والاستمرار بالقوالب
الحياتية والفكرية السابقة نفسها والتي ربما لا تناسب الفصل الجديد من
التاريخ وافتعال المواجهة والمعارك غير الضرورية مع العولمة . والمهم تشخيص العولمة تشخيصًا متوازنًا بكل مالها وما عليها
.
ماهي
العولمة ؟ يقول "بول
هيرست" و"غراهام توميسون" : إن أوهام العولمة هي الأكثر بكثير من حقائقها، و
مالا يـعرف عنها أكثر بكثير مما يـعرف، ومع ذلك فإن العولمة مازالت من
أكثر الظواهر الاقتصادية والسياسة والثقافية غموضاً وإثارة للجدل .وبعض الناس اتخذ منها موقفا أيدلوجيًا وعقائدياً مسبقًا قبل
أن يفهمها وأخذ يسابق الجميع لمعاداتها والبعض ركز تركيزًا أحاديًا على
مخاطرها دون فرصها، وبالغ في تضخيم المخاطر، ويمثل هذا الموقف صاحب كتاب (
فخ العولمة ) والبعض الآخر تعرف على فرصها دون المخاطر، وجعل يبالغ في
إفراز محاسنها الاستثمارية والمعرفية، وقام يبشر الجميع بنعيمها الموعود في
ظل النظام الرأسمالي الليبرالي وأما البعض الآخر فإنه أساء كل الإساءة في
فهم العولمة واعتقد واهمًا أن العالم قد تم عولمته عولمة كاملة وهو الأمر
الذي لم يتم بعد .
وهناك قطاعات أخرى من المثقفين
والعمال والجماعات الدينية تنظر إلى العولمة نظرة شك، وتعبر عن رفضها لها
كل الرفض، وكل هذه التصورات والأحاسيس والمواقف تعبر عن سعة انتشار العولمة
.
·
ولمعرفة حقيقتها لابد من :
أولاً : معرفة أن العولمة ليست
شعاراً من الشعارات السياسية أو
الفكرية الجديدة التي تبرز ثم
سرعان ما تختفي بعد أن تؤدي غايتها
.
ثانياً : العولمة ليست موضة
فكرية عابرة لا جذور لها في الواقع أو بدعة أنتجتها عقول المفكرين
والمنظرين لإلهاء الشعوب .ثالثاً : العولمة
ليست كلمة سحرية تفتح أبواب الثروة والمعرفة للشعوب المحتاجة وتفتح أبواب
الحاضر والمستقبل التي مازالت موصدة أمام الكثير من المجتمعات في كل أنحاء
العالم .رابعاً : إن العولمة ليست بالمسار
المحتوم الذي يحدد مصير البشرية في جميع الاتجاهات المفرحة أو المحزنة .خامساً : العولمة لا تعد بعالم أكثر أمناً واستقرارا وعدالة
وديمقراطية، فالعولمة لا تسعى بالضرورة إلى خلق عالم أكثر إنصافًا
للمجتمعات والتي لا تشعر- حاليا-ً بالإنصاف فليس ذلك من اختصاصها؛ فإن
سلبيات العالم الكثيرة من جميع النواحي موجودة قبل مجيء العولمة وربما
تستمر حتى بعدها، فليست العولمة معجزة القرن القادم .
سادسا : إن العولمة لا تعني اجتماع
العالم على منهج اقتصادي واحد مهما بلغ التأكيد على صلاحيته العالمية أو
الاجتماع تحت لواء مذهب سياسي واحد مهما اتضحت فوائد هذا المذهب، أو اتباع نموذج
ثقافي واحد مهما بدا هذا النموذج جذاباً ومغريًا وناجحًا؛ لأن العولمة لا
تضمن اختفاء التنوع الحضاري أو القضاء على التعدد الثقافي أو نزع الذاتية
الحضارية أو إلغاء الاختلافات بين الشعوب والمجتمعات والحضارات بل إن
العالم سوف يزداد تنوعا في جميع الجوانب الثقافية الحضارية . سابعا : العولمة ليست حركة
استعمارية أو إمبريالية جديدة لأن ذلك موجود قبلها .ثامنا : وأخيرًا ، العولمة ليست
أمركة فإن ذلك أسوأ ما في العولمة، وهو الهدف الذي يسعى إليه الأمريكان
ومع ذلك فلم تتمكن أمريكا من ذلك . إذاً المطلوب قبل حقيقة العولمة هو
تحرير العولمة من الأوهام والمبالغات والتصورات المغلوطة وسوف نقترب بعدها
إلى حقيقة العولمة. حقيقة العولمة : عدم وضوح حقيقة العولمة هو سبب
تلك الأوهام السابقة وينبغي أن يعلم أن تعريف العولمة هو أمر شائك وتوجد
صعوبات أمام الاتفاق على تعريف واحد.ومن الطبيعي أن يتفاوت فهم
الأفراد للعولمة ومضامينها المختلفة ولذلك فأن من الضروري التمييز بين
العولمة الاقتصادية و العولمة الثقافية والعولمة السياسية والعولمة
العلمية، والعولمة الاجتماعية إذ لا توجد عولمة واحدة . هذه أولى الحقائق
المهمة .والحقيقة الثانية : إن مفهوم العولمة
لم يكن موجودًا من قبل بل إن قاموس أكسفورد للكلمات الإنجليزية الجديدة
أشار لمفهوم العولمة للمرة الأولى عام 1991 م وبأنه من المفاهيم الجديدة
التي برزت خلال التسعينيات وهو اليوم من أكثر المصطلحات تداولا في الشرق
والغرب ولقد تعددت معاني مفهوم العولمة وكثرت استخداماته وأصبح من الصعب
حصر جميع استعمالاته المتفاوتة .ثالث الحقائق :
إن الحديث عن العولمة تزامن مع بروز مجموعة من الظواهر الحياتية
والمستجدات الفكرية والتطورات التكنولوجية والعلمية والتي تدفع في اتجاه
زيادة ترابط العالم وزيادة تقاربه وانكماشه .والأمر الذي يعني إلغاء الحدود
والفواصل الراهنة القائمة بين الأفراد و المجتمعات والثقافات والدول وزامن
ذلك زيادة الوعي بتكوين مجتمع أو عالم بلا حدود .التعريفات : أولاً أقدم التعاريف : تعريف
"رونالد روبرتسون" الذي يؤكد على أن العولمة هي اتجاه تاريخي نحو انكماش
العالم وزيادة وعي الأفراد و المجتمعات بهذا الانكماشولهذا التعريف شقان مهمان: 1 -تركيزه
الشديد على فكرة انكماش العالم وتتضمن أموراً كثيرة، كتقارب المسافات
والثقافات وترابط المجتمعات والدول. 2 -الوعي
بهذا الانكماش وهذا ما حدث فعلاً ثانيا أنتوني جيدنز : عرف العولمة بأنها:
مرحلة جديدة من مراحل وتطور الحداثة تتكاثف فيها العلاقات الاجتماعية على
الصعيد العلمي وحدوث تلاحم بين الداخل والخارج و الربط بين المحلي والعالمي
بروابط اقتصادية وثقافية وسياسية وإنسانية، ولا يعني هذا إلغاء المحلي
والداخلي ولكن أن يصبح العالم الخارجي له حضور نفس العالم الداخلي في
تأثيره على سلوكيات وقناعات وأفكار الأفراد ، والنتيجة هي بروز وتقوية
العامل الداخلي. فمن الخطأ الاعتقاد بأن
العولمة هي إلغاء للمحلي .ثالثاً " مالكون و
أنزز" في كتابه ( العولمة ) عرّفها بأنها: كل المستجدات والتطورات التي
تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد .