الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد، فقد من الله علي بقراءة كتاب (موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب) للشيخ خالد الأزهري، واختصاره في كراسة صغيرة.
فأحببت أن أشارك الأحباب في الملتقى بنثر هذه الكراسة بين أيديهم، لعل النفع يحصل بها.
الكتاب مطبوع بتحقيق (عبد الكريم مجاهد) عن مؤسسة الرسالة.
وهو أربعة أبواب:
- شرح الجملة وذكر أسمائها وأحكامها.
- الجار والمجرور.
- في تفسير كلمات يحتاج إليها المعرب.
- في الإشارات إلى عبارات محررة مستوفاة موجزة.
__________________
الباب الأول: شرح الجملة وذكر أسمائها وأحكامها
المسألة الأولى: شرح الجملة
اللفظ
المفيد المركب الإسنادي إذا كان مفيدا، أي: يحسن السكوت عليه، فهو كلام،
وإلا فهو جملة وليس بكلام. فجملتا (قام زيد) و(قام عمرو) من قولك: (إن قام
زيد قام عمرو) ليستا بكلام مع أنهما جملتان.
• والجملة قسمان:
- اسمية، إن بدأتْ:
أ?- باسم صريح، نحو: زيد قائم.
ب?- باسم مؤول، نحو: (وأن تصوموا خير لكم)، أي: صومكم خير لكم.
ت?- بوصف رافع لمكتف به، نحو: أقائم الزيدان؟
ث?- باسم فعل، نحو: هيهات العقيقُ.
ولا يغير تسميتُها دخول حرف عليها، نحو: إن زيدا قائم – هل زيد قائم – ما زيد قائما – لزيد قائم.
- فعلية، إن بدأت بفعل، نحو: قام زيد – اضرب زيدا – نِعمَ العبدُ – كان زيد قائما – قُتل الخراصون.
ولا فرق في الفعل أن يكون:
أ?- مذكورا أو محذوفا، نحو: يا عبد الله، التقدير: أدعو عبد الله.
ب?- تقدم عليه معموله أو لا، نحو: (فريقا كذبتم)، أصله: (كذبتم فريقا) فقُدم المعمول.
ت?- تقدم عليه حرف أو لا، نحو: هل قام زيد؟
• وهي أيضا تنقسم بالنسبة إلى الوصفية إلى: صغرى وكبرى.
فالصغرى هي المُخبَر بها عن مبتدأ، والكبرى هي التي خبرُها جملة.
مثال: (زيد قائم أبوه) جملة كبرى، و(قام أبوه) صغرى.
وقد
تكون الجملة صغرى وكبرى باعتبارين، نحو: (زيد أبوه غلامه منطلق). فجملة:
(غلامه منطلق) صغرى، وجملة (زيد أبوه غلامه منطلق) كبرى؛ وأما جملة (أبوه
غلامه منطلق) فهي كبرى بالنسبة إلى (غلامه منطلق)، وصغرى بالنسبة إلى
(زيد).
ومثاله أيضا: (لكنا هو الله ربي)، وأصلها: (لكن أنا هو الله ربي).
- أنا: مبتدأ أول.
- هو (ضمير الشأن): مبتدأ ثان.
- الله: مبتدأ ثالث. و(ربي) خبره. وجملة (الله ربي) خبر (هو). وجملة (هو الله ربي) خبر المبتدأ الأول.
جملة (هو الله ربي) كبرى بالنسبة إلى (الله ربي)، وصغرى بالنسبة إلى: (أنا).
__________________
المسألة الثانية: بيان الجمل التي لها محل من الإعرابوهي سبع:
1- الواقعة خبرا: نحو (زيد قام أبوه) أو (إن زيدا أبوه قائم) أو (كانوا أنفسهم يظلمون) أو (وما كادوا يفعلون).
فجملة (قام أبوه) في موضع رفع خبر المبتدأ.
وجملة (أبوه قائم) في موضع رفع خبر إن.
وجملة (يظلمون) في موضع نصب خبر كان.
وجملة (يفعلون) في موضع نصب خبر كاد.
2- الواقعة حالا: نحو (وجاءوا أباهم عشاء يبكون).
فجملة (يبكون) في محل نصب حال من واو الجماعة في (جاءوا).
3- الواقعة مفعولا به: وتقع في أربعة مواضع:
• محكية بالقول، نحو: (قال: إني عبد الله) فجملة (إني عبد الله) في موضع نصب على المفعولية، محكية بـ(قال).
• تالية للمفعول الأول في باب (ظن)، نحو: (ظننت زيدا يقرأ)، فجملة (يقرأ) في موضع نصب مفعوا ثان لـ(ظن).
• تالية للمفعول الثاني في باب (أعلَم)، نحو: (أعلمت زيدا عمرًا أبوه قائم)، فجملة (أبوه قائم) في موضع نصب مفعول ثالث لـ(أعلم).
•
معلقا عنها العوامل، والتعليق إبطال العمل لفظا وإبقاؤه محلا، لمجيء ما له
صدر الكلام. نحو: ((لنعلم أي الحزبين أحصى)، فالجملة من المبتدأ والخبر
(أي الحزبين أحصى) في موضع نصب سادة مسد مفعولي (نعلم). ونحو: (فلينظر
أيها أزكى طعاما)، فجملة (أيها أزكى طعاما) في موضع نصب سادة مسد مفعول
(ينظر).
4- المضاف إليها: نحو: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم)، فجملة (ينفع الصادفين صدقهم) في موضع جر بإضافة (يوم) إليها.
وكذلك كل جملة بعد:
• (إذ) الدالة على الماضي، نحو: (واذكروا إذ أنتم قليل).
• (إذا) الدالة على المستقبل، نحو: (إذا جاء نصر الله). (وتختص بالفعلية على الأصح).
• (حيث) الدالة على المكان، نحو: (جلستُ حيث جلس زيد).
• (لما) الدالة على وجود شيء لوجود غيره – عند من قال باسميتها، نحو: (لما جاء زيد جاء عمرو).
•
(بينما) أو (بينا)، نحو: (بينما زيد قائم). والصحيح أن (ما) كافة لـ(بين)
عن الإضافة، فلا محل للجملة بعدها من الإعراب. وأصل (بينا): (بينما)،
فحذفت الميم.
5- الواقعة جوابا لشرط جازم: وهو (إن) الشرطية وأخواتها. وهنا ثلاث حالات:
• أن تكون الجملة الجوابية مقرونة بالفاء، أو بإذا الفجائية، فمحلها الجزم. نحو:
- (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم) فجملة (لا هادي له) في محل جزم جواب شرط جازم. (ولهذا قُرئ بجزم (يذرْهم) عطفا على محل الجملة).
- (وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) فجملة (هم يقنطون) في محل جزم جواب الشرط.
•
أن تكون جملة الجواب فعلها ماض خال عن الفاء، نحو: (إن قام زيد قام عمرو)،
فمحل الجزم في الجواب محكوم به للفعل وحده، لا للجملة بأسرها.
(وكذلك القول في فعل الشرط، فإن محل الجزم محكوم به للفعل وحده لا للجملة بأسرها).
• نحو (إن قام زيد أقومُ) برفع (أقوم)، فاختلف في محل (أقوم):
-
(أقوم) ليس هو الجواب وإنما هو دليل الجواب، والجواب محذوف، والأصل: (أقوم
إن قام زيد). وهو مذهب سيبويه. وعلى هذا، فجملة (أقوم) لا محل لها لأنها
مستأنفة.
- (أقوم) هو نفس الجواب على إضمار الفاء والمبتدأ، والتقدير: (فأنا أقوم)، وهو مذهب الكوفيين. وعلى هذا فمحله الجزم.
-
(أقوم) هو الجواب، وليس على إضمار الفاء ولا على نية التقديم. وإنما لم
يجزم لفظه لأن الأداة كما لم تعمل في لفظ الشرط لكونه ماضيا مع قربه فلا
تعمل في الجواب مع بعده.
6- التابعة لمفرد:
كالجملة المنعوت بها، ومحلها بحسب منعوتها. نحو: (من قبل أن يأتي يوم لا
بيع فيه) فجملة (لا بيع فيه) في محل رفع على أنها نعت لـ(يوم).
7- التابعة لجملة لها محل من الإعراب: وهذا في صورتين:
• عطف النسق، نحو: (زيد قام أبوه وقعد أخوه)، فجملة (قام أبوه) في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة (قعد أخوه):
- إما أن تقدرها في موضع رفع معطوفة على جملة (قام أبوه)
- أو تقدرها معطوفة على جملة (زيد قام أبوه)، فلا محل لها إذن لأنها معطوفة على جملة مستأنفة.
- أو تقدر الواو واو الحال، فتكون الجملة في محل نصب على الحالية.
•
البدل، نحو: (أقول له: ارحل لا تقيمن عندنا)، ففجملة: (لا تقيمن عندنا) في
محل نصب على البدلية من جملة (ارحل). وشرطه أن تكون الجملة الثانية أوفى
بتأدية المعنى المراد من الأولى.المسألة الثالثة: الجمل التي لا محل لها من الإعراب:
[size=21]
وهي سبع:[size=21]1-
الجملة الابتدائية: وتسمى أيضا المستأنفة، وهي نوعان:
• المفتتح بها الكلام، نحو: (إنا أعطيناك الكوثر).
•
المنقطعة عما قبلها، نحو: (إن العزة لله جميعا) بعد (ولا يحزنك قولهم).
ولا يصح إعرابها محكية بالقول لفساد المعنى، لأن المحكي بالقول محذوف
تقديره (إنه مجنون أو شاعر) أو نحو ذلك.
2-
الجملة الواقعة صلة لموصول، وهو نوعان:
•
موصول اسمي، نحو: (جاء الذي قام أبوه). فجملة (قام أبوه) لا محل لها من
الإعراب لأنها صلة الموصول. والموصول نفسُه له محل بحسب ما يقتضيه العامل.
•
موصول حرفي، نحو: (عجبتُ مما قمتَ). فـ(ما) موصول حرفي يؤول مع صلته
بمصدر، في موضع جر بـ(مِن). وأما جملة (قمتَ) فلا محل لها من الإعراب
لأنها صلة الموصول.
3-
الجملة المعترضة بين شيئين متلازمين، ولا يعترض بها إلا بين الأجزاء المنفصل بعضها من بعض، المقتضي كل منهما الآخر.
فتقع
بين الفعل وفاعله، أو مفعوله، وبين المبتدإ والخبر، أو ما هما أصله، وبين
الشرط وجوابه، وبين الموصول وصلته، وبين المجرور وجاره، وبين الحرف
وتوكيده، وبين (قد) والفعل، وبين الحرف ومنفيه، وبين القسم وجوابه، وبين
الموصوف وصفته.
• مثال: إن سُليمى – والله ُ يكلؤها - *** ضنّت بشيء ما كان يرزؤها
جملة (والله يكلؤها) معترضة بين اسم إن وخبرها.
• مثال آخر: قوله تعالى: (فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم – لو تعلمون – عظيم * إنه لقرآن كريم)
جملة (لو تعلمون) معترضة بين الموصوف (قسم) وصفته (عظيم).
وجملة (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) معترضة بين القسم وجوابه.
فهذا اعتراض في ضمن اعتراض.
ويجوز
الاعتراض بأكثر من جملة – خلافا لأبي علي الفارسي – نحو قوله تعالى:
(قالت: رب إني وضعتها أنثى * والله أعلم بما وضعت * وليس الذكر كالانثى *
وإني سميتها مريم). فجملة (إني سميتها مريم) معطوفة على جملة (إني وضعتها
أنثى)، وبينهما جملتان معترضتان (على قراءة (وضعتْ) بإسكان التاء).
4-
الجملة التفسيرية (أو المفسرة)، وهي الكاشفة لحقيقة ما تليه وليست عمدة.
مثال: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب). فجملة (خلقه من تراب) مفسرة لـ(مثل)، لا محل لها من الإعراب.
وقوله
تعالى: (..زلما ياتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء)،
فجملة (مستهم البأساء والضراء) تفسيرية لا محل لها من الإعراب.
وقد
خرج بقولنا في التعريف (ليست عمدة) الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن، نحو:
(هو زيد قائم)، فإنها جملة مفسرة له، ولها محل من الإعراب بالاتفاق، لأنها
خبر، والخبر عمدة في الكلام، لا يصح الاستغناء عنه.
5-
الجملة الواقعة جوابا للقسم، ولها صور:
• أن يذكر فعل القسم وحرفه، نحو: (أقسم بالله لأفعلن).
• أن يذكر حرف القسم وحده، نحو: (يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين).
• أن لا يذكر واحد منهما، نحو: (وإذ اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس)، لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف.
وأما
في نحو قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم)، فالتقدير:
(أقسم بالله لنبوئنهم)، ويكون مجموع جملة القسم المقدرة (أقسم بالله)
وجملة الجواب المذكورة (لنبوئنهم) في محل رفع خبرا للمبتدإ. فليست جملة
جواب القسم وحدها هي الخبر.
6-
الواقعة جوابا لشرط:
•
غير جازم مطلقا، كجواب (إذا): (إذا جاء زيد أكرمتك)، و(لو): (لو جاء زيد
لأكرمتك)، و(لولا): (لولا زيد لأكرمتك). فجملة (أكرمتك) في الأمثلة
الثلاثة لا محل لها.
•
جازم ولم تقترن بالفاء ولا بإذا الفجائية، نحو: (إن جاءني زيد أكرمته)،
فجملة أكرمته لا محل لها. أما إن اقترنت بأحدهما فإنها تكون في محل جزم
كما تقدم.
7-
التابعة لما لا موضع له من الإعراب، نحو:
(قام زيد وقعد عمرو)، فجملة (قعد عمرو) لا محل لها لأنها معطوفة على جملة
(قام زيد) وهي لا محل لها لأنها مستأنفة. (هذا إذا لم تقدر الواو للحال).
__________________
المسألة الرابعة: الجمل الخبرية:الجملة
الخبرية – وهي المحتملة للتصديق والتكذيب مع قطع النظر عن قائلها – إذا لم
يطلبها العامل لزوما (كجملة الخبر والمحكية بالقول)، وصح الاستغناء عنها
(بخلاف جملة الصلة)، لها ثلاث حالات:
1- إن وقعت بعد النكرات المحضة فهي صفات، نحو: (حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه)، فجملة (نقرؤه) في موضع نصب نعت لـ(كتابا).
2- إن وقعت بعد المعارف المحضة فهي أحوال، نحو: (ولا تمنن تستكثرُ) بالرفع، فجملة (تستكثر) في موضع نصب حال من الضمير المستتر في (تمنن) المقدر بـ(أنت)، والضمائر كلها معارف.
3- إن وقعت بعد غير المحض منهما، فمحتملة لهما.
نحو: (مررت برجل صالح يصلي)، فجملة (يصلي) يمكن جعلها صفة ثانية لـ(رجل)
لأنه نكرة، ويمكن جعلها حالا من (رجل) لأنه قد قرُب من المعرفة باختصاصه
بالصفة الأولى وهي (صالح).__________________
الباب الثاني: الجار والمجرور
المسألة الأولى: تعلق الجار والمجرور بفعل أو بما في معناه:لا
بد من تعلق الجار والمجرور بفعل أو بما في معناه من مصدر أو صفة أو
نحوهما. والمراد بالتعلق العملُ في محل الجار والمجرور نصبا أو رفعا.
مثال: (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم)
- (عليهم) الأول متعلق بفعل هو (أنعمت)، فهو في محل نصب بـ(أنعمت).
- و(عليهم) الثاني متعلق بما في معنى الفعل وهو (المغضوب)، ومحله الرفع على النيابةِ عن الفاعل.
ويستثنى من حروف الجر أربعة لا تتعلق بشيء وهي:
• الحرف الزائد، كالباء الزائدة، نحو: (كفى بالله شهيدا)، و(ولا تلقوا بأيديكم)، و(أليس الله بكاف عبده).
وكـ(من) الزائدة، نحو: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)، و(ما لكم من إله غيره).
• (لعل) الجارة عند عُقيل. قال شاعرهم:
فقتُ ادعُ أخرى، وارفع الصوتَ جهرةً *** لعلّ أبي المغوار منك قريبُ
(وفيها عندهم أربع لغات: لَعلَّ، ولَعلِّ، وعَلَّ، وعَلِّ)
•
(لولا) الامتناعية إذا وَليها ضمير متصل، نحو: (لولاي، لولاك، لولاه).
فعند سيبويه، (لولا) جارةٌ للضمير، ولا تتعلق بشيء، وما بعدها مرفوع المحل
بالابتداء، مثل (لعل) الجارة.
والأكثر الإتيان بالضمير المنفصل: (لولا أنت، لولا أنا، لولا هو).
• كاف التشبيه عند الأخفش الأوسط وابن عصفور، نحو: (زيد كعمرو)، فإنهما قالا إنها لا تتعلق بشيء، وفي ذلك نظر.__________________
المسألة الثانية: بيان حكم الجار والمجرور بعد المعرفة والنكرة:حكم الجار والمجرور إذا وقع بعد المعرفة أو النكرة، حكم الجملة الخبرية كما تقدم. نحو:
• (رأيتُ طائرا على غصن)، (على غصن) في موضع نصب صفة، لأن (طائرا) نكرة محضة.
• (فخرج على قومه في زينته)، (في زينته) في موضع نصب حال من الضمير المستتر في (خرج)، لأن الضمير معرفة محضة.
• (يعجبني الزهر في أكمامه)، (الزهر) معرف بأل الجنسية، فهو قريب من النكرة. فيجوز في (في أكمامه) أن يكون صفة أو حالا.
• (هذا ثمر يانع على أغصانه)، (ثمر) نكرة موصوفة بـ(يانع) فصارت قريبة من المعرفة، فيجوز في (على أغصانه) أن يكون صفة أو حالا.المسألة الثالثة: بيان متعلق الجار والمجرور المحذوف في هذه المواضع:
متى
وقع الجار والمجرور صفة أو صلة أو خبرا أو حالا، تعلق بمحذوف تقديره
(كائنٌ) أو تقديره (استقرَّ)، إلا الواقع صلة، فيتعين تقدير (استقر)، لأن
الصلة لا تكون إلا جملة.
مثال:
• (الحمد لله): الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره (كائن) أو (استقر).
• (وله من في السموات والارض): (في السموات) متعلق بمحذوف تقديره (استقر).
__________________
المسألة الرابعة: حكم المرفوع بعد الجار والمجرور في المواضع السابقة:يجوز
في الجار والمجرور في هذه المواضع الأربعة، وبعد نفي أو استفهام (فهذه ستة
مواضع) أن يرفع الفاعلَ، فتقول في إعراب (مررت برجل في الدار أبوه):
(أبوه) فاعل يالجار والمجرور وهو (في الدار).
وهذا هو الوجه الراجح في الإعراب. والوجه الثاني: أن تقدر (أبوه) مبتدأ مؤخرا، وتقدر (في الدار) خبرا مقدما.
مثال آخر: (أفي الله شك). في إعراب (شك) الوجهان المتقدمان أيضا.
وقد
أجاز الكوفيون والأخفش أن يَرفع الجار والمجرور الفاعلَ في غير هذه
المواضع الستة، نحو: (في الدار زيد)، فيجوز عندهم أن يعرب (زيد) فاعلا،
وعند البصريين يتعين أن يعرب مبتدأ مؤخرا.__________________
تنبيه: جميع ما سبق ذكره في الجار والمجرور ثابت للظرف أيضا.
-
فلا بد من تعلقه بالفعل (نحو: وجاءوا أباهم عشاء يبكون) أو بمعنى الفعل
(نحو: (زيد جالس أمام الخطيب) – (جالس) اسم مفعول فيه معنى الفعل).
-
ويكون صفة للنكرة المحضة (نحو: مررتُ بطائر فوق غصن)، وحالا بعد المعرفة
المحضة (نحو: رأيتُ الهلال بين السحاب)، ومحتملا لهما بعد غير المحض منهما
(نحو: يعجبني الثمر فوق الأغصان، ورأيت ثمرة يانعة فوق غصن).
- ويقع خبرًا نحو: (والركبُ أسفلَ منكم) – بقراءة النصب في (أسفل) وصلةً نحو: (ومن عنده لا يستكبرون).
- ويجوز رفعُه الفاعلَ (نحو: زيد عنده مال) على التفصيل المتقدم.__________________
انتهى الباب الثاني.
ويليه - إن شاء الله تعالى - الباب الثالث: في تفسير كلمات يحتاج إليها المُعرِب
__________________
الباب الثالث: في تفسير كلمات يحتاج إليها المُعرب
النوع الأول: ما جاء على وجه واحد فقط.وهو أربعة:
1- (قَطُّ) (وفيها خمسُ لغات) ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان، ملازم للنفي. تقول: (ما فعلتُه قطُّ).
وقولُ العامة: (لا أفعلُه قطُّ) لحنٌ، لأنهم استعملوها في المستقبل، وهي لا تستعمل إلا في الماضي.
2- (عَوضُ)
(بتثليث آخره)، وهو ظرف لاستغراق ما يُستقبل من الزمان غالبا، وهو ملازم
للنفي. تقول: (لا أفعلُه عَوضُ)، أي: لا يصدُر مني فعلُه في جميع أزمنة
المستقبل.
وهو مبني إن لم يُضَف، وإلا كان منصوبا على الظرفية، نحو: (لا أفعله عوضَ العائضين).
ومثلُ (عوضُ) في استغراق المستقبل: (أبدًا) ظرف لاستغراق ما يستقبل من الزمان، إلا أنها لا تختص بالنفي ولا تُبنى.
3- (أجلْ): حرف لتصديق الخبر، مثبتا كان الخبر أو منفيا.
وقال ابنُ هشام: حرف تصديقٍ بعد الخبر، ووعدٍ بعد الطلب، وإعلام بعد الاستفهام.
4- (بلى)
وهو حرفٌ لإيجاب الكلام المنفيّ، فتختص بالنفي وتفيد إبطاله. سواء أكان
النفي مجردا عن الاستفهام نحو: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي
لتُبعثنّ)؛ أو كان مقرونا بالاستفهام – حقيقيا كان أو غير حقيقي – نحو:
أليس زيد بقائم؟ فيُقال: بلى. __________________
النوع الثاني: ما جاء على وجهين:
وهو: (إذا). لها وجهان:
1- ظرف مستقبل خافضٌ لشرطه، منصوب بجوابه؛ نحو: (إذا جاء زيد أكرمتُك)
(إذا): ظرف مستقبل مضاف.
(جاء زيد): شرطه، مضاف إليه.
(أكرمتك): جوابه. وفعل الجواب ناصب لمحلّ (إذا)، والأصلُ: (أكرمتك إذا جاء زيد).
وتختص
(إذا) الشرطية هذه بالدخول على الجمل الفعلية على الأصح؛ وأما نحو: (إذا
السماء انشقت) فمحمول عند جمهور البصريين على إضمار الفعل، والتقدير: (إذا
انشقت السماء انشقت).
وقد تستعمل (إذا) ظرفا للماضي، نحو: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها)؛ وللحال بعد القسم، نحو: (والنجم إذا هوى).
2- حرف مفاجأة، وتختص بالجمل الاسمية على الأصح، نحو: (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين).
وقد تليها الجملة الفعلية إذا كانت مصحوبة بـ(قد)، نحو: (خرجتُ فإذا قد قام زيد).
واختُلف في كونها حرفا أو اسما (ظرف مكان أو زمان). والصحيح أنها حرف.
وقد اجتمعت (إذا) الشرطية والفجائية في قوله تعالى: (ثم إذا دعاكم دعوةً من الارض إذا أنتم تخرجون).__________________
النوع الثالث: ما جاء على ثلاثة وجوه: وهو سبع:1- إذ:
• ظرف لما مضى من الزمان (غالبا)، وتدخل على الجملة الاسمية، نحو: (إذ انتم قليل)، والفعلية، نحو: (واذكروا إذ كنتم قليلا).
وقد تستعمل للمستقبل، نحو: (فسوف يعلمون إذ الاغلال في أعناقهم)، فهي هنا بمعنى (إذا).
• حرف مفاجأة إذا وقعت بعد (بينا) أو بينما)، نحو: (بينا أنا في ضيق إذ جاء الفرج).
•
حرف تعليل، نحو: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون).
والمعنى: لن ينفعكم اشتراككم في العذاب لأجل ظلمكم في الدنيا.
2- لما:
• حرف وجود لوجود، وتختص بالدخول على الفعل الماضي على الأصح. مثال: (لما جاء زيد جاء عمرو).
وهي حرف عند سيبويه، وظرف زمان بمعنى (حين) عند أبي علي الفارسي ومتابعيه.
•
حرف جزم لنفي حدث المضارع في الحال، وقلب زمنه ماضيا، متوقعا ثبوته في
الاستقبال. نحو: (بل لما يذوقوا عذاب). المعنى: لم يذوقوا إلى الآن،
وذوقهم له متوقع في المستقبل.
• حرف استثناء بمنزلة (إلا) في لغة هذيل،
يقولون: (أنشدك الله لمّا فعلت) أي: (ما أسألك إلا فعلك). ومنه قوله
تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ) بقراءة التشديد، والمعنى: (ما كل نفس
إلا عليها حافظ).
وأنكر جمع وجودَ هذا الوجه في اللغة.
3- نعم:
• حرف تصديق إذا وقعت بعد الخبر المثبت، نحو: (قام زيد) أو المنفي، نحو: (ما قام زيد).
• حرف إعلام إذا وقعت بعد الاستقهام، نحو: (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا: نعم). وهذا المعنى لم ينص عليه سيبويه.
• حرف وعد إذا وقعت بعد الطلب، نحو: أن يقال لك: (أحسِن إلى فلان، فتقول: نعم.
4- إي:
حرف جواب بمنزلة (نعم) في كل ما سبق.
5- حتى:
•
جارة فتدخل على الاسم الصريح الظاهر، فتكون بمعنى (إلى) في الدلالة على
انتهاء الغاية، نحو: (حتى مطلع الفجر). وتدخل على الاسم المؤول من (أن)
المضمرة والفعل المضارع، فتكون على وجهين:
- بمعنى (إلى) نحو: (حتى يرجع إلينا موسى) تقديره: (حتى أن يرجع) أي إلى رجوعه.
- بمعنى (كيْ) نحو قولك للكافر: (أسلم حتى تدخل الجنة)، أي: كي تدخلها.
وقد تحتملهما معا، نحو: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله): تحتمل الغاية: (إلى أن تفيء) والتعليل: (كي أن تفيء).
• حرف عطف تفيد مطلق الجمع كالواو، إلا أن المعطوف بها مشروط بأمرين:
-
أن يكون المعطوف بها غاية للمعطوف عليه، نحو: (مات الناس حتى الأنبياءُ)،
فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غاية الناس في شرف المقدار.
- أن
يكون المعطوف بعضا من المعطوف عليه، إما حقيقة، نحو: (أكلت السمكة حتى
رأسَها)، أو حكما، نحو: (أعجبتني الجارية حتى كلامُها)، ولا تقول:
(أعجبتني الجارية حتى ولدُها) لأن الولد مستقل بنفسه، غير قائم بها.
• حرف ابتداء، فتدخل على:
- الجملة الفعلية المبدوءة بالفعل الماضي، نحو: (حتى عفوا).
- الجملة الفعلية المبدوءة بالفعل المضارع، نحو: (وزلزلوا حتى يقولُ الرسول) بالرفع.
- الجملة الاسمية نحو:
فما زالت القتلى تمجّ دماءها *** بدجلة حتى ماءُ دجلةَ أشكلُ
6- كلا:
• حرف ردع وزجر، وهو قول جمهور البصريين في نحو: (فيقول: ربي أهانن، كلا) أي: انته وانزجر.
• حرف جواب وتصديق بمنزلة: (إي)، في نحو: (كلا والقمر)، أي: إي والقمر.
• بمعنى (ألا) الاستفتاحية، نحو: (كلا لا تطعه)، أي: (ألا لا تطعه).
7- لا:
•
نافية، والغالب أنها تعمل عمل (إنّ) فتنصب الاسم وترفع الخبر، نحو: (لا
إله إلا الله). وقد تعمل عمل (ليس)، فترفع الاسم وتنصب الخبر، نحو:
تعزَّ فلا شيءٌ على الأرض باقيا *** ولا وَزرٌ مما قضى الله واقيا
• ناهية، تجزم الفعل المضارع، نحو: (ولا تمش).
• زائدة، وفائدتها التقوية والتوكيد، نحو: (ما منعك ألا تسجد)، أي: أن تسجد