الأكسجين
الأكسجين oxygen عنصر كيمياوي غازي عديم اللون والرائحة والطعم يوجد في المجموعة السادسة من الجدول الدوري للعناصر الكيمياوية (جدول مندلييف)، عدده الذري 8، ووزنه الذري 15.9994 بالنسبة إلى الكربون 12C والأكسجين ضروري للتنفس وللحياة ولا ينافسه في القيمة والأهمية أي عنصر آخر على كوكبنا.
اكتشاف الأكسجين
اهتم العلماء قديماً بالاحتراق والتنفس، وقد ظهرت أولى الدلالات على ذلك في مخطوطات صينية من القرن الثامن تشير إلى ما يأتي: «لا يساعد جميع الهواء ـ بل قسم منه ـ على الاحتراق»؛ واعتقد ليونارد دوفينشي Leonard Devinci أن الهواء مزيج غازين يستهلك أحدهما في الاحتراق والتنفس. ولم يعرف الأكسجين إلا بين عامي 1771 و1777 حين كشفه كل من البريطاني جوزيف بريستلي (1733-1804) Priestley والألماني كارل شيل (1742-1786) Scheele، واقترح لافوازيه [ر] Lavoisier تسميته الأكسجين «مولد الحموض». بيد أن همفري ديفي (1778-1829) Davy ثم يوستوس فون ليبغ (1803-1873) Liebig بينا في بداية القرن التاسع عشر أن الهدروجين هو المكون المميز للحموض وليس الأكسجين.
حالته الطبيعية
الأكسجين هو أكثر العناصر الكيمياوية وفرة في القشرة الأرضية (47% كتلة) وهو يكوّن 89% من كتلة المحيطات، و23% من كتلة الهواء؛ علماً بأن المادة الحية تحوي نحو 65% من الماء، ويتدخل الأكسجين أيضاً في الأوساط البروتينية وفي الشحميات والسكريات. وما الصخور إلا أكسجين اتحد بالسيليسيوم والمعادن (ولاسيما الألمنيوم والحديد والكلسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والمغنزيوم).
ذرّته
الأكسجين هو العنصر ذو العدد الذري 8= Z الواقع في رأس العمود السادس، وتوافق بنيته الإلكترونية الأساسية التشكيل 1S2, 2S2 , 2P2. وتبلغ طاقات التشارد (التأين) المتتالية فيه ما يأتي: 13.61 إ - ف (إلكترون فلط)؛ 35.1 إ - ف؛ 54.8 إ - ف؛ 114.1 إ - ف؛ 137.8 إ- ف؛ 73704 إ -ف؛ 839.5 إ -ف. ويبلغ نصف قطر الذرة 0.74 ْA (أنغستروم =10-10متر)، ونصف قطر الصاعدة O2- (anion) 1.40 ْA وتساوي الألفة الإلكترونية الموافقة لتكوّن 52- المقدار -7.28 إ - ف، مع أن الأكسجين يأخذ الشكل 52- في عدد من الأكاسيد المعدنية المصهورة، وهذا يوافق أيضاً واقع كهرلة electrolysis الألومين Al2O3 المصهور في حوض من الكريوليت NA3AlF6 والفلورين CaF2، وانطلاق الأكسجين عند المصعد نتيجة لتفرُّغ شحنة الشوارد 52- على هذا المصعد.
الجسم البسيط
يتكون الأكسجين في جميع الحالات الفيزيائية من جزيئات صيغتها O2، وبإمكان الذرات أن توجد حرة بفعل الانفراغ الكهربائي أو بفعل إشعاع ما فوق البنفسجي يقل طوله الموجي عن 1900 ْA. وبفعل الدفق الكهربائي تحصل جزيئات صيغتها O3 تُعدُّ أنها تنتمي إلى نوع كيمياوي آخر يدعى الأوزون [ر].
والأكسجين مكوّن مهم للهواء حيث يكون ممزوجاً مع الآزوت، وهو يحضَّر اليوم صناعياً بتسييل الهواء ثم تقطيره تقطيراً تجزيئياً. يغلي الأكسجين في الدرجة -183.0ْس وينصهر في الدرجة -218.9ْس. وهو قليل الانحلال جداً في الماء عندما يكون في حالته الغازية في الشروط العادية من درجة الحرارة والضغط، إلا أن قابلية انحلاله الضعيفة هذه تكفي لإتاحة بعض الظواهر كتنفس الأسماك أو الائتكال المعدني.
يتفاعل الأكسجين مع أغلب الأجسام البسيطة ومع كثير جداً من المركبات، ويحتاج عدد كبير من هذه التفاعلات إلى إزكاء بالتسخين إلى درجة حرارة كافية، وتكون هذه التفاعلات غالباً ناشرة للحرارة، وهي تتتابع بالحفاظ على درجة حرارتها مرتفعة (الاحتراق الشديد). ويأتي الجزء الأعظم من الطاقة، التي تستعملها الصناعة اليوم من الحرارة المنطلقة من احتراق ضروب الوقود الطبيعية (النفط أو الفحم أو الغازات الطبيعية المكونة أساساً من الميتان).
تعطي الأجسام البسيطة باتحادها مع الأكسجين أكاسيد، وتعطي المعادن القلوية مزيجاً من أكسيد وفوق أكسيد. ويُعطي كثير من العناصر عدة أكاسيد. ولتفاعلات أكسدة المعادن أهمية كبيرة، ذلك أنها تَحْدُث بدءاً من درجة الحرارة العادية، ويتيح بطؤها في هذه الدرجة من الحرارة انطلاق الحرارة من دون ارتفاع في درجتها. ويبدأ تأثر الجسم الصلب بالغاز (كما في تأثر قطعة معدنية بأكسجين الهواء) بتَكَوّن منتجات التفاعل على سطح المعدن، وبالفعل يتغطى المعدن (باستثناء الذهب والبلاتين) بطبقة رقيقة من أكسيد عند تعرضه لفعل أكسجين الهواء. وعلى العموم يتوقف التفاعل بسرعة عند تكوّن طبقة متصلة، إلا في المعادن القلوية أو القلوية الترابية التي تكوّن أكسيداً ذا حجم أصغر من حجم المعدن الذي وَلَّدَهُ.
فبوجود بخار الماء وغاز الكربون يتكوّن المنتج السطحي من هدروكسيدات وهدروكسي كربونات هشة قابلة للتفتت، قليلة الالتصاق بالمعدن تتيح تتابع التأثير وتخرب القطعة المعدنية تخرباً بطيئاً (صدأ الحديد، زنجار النحاس)؛ ومن هنا نشأت الفائدة من إلباس بعض المعادن القابلة للتأثر بطبقة مستمرة من معدن آخر يقاوم فعل الجو (رقاقة نيكل).
ويستعمل في عدد من الأكسدات وسيط كالبلاتين مثلاً في التفاعل المستعمل في الصناعة للحصول على حمض الآزوت:
إذ يتحول التيار الغازي من النشادر وأكسجين الهواء بوجود شبكة من البلاتين إلى أحادي أكسيد الآزوت بنسبة لاتقل عن 98%، ثم يتحول أحادي أكسيد الآزوت، بتفاعله مع أكسجين الهواء في الدرجة العادية من الحرارة، إلى ثنائي أكسيد الآزوت NO2 الذي يتحول بوجود الماء إلى حمض الآزوت.
وتتم الأكسدة الصناعية لثنائي أكسيد الكبريت SO2 إلى ثلاثي أكسيد الكبريت بأكسجين الهواء نحو الدرجة 400ْ -450ْس بوجود وسيط أساسه V2O5 ويحصل حمض الكبريت بإماهة ثلاثي الأكسيد. كما تحصل أكسدات صناعية شتى للمنتجات العضوية (البنزن إلى بلا ماء المالئيك مثلاً) باستعمال أكسجين الهواء بوجود وسيط.
ويزداد في الصناعة استعمال الغازات التي يزيد محتواها من الأكسجين على ما يوجد عادة في الهواء، ولا سيما في تنقية purifying حديد الصب.
الأكاسيد
هي مركبات العناصر مع الأكسجين. ففي المركبات النموذجية ترتبط جميع ذرات الأكسجين مباشرة بذرات العناصر الأخرى، ولا يرتبط بعضها ببعض. وأحياناً تنسب إلى الأكاسيد المركبات التي تحتوي جزيئاتها على ذرات مرتبطة على التسلسل (فوق الأكاسيد، الأكاسيد العليا والأوزونيدات).
تتكون الأكاسيد النموذجية بأكسدة المركبات البسيطة بالأكسجين مباشرة. ويتم تحضيرها أيضاً بالتحلل الحراري للهدروكسيدات والكربونات والنترات والكبريتات الموافقة، وأملاح الحموض الأكسجينية الأخرى.
ولتسمية الأكاسيد يؤخذ بالحسبان عدد الأكاسيد التي يُكوّنها العنصر الواحد، فإذا كوّن العنصر مع الأكسجين أكسيداً واحداً فقط دُعي أكسيد العنصر كأكسيد الصوديوم Na2O، وأكسيد المغنزيوم MgO، وأكسيد الألمنيوم Al2O3. وإذا كوّن العنصر أكسيدين دُعي الأكسيد الأقل أكسجيناً باسم «أكسيد المعدني» أي بإضافة اللاحقة «ي» إلى اسم المعدن كأكسيد النحاسي Cu2O، ودعي الأكسيد الأكثر أكسجيناً باسم «أكسيد المعدن» كأكسيد النحاس CuO. أما الأكاسيد التي يحتوي جزيؤها على ذرتي أكسجين أو ثلاث أو أكثر من ذلك لكل ذرة معدن فتُدعى ثنائي الأكسيد أو ثلاثي الأكسيد كثنائي أكسيد الآزوت NO2، وثلاثي أكسيد الكروم CrO3 وغيرها. وإذا كوّن العنصر عدة أكاسيد فتدعى في العادة «بلا ماءات الحموض» anhydrides، وهي أكاسيد تتفاعل مع الماء معطية حموضاً. وهكذا مثلاً يكوّن الآزوت الأكاسيد التالية: N2O أكسيد الآزوتي، NO أكسيد الآزوت، N2O3 بلا ماء حمض الآزوتي، NO2 ثنائي أكسيد الآزوت، N2O5 بلا ماء حمض الآزوت، وأحياناً تسمى الأكاسيد وفق ترتيبها المتزايد بأول وثان وثالث ، كأول أكسيد الآزوت N2O، وثاني أكسيد الآزوت NO وغير ذلك.
تقسم الأكاسيد النموذجية وفق سلوكها الكيمياوي إلى النماذج التالية: أكاسيد أساسية basic oxides وأكاسيد حمضية acidic oxides وأكاسيد مذبذبة amphoteric oxides وأكاسيد محايدة neutral oxides.
فالأكاسيد الأساسية هي تلك التي تتفاعل مع الماء مكونة أسساً، وتتفاعل مع الحموض مكونة أملاحاً وماء مثل MgO، وتنحل الأكاسيد الحمضية في الماء مكونة حموضاً. وتتفاعل مع الأسس مكوّنة أملاحاً وماء مثل SO2. وتتفاعل الأكاسيد المذبذبة مع الحموض والأسس مثل ZnO، أما الأكاسيد المحايدة فلا تكوّن أملاحاً مثل CO وNO.
وإذا تتبعنا أكاسيد عناصر الدور الثالث في أعلى درجات أكسدتها: Cl2O7، SO3، P2O5، SiO2، Al2O3، MgO، Na2O3 فإننا نلاحظ تغيراً في الخاصيات الكيمياوية يظهر بوضوح عند الانتقال التدريجي من الأكسيد الأساسي النموذجي (أكسيد الصوديوم) إلى الأكاسيد الحمضية النموذجية للكبريت والكلور. ويمكن ملاحظة هذا التغير في الأكاسيد المختلفة للعنصر الواحد في درجات أكسدته المختلفة، كما في السلسلة التالية مثلاً: MnO، Mn2O3، MnO2، MnO3، Mn2O7، إذ يلاحظ الانتقال التدريجي من الأكسيد الأساسي للمنغنيز (II) إلى الأكسيد الحمضي للمنغنيز (VII).
يصادف معظم الأكاسيد في الطبيعة إلا أن أكثرها انتشاراً هو أكسيد الهدروجين (الماء) الذي يكوّن الكرة المائية، وتتكون الصخور من ثنائي أكسيد السيليسيوم SiO2، ومن بعض الأكاسيد الطبيعية كأكاسيد الحديد والألمنيوم وغيرهما. وتعد هذه الصخور مصدراً رئيساً لاستحصال المعادن. ويقوم ثنائي أكسيد الكربون CO2 بدور رئيس في الحياة وهو متوافر في الغلاف الجوي بنسبة 0.03%.
تساوي درجة أكسدة الأكسجين في الأكسيد -2، وفي فوق الأكسيد -1 كفوق أكسيد الباريوم BaO2، وفي الأكاسيد العليا -1/2 مثل أكسيد البوتاسيوم KO2، وفي الأوزونيدات -1/3 كأوزونيدات البوتاسيوم KO3.
استعمال الأكسجين
يستعمل الأكسجين التجاري في المعالجة الحرارية للمعادن كلحم المعادن وقطعها وفي التقسية السطحية، وفي التعدين، وفي الطيران، وفي الغواصات المائية وغيرها. ويستعمل الأكسجين في الصناعة الكيمياوية في تحضير الوقود السائل الاصطناعي، وزيوت التشحيم، وحمض الكبريت، وحمض الآزوت، والميتانول، والنشادر، والأسمدة الآزوتية، وفوق أكاسيد المعادن، ونواتج أخرى.
ويستعمل الأكسجين السائل في الأعمال التفجيرية، وفي المحركات النفاثة، وفي الأعمال المختبرية. كذلك يستعمل الأكسجين الصرف المعبأ في أسطوانات للتنفس على ارتفاع عال في الطيران الفضائي وفي السباحة تحت الماء، وفي الإنعاش والإسعاف.
رياض حجازي
الموضوعات ذات الصلة
الأكسدة والإرجاع ـ الأوزون ـ الهواء.
مراجع للاستزادة
- E.A.V.EBSWORTH, G.A.CONNOR, & I.J.TURNER, The Chemistry of Oxygen (New York 1975).
- N.AKHMETOV, Inorganic Chemistry (Moscow 1969).