التوكيد:
تكرير اللفظ لتثبيته في النفس، اسماً كان أو فعلاً أو حرفاً أو ضميراً.
ويتبع في إعرابه إعرابَ المؤكَّد قبله، رفعاً ونصباً وجرّاً، ويسميه
النحاة اصطلاحاً: [التوكيد اللفظي]. ودونك الأمثلة: ]جاء خالدٌ خالدٌ، وجاء جاء خالدٌ، ونعمْ نعمْ، وسافرتَ أنتَ، وسنسافر نحن]. ¨ وقد يكون التوكيد بإحدى الكلمات السبع التالية، وهي: [العين، والنفس، وجميع، وعامّة، وكُلّ، وكِلا، وكِلتا] ويسمّونه: [التوكيد المعنويّ]. ودونك الأمثلة: ]جاء
الضيفُ عينُه، والزائرةُ نفسُها، والجيرانُ جميعُهم، ونظرنا إلى الطلاّبِ
عامّتِهم، ثم كرَّمْنا الناجحِين كلَّهم، وصفّقنا للمتقدِّمَيْن كليهما،
والمتقدِّمَتَيْن كلتيهما]. ¨ قد
يراد توكيد التوكيد وتقويته، فيؤتى بكلمة [كلّ]، وبعدها إحدى أربع كلمات
هي - على حسب الحال -: [أجمع، أو جمعاء، أو أجمعون، أو جُمَع]، ودونك
الأمثلة: ]جاء المعهدُ كلُّه أجمعُ، يصحب الهيئة الإداريةَ كلَّها جمعاءَ، مع الطالباتِ كلِّهنَّ جُمَعَ، والطلاّبِ كلِّهم أجمعين](1). أحكام: · التوكيد خاصّ بالمعارف، غير أنّهم أكّدوا النكرات إذا كانت محدودة المقدار، كاليوم والشهر والسنة، نحو: [غبتُ سنةً كلَّها]. · المُظهَر يؤكَّد بمُظهَر نحو: ]سافر خالدٌ نفسُه]، وأما الضمير فيؤكَّد بمضمَرٍ ومظهَر، نحو: ]سافرنا نحن، وسلّمنا عليكَ نفسِك]. · إذا أكّدتَ ضمير الرفع بالنفس والعين، فلا بدّ من أنْ تقوّيه أوّلاً بضميره المنفصل، نحو: ]سافرتُ أنا نفسي، وسافروا هم أنفسُهم، وخالدٌ نجح هو عينُه...]. · المؤكَّد، يؤكَّد بمثله، إلاّ المثنى فيؤكَّد بمثله وبالمفرد وبالجمع أيضاً، نحو: ]جاء الرجلان نفساهما، أو نفسهما، أو أنفسُهما]. * * *
نماذج فصيحة من التوكيد · ]فسجد الملائكةُ كلُّهم أجمعون[ (الحجر 15/30)
[أجمعون]: توكيد لكلمة [كلُّ]، التي هي أصلاً توكيدٌ لكلمة [الملائكةُ]،
فهاهنا -كما ترى - توكيدٌ للتوكيد، والغرض من ذلك التقوية. فإذا لم تُرَد
التقوية،لم تسبقها [كلّ]. ونذكّر بأنّ ما يؤتى به لتوكيد التوكيد أربع
مفردات هي: أجمع وجمعاء وجُمَع، وأجمعون التي نحن بصددها. · ]لأُغويَنَّهم أجمعين[ (ص 38/82)
[أجمعين]: اسمٌ منصوب، لأنه توكيد للضمير [هم] الذي هو في محل نصب مفعول
به. وكلمة [أجمعين]، هي من الكلمات الأربع التي قلنا آنفاً: إنها يُؤتى
بها مسبوقةً بـ[كل]، إذا أريدَ توكيد التوكيد (للتقوية). فإذالم تسبقها
[كل] أفادت التوكيد فقط، كما ترى في الآية. · ]هيهات هيهات لما توعَدون[ (المؤمنون 23/36)
[هيهات هيهات]: هيهات الثانية، توكيدٌ للأولى، وهو توكيد يسميه النحاة:
[التوكيد اللفظي]، لأنه يكون بتكرير اللفظ. والغرض من تكريره وإعادته،
تثبيتُه في النفس. وتلاحظ أنّ المؤكَّد هاهنا اسم فعل، ولكنْ قد يكون
فعلاً، واسماً، وحرفاً، وضميراً،كما ترى بعدُ. · قال جميل بثينة (الديوان /79):لا لا أبوحُ بحبّ بَثْنَةَ إنها أخذتْ عليَّ مواثقاً وعهودا
[لا لا]: هاهنا توكيدٌ لفظيّ، وهو من توكيد الحرف بالحرف، بإعادة الأول بلفظه. · قال الكميت بن زيد (الهاشميات /31):فتلك وُلاةُ السوءِ قد طال ملكُهم فحتّامَ حتّامَ العناءُ المطَوَّلُ
[حتّامَ حتّامَ]: حتّامَ الثانية توكيدٌ لفظيّ للأولى، وهو من توكيد
الجارّ والمجرور بجارّ ومجرور. الأصل: [حتى ما؟] ثم حذفت ألف [ما]
الاستفهامية، على المنهاج في حذفها كلما دخل عليها حرف جرّ. · قال الشاعر (شرح المفصل 2/25):فإيّاكَ إيّاكَ المراءَ فإنّهُ إلى الشرّ دعّاءٌ وللشرّ جالبُ
[إيّاكَ إيّاكَ]: توكيد لفظيّ، وهو من توكيد الضمير بضمير، بإعادة الأول بلفظه. · قال قطريّ ابن الفجاءة (شرح ديوان الحماسة: التبريزي 1/50):فَصَبْراً في مَجال الموت صَبراً فما نَيْلُ الخُلودِ بمستطاعِ
[صبراً صبراً]: توكيد لفظي، وهو من توكيد الاسم الظاهر باسم ظاهر، بإعادة الأول بلفظه. · قال النابغة للنعمان (الديوان /26):مهلاً فداءً لكَ الأقوامُ كلُّهمُ وما أُثَمِّرُ من مالٍ ومن ولدِ
[كلُّهُم]: توكيدٌ لـ [الأقوامُ]، ويسميه النحاة اصطلاحاً: [التوكيد
المعنويّ]. وهو توكيد يكون بكلمة من سبع كلمات هي: [العين والنفس وجميع
وعامّة وكِلا وكِلتا، وكلّ: التي نحن بصددها هاهنا في البيت]. · ]يا آدمُ اسكنْ أنتَ وزوجُكَ الجنّة[ (البقرة 2/35)
[اسكنْ أنتَ]: هاهنا فعل أمر: [اسكنْ]، فاعله ضمير مستتر وجوباً. وأما
الضمير [أنتَ] الظاهر، الذي تراه، فهو توكيد للضمير المستتر. وهذا صنف من
صنوف التوكيد اللفظي، إذ هو تكرير للضمير المستتر، وإعادة له. · قال الشاعر (الخزانة 5/168): يذْكر مرضعاً وابنها: ]إذاً ظلِلْتُ الدهرَ أبكي أجمعَا]
[الدهرَ... أجمَعا]: كلمة [أجمع] توكيد لـ [الدهر]، وهي واحدة من أربع
كلمات يؤتى بها بعد [كلّ]، لتوكيد التوكيد، إذا أريد تقويته، هي: [جمعاء
وجُمَع وأجمعون وأجمع (التي نحن بصددها)]. ويتوجّه النظر هاهنا، إلى أنّها
لم تُسبَق بـ [كل]، ولذلك تكون في استعمال الشاعر للتوكيد، لا لتوكيد
التوكيد (التقوية). وقد وجّهنا النظر آنفاً، إلى أنّ ذلك وارد في كلامهم.
وأوردنا له شاهداً قوله تعالى: ]لأُغْوِيَنَّهمْ أجمعين[. · ]وإنّ جهنمَ لَموعدُهم أجمعين[ (الحجر 15/43)
[أجمعين]: توكيد مجرور، للضمير المتصل: [هم] الذي هو في محلّ جرّ. وقد
ذكرنا آنفاً أنّ [أجمعون] من الكلمات الأربع التي يُؤتى بها للتوكيد، إلاّ
إذا سبقتها [كلّ] فتكون لتقويته. ولما كانت هنا في الآية غير مسبوقة بـ
[كلّ] كانت للتوكيد فقط، لا لتقويته.