المختصر
في ترجمة العلامة أحمد بن حجر
المختصر في ترجمة العلامة أحمد بن حجر
(الحلقة الأولى)
هو الشيخ العلامة والحبر
الفهامة الفقيه المفتي والأصولي المفسر والقاضي بل رئيس القضاة، وشيخ
المفتين، المتبحر في الفنون، الزاهد الورع، والمعلم الواعظ، صاحب
التصانيف
المشهورة التي سارت بها الركبان وبلغت الآفاق العلامة أحمد بن حجر بن محمد
بن حجر بن أحمد بن حجر بن طامي بن حجر بن سند آل بو طامي البنعلي.
وينتهي نسب شيخنا وعلامتنا إلى بني سُليم وهم سكان حرة بني سليم، قرب
المدينة النبوية، وقد جمع الله لشيخنا مع كرم الأصل والمحتد كرم الخصال
والسجايا وكرم العلم والفقه في الدين. ولد رحمه الله تعالى في عام 1338, أو
في العام الذي قبله،
ونشأ في رعاية أمه التي عرفت بالكرم والنبل والصلاح، فقد توفي والده وهو
صغير، وكانت أمه قد رأت في حمله رؤيا صالحة رأت طفلاً يشربلبنا فقيل لها
تلدين طفلاً يشرب العلم كما رأيته يشرب اللبن، فكان مولودُها كذلك بأمر
الله عالما فذا متبحرا في أنواع العلوم، وقد ظهرت عليه علامات النبوغ
والذكاء والنبل منذ نعومة أظفاره، فكان مذ ذاك يحب أن يجالس أهل العلم ولم
يكن له توجه إلى اللعب مع الأطفال، بل كان يصاحب ويجالس من هم فوقه وأكبر
منه من طلاب العلم، ويدعوهم إلى منزله.وقد توجه الشيخ رحمه الله تعالى
للعلم منذ كان صغيرا فبدأ طلبه للعلم وهو ابن ست سنين في فترة كانت عادة
الناس أن يرسلوا أولادهم للعمل ومساعدة أهاليهم في الزراعة أو الصيد أو
الغوص أو غيرها.وابتدأ الشيخ طلبه للعلم كما يحدثنا عن نفسه على يد إمام
مسجدهم، في "الطاهرية" واسمه محمد عبد الله، فدرس عليه في كتاب "ابن قاسم
على أبي شجاع" ثم تطلع إلى مزيد من العلم، فانتقل إلى قرية مجاورة ودرس على
يد رجل ضرير اسمه الشيخ عبد الرحمن بن محمد الخونجي، في "عمد السالك" وفي
"ابن قاسم على أبي شجاع" أيضاً، وكانت رحلته هذه وهو دون العاشرة من عمره،
ولا زالت نفسه تتطلع إلى مزيد من التعلم والتفقه، فسمع بمدرسة كبيرة فيها
مدرسون وطلاب فنزعت نفسه إليها، وهي مدرسة الحنفي في نخل خلفان، فارتحل
إليها وهو في العاشرة من عمره.وفي هذه المدرسة كانت بداية التأصيل العلمي
القوي للشيخ أحمد بن حجر حيث تلقى فيها على يد ثلة من المدرسين فيها في
مقدمتهم و أعلمهم وأوثقهم الشيخ العالم أحمد نور بن عبد الله آخند فدرس
عليه في الفقه (فتح المعين) وفي العقائد كتابه (المواهب الإلهية في الفرق
الإسلامية) ودرس عليه في العقائد النسفية ولكن دراسة نقدٍ وتحقيق فإن الشيخ
أحمد نور كما يصفه العلامة ابن حجر كان سلفياً يزيف آراء المؤولة ويصرح
بإثبات الصفات لله كما جاء في القرآن والسنة.ودرس هناك أيضاً على ابن أخي
الشيخ أحمد نور وهو الشيخ عبد الله بن محمد حنفي في علم الفقه والعقائد وفي
الفرائض ، وغير ذلك مما كان يدرس في تلك المدرسة.ولكن ما زالت نفس الشيخ
رحمه الله تتوق إلى المزيد من العلم والتعلم فسمع بالأحساء وما فيها من
العلماء وطلبة العلم فعزم على الرحيل إليها وصدَّق الفعل منه العزم وكان
عمره إذ ذاك ثلاثة عشر عاماً.
وحصل له في سفره هذا من التوفيق والرعاية الإلهية ما ذكرته في ترجمته
الموسعة.
وفي الأحساء سكن الشيخ في رباط الشيخ أبي بكر الملا، ودرس هناك على يد
الشيخ الجليل عبد العزيز بن صالح العلجي رحمه الله الذي قال شيخنا عنه: "
كان عالماً جليلاً وعابدًا زاهدًا قسم أوقاته على العبادة من صلاة ومراجعة
كتب وتدريس ووعظ وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً" ودرس عليه في النحو والصرف
والبلاغة وفي الفقه منظومته الفقهية ورسالة ابن أبي زيد قال: "والحقيقة أنه
كان مفيدًا في دروسه ولازمته أربع سنوات شتاء وصيفاً صباحاً ومساء".
ومن شيوخه هناك: الشيخ أحمد بن علي العرفج درس عليه في فقه الشافعية.
والشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي بكر الملا وقد درس عليه في
النحو، والبلاغة، والمصطلح، والوضع، وسبل السلام.
والشيخ عبد العزيز بن عمر العكاس درس عليه في مشكاة المصابيح، وفي عقيدة
الصابوني، وقال عنه " كان سلفي العقيدة بخلاف غيره "
والشيخ عبد العزيز بن عبيد الله وغيرهم من العلماء والمشايخ ممن كان في
الأحساء في تلك الفترة.
وبقي الشيخ في الأحساء مدة أربع سنوات ثم انتقل إلى قطر ومنها إلى رأس
الخيمة وكان ذلك عام ألف وثلاثمائة وأربع وخمسين للهجرة، ولم يصل الشيخ
رحمه الله تعالى إلى رأس الخيمة إلا وقد تأصل في جميع الفنون وتأهل للتدريس
والخطابة والقضاء والفتوى، وتأهل للقيام بكل ما يوكل إلى أهل العلم من
المهام، ولذلك لم يلبث في رأس الخيمة مدة وجيزة حتى ظهر علمه وفضله وصار
محل ثقة الناس واطمئنانهم إلى علمه ودينه وصدقه، ففي سنة 1356، أي بعد
قدومه رأس الخيمة بسنتين، وعمره إذ ذاك ثمانية عشر عاما، أخذ الشيخ سلطان
بن سالم القاسمي حاكم رأس الخيمة في ذلك الوقت يرسل للشيخ ابن حجر بعض
القضايا التي لا يرتضي أصحابها حكم القاضي الرسمي، وهذا واضح في الدلالة
على اشتهار الشيخ بالعلم والعدل وهو في مقتبل عمره.
ثم عين في القضاء رسمياً في عام 1371 وكان عمره إذ ذاك ثلاثة وثلاثين عاماً
بعد أن مارس القضاء نحوا من أربعة عشر عاماً بصفة ودية.
ثم جاءه كتاب من العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم يدعوه إلى المشاركة في
التدريس في معهد إمام الدعوة لما أنشئ عام ست وسبعين وثلاثمائة وألف فلبى
الشيخ تلك الدعوة ودرس فيه تلك السنة والتي بعدها.
ثم رغب الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في العلامة ابن حجر أن يكون إلى
جانبه في قطر وأن يلي القضاء فعرض ذلك على الشيخ وقال له مرغباً " إن قطر
أقرب لك من الرياض " فقبل الشيخ رحمه الله وباشر القضاء في قطر عام ثمانية
وسبعين وثلاثمائة وألف وقد بلغ الثاني والأربعين من عمره.
وفي عام أربعة وأربعمائة وألف أصبح رئيساً للقضاء في المحكمة الشرعية أيدها
الله واستمر كذلك حتى عام أحد عشر وأربعمائة وألف حيث تمت موافقة الشيخ
خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر في ذلك الوقت على إعفائه من أعمال
القضاء، بعد أن تكرر طلب الشيخ الإعفاء من هذا المنصب مراراً ثم تفرغ رحمه
الله لما أراد من التأليف ونشر العلم، إلا أنه عاجله المرض.
وقد كان رحمه الله من أشهر القضاة وأعلمهم، وكان كذلك مرجعاً للفتوى، سواء
في رأس الخيمة أو في قطر، فكانت تحال إليه الأسئلة من قبل رئيس المحاكم،
وتأتيه الأسئلة من داخل قطر ومن شتى البلدان، وكثير من مؤلفاته كانت أجوبة
لمسائل سئل عنها الشيخ، وقد كانت تأتيه الاستفتاءات من زنجبار والهند وعمان
وإيران ودول الخليج ومصر والسودان، وكثير من دول أفريقيا.
وكان خطيباً محبوباً يقبل الناس عليه، صادقاً، ظاهره كباطنه.يسعى في حوائج
إخوانه، عالماً عادلاً تقياً متفرساً شجاعاً صادعاً بالحق لا يخاف في الله
لومة لائم. فكان مصدراً للعلم والفتوى كما كان مصدراً للعدل والقضاء، وكما
كان عادلاً في قضائه كان صادقاً في فتواه، متحرياً للحق والصواب في كلٍ من
ذلك، لا يجامل صديقاً ولا مسؤولاً، ولا يجاري عامة ولا خاصة، لا كما هو حال
كثير ممن ابتليت بهم البلاد والعباد.
وكان متواضعاً زاهداً كريماً فاضلاً مهيباً، حريصاً على السنة، حريصاً على
العلم، فقيهاً عالماً بالأصلين، متقناً متبحراً في علوم العقيدة والفرق،
وله باع في علوم التفسير واللغة والأدب والنحو والصرف والبلاغة وعلوم
الحديث والمصطلح، وغيرها من الفنون. وله شعر جيد، وكله في الدعوة إلى الله
والنصيحة وبيان العقيدة والآداب الإسلامية.
وقد كانت وفاته رحمه الله تعالى في صباح يوم الثلاثاء الخامس من جمادى
الأولى عام 1423، وصُلِّيَ عليه في مسجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد
صلاة العصر، ثم صَلَّى عليه من لم يدرك الصلاة في المسجد الذي بجوار
المقبرة، وقد شَهِدْتُ جنازته رحمه الله وحضرت الصلاة عليه في مسجد عمر بن
الخطاب، وقد امتلأ المسجد أو كاد يمتلئ، وهو مسجد كبير جامع من أكبر
المساجد في قطر، ولم أر جنازة مثلها في قطر، ولقد ذكرتني جنازته بجنازة
الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله، ولقد رأيت الحزن والأسى على وجوه
الناس يومئذ، وتناقل الناس خبر وفاته، وحزن الجميع على فراقه وجاءت وفود
المعزين فيه من شتى الدول برا وجوا ولم تنقطع الاتصالات من دول الخليج ومن
الدول العربية وغيرها كالهند وباكستان ولندن وغيرها، نسأل الله تعالى أن
يبلغه الفردوس الأعلى وأن يجمعنا وإياه في دار رحمته وكرامته.
في الحلقة القادمة نعرض إن شاء الله لذكر مؤلفات العلامة ابن حجر رحمه الله
تعالى
إسماعيل بن غصاب العدوي
2 التعليقات
ناصر الحرومي
- 19-04-2010, 11:39 AM
<blockquote class="posttext restore">
تشكر
على هذا الموضوع جدا اخوك ناصر الحرومي
</blockquote>
إضافة رد
أكرم زيادة
- 27-09-2010, 12:06 AM
<blockquote class="posttext restore">
الشيخ أحمد بن محمد السالك في رحاب الله إن شاء الله
كلما سمعنا بوفاة عالمٍ من علمائنا تنتابنا مشاعر شتى من الحزن والحسرةِ
والألمِ والأسى.
وكلما ودعنا عالماً من علمائنا إلى رحاب ربه تنتابنا مشاعر شتى من الحزن
المشوب بالغبطة والسرور والبشرى بما هو مقبل عليه.
ذلك أن جنازات علمائنا وأئمتنا تؤكد لنا سلامة منهجنا السلفي وسلامة
عقيدتنا السلفية التي تعلمناها منهم، والتي رَبَوْنَا عليها.
كانت تتدافع إلى رأسي وأنا أودع شيخي وأستاذي ورئيسي في العمل ـ في فترة
الشباب ـ فضيلة الشيخ المربي:
أبا منير أحمد بن محمد السالك الشنقيطي
آيات الله، وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وآثار السلف الصالح..
كان يتدافع إلى رأسي قول الله تعالى:
ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ النحل: ٣٢
وقول الله تعالى:
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭼ فصلت: ٣٠
وقول الله تعالى:
ﭽ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭼ الأحقاف: ١٣
كان يتدافع إلى رأسي قول النبي صلى الله تعالى وعلى آله وصحبه أجمعين الذي
رواه عنه جَابِرٍ بن عبد الله قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه
وآله وسلم- يَقُولُ:
«يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ».
رواه مسلم (7413) وغيره
كان يتدافع إلى رأسي قول النبي صلى الله تعالى وعلى آله وصحبه أجمعين الذي
رواه عنه عبد الله بن عباس قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه
وآله وسلم- يَقُولُ:
«مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ
أَرْبَعُونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ شَفَّعَهُمُ
اللَّهُ فِيهِ».
رواه مسلم (2242) وغيره
وقد قام على جنازته وصلى عليه وشيعه الآلاف حتى إن جنازته ـ رحمه الله
تعالى ـ حُمِلَتْ على أكتاف المشيعين من مسجد والده الشيخ محمد السالك في
الهاشمي الشمالي إلى مقبرة حي الهملان في ماركا الجنوبية حيث دفن بجوار
شيخنا الإمام الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ وبقرب شيخنا وشيخه في القراءة
الشيخ خالد أبو زيتون، رغم أنني حاولت أكثر من مرة أن أنال شرف حمله في
سيارتي إلى مثواه الأخير ولكن المشيعين رفضوا إلا أن يبقوا حامليه على
أكتافهم وعواتقهم مما زاد حسرتي على فوات ذلك الشرف لي وغبطتي لحامليه.
كان يتدافع إلى رأسي قول الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلَ ـ رحمه الله تعالى وأعلى
اللهُ درجتهُ في الجنّةِ ـ:
«قولوا لأهلِ البدعِ: بيننا وبينكم الجنائزُ»
كانت تتدافع إلى رأسي صورة جنازة الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلَ، وجنازة الإمام
وشيخ الإسلام أحمد بن عبد السلام ابن تيمية تبشر بأن تكون جنازة الشيخ أحمد
بن محمد السالك الشنقيطي مثل جنازتيهما.
رحم الله أبا منير فقد علمنا والله الكثير من السنن، وأرشدنا إلى العديد من
صحيح العقائد، وحبب إلينا الأسانيد وعلم الحديث، وكان لنا أسوة حسنة،
وقدوة صالحة في حياته، ومماته، وقد سمعنا بأنه ـ رحمه الله ـ توفي على وضوء
لصلاة الظهر ختم الله له به حياته.
</blockquote>