بسم الله الرحمن الرحيم
روى العَيْزار بن حُرَيث،
قال: قال النعمان بنُ بشير، قال: استأذن أبو بكر على رسول الله – صلى الله
عليه وسلم- فسمع صوت عائشة عالياً وهي تقول: والله لقد عرفت أن عليّاً
أحبُّ إليك من أبي مرتين أو ثلاثًا، فاستأذنَ أبو بكر، فدخل فأهوى إليها،
فقال:
يا بنت فلانة!
ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله – صلى الله عليه وسلم-.
أخرجه الإمام أحمد([1])، والبزار([2])، والطحاوي([3])، وابن قانع([4])، عن
أبي نعيم، حدثنا: يونس بن أبي إسحاق، حدثنا: العَيْزار بن حُرَيث به.ورواه
النسائي ([5])، قال: أخبرني عَبْدةُ بنُ عبد الرحيم، قال: أخبرنا عمرو بن
محمد، قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن العَيْزار بن حُرَيْث به مطولاً.
أقول: يونس بن أبي إسحاق مضطرب في حديث أبيه، وحديثه فيه زيادة على حديث
الناس، وكانت فيه سجية وغفلة، فإنه ربما أسقط شيخه وصرح بالسماع بينه وبين
شيخ شيخه، وربما أسقط ما بين شيخه وشيخ شيخه وصرح بالتحديث بينهما.قال علي
بن المديني([6]): سمعتُ يحيى – يعني: ابن سعيد القطان-: وذكر يونس بن أبي
إسحاق، فقال: (كان أيضًا مِنْهُ سَجِيَّةٌ، كان يقول: حدثني أبي قال: سمعتُ
عدي بن حاتم: «اتقوا النَّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ»)، قال يحيى: (وهذا سفيان
وشعبة، عن أبي إسحاق، عن ابن معقل، عن عدي بن حاتم)، ثم قال يحيى: (وكانت
فيه غفلةٌ).
وقال سلم بن قتيبة([7]): قدمت من الكوفة فقال لي شعبة: من لقيت؟ قال: لقيت
فلاناً، وفلاناً، ولقيت يونس بن أبي إسحاق، قال: ما حدثك؟ فأخبرته، فسكت
ساعةً، وقلت له: قال: حدثنا بكر بن ماعز، قال: فلم يقل لك: حدثنا عبد الله
بن مسعود.
وقال البرذعي([8]): وذُكر له- أي: لأبي زرعة- يونس بن أبي إسحاق، فقال: لا
ينتهي يونس حتى يقول: سمعت البراء، قال البرذعي: قال لي أبو زرعة: فانظر
كيف يرد أمره.
وقال أبو طالب([9]): قال أحمد: يونس بن أبي إسحاق حديثه فيه زيادة على حديث
الناس، قلت: يقولون إنَّه سمع في الكتاب فهو أتم، قال: إسرائيل ابنه قد
سمع من أبي إسحاق وكتب فلم يكن فيه زيادة مثل ما يزيد يونس.
وقال عبد الله بن أحمد([10]): سألت أبي عن يونس بن أبي إسحاق فقال: حديثه
مضطرب.
وقال أحمد بن محمد بن هانئ([11]): سمعت أبا عبد الله، وذكر يونس بن أبي
إسحاق وضعف حديثه، عن أبيه، وقال: (حديث إسرائيل أحب إلي منه).
وقال ابن رجب([12]): (في تاريخ الغلابي: كان يونس بن أبي إسحاق مستوي
الحديث في غير أبي إسحاق، مضطرب في حديث أبيه).
وقد وقع في هذا الحديث أمران مما ذكره الأئمة عن يونس بن أبي إسحاق:
الأمر الأول: لم يسمع يونس بن أبي إسحاق هذا الحديث من العيزار بن حريث
بينهما أبو إسحاق السبيعي كما سيأتي بيان ذلك.
والأمر الثاني: زيادة: «والله لقد عرفت أن عليّاً أحبُّ إليك من أبي مرتين
أو ثلاثًا» وهذه الزيادة منكرة لم يذكرها إسرائيل في متابعته لأبيه يونس بن
أبي إسحاق كما سيأتي.
وهناك أمر ثالث: ليس له تعلق بيونس بن أبي إسحاق وإنما بتدليس أبيه أبي
إسحاق السبيعي.
فأما الأمر الأول: فقد روى أبو داود في: «سننه»([13])، قال: حدثنا يحيى بن
معين، حدثنا: حجاج بن محمد، حدثنا: يونس بن أبي إسحق، عن أبي إسحق، عن
العيزار بن حريث، به مطولاً.
وفي هذه الرواية لم يذكر يونس بن أبي إسحاق قول عائشة – رضي الله عنها-:
«والله لقد عرفت أن عليّاً أحبُّ إليك من أبي مرتين أو ثلاثًا».
وتابعه ابنه إسرائيل عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث به.
روى هذه المتابعة الإمام أحمد([14])، وابن أبي الدنيا ([15])، وابن أخي
ميمي في: «فوائده»([16])، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حُرَيث،
به.
ولم يذكر إسرائيل -أيضًا- في متابعته هذه لأبيه قول عائشة – رضي الله
عنها-: «والله لقد عرفت أن عليّاً أحبُّ إليك من أبي مرتين أو ثلاثًا».
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ ذلك من المزيد في متصل الأسانيد، فيكون
يونس رواه على الوجهين، تارة بواسطة أبيه أبي إسحاق، وتارة بدون واسطة أبيه
وإنما عن العيزار بن حريث مباشرة، وقد صرح بالتحديث عنه كما في رواية أبي
نعيم الفضل بن دكين عند أحمد وغيره، وقد قال ابن سعد في يونس بن أبي إسحاق:
«كانت له سن عالية، وقد روى عن عامة رجال أبيه»([17]).
وما ذهب إليه هؤلاء الفضلاء محتمل لولا أنه يشكل عليه ما عرف عن يونس بن
أبي إسحاق أنه ربما أسقط شيخه وصرح بالسماع بينه وبين شيخ شيخه، كما تقدم
آنفاً، وكانت هذه سجية فيه، فمن كانت هذه حاله فكيف نتيقن أنه لم يسقط
أحدًا من الإسناد وخاصة إذا كان أدرك شيخ الذي أسقطه؟!
فمثل هذا لا يقال له رواه على الوجهين للعلة المذكورة.
وأمَّا الأمر الثاني: فهو قول عائشة – رضي الله عنها-: «والله لقد علمتُ أن
علياً أحبُّ إليك من أبي»، فإنَّ هذه الزيادة منكرة تفرد بها يونس بن أبي
إسحاق، ولم يذكرها إسرائيل في متابعته لأبيه كما تقدم، ولم تقع أيضا في
رواية حجاج بن محمد([18])، عن يونس بن أبي إسحاق عند أبي داود كما سبق، ولم
تذكر أيضًا في روايةٍ لأبي نعيم رواها عن يونس نفسه، أخرجها الحافظ الذهبي
في: «سير أعلام النبلاء»([19]): من طريق أبي نعيم، حدثنا: يونس بن أبي
إسحاق([20])، عن العيزار بن حريث، عن النعمان بن بشير به.
وقد سبق من قول الإمام أحمد أن في حديث يونس بن أبي إسحاق عن أبيه زيادة
على حديث الناس، وأن إسرائيل ابنه قد سمع من أبي إسحاق وكتب فلم يكن فيه
زيادة مثل ما يزيد يونس، وكان إسرائيل أتقن لحديث أبي إسحاق من أبيه يونس.
الأمر الثالث: إذا تبين أن الصواب ذكر أبي إسحاق السبيعي في الإسناد وأن
لفظة: «والله لقد علمتُ أن علياً أحبُّ إليك من أبي» زيادة من يونس بن أبي
إسحاق وهي زيادة منكرة لم يتابعه عليها ابنه إسرائيل بقيت هناك علة أخرى في
الإسناد وهي تدليس أبي إسحاق السبيعي فإنه لم يصرح بالتحديث.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
خليفة بن ارحمه بن جهام الكواري 1431/5/16 هـ
ــــــــــــــــ
([1]) مسند الإمام أحمد: (30/372-373) (رقم:18421)، وفي فضائل الصحابة:
(1/75)(رقم:39).
([2]) البحر الزخار: (8/223) (رقم:3275).
([3]) شرح مشكل الآثار: (13/333-334).
([4]) معجم الصحابة: (3/144).
([5]) السنن الكبرى: (رقم:8441، 9110)، وهو في خصائص علي: (رقم:110).
([6]) الجرح والتعديل: (9/244)، والضعفاء للعقيلي: (6/450-451-السرساوي).
([7]) الضعفاء: (6/450).
([8]) كتاب الضعفاء لأبي زرعة الرازي وأجوبته على أسئلة البرذعي ضمن كتاب:
(أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية) (ص:329).
([9]) الجرح والتعديل: (9/244).
([10]) الجرح والتعديل: (9/244).
([11]) الضعفاء للعقيلي: (6/452-السرساوي).
([12]) شرح علل الترمذي: (2/813).
([13]) (7/349-شعيب) (رقم:4999).
([14]) مسند الإمام أحمد: (30/341-342) (رقم:18394)، وفي فضائل الصحابة:
(1/74-75)(رقم:38).
([15]) كتاب العيال: (2/759) (رقم:561).
([16]) الجزء السابع من فوائد ابن أخي ميمي: (رقم:609).
([17]) الطبقات الكبرى: (6/363).
([18]) انظر كلام المعلمي رحمه الله تعالى- حول اختلاط الحجاج بن محمد
المصيصي في التنكيل: (1/233).
([19]) سير أعلام النبلاء: (10/143).
([20]) لم يذكر أباه أبا إسحاق في هذه الرواية.