مقدمة :
تسعى المشروعات فى ظل البيئة شديدة التنافسية إلى كسب ميزة مقارنة بغيرها من المشروعات العاملة فى نفس النشاط وذلك من خلال إضافة قيمة للعميل وتحقيق التميز عن طريق استغلال الطاقة الفكرية والعقلية للأفراد .
ولعل المتتبع للنظام الاقتصادي الآن يجد أن المشروعات تعيش على اختلاف أنواعها فى بيئة تتسم بالتغير والديناميكية والتميز بشكل كبير عما كانت عليه فى الفترات السابقة . ومع بداية القرن الحادي والعشرين توالت الأحداث والتغيرات العالمية بشكل يصعب معه على الكثير منها استيعابها آو حتى التعامل معها ، ناهيك عن محاولة السيطرة عليها . ولقد ساعد على زيادة حدة تلك التغيرات مجموعة من
الأحداث العالمية المتلاحقة كان أهمها، ظهور ما يسمى بالنظام العالمي الجديد والبدء فى تطبيق العديد من السياسات الاقتصادية القائمة على افتراضات آلية السوق ، بالإضافة إلى نمو العديد من التكتلات الاقتصادية العالمية، ولعل أهم هذه التغيرات على الإطلاق فى الوقت الحاضر هي التحول من عصر الصناعة إلى عصر المعرفة أو عصر الاقتصاد القائم على المعرفة Knowledge – Based – Economy ، وأصبحت المشروعات التى لديها القدرة على الاستفادة من هذه المعرفة وامتلاكها هي التي سيتاح لها الفرصة لخلق مزايا تنافسية والاستمرار بنجاح فى السوق ، وكانت نتيجة لذلك ظهور سباق وصراع كبير بين المشروعات والمؤسسات الاقتصادية حول امتلاك تلك المعرفة وخلق مزايا أو فرص تنافسية ، مما يتطلب انفاق مبالغ ضخمة لتحقيق هذا الهدف بشكل يتسم بالكفاءة والفعالية .
وهناك شبه اتفاق عام فى الآراء حول فكرة أنه فى ظل النموذج الجديد للاقتصاد القائم على المعرفة ، فإن الثروة والنمو الاقتصادي تكون مدفوعة من خلال الأصول غير الملموسة (الفكرية) (Lev. B, 2000) . حيث حدث تغير ملحوظ في توجه المشاريع الاقتصادية على اختلاف أنواعها عكسه تزايد الاستثمار فى الأصول غير الملموسة كالموارد البشرية والبحث والتطوير والبرمجيات ، نتج عنه انكماش الدور والأهمية النسبية للاستثمار فى رأس المال المادي .
ويتعين الاعتراف بان رأس المال الفكري أصبح من الأدوات الهادفة الواجب أخذها في الاعتبار عند تحديد ومحاولة تنمية القيمة الاقتصادية للمشروعات، وتقويم أدائها الاقتصادي الذي يؤثر على قيمتها السوقية وقدرتها عى المنافسة مع غيرها من المشروعات ،كما أن تقديم معلومات تتصف بالملائمة والمصداقية عن رأس المال الفكري يمكن من تزويد مستخدمي المعلومات من المستثمرين الحاليين والمرتقبين بمعلومات أفضل تمكننهم من اتخاذ قرارات استثمارية رشيدة .
وكان نتيجة ذلك أن معظم المشروعات والمؤسسات الاقتصادية أصبحت تمتلك نوعين من الأصول ، النوع الأول يتضمن الأصول المادية الملموسة Tangible Assets والنوع الثاني يتضمن الأصول المعنوية غير الملموسة Intangible Assets وأصبحت قوة أي منها وكفاءتها تتوقف بشكل كبير على المزيج الذى تمتلكه من كلا النوعين وقدرتها على إدارة كافة أصولها ولم يعد الأمر مرهون ، كما فى الماضي ، بكفاءة وفعالية إدارة أصولها الملموسة وتركيز الاهتمام عليها فقط ، بل تعدى الأمر إلى ضرورة الاهتمام برأس مالها الفكري .
غير أن تقييم واقع المشروعات والمؤسسات والقطاعات الاقتصادية في الدول النامية يظهر غياب الوعي الكافي لديها بمفاهيم رأس المال الفكري وأبعاد المعرفة الكامنة فيه ودوره فى خلق القيمة ، ذلك أن إدراك تلك المفاهيم أصبح أمراً ضرورياً لزيادة القدرة على تحقيق ميزة تنافسية مستدامة فى ظل اقتصاد عالمي مبنى على المعرفة والابتكار والكفاءات البشرية .
كما يفرض تحسين المزايا التنافسية ضرورة تحديد رأس المال الفكري وإتقان الكيفية الملائمة لتحويله إلى أرباح أو إلى وضع استراتيجي تنافسي ، وبالتالي يجب أن تبحث كل مؤسسة عن الثروات الفكرية والمهارات والأفكار الإبداعية الكامنة فى مواردها البشرية، بهدف خلق وتقديم قيمة إلى العملاء تسمح بتحسين الأرباح وتحقيق التميز والمركز الاستراتيجي التنافسي الأفضل .
وفى السنوات الأخيرة واجهت المؤسسات والمشروعات الاقتصادية ، ولا سيما فى مجال الصناعة كثيفة المعرفة بيئة تنافسية ديناميكية ، مدفوعة بقوى العولمة التى سهلت كثيراً من سرعة التغيير وخاصة فى تلك الصناعات والتى تتميز بعمليات التجديد والابتكار . هذه المنافسة التى تجعل المشروعات والقطاعات المحلية تقوم بتعديل موقفها التنافسى بحيث يمكنها المحافظة على أدائها المالي . وحيث أن صناعات الأدوية وشركات الاتصالات هى من الصناعات المعتمدة على التكثيف المعرفى ، ورأس المال الفكري بصفة عامة يمثل المصدر الأساسي فى عملية خلق القيمة . لذلك كان عليها أن تحاول ضبط الأداء المالي للمحافظة على مركزها التنافسي ، وتعتمد فى سبيل ذلك على كل من أصولها المادية ورأس مالها الفكرى الذى يوصف بأنه مصدر القدرة التنافسية فى القرن الحادي والعشرين .
ويمثل قطاع الأعمال الأدوية واحدا من أهم القطاعات الإستراتيجية الهامة في الاقتصاد المصري , نظراً لارتباطه بتوفير الدواء للأفراد والذي يعد أحد أضلاع مربع الحياة ،وتمثل المعرفة أحد متطلبات تطوير ونمو واستمرار هذه الصناعة في ظل المنافسة المحلية والعالمية , وخاصة بعد اتفاقية التريبس ( حقوق الملكية الفكرية) والتي تمثل تحدياً كبيراً في صناعة الدواء نظرا لعدم السماح بشراء المادة الخام وقصرها على المنتج الأصلي أو الحصول على ترخيص من صاحب البراءة , مما قد يؤدي إلى أثار سلبية على التكاليف الإنتاجية لصناعة الأدوية بصفة خاصة والاقتصاد المصري بصفة عامة .
كما وان قطاع الخدمات أضحى ينظر إليه عالميا كأكثر القطاعات الاقتصادية نموا وقدرة على توفير الوظائف في القرن الأخير، فقد اقتضى الأمر الأخذ بمبادئ الاقتصاد المعرفي والعمل على نقل التقنية وتوطينها من خلال فتح قطاع الخدمات للاستثمار المحلي والأجنبي ، ويعتبر قطاع الاتصالات الشريان الرئيسي والقلب النابض للاقتصاد في جميع دول العالم ، ومن القطاعات الواعدة فى الاقتصاد المصري والتى حققت معدلات أداء مالية غير مسبوقة وقادت حركة نشاط البورصة المصرية.
الأمر الذي يتطلب ضرورة تبني قطاعى الأدوية والاتصالات إستراتيجية فعالة لإدارة واستثمار رأس مالها الفكري بما يؤدي إلى تحسن أداء هذه الشركات لمواجهه هذه التحديات .وفى ظل الأهمية الكبيرة والمتنامية لرأس المال الفكرى ، وفى ظل حجم الاستثمارات الموجهة ، أو التى يجب أن توجه إلى مكوناته ، وفى ظل ندرة الموارد التى أصبحت أحد المحددات الرئيسية-إن لم يكن أهمها على الإطلاق- ، وكذلك فى خضم المنافسة الحادة والتى تعد سمة أساسية للبيئة الاقتصادية ، يصبح من الحتمى تحديد دور رأس المال الفكرى فى خلق القيمة والأداء المالى فى تلك الصناعات ، ومن هنا تتمثل مشكلة البحث فى إغفال الكثير من المشروعات والأنشطة الاقتصادية فى الاقتصاد المصري بشكل عام – والعاملة فى القطاعات كثيفة المعرفة بشكل خاص– لمفهوم وأهمية رأس المال الفكرى فى خلق القيمة والأداء المالى بجانب رأسمالها المادي، وعدم إمكانية تحديد الأثر الناتج عنه.