هكذا تدير مصر علاقاتها مع البلدان العربية

هكذا تدير مصر علاقاتها مع البلدان العربية

قبل أن ندخل صلب الموضوع نوضح المسائل الآتية، أننا لسنا ضد مصر كشعب وبلد، بل نكنّ لهما كامل التقدير والإحترام، بل نعترف لهما بالكثير من الفضل للدور الذي لعباه في الحياة العربية، ونؤكد بوضوح أيضا بأننا كنا مع مصر عندما كانت في خندق معركة التحرر العربي، بل العالمية، وكنا معها في نفس الخندق، ونبقى نتذكر بالتقدير مصر الملكية التي مكنتنا من فتح مكتب المغرب العربي لأن من شيمنا الإعتراف لذوي الفضل، كنا ضد توقيف حرب 1967م لأن توقيفها فوّت علينا فرصة معركة عربية شعبية حاسمة وفاصلة. احتلال الأمريكان للعراق ومقاومة الشعب العراقي برهنت على صواب موقفنا. كنا، وما نزال، ضد مصر التي خرجت من خندق معركة التحرر العربية وانخرطت في الاستراتيجية الأمريكية الاسرائيلية وأدخلتنا في المأزق الذي نحن فيه. في الموضوع الذي نحن بصدده لا نريد أن نتوقف عند هذا الموقف أو ذاك. فلكل موقف شأن ونتائج ليس هنا مكانهما الذي نريده هنا هو الطريقة التي سيّرت وما تزال تسيّر بها مصر علاقاتها مع البلدان العربية في كل مراحلها الحديثة أي المراحل التي عشناها ورافقناها. في كل هذه المراحل في تشابهها وتعارضها، وفي كل الخصومات التي بين مصر وكل البلدان العربية ولا يوجد بلد عربي واحد لم تتخاصم معه، فإن طبيعة تسيير هذه العلاقات لم تتغير. لم يتغير خطاب الخصومة ولا أدوات ذلك الخطاب.. وهو ينحدر دائما نحو مستوى غير مشرّف من مطلع النصف الثاني من القرن العشرين لغاية حرب 1967م تخاصمت مع اليمن قبل الثورة، ومع بلدان الخليج، مع سوريا ومع العراق، مع تونس ومع المغرب ومع ليبيا. وكان الخطاب السياسي والإعلامي هو أن مصر البلد الأكبر، وهي التي حررت وعلمت وبنت في لهجة من الكبر والمن المتعارض مع القيم والمروءة الأصيلة.
اليوم تفتح خصومة مع الجزائر لماذا؟ قبل مباراة القاهرة افتعلت أزمة متعمدة بالاعتداء على الفريق الجزائري الضيف وجرح عدد من أفراده في وضح النهار وقت الوصول. الفريق رسمي يمثل البلد شعبا ودولة من غير مراعاة لجمهوره الذي تعرض لمضايقات كريهة في القاهرة. عقب مقابلة الخرطوم وتأهل الفريق الوطني لكأس العالم، افتعلت أزمة أخرى أكثـر خطورة، إذ اعتبرت مصر على لسان رئيسها، أن الجمهور الرياضي الجزائري اعتدى على الجمهور الرياضي المصري. وأن الاعتداء حسب تصريح الرئيس المصري يعد إهانة لمصر وأن مصر لن تسمح بالمس بكرامة أبنائها.
أقامت مصر كالعادة الدنيا وأقعدتها مع غير إثبات أي دليل مادي على العدوان المزعوم وكالعادة أيضا أطلقت مصر الرسمية آلتها الإعلامية بشراسة لتفرغ ما فيها من أشد أنواع الشتم والبذاءة طالت الشعب الجزائري ووصفته بكل النعوت ولم تستثني الشهداء الذين هم شرف الأمة الجزائرية. كان يمكن لهذه الأزمة أن لا تكون أصلا، لو لم تكن وراءها السلطة المصرية تحميها وتغذيها. وقد كثفت أجهزة الإعلام العالمية من واشنطن إلى أستراليا، مرورا بأوروبا التي حضرت المقابلتين، أن شيئا مما زعمته مصر لم يقع. أهم درس في هذه الخصومة أنها كشفت عن الطريقة التي تدير بها مصر علاقاتها مع البلدان العربية.
وهي إدارة فيها من التعالي غير المستعق والغرور الزائف مما تسبب في كثير من الاحيان في تسميم علاقاتها مع العرب. هذه الادارة، غالبا ما كانت تسعى الى النفوذ والاحتواء اكثـر من التعاون النزيه. اننا ندرك اهمية مصر وموقعها كحلقة بين المشرق العربي ومغربه. وان مصر تكبر عندما تقوم بهذه الوظيفة الجليلة في صهر هذين الجناحين من اجل تحرير الامة واستقلالها والنهوض بها وتصغر عندما تتخلى عنها وتسلك طريقا مغايرا لما تفرضه تلك الوظيفة...