[أعشاب البحر تمدنا بالقوة والطاقة
أعشاب البحر مخلوقات رقيقة تلعب دورا بالغ الأهمية في الحياة البحرية والتنوع الحيوي في البحار والمحيطات من خلال توفيرها لمكونات إيكولوجية واقتصادية لا غنى عنها.
وتنمو هذه النباتات بكثرة في المياه الضحلة التي تحيط بالسواحل, وتوفر بيئة مهمة لحياة مجموعة من الكائنات البحرية الأخرى كما تفيد البشر بالمساعدة في مقاومة تآكل الشواطئ. أما الوجه الفريد لأعشاب البحر فيتمثل في كونها النباتات البحرية الوحيدة المزهرة.
ورغم أن غطاء أعشاب البحر يمتد في قطاع البحار والمحيطات في كل القارات, باستثناء أنتاركتيكا, فإن هذه النباتات البحرية الفريدة قد انحسرت, أو تعرضت للتدمير الكامل, في الكثير من الأماكن.
ومع الزيادة المطردة في أعداد البشر وتوسعهم في العيش الجائر على السواحل, أصبحت هناك حاجة ماسة إلى دراسة شاملة للموارد البحرية والكائنات المعرضة للخطر في المناطق الساحلية. لذا, فإن الدراسة التي أعدتها الأمم المتحدة من خلال مركز مراقبة حماية الحياة البحرية العالمي التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة جاءت في وقتها تماما.
وقد حملت الدراسة, الصادرة عن المركز الذي يتخذ من كمبريدج البريطانية مقرا له, عنوان (الأطلس العالمي لأعشاب البحر). وهي أول (خارطة) توثق التوزيع العالمي الراهن للأعشاب البحرية ومناطق انتشارها والمواضع التي يتهددها الخطر.
وتقول المنظمة الدولية إن العديد من المخلوقات البحرية, مثل حصان البحر والسلاحف, تواجه خطرًا بسبب التناقص المتزايد للنباتات البحرية التي تتغذى عليها تلك الحيوانات, وإن 15% من تلك النباتات فنيت خلال السنوات العشر الأخيرة.
ويقدر الأطلس مساحة النباتات البحرية في العالم بنحو 177 ألف كيلومتر مربع, أي ما يوازي ثلثي مساحة المملكة المتحدة. لكن هذا التقدير يمكن أن يكون خاطئا, حيث لم يتم قياس مساحة النباتات عند السواحل الغربية لإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وهناك 60 نوعا من تلك النباتات المزهرة التي تشكل مروجًا شاسعة في البحار الاستوائية والمعتدلة. ويتراوح طول أعشاب البحر ما بين 2 إلى 3 سنتيمترات, مثل أعشاب Halophila decipiens ذات الأوراق الدائرية التي تنمو في المياه المدارية العميقة عند سواحل البرازيل, إلى نباتات أخرى يصل طولها إلى أكثر من أربعة امتار, مثل Zostera Caulescens ذات النصل الطويل الحاد التي تنمو في بحر اليابان.
وتغطي أعشاب البحر قاع المناطق الساحلية في أستراليا, وآلاسكا, وجنوبي أوربا, والهند, وشرقي إفريقيا وجزر الكاريبي وسواحل كثيرة في أنحاء العالم المختلفة. وتعيش الأسماك والسلاحف وحيوانات بحرية أخرى في تلك المروج التي تنمو بها أنواع أخرى من النباتات. كما تقوم تلك النباتات بحماية الشعاب المرجانية وتساعد في تنظيف المياه وتحمي السواحل من العواصف.
ويقول واضعو الدراسة إنه بالرغم من كل تلك الفوائد فإن تلك النباتات تتعرض للتدمير المستمر بسبب نفاد المواد التي تتغذى عليها والرواسب من النشاطات البشرية على الأرض, ونتيجة لاستخدام القوارب, والتجريف وردم أجزاء من البحر وبعض طرق الصيد.
ويقول الدكتور كلاوس تويبفر, المدير التنفيذي للبرنامج, إن تلك النباتات: (نظام بيئي بحري حيوي لم يلتفت إلى أهميته حتى الآن). وأضاف إن نتائج الأبحاث التي جرت حتى الآن تبعث على القلق. ففي حالات عديدة, كان يتم تدمير هذه المروج من دون أي داع لتحقيق مكاسب على المدى القصير دون فهم صحيح لأهميتها.
وقال إد جرين, أحد محرري الأطلس, إن هناك بعض الأماكن تتمتع فيها تلك المروج بالحماية. حيث إن العالم يعرف أن أنواعا كثيرة من الأسماك تستخدمها خلال فترة قصيرة ولكنها مهمة خلال دورة حياتها.
وأضاف إن العالم أصبح يدرك الدور الذي تلعبه تلك النباتات في دورة الكربون المناخية وفي حماية السواحل. قائلا إن من الصعب تقدير القيمة الاقتصادية الحقيقية, لكن الأطلس يشير إلى أنها هائلة.
من جانبه, يقول الدكتور مارك كولينز, مدير مركز المراقبة, إن تلك النباتات تعرضت للإهمال من قبل المحافظين على البيئة ومخططي تطوير السواحل.
وأضاف إن الجمهور يستطيع لعب دور مهم. فعن طريق حماية فرس البحر والسلاحف والحيوناتات البحرية يمكنهم حماية النظام البيئي الذي تعيش عليه تلك الحيوانات بالإضافة إلى أن لها منافع أخرى ليست معروفة بالقدر نفسه. وتنتشر تلك النباتات في جنوب غرب إنجلترا ويعيش فيها نوعان نادران من فرس البحر بالإضافة إلى الحبار والسرطان.
وقد خرج (أطلس أعشاب البحر) إلى النور بفضل تضافر جهود 50 عالما من 25 بلدا.
ويحتوي الأطلس على أول خرائط إقليمية وكونية كاملة لتوزيع أعشاب البحر وثروة من المعلومات المتعلقة بالعناصر الرئيسية للنظام الإيكولوجي المنسي.