[img]
[/img]
في هذه الندوة التي أدارتها "الشروق اليومي" بجامعة الشارقة، مع خبراء الإعلام الجزائريين، يجمع ضيوفنا أن ما حدث قبل وأثناء وبعد المباراة يدل على الوضع الذي آلت إليه الشعوب العربية وهو ما انعكس على وسائل الاعلام، ويقول هؤلاء إن ما حدث من ممارسات إعلامية من خلال التهديد بالتصفية الجسدية يعد سابقة خطيرة لم يعهدها العالم العربي والعالمي من قبل، وهو ما دعا المشاركون في هذه الندوة بإطلاق صافرة الإنذار لمراجعة الممارسات الإعلامية وإعادة الاعتبار لمجالس أخلاقيات المهنة التي هي ـ حسبهم ـ بقية حبرا على ورق.
*
*
الأحداث الأخيرة كشفت سوءة الإعلام العربي
*
يرى الدكتور نصر الدين لعياضي، أن تداعيات المقابلة أظهرت حالة الإحباط التي تعاني منها الشعوب العربية وهي في كل ذلك تريد أن تعوض بها انكساراتها السياسية والاقتصادية والثقافية. ويعتقد دكتور الإعلام أن الأحداث الأخيرة كشفت عن الكثير من الحقائق لعل اهمها : تمثل الذات، حيث يرى كل واحد انه الاكبر ويرفض الهزيمة على الملعب ويعطيها ابعادا وكأنها هزيمة في مواقع اخرى سياسية او اقتصادية او اجتماعية، وكذا هشاشة الاعلام وانزلاقاته في التوترات، بدأت بمزايدات اعلامية وتهييج اعلامي غير مسبوق في المجال الرياضي وهذا يكشف غياب القوانين والاخلاقيات في الممارسة الاعلامية واصبح الصحافي يدعو الى تصفية الآخر جسديا دون أن يلقى رادعا قانونيا او اخلاقيا وهذا بكل تأكيد يكشف عن أزمة وسائل الاعلام.. وعن معالجة هذه النقطة يقول نصر الدين لعياضي انه يتوجب التفكير والعمل في كيفية القضاء على العنف المصاحب للرياضة ولعلنا نأخذ الدول الأوربية قدوة لنا في ذلك، حيث كافحت في سنوات الثمانينيات والتسعينيات ظاهرة "الهوليغان" وامتصت العنف من الملاعب عن طريق فتح المنابر السياسية والاجتماعية والثقافية للشعوب حتى تعبّر عن ذاتها وهو ما يجب أن تفعله وسائل إعلامنا.
*
*
الإعلام حُمِّل أكثر مما يحتمل
*
بحسب دكتور الاإلام رابح صادق، فإنه من المحزن أن يتم اختزال العلاقة بين شعبين في كرة قدم وهذا الامر لايمكنه بأي حال من الاحوال إلا أن يدل على حالة الإفلاس على مستوى الأنظمة السياسية التي تريد الهاء شعوبها عن قضاياها الاساسية "فالمسألة من ورائها بعد سياسي ومحاولة توجيه الرأي العام الى قضايا ليست من اهتمام المجتمع" ويبدو أن الكثير من الافراد دخلوا هذه اللعبة وهي أمور مقيتة تتعارض مع القيم الاسلامية على حد قوله.
*
وفي سؤالنا عن من هو المسؤول عن ما يحدث؟!! وهل تتحمل وسائل الاعلام وحدها هذا العبء؟؟ قال الدكتور رابح، إن الاعلام حُمّل اكثر مما يحتمل.. ويتساءل: "هل نجرم الاعلام؟؟!!، باعتقادي ان الاعلام لا يخلق الظاهرة ولكنه يضخمها ويبالغ فيها لاسباب او لاخرى وعادة يرجع ذلك للكسب التجاري". ويضيف: "لايمكن تأثيم الاعلام بأنه خلق الظاهرة باعتبار ان العلاقات في كرة القدم بين مصر والجزائر كانت متوترة دائما والذي يدان ربما من الناحية الاخلاقية والمهنية هي تجاوز بعض القنوات المصرية الخاصة من الاطار الرياضي الى اطار آخر والقضية لم تعد رياضية وتمثل ذلك في الاساءة الى رموز بلد والى شعب برمته".
*
الصحافي تحول إلى عسكري
*
وفيما يتعلق بهذه الاشكالية يطرح الدكتور محمد قيراط عدة تساؤلات ويقول من هو الصحافي؟!! وماهي المسوؤلية الاعلامية؟!! وماهو دور الاعلام في المجتمع؟!! ويجيب على ذلك متهكما "أعتقد أن المهنة الوحيدة في العالم التي لا يطلب من صاحبها شهادة هي مهنة الصحافة، وفي حقيقة الأمر ان هذا اعتداء على مهنة شريفة.. ويستطرد أن الصحافي اليوم من خلال هذه المباراة ارتدى البزة العسكرية وأصبح يحارب على كل الجبهات بكل ما أؤتي من قوة وأن فريق بلده على صواب والآخر خطأ في خطأ وهو أمر ـ يقول قيراط ـ لم نعرفه إلا في الحروب، ولعل الاعلام الامريكي في حروب الخليج الثلاث خير دليل على ذلك حينما تحول الى بوق البيت الابيض".
*
وعن الحقيقة والموضوعية في كل الأنباء التي تسربت خلال هذه المباراة، يقول عميد كلية الاعلام بالشارقة، محمد قيراط، إن هناك تشويها وتضليلا واستعمالا مفبركا وكان من المفروض على الصحافي ان ينحاز الى الحقيقة.. ويقارب متحدثنا بين ذلك مع ما استعمله بوش خلال الحرب على العراق حين أشاع أن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل وله علاقة مع بن لادن وأن ذلك خطر على الولايات المتحدة الأمريكية وبدل أن يفنّد الإعلام الامريكي هذا الامر ـ يضيف قيراط ـ انه اشتراها ومن ثم صدقه الشعب الامريكي وحصل بوش على مايريد وجر الجنود الى المعركة والآن 4000 من هؤلاء قتلوا بحقيقة واهمة.. ويضيف الدكتور، ان هذا ينطبق تماما على أحداث القاهرة، حينما تم الاعتداء على اللاعبين الجزائريين وتم رشق الباص بالحجارة حيث قال إعلامهم إن هذه مسرحية جزائرية خالصة، بالرغم من أن كل الدلائل كانت تشير إلى أن ذلك حدث، أضف إلى ذلك استعملوا السائق المفبرك.. وهي أمور بنظر محمد قيراط ألاعيب ومؤامرات بين الاتحاد المصري والإعلام وكان بإمكان الإعلام المصري أن يتخذ موقفا يحسب له وينحاز للحقيقة، لكن مع الأسف أثبت هذا الاعلام انه دكاكين فتنة وضد الحقيقة بل يشوها ويضللها وأصبحت بذلك اخلاقيات المهنة في مهب الريح".. ويضيف: "ان الرسالة الاعلامية هي تنوير الرأي العام وليس التطبيل والتزمير للسلطة ومنهم من هرول إلى أن يبرز انه أكثر ولاءً لأم الدنيا ووصل بهم الحال إلى التحريض على القتل وهو أمر غير معقول بتاتا؟!!".
*
هل تعامل الإعلام الجزائري مع هذه الأزمة بحكمة؟!!
*
يجيب الدكتور قيراط على هذا السؤال بقوله، إن الإعلام الحكومي كان متّزنا ولم يدخل في متاهات الإعلام المصري، بل اهتم بالفرحة عكس دكاكين الفتنة التي بقيت تنبش بعد المباراة وتبرر الهزيمة التي مني بها المنتخب المصري.. أما الإعلام الخاص فلا يخفي عميد الإعلام بكلية السارقة أنه وقع في انزلاقات كان بإمكانه تفاديها، والقاعدة تقول إنه "إذا أخطأ أحد في حقك تستطيع رفع دعوى قضائية ضده أما اذا رددت عليه فستصبح مثله وبالتالي تتساويان في الخطأ". ويعقب رابح صادق على ذلك بالقول، كان على الإعلام الجزائري أن لا يرد على البذاءات التي صدرت من الإعلام المصري وأنه من المفروض أن يبحث له عن التمايز وأن لا يسقط إلى حضيضهم.
*
وفي سؤالنا على كون الدولة الجزائرية تنوي تدشين قناة رياضية قبل المونديال، قال قيراط: "يجب أن تكون هذه الفضائية في خدمة الرياضة والرياضيين بشكل خاص وأن تنشر الوعي الرياضي في الجزائر وأن تنأى بنفسها عن ردود الأفعال والتشنج وتبتعد عن ما فعلته دكاكين الفتنة.. وأن أولى أولويات هذه القناة هي نقل الواقع كما هو "أنه عندما يكون فريقي ضعيفا يجب أن أقرّ به وأبرز فشلي ولا أتستر عليه".
*
*
أين مجالس أخلاقيات المهنة؟
*
*
يذكر الدكتور قيراط في ردّه على سؤالنا، أنه في سنة 1981 بالولايات المتحدة الأمريكية مُنحت جائزة "البوليتزر" إلى الصحافية الأمريكية جانيت كوك على قصة ادّعت انها واقعية لطفل يتعاطى المخدرات، الا انهم اكتشفوا فيما بعد أن تلك فبركة وليست لها أساس واقعي، فما كان لهم إلا أن سحبوا منها بطاقة صحافي مدى الحياة.. لكنه في عالمنا العربي ـ يضيف متأسفا ـ أن أخلاقيات المهنة بقيت حبرا على ورق وأن التنفيذ صفر.. في الوقت الذي كان من المفروض أن يكون للصحافي التزام اخلاقي على الاقل تجاه الحقيقة وانه عندما يرى خطأ توجب عليه الاقرار به..
*
ومن خلال ما حدث، يقول قيراط، لم أر صحافيا مصريا أو مسؤولا مصريا أقرّ بأن باص المنتخب الجزائري رشقت أو الأنصار اعتُدي عليهم مع وجود شواهد وأدلة.. وكان من المفروض على إبراهيم حجازي او مصطفى عبدون أو شوبير أو عمر اديب أو... ووو.... أن يعتذروا عن ما ارتكبوه من مغالطات للرأي العام ويقولوا الحقيقة، معتبرا أن "مجالس اخلاقيات المهنة حبر على ورق وليست مفعّلة، وأن جمعية الصحافيين المصريين لم تقطع دابر الفتنة والأكاذيب وكأننا في غابة البقاء فيها للأقوى".
*
*
إعلام بائس ومأزوم.. هل يخرج من النفق؟!!
*
*
لا يندهش نصرالدين من بعض ردود وسائل الإعلام المصرية وبعض الصحافيين والفنانين، لأنهم يعبرون عن تمثلهم لذاتهم ويرون أنفسهم دائما الأقوى والأجدر ويقصون الآخر دون أن يدركوا أن الآخر أيضا له امكانات وقدرات "وهو ما يدعونا الى إعادة التفكير في الصورة النمطية للشعوب العربية التي تعتريها الضبابية في كثير من الاحيان". أما الدكتور رابح صادق، فيعتبر أن هذه المباراة كشفت الكثير من حالات غير صحية، سواء على المستوى الذهني أو الممارسة الإعلامية، ومع كون الشرخ كبيرا إلا أن ضيفنا يرى إمكانية إعادة النظر في ممارسات الإعلام عموما داخل المنطقة العربية وبناء علاقات صحية بعيدا عن التمركز الذاتي والترفّع على الاخرين. فيما يرى الدكتور محمد قيراط أن ما حدث يدل على بؤس وأزمة الاعلام العربي وهو يعكس في ذلك مشكلة المجتمع العربي وأن الممارسات التي رأيناها لا تمتّ بصلة لإعلام نزيه وموضوعي وأخلاقي، مضيفا أن هذه الممارسات كانت عبارة عن تمويه وتضليل وتشويه وبلطجة وفهلوة وعندما يطل اعلامي على الشاشة ويقول: "اقتل"، فهذا لم يصبح إعلاما... يجب العودة إلى أخلاقيات المهنة.