الأرقام النسبة والتناسب: توسع العرب في بحوث النسبة، وقالوا بأنها على ثلاثة أنواع: العددية والهندية والتأليفية، وأبانوا كيفية استخراج الأنغام والألحان من الأخيرة. وكذلك أجادوا في موضوعات التناسب، وكيفية استخراج المجهول بوساطتها، وذكروا بعض خواص النسبة فيما يتعلق بالأبعاد والأثقال من العجائب ما يثير الدهشة، مثل قولهم، كما جاء في رسائل إخوان الصفا:
"ومن ذلك ما يظهر في ميزان القباني، وذلك أن أحد رأسي عمود القبان طويل، بعيد عن المعلاق ـ أي عن نقطة الارتكاز ـ والآخر قصير قريب منه، فإذا عُلَّق على رأسه الطويل ثقل قليل، وعلى رأسه القصير ثقل كثير تساويا وتوازيا، متى كانت نسبة الثقل القليل إلى الثقل الكبير كنسبة بُعد رأس القصير إلى بُعد رأس الطويل من المعلاق. ومن ذلك أيضاً ما يظهر في ظل الأشخاص من التناسب بينها، وذلك أن كل شخص مستوي القد منتصب القوام، فإن له ظلاً، وأن نسبة طول ذلك الشخص إلى طول قامته في جميع الأوقات، كنسبة جيب الارتفاع في ذلك إلى جيب تمام الارتفاع سواء ، وهذا لا يعرفه إلا المهندسون، أو أساتذة الرياضيات. وذلك يظهر، كذلك، في الأجسام الطافية فوق الماء، والتناسب بين أثقالها، ومقعر أجرامها في الماء. وذلك أن كل جسم يطفو فوق الماء فإن مكانه المقعَّر يسع من الماء بمقدار وزنه سواء، فإن كل ذلك الجسم لا يسع مقعره بوزنه من الماء سواء فإن ذلك الجسم يغوص في الماء، ولا يطفو، وإن كان ذلك المقعر يسع بوزنه من الماء سواء، فإن الجسم لا يغوص، ولا يبرز فوق الماء، بل يبقى سطحه مستوياً مع سطح الماء سواء، ومن ذلك أن كل جسمين طافيين فوق الماء، فإن نسبة سعة مقعَّر أحدهما إلى الآخر كنسبة ثقل أحدهما إلى الآخر سواء.
وبحث العرب استخراج المجهولات، وبرعوا في الطرق التي اتبعوها لذلك، فقالوا باستخراج المجهولات بالأربعة المتناسبة، وبحساب الخطأين، وبطريقة التحليل والتعاكس، وبطريقة الجبر والمقابلة، وكانوا يكثرون من الأمثلة والتمارين في مؤلفاتهم، ومن أمثلة حساب الخطأين:
مسألة: "إذا قيل لك مال جُمع ثُلثه وربعه فكان واحداً وعشرين" وجاء الحل على الصورة الآتية:
ضع الواحد والعشرين على القبة، واتخذ إحدى الكفتين من 12 والثانية من 24، هكذا
الكفة الأولى الكفة الثانية
- ثم قابل الجزء من الاثني عشر بها على القبة {إذا فرضت المال 12 فإن ثلثه وربعه= 7}
- تجد الفضل بينهما {أي بين 7 و 21} أربعة عشر ضعها تحت الكفة الأولى.
- ثم افعل ذلك في الكفة الثانية تجد الفضل بينهما 7، ضعها تحت الكفــة الثانيــة.
(21-14=7) - ثم اضرب فضل الكفة الأولى وهو 14 في الكفة الثانية يخرج لك 336، احفظه،
(14×24=336) - ثم اضرب فضل الكفة الثانية وهو 7 فيما في الكفة الأولى يخرج لك 84،
(7×12=84) - اطرحها من المحفوظ يتبقى 252،
(336-84=252) - اقسم على 7 وهو الفرق بين فضل الكفة الأولى والثانية
(14-7=7)، يخرج لك 36 وهو العدد المجهول".
(252÷7=36) ويمكن التوضيح بشكل آخر:
أي أنك إذا فرضت المال 12 فإن 1/3 × 12 + 1/4 × 12 =7
12 - 7 = 14 تضعه في أسفل الكفة اليمنى
ثم تفرض المال 24 فإن 1/3 × 24 + 1/4 × 24 = 14
21 - 14 = 7 تضعه في أسفل الكفة اليسرى
ولإيجاد المال نجري العمل هكذا (14×24-7×12) ÷ (14-7) = 36 وهو المطلوب.
أما طريقة استخراج المجهولات بطريقة التحليل والتعاكس، فهي "العمل بعكس ما أعطاه السائل، فإن ضعف فنصِّف، وإن زاد فانقص، أو ضرب فاقسم، أو جذَّر فربِّع، أو عكس فاعكس، مبتدئاً من آخر السؤال ليخرج الجواب مثال: لو قيل إن عدداً ضُرب في نفسه، وزيد على الحاصل اثنان وضعف، وزيد على الحاصل ثلاثة دراهم وقُسم المجموع على خمسة، وضرب الخارج في عشرة حصل خمسون".
نقسم الخمسين على 10 ينتج 5، نضربها في مثلها ينتج 25 ننقص منها 3 ينتج 22، ومن نصفه (11) ننقص 2 ينتج 9، وجذره التربيعي هو 3 .
وتوضيحها كالتالي:
(1) 50 ÷ 10 = 5
(2) 5 × 5 = 25
(3) 25 - 3 = 22
(4) 22 ÷ 2 = 11
(5) 11 - 2 = 9
(6)
= 3
وكان العرب يأتون بمسائل عملية تتناول ما كان يقتضيه العصر، وبدور على المعاملات التجارية، والصدقات وتقسيم الغنائم، وإجراء الرواتب على الجنود، كما تطرق إلى البريد، وطرق البيع والشراء، وهذه ميزة تميزت بها المؤلفات العربية القديمة.
ولم يقف العرب عند هذا الحد، بل أخذوا الأعداد، وتعمقوا في نظرياتها، وأنواعها، وخواصها، وقال علماؤهم في خواص بعض الأعداد ما يلي: "ما من عدد إلا وله خاصية أو عدة خواص. ومعنى الخاصية أنها الصفة المخصوصة للموصوف، الذي لا يشاركه فيها غيره. فخاصية الواحد أنه أصل العدد ومنشؤه، وهو يعد العدد كله، أزواجه وأفراده جميعاً. ومن خاصية الإثنين أنه أول العدد مطلقاً، وهو يعد نصف العدد، الأزواج دون الأفراد. ومن خاصية الثلاثة أنها أول عدد الأفراد، وهي تعدُّ ثلث الأعداد تارة، وتارة الأزواج. ومن خاصية الأربعة أنها أول عدد مجذور .
أقسام الأعداد قسَّم العرب الأعداد إلى قسمين: أزواج وأفراد، وبينوا معنى كل منهما، وذكروا أنواعها بالتفصيل. وأن العدد من جهة أخرى ينقسم إلى ثلاثة أنواع: العدد التام، والناقص، والزائد، وعرفوا كذلك الأعداد المتحابة.
وكذلك عرف العرب المتواليات الحسابية والهندسية ، على أنواعها، وذكروا قوانين خاصة لجمعها، كما أتوا على قواعد لاستخراج الجذور، ولجمع المربعات المتوالية، والمكعبات، وبرهنوا على صحتها، وتوصلوا إلى نتائج باهرة.
هل علم الجبر من ابتكار علماء العرب المسلمين؟ أطلق علماء العرب لفظة (جبر) على علم الرياضيات، الذي يُعتبر في الأصل تعميماً لعلم الحساب، وليس هناك أدنى شك أن علم الجبر علم عربي، فهم أول من أطلق عليه لفظة جبر، وعنهم أخذ علماء الغرب والشرق هذه اللفظة فصارت Algebra، واستعملوها في لغاتهم المختلفة حتى يومنا هذا. ومفهوم الجبر هو علم "النقل والاختزال" أو "علم المعادلات" بوجه عام. وكان أول من ألَّف فيه هو "محمد بن موسى الخوارزمي" في كتابه "حساب الجبر والمقابلة" وهو الكتاب الذي ـ شأن كتب الخوارزمي الأخرى ـ تُرجم إلى اللاتينية. وقد عرّف ابن خلدون الجبر بقوله:
"هو صناعة يُستخرج بها العدد المجهول من قبل المعلوم المفروض إذ كان بينهما نسبة تقتضي ذلك، فاصطلحوا فيها على أن جعلوا للمجهولات مراتب من طريق التضعيف بالضرب، أولها العدد، لأنه به يتعين المطلوب المجهول باستخراجه من نسبة المجهول إليه، وثانيها الشيء، لأن كل مجهول فهو من جهة إبهامه شيء، وهو أيضاً جذر لما يلزم تضعيفه في المرتبة الثانية. وثالثها المال، وهو أمر مبهم، وما بعد ذلك فعلى سبيل الأسس في المضروبين، ثم يقع العمل المفروض في المسألة فتخرج إلى معادلة بين مختلفين أو أكثر من هذه الأجناس، فيقابلون بعضها ببعض، ويجبرون ما فيها من الكسر حتى يصير صحيحاً، ويحيطون المراتب إلى أقل الأسس، إن أمكن، حتى يصير إلى الثلاثة، التي عليها مدار الجبر عندهم، وهي العدد والشيء والمال، فإن كانت المعادلة بين واحد أحد تعيَّن فالمال والجذر يزول إبهامه بمعادلة العدد، ويتعين، والمال وإن عادل الجذور، فيتعين بعدتها، وإن كانت المعادلة بين واحد واثنين أخرجه العمل الهندسي من طريق تفصيل الضرب في الاثنين، وهي مبهمة فيعينها ذلك الضرب المفصل، ولا يمكن المعادلة بين اثنين واثنين وأكثر، وما انتهت المعادلة بينهم إلى ست مسائل، لأن المعادلة بين عدد جذر ومال مفردة أو مركبة تجيء ستة".
اشتغل علماء العرب بالجبر، وأتوا فيه بأعمال جعلت أكبر علماء الرياضيات الغربيين يعترفون لهم بما قدموه للبشرية في هذا الحقل الحيوي. وقال أحدهم: "إن العقل ليندهش عندما يرى ما قدمه العرب والمسلمون في الجبر. فلقد كان كتاب الخوارزمي في حساب الجبر والمقابلة منهلاً نهل منه علماء المسلمين وأوروبا على السواء، واعتمدوا عليه في بحوثهم، وأخذوا عنه كثيراً من النظريات، لهذا يحق القول بأن الخوارزمي وضع علم الجبر على أسسه الصحيحة".
الخوارزمي، والأعداد، والجبر: يقول الخوارزمي في كتابه: ".. وإني ألفت من حساب الجبر والمقابلة كتاباً مختصراً للطيف الحساب وجليله، لما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم، وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم. وإني لما نظرت فيما يحتاج إليه الناس من الحساب، وجدت جميع ذلك عدداً. ووجدت الأعداد إنما تركبت من الواحد، والواحد داخل في جميع الأعداد. ووجدت جميع ما يُلفظ به من الأعداد ما جاوز الواحد إلى العشرة يخرج مخرج الواحد، ثم تُثنى العشرة وتثلَّث، كما فُعل بالواحد، فتكون منها العشرون، والثلاثون إلى تمام المائة. ثم تثنى المائة، وتثلث، كما فُعل بالواحد وبالعشرة، إلى الألف. ثم كذلك تردد الألف عند كل عقد إلى غاية المدرك من العدد. ووجدت الأعداد التي يحتاج إليها في حساب الجبر والمقابلة على ثلاث ضروب:
وهي جذور، وأموال، وعدد مفرد لا يُنسب إلى جذر ولا إلى مال. فالجذر منها كل شيء مضروب في نفسه من الواحد، وما فوقه من الأعداد، وما دونه من الكسور. والمال كل ما اجتمع من الجذر المضروب في نفسه. والعدد المفرد كل ملفوظ به من العدد بلا نسبة إلى جذر ولا إلى مال. فمن هذه الضروب الثلاثة ما يعدل بعضها بعضاً. وهو كقولك أموال تعدل جذوراً، وأموال تعدل عدداً، وجذور تعدل عدداً..".
ويتضح من ذلك أن الجذر هو ما يُرمز إليه في الجبر الحديث بالرمز (س)، والمال (س
2)، والعدد المفرد هو العدد الخالي من س.
وقد أتى الخوارزمي على حل كل من هذه الأقسام بذكر الأمثلة، وإيضاحها بالتفصيل، ولم يستعمل في ذلك رموزاً، ومن يطلع عليها يدرك الجهد الكبير، الذي كان يبذله، هو وغيره من علماء العرب في حل المسائل الجبرية، والعناء الذي كانوا يلاقونه في إجراء العمليات الجبرية. ومن حلول هذه الأنواع، وشرحها بأمثلة عددية، يتبين أن العرب كانوا يعرفون حل المعادلات من الدرجة الثانية. وهي الطريقة نفسها، الموجودة الآن في كتب الجبر للمدارس الثانوية. ولننظر إلى المعادلة الآتية التي وردت في كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي:
"مالان وعشرة جذور تعدل ثمانية وأربعين درهماً" وكيفية الحل كما يلي:
مالان إذا جُمعا، وزيد عليهما مثل عشرة جذور أحدهما بلغ ثمانية وأربعين درهماً، فينبغي أن ترد المالين إلى مال واحد، وقد علمت أن مالاً من مالين نصفها، فاردد كل شيء في المسألة إلى نصفه. فكأنه قال: مال وخمسة أجذار يعدل 24 درهماً. ومعناه أي مال إذا زدت عليه خمسة أجذاره بلغ أربعة وعشرين، ننصَّف الأجذار فتكون اثنين ونصفا، فاضربهما في مثلها فتكون ستة وربعاً، فزدها على الأربعة والعشرين، فيكون ثلاثين درهماً وربع درهم، فخذ جذرها وهو خمسة ونصف، فانقص منها نصف الأجذار، وهو اثنان ونصف، يبقى ثلاثة، وهو جذر المال، والمال تسعة...،
ومعنى ذلك أن الحل بالرموز هو:
2س
2 + 10 س = 48
أي: س
2 + 5 س = 24
س =
+ 24 - 5/2= 11/2 - 5/2= 3 وهذا هو جذر المال.
والمال الذي هو س
2= 3×3= 9
وورد في كتاب الخوارزمي طرق هندسية لحل بعض معادلات الدرجة الثانية، نورد حل معادلة منها على سبيل المثال:
س
2 + 10 س = 39
نفرض أن ج ب = س، ثم ننشئ عليه المربع أ ب ج د، ونمد دأ، و دج، إلى هـ، م بحيث يكون أهـ = ج م = 1/2 × 10 = 5
مساحة المربع أج = س × س = س
2 مساحة المستطيل ب هـ = 5 × س = 5 س
مساحة المستطيل ب م = 5 × س = 5 س
وحينئذ س
2 + 10س تساوي مجموع مساحة المربع (أج) ومساحة المستطيلين ب هـ ، ب م.
ولكن س
2 + 10س= 39
لذلك فإن مجموع مساحة المربع أج والمستطيلين ب هـ، ب م يساوي 39.
ولكن مساحة المربع ب ع = 5 × 5= 25
فإذا أضفنا مساحة المربع ب ع إلى كل من الطرفين ينتج أن:
س
2 + 10س + 25 = مساحة المربع أج + مساحة المستطيل ب هـ + مساحة المستطيل ب م + مساحة المربع ب ع
ولكن س
2 + 10س + 25 = 39 + 25 = 64
ومساحة المربع أج والمستطيلين ب هـ ، ب م، والمربع ب ع تساوي مساحة المربع دع
ومساحة المربع دع = 64 أي أن الضلع دم = 8
ولكن دم = س + 5 أي أن س + 5 = 8
س = 3
وقدَّم الخوارزمي الحلول المثالية التي تساعد على عملية توزيع الإرث من جهة، وتوزيع الأنصبة للموصى لهم من جهة ثانية، ويجري كل ذلك حسب ما تقره الشريعة الإسلامية.
وقد طبق المسلمون علم الحساب في تجارتهم اليومية، وعلم الجبر في علم الميراث، المعروف بعلم "الفرائض"، ولم يجعلهم ذلك يقفون عند حده، بل دفعهم إلى البحث عن معرفة أوقات الصلاة، التي تختلف حسب المواقع، ومن يوم إلى آخر، ومن المعروف أن حسابها يحتاج إلى معرفة عرض الموقع الجغرافي، وحركة الشمس في البروج، وأحوال الشفق الأساسية، هذا بالإضافة إلى اتجاه المسلمين إلى الكعبة في صلواتهم، مما يستلزم معرفتهم سسمت القبلة، وهناك صلاة الكسوف أو الخسوف، التي تقتضي معرفتها استعمال الحسابات الدقيقة. وهناك أيضاً هلال شهر رمضان، وأحكام الصوم، مما حمل الفلكيين على البحث عن مسائل عويصة تتصل بشروط رؤية الهلال، وأحوال الشفق، فبرزوا في ذلك، واخترعوا حسابات دقيقة لم يسبقهم إليها أحد .