كان لدي قريب يدعي قدرته على الحلم بأي شيء يريده.. ورغم أنه كان يفضل أحلاماً معينة (.. ولا يخفى عليكم معاناة البعض) إلاّ ان ما لفت انتباهي "الاستراتيجية" التي كان يتبعها لرؤية الأحلام المرغوبة؛ فحسب قوله كان يعمد للسهر لأطول فترة ممكنة وحين يغلبه النعاس ينام جالساً وفي ذهنه فكرة قوية ومحددة عما يريد الحلم به.
وحين أفكر اليوم في هذه الاستراتيجية أجدها مقبولة نوعاً ما؛ فمغالبة النوم لفترة طويلة تضمن دخولنا مباشرة لمرحلة الأحلام. والنوم جلوساً (أو في وضع غير مريح) يجعل نومنا خفيفاً بحيث نبقى هائمين ومتذبذبين بين النوم واليقظة - في حين يوفر التفكير بعمق استمرارية الفكرة وانتقالها بقوة من عالم الواقع إلى دنيا الأحلام!!
.. على أي حال رغم فشلي شخصياً في تطبيق هذه الإستراتيجية إلاّ أنني أصدق بقدرة البعض على برمجة أحلامهم كيفما شاءوا.. وتدل سيرة الكاتب الإنجليزي روبرت لويس ستيفنسون أنه كان من أكثر المبدعين استغلالاً لأحلامه. فأمراضه الكثيرة حالت بينه وبين النوم العميق فأصبحت أحلامه مليئة بالأحداث الخصبة التي كونت قصصاً كاملة كان يسارع لكتابتها بعد استيقاظه مباشرة. وجاء في كتابه "عبر السهول" أنه يحلم دائماً بقصص متسلسلة وكانت لديه القدرة على بدء حلمه من النقطة التي انقطع فيها في الليلة السابقة. وحين كان يحتاج للمال كان يسهر لعدة ليال حتى يغلبه النوم وفي رأسه فكرة عامة - يكتب تفاصيلها في اليوم التالي!!
* أما في عالم السياسة فكان أباطرة الصين ومنغوليا يوظفون موهوبين وعرافين يحلمون بما يخفيه المستقبل. أما فراعنة مصر - وخلفاء الدولة العباسية والفاطمية - فلم يكونوا يهتمون بمشاكل العامة بقدر اهتمامهم بما تداولونه من أحلام تحدد مصيرهم ومصير دولتهم.. أما أباطرة اليابان فلم يتركوا هذا الشرف للعامة وكانوا يقومون بأنفسهم (بالأحلام التي تهم الشعب) على سرير خاص يدعى "كامودوكو". وكان حلم الامبراطور أقوى من أي قرار حكومي وينظر إليه بمثابة "الهام إلهي" تتحرك الجيوش بسببه وتقطع الرؤوس من أجله.. وحتى عصرنا الحالي ما تزال الفكرة جذابة وتشكل تحدياً للجميع، وقبل أيام أعلنت شركة تاكارا اليابانية عن تسويق أول جهاز لبرمجة الأحلام حسب الطلب (وشركة تاكارا بالمناسبة اخترعت العام الماضي جهازاً أكثر غرابة يترجم نباح الكلاب لأصوات مفهومة).. والاختراع الجديد مزود بخمس وظائف يضبطها المرء قبل النوم لرؤية الحلم المطلوب. فهناك صور عن الموضوع تبث لعين النائم، وأصوات تصب في أذنيه عن نفس المشاهد - بالإضافة إلى رائحة وطبيعة وأجواء المكان المراد رؤيته.. ومن خلال توفير هذه المعطيات (عن سويسرا مثلاً) وتكرارها بإلحاح يوفق الزبون - بنسبة كبيرة - بالحلم بسويسرا فعلاً!!
* وفي تصوري الخاص أنه - في حالة فشل الجهاز الياباني - فإن الفكرة بحد ذاتها ستبقى متقدمة وملحة حتى ينجزها العلماء بالشكل الصحيح.. ومستقبلاً لن يتجاوز جهاز كهذا حجم "الفيديو" أو "البلاي ستيشن" يمكنه تشغيل أقراص تشحن برؤوسنا شتى الأحلام والذكريات.. واختراع كهذا سيفتح للفقراء ومستوري الحال أبواباً وآفاقاً لا يمكن حصرها؛ لذا يمكن لأي صعلوك مثلاً العيش في أرقى القصور وزيارة أجمل البلدان والزواج كل ليلة بملكة جمال. وبدل ان تلف العالم (بمبلغ وقدره) في عام أو عامين تستطيع شحن رأسك بأجمل الرحلات خلال ساعة أو ساعتين!!
فهد عامر الأحمدي