حقوق الاخوة
أولا :أن يُحبّ أخاه لله لا لغرض من الدنيا؛ ، فإذا كانت المحبة لله بقيت، أما إذا كانت لغرض من أغراض الدنيا فإنها تذهب وتضمحل. كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار»
ثانيا :الحق الثاني من هذه الحقوق أن يقدّم الأخ لأخيه الإعانة بالمال وبالنفس؛ لا شك أن الناس مختلفون, مختلفون في طبقاتهم، من حق الصحبة الخاصة، أن يسعى المرء في بذل نفسه، في بذل ماله لأخيه الخاص؛ لأن حقيقة الأخوّة أن يؤثر المرء غيره على نفسه، كما وصف الله جل وعلا الذين امتثلوا ذلك بقوله ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾[الحشر:9],
ثالثا: الحق الثالث من حقوق الأخوّة حفظ العِرض، وهو حق عظيم من الحقوق، بل لا يكاد تُفهم الأخوة الخاصة إلا أن يحفظ الأخ على أخيه عرضه، والأخوّة العامة؛ أخوّة المسلم للمسلم قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بحفظ الأعراض، فقد ثبت في الحديث الصحيح، حديث أبي بكرة في البخاري ومسلم وفي غيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة في خطبته في حجة الوداع يوم عرفة «إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» إلى آخر الحديث، فعِرض المسلم على المسلم حرام بعامة، فكيف إذا كان بين المسلم والمسلم أخوّة خاصة , كيف لا يحفظ عرضه،
لحفظ العرض مظاهر؛ لأداء هذا الحق مظاهر, هذا الحق أن تحفظ عرض أخيك الذي بينك وبينه أخوّة خاصة، وكذلك أخوك الذي بينك وبينه أخوّة عامّة لذلك مظاهر؛ من مظاهره:
أولا أن تسكت عن ذكر العيوب؛ لأن المصادقة أو الأخوة الخاصة تقتضي أن تطّلع منه على أشياء، يقول كلمة، يتصرف تصرفا، فعل فعلا, ما معنى الأخوة الخاصة إلا أن تكون مؤتمنا على ما رأيت، أن تكون مؤتمنا على ما سمعت، وإلا فيكون كل واحد يتحرز ممن يخالطه، فليس ثَم إذن إخوان صدق، ولا إخوان يحفظون المرء في حضوره، وفي غيبته
2- من مظاهر حفظ هذا الحق أن لا تدقق معه السؤال، وأن لا تبحث معه في مسائل لم يبدها لك، مثلا تراه في مكان، فتقول ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ما الذي حضر بك؟ لماذا ذهبت إلى فلان؟ (وُوشْ عندك وفلان؟) إلى آخره من التدخل فيما لا يعني, إذا أحب أخبرك، وإذا لم يحب فإن الكتمان له فيه مصلحة، والمرء من حُسن إسلامه أن يترك ما لا يعنيه،
3- المظهر الثالث من مظاهر حفظ العرض أن تحفظ أسراره, وأسراره هي التي بثها إليك، بثّ إليك نظرا له، بثّ إليك رأيا رآه في مسألة, تكلمتم في فلان، فقال لك رأيا له في فلان، تكلمتم في مسألة فله رأي فيها بثَّه إليك؛ لأنك من خاصته، ولأنك من أصحابه، ربما يخطئ وربما يصيب، فإذا كنت أخا صادقا له فإنما بث إليك ذلك لتحفظه لا لأن تشيعه، لأن مقتضى الأخوة الخاصة أن يكون ما بين الأحباب سر، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داوود في سننه «الرجل إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت عنه فهي أمانة»
رابعا :الحق الرابع من الحقوق أن تُجنِّب أخاك سوء الظن به, لأن سوء الظن به مخالف لما تقتضيه الأخوة، مقتضى الأخوة أن يكون الأخ لأخيه فيه الصدق والصلاح والطاعة، هذا الأصل في المسلم، الأصل في المسلم أنه مطيع لله جل وعلا، فإذا كان من إخوانك الخاصة، فإنه يكون ثم حقان؛ حق عام له، وحق خاص بأن تجنبه سوء الظن، وأن تحترس أنت من سوء الظن، والله جل وعلا نهى عن الظن، فقال سبحانه ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾[الحجرات:12]
خامسا :الحق الخامس من حقوق الأخوّة أن تتجنّب مع إخوانك المراء والممارات, فإن المراء مُذْهِبٌ للمحبة، ومُذْهِبٌ للصداقة، المراء مضاد لحسن الخُلق، فإن الناظر إذا تأمل ما يجب عليه من حسن الخُلق، فإنه لا يماري، لأن الممارات فيها انتصار، وفيها استعلاء على الآخر، وهذا مضاد لحسن الخلق، بل تُبدي ما عندك بهدوء ولين
سادسا :الحق السادس من حقوق الأخوة بذل اللسان لأخيك؛ اللسان كما أنه في حفظ العرض كففت اللسان عن أخيك، فهنا من الحقوق أن تبذل اللسان له
ولهذا مظاهر :
1- تبذل اللسان في التودُّد له، يعني لا تكن شحيحا بلسانك عن أن تتودد لأخيك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا أحب أحدكم أخاه فليُعلمه فإذا أعلمه فليقل الآخر أحبك الله الذي أحببتني فيه»،
2- من مظاهر التودد باللسان أو بذل اللسان له؛ من مظاهر بذل اللسان للأخ أن تثني عليه في غير حضوره إذا خالطتَ أحدا وتعلم من أخيك هذا صفات محمودة، تثني عليه في غير حضوره؛ لأنك إذا أثنيت عليه في حضوره صار مدحا، والمدح ممنوع لأنه يورث عجباً، لكن تثني عليه في غير حضوره،
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ ..... فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
3- من مظاهر بذل اللسان للأخ شكرُه على بذله وعلى حسن المعاملة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يشكر الله من لا يشكر الناس», «من صنع إليكم معروفا فكافئوه» إذا لم تجد ما تكافؤه تجازيه خيرا؛ تدعو له, تشكره، هذا من حق الأخ لأخيه
سابعا :الحق السابع من حقوق الأخوة العفو عن الزَّلات، وهذا باب واسع، باب عظيم؛ لأن ما من متعاشرَين، ما من متصاحبين، ما من متآخيين، إلا ولابد أن يكون بينهم زلات، لابد أن يطلع هذا من هذا على زلة، على هفوة، لابد أن يكون منه كلمة، لأن الناس بشر، والبشر خطّاء، «كُلّكم خَطّاءٌ. وَخَيْرُ الْخَطّائِينَ التّوّابُونَ» فمن حق الأخوة أن تعفو عن الزلات.
الزلاّت قسمان: زلات في الدين وزلات في حقك, يعني زلات في حق الله وزلات في حقك أنت:
1- أما ما كان في الدين؛ إذا زلّ في الدين بمعنى فرّط في واجب؛ عمل معصية، فإن العفو عن هذه الزلة أن لا تشهرها عنه، وأن تسعى في إصلاحه، لأن محبتك له إنما كانت لله، وإذا كانت لله فأن تقيمه على الشريعة، وأن تقيمه على العبودية، هذا مقتضى المحبة, فإذا كانت في الدين تسعى فيها بما يجب؛ بما يصلحها، إذا كانت تصلحها النصيحة فانصح، إذا كان يُصلحها الهجر فتهجرفالهجر نوع تأديب وهو للإصلاح، ولهذا اختلف حال النبي صلى الله عليه وسلم مع المخالفين؛ مع من عصى، فهجر بعضا، ولم يهجر بعضا، قال العلماء: مقام الهجر فيمن ينفعه الهجر فيمن يصلحه الهجر ومقام ترك الهجر فيمن لا يصلحه ذلك.
2- أمّا ما كان من الزلات في حقك، فحق الأخوّة أولا أن لا تعظِّم تلك الزلة, يأتي الشيطان فينفخ في القلب، ويبدأ يكرر عليه هذه الكلمة، يكرر عليه هذا الفعل حتى يعظمها، يعظمها وتنقطع أواصل المحبة والأخوة، ويكون الأمر بعد المحبة وبعد التواصل، يكون هجرانا وقطيعة للدنيا، وليس لله جل جلاله, سبيل ذلك أن تنظر إلى حسناته؛ تقول أصابني منه هذه الزلة، غلط علي هذه المرة، تناولني بكلام، في حضرتك أو في غيبتك، لكن تنظر إلى حسناته، تنظر إلى معاشرته، تنظر إلى صدقه معك في سنين مضت، أو في أحوال مضت، فتعظم الحسنات، وتصغر السيئات، حتى يقوم عقد الأخوة بينك وبينه، حتى لا تنفصل تلك المحبة.
الحق الثامن من حقوق الأخوة الفرح بما آتاه الله جل وعلا, فرح الأخ لأخيه بما آتاه الله جل وعلا، الله سبحانه قسم بين الناس أخلاقهم كما قسم بينهم أرزاقهم، فضَّل بعضهم على بعض، فحق الأخ لأخيه، وحق الأخ على أخيه أنه إذا آتى اللهُ جل وعلا واحدا من إخوانك فضلا ونعمة فتفرح بذلك، وكأن الله جل وعلا خصك بذلك، وهذا من مقتضيات عقد الأخوّة، وأن تحب له كما تحب لنفسك
حقـــوق الأُخـــوَّة
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ [شريط مفرّغ]