منتدى التربية و التعليم تلمسان
اهلا بالزائر الكريم يرجى التسجيل للافادة و الاستفادة
سجل لتتمكن من تصفح المنتدى
منتدى التربية و التعليم تلمسان
اهلا بالزائر الكريم يرجى التسجيل للافادة و الاستفادة
سجل لتتمكن من تصفح المنتدى
منتدى التربية و التعليم تلمسان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى التربية و التعليم تلمسان

لتحضير جيد للامتحانات و الاختبارات لجميع المستويات
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  العاب فلاشالعاب فلاش  
تعلم ادارة المنتدى انه تم فتح مؤسسة رياض باروتجي لبيع ادوات الحاسوب و الشبكة باسعار جد مناسبة على الرغبين في التواصل و تقديم اللطلبات ترك رسالة خاصة لمدير المنتدى
تعلم ادارة المنتدى انه تم فتح مؤسسة رياض باروتجي لبيع ادوات الحاسوب و الشبكة باسعار جد مناسبة على الرغبين في التواصل و تقديم اللطلبات ترك رسالة خاصة لمدير المنتدى
Awesome Hot Pink
Sharp Pointer
المواضيع الأخيرة
» حصرى تحويل رائع لirissat6800 hd الى جهاز AB CryptoBox 400HD وFerguson Ariva 102E-202E-52E HD
الحضارات القديمة Emptyالجمعة ديسمبر 06 2019, 00:54 من طرف saad sa

» أسطوانة الاعلام الآلي سنة أولى ثانوي علمي
الحضارات القديمة Emptyالجمعة أبريل 07 2017, 13:09 من طرف mhamedseray

» مذكرات تخرج في التاريخ
الحضارات القديمة Emptyالأحد يناير 08 2017, 23:30 من طرف hawarkmirza

» _ كــيفــيــة ادخــال شفرة الجزائر الارضية الجديدة على مختلف الاجهزة
الحضارات القديمة Emptyالسبت يناير 07 2017, 01:29 من طرف bobaker1992

» قرص خاص بالتدريس عن طريق المقاربة بالكفاءات
الحضارات القديمة Emptyالخميس نوفمبر 24 2016, 22:48 من طرف حسان عبدالله

» شروط و طلبات الاشراف للاعضاء
الحضارات القديمة Emptyالسبت سبتمبر 10 2016, 21:37 من طرف محمد عصام خليل

» فروض واختبارات لمادة العلوم الطبيعية ثانية ثانوي
الحضارات القديمة Emptyالجمعة فبراير 26 2016, 10:19 من طرف mhamedseray

» مواضيع مقترحة للسنة الخامسة ابتدائي لمادة دراسة النص
الحضارات القديمة Emptyالجمعة يناير 22 2016, 00:32 من طرف ouassila-2012

» قرص اللغة العربية
الحضارات القديمة Emptyالجمعة نوفمبر 27 2015, 13:57 من طرف بنت القالة

» القانون الأساسي لجمعية أولياء التلاميذ
الحضارات القديمة Emptyالأربعاء نوفمبر 25 2015, 13:40 من طرف belounis

» فروض واختبارات مقترحة في العلوم الطبيعية 4 متوسط
الحضارات القديمة Emptyالخميس نوفمبر 12 2015, 14:09 من طرف بدر الصافي

» مذكرة الانتقال من المخطط المحاسبي الوطني الى النظام المحاسبي المالي الجديد
الحضارات القديمة Emptyالأربعاء نوفمبر 11 2015, 00:29 من طرف rachid s

» كتاب رائع جدا فيزياء وكيمياء يشمل كل دروس 4 متوسط
الحضارات القديمة Emptyالسبت أغسطس 29 2015, 14:59 من طرف abbaz29

» لأساتذة الفيزياء...قرص شامل لكل ما تحتاجه لسنوات التعليم المتوسط الأربع
الحضارات القديمة Emptyالخميس أغسطس 27 2015, 01:49 من طرف abbaz29

» قرص في مادة الفيزياء حسب المنهاج
الحضارات القديمة Emptyالأربعاء أغسطس 26 2015, 20:02 من طرف mhamedseray

» قرص السبيل في العلوم الفيزيائية (دروس شاملة صوت و صورة)
الحضارات القديمة Emptyالسبت أغسطس 15 2015, 05:00 من طرف mhamedseray

» ملخص دروس الفيزياء في الفيزياء
الحضارات القديمة Emptyالأحد أغسطس 09 2015, 00:29 من طرف mhamedseray

» جميع دروس وتمارين محلولة فيزياء وكيمياء أولى ثانوي
الحضارات القديمة Emptyالسبت أغسطس 08 2015, 17:33 من طرف mhamedseray

» شاهد كيف تحصل ببساطة على "إنترنت مجاني" من القمر الأصطناعي؟
الحضارات القديمة Emptyالثلاثاء مايو 19 2015, 19:40 من طرف ocean

» قرص رائع في الفيزياء للسنة الرابعة
الحضارات القديمة Emptyالأحد مارس 22 2015, 22:06 من طرف sbaa

ساعة 258
عدد مساهماتك: 105
الملف البيانات الشخصية تفضيلات التوقيع الصورة الشخصية البيانات الأصدقاء و المنبوذين المواضيع المراقبة معلومات المفضلة الورقة الشخصية المواضيع والرسائل الرسائل الخاصة أفضل المواضيع لهذا اليوم مُساهماتك استعراض المواضيع التي لم يتم الرد عليها استعرض المواضيع الجديدة منذ آخر زيارة لي
سحابة الكلمات الدلالية
متصفح جهاز سريع تحويل
عدد مساهماتك: 105
الملف البيانات الشخصية تفضيلات التوقيع الصورة الشخصية البيانات الأصدقاء و المنبوذين المواضيع المراقبة معلومات المفضلة الورقة الشخصية المواضيع والرسائل الرسائل الخاصة أفضل المواضيع لهذا اليوم مُساهماتك استعراض المواضيع التي لم يتم الرد عليها استعرض المواضيع الجديدة منذ آخر زيارة لي
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم

اهلا بك يا
عدد مساهماتك 105 وننتظر المزيد

المواضيع الأكثر نشاطاً
الدولة العباسية
اكلات مغربية شهية
قرص خاص بالتدريس عن طريق المقاربة بالكفاءات
موسوعة الطب لتعميم الفائدة
Informatique
موسوعة الطب لتعميم الفائدة2
للتعليم الجامعي بحوث مذكرات مواقع هامة جدا
هل تعلم ’?
كلمة مدير المنتدى
اسطوانات تعليمية من الابتدائي الى الثانوي - موقع مهم -
pirate
United Kingdom Pointer

 

 الحضارات القديمة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ocean
Admin
ocean


مزاجي *: : عادي
الجنسيه *: : جزائر
عدد المساهمات : 16284
تاريخ التسجيل : 21/07/2009

الحضارات القديمة Empty
مُساهمةموضوع: الحضارات القديمة   الحضارات القديمة Emptyالثلاثاء سبتمبر 28 2010, 15:29

الحضارة طريقة حياة نشأت بعد أن بدأ الناس يعيشون في مدن أو مجتمعات نُظمت في شكل دول. الحضارة تشمل الفن والعادات والتقنية وشكل السلطة وكل شيء آخر يدخل في طريقة حياة المجتمع. ومن هذا المنظور فإن الحضارة مماثلة للثقافة. ولكن الثقافة تشير إلى وسيلة ما من وسائل الحياة وتشمل أسلوب الحياة البسيطة والمعقدة، أما كلمة الحضارة فتشير فقط إلى أساليب الحياة التي تتصف بنظم اقتصادية وحكومية واجتماعية معقدة.

ولذا فبالرغم من أن كل إنسان يعيش في إطار ثقافة ما، إلا أنه لا يعيش كل فرد في إطار حضارة معينة. انظر: الثقافة.

وعلى مدار التاريخ لمعت حضارات فردية وعلت ثم انهارت، ولكن السمات الأساسية للحضارة لا تختفي. تنتشر الأفكار والاختراعات من حضارة إلى أخرى، وفي كثير من الأحيان يحدث تطور مشابه مستقل في حضارات مختلفة.


كيف تتطور الحضارات



على مدى فترة ماقبل التاريخ، كان الناس يعيشون في جماعات صغيرة ويتنقلون من مكان لآخر بحثًا عن الطعام. كانوا يصطادون الحيوانات والأسماك ويجمعون النباتات البرية، وهؤلاء القدامى كان لديهم تنظيم اجتماعي بسيط يقوم على الروابط العائلية. وقرابة عام 9000 ق.م، بدأ الناس في الشرق الأوسط في زراعة الغلال والحبوب ونباتات أخرى، واستأنسوا الماعز والغنم. والماشية أيضًا.

وفي جنوب شرقي آسيا، بدأ الناس في زراعة المحاصيل نحو عام 7000 ق.م. وتعلم الناس الذين كانوا يعيشون فيما يسمى الآن المكسيك، زراعة الحبوب قرابة عام 7000 ق.م. وكان قيام الزراعة خطوة كبيرة في تطور الحضارة. استقر الفلاحون في قرى دائمة حيث يمكنهم زراعة طعام يكفيهم ويكفي آخرين من أصحاب الحرف والكهنة. وكان النقص في الطعام على فترات من أسباب زيادة التجارة حيث تبادلت القرى فيما بينها الحبوب والفخار وبعض المواد الأولية الأخرى.

تعلم الناس في الشرق الأوسط نحو عام 3500ق.م صَهْر النحاس وصنع أدوات من البرونز وأسلحة، وزاد الطلب على المعدن الخام، واكتسب الكهنة ورؤساء القبائل سلطات أكبر على التجارة، وتحولت القرى في الشرق الأوسط إلى مدن تدريجيًا وأصبحت المزارات الدينية والأماكن المقدسة التي ازدهرت أماكن احتفالات، ومراكز للسلطة الاقتصادية والسياسية في المدن الناشئة.

وتطورت بعض الحضارات بطريقة مستقلة في أماكن متفرقة من العالم. فقد بزغت أقدم الحضارات عام 3500ق.م. في الشرق الأوسط، في وادي دجلة والفرات وفي وادي النيل في مصر والسودان، ووادي السِّنْد فيما يسمى الآن باكستان، ووادي هيانج هي في الصين. نشأت هذه الحضارات القديمة في بيئات طبيعية مختلفة تمامًا، وأنشأ الناس أنظمة للكتابة ونظمًا جديدة للحكم، وأحرزوا تقدمًا في العلوم والتقنية وتفوقوا في الحرف المهنية والفنون. للتعرف على وصف هذه الحضارات وحضارات أخرى سابقة. انظر: العالم، تاريخ .


لماذا تقوم الحضارات وتنهار



أبدى الفلاسفة والمؤرخون وعلماء الآثار القديمة أسبابًا كثيرة لقيام الحضارات وانهيارها. وقد شبَّه جورج و. ف. هيجل الفيلسوف الألماني في أوائل القرن التاسع عشر المجتمعات بالأفراد الذين ينقلون شعلة الحضارة من واحد إلى الآخر، وفي رأي هيجل، أنه خلال هذه العملية تنمو الحضارات في ثلاث مراحل: 1- حُكْم الفرد. 2- حُكْم طبقة من المجتمع. 3- حُكْم كل الناس. وكان هيجل يعتقد أن هذا النسق تسفر عنه الحرية فى آخر الأمر لجميع الناس.

كان الفيلسوف الألماني أوزوالد سبنجلر يعتقد أن الحضارات مثلها مثل الكائنات الحية تولد وتنضج وتزدهر ثم تموت. وفي كتابه انحدار الغرب (1918 – 1922م) ذكر أن الحضارة الغربية تموت، وسوف تحل محلها حضارة آسيوية جديدة.

وعرض المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي نظريته عن التحدي والاستجابة في كتابه دراسة التاريخ1 (1934ـ 1961م). كان توينبي يعتقد أن الحضارات تقوم فقط حيث تتحدى البيئة الناس، وحينما يكون الناس على استعداد للاستجابة للتحدي. على سبيل المثال، فإن الجو الحار الجاف يجعل الأرض غير مناسبة للزراعة ويمثل تحديًا للناس الذين يعيشون هناك. ويمكن أن يستجيب الناس لهذا التحدي ببناء أنظمة ري لتحسين الأرض. ورأى توينبي أن الحضارات تنهار حينما يفقد الناس قدرتهم على الابتكار. انظر: توينبي.

ويذهب معظم علماء الآثار القديمة إلى أن بزوغ الحضارات يرجع إلى مجموعة من الأسباب تشمل البناء السياسي والاجتماعي للحياة والطريقة التي يكيف بها الناس البيئة المحيطة بهم والتغيرات التي تطرأ على السكان. وفي كثير من الحالات، يمكن أن تظهر الحضارات لأن رؤساء القبائل المحليين اتخذوا خطوات متعمدة لتقوية نفوذهم السياسي. ويعتقد كثير من العلماء أن سوء استخدام الأرض والمصادر الطبيعية الأخرى أسفرت عن الانهيار الاقتصادي والسياسي للحضارات الأولى.


الحضارة الإسلامية العربية





الحضارة العربية. ورد ذكر العرب عند مؤرخي الحضارة قبل منتصف القرن الرابع ق.م. بكثير، تعود الحضارة العربية في التاريخ القديم إلى سنوات ما قبل الإسلام. فالأرض العربية، وهي تشكل جزءًا من حوض البحر الأبيض المتوسط، بقيت فترة طويلة تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية. ومع القرن الرابع، حلت القسطنطينية محل روما في حكم تلك المنطقة، فيما كان الساسانيون يحكمون الجزء الشرقي الممتد من العراق إلى إيران إلى آسيا الوسطى. وكان اليمن طريق القوافل، مما أغرى الكثيرين بالسكن فيه أو حوله أو على الطرق المؤدية إليه. ومن اليمن، أخذت الموجة السكنية تنمو وتمتد إلى سائر شبه الجزيرة العربية حيث كان السكان، وسط فيافي تلك الصحراء يتكلمون لهجات عربية مختلفة. وعند اندلاع الحروب الطاحنة بين البيزنطيين والساسانيين، أخذ بنو لخم أو المناذرة، جانب الفرس الساسانيين، بينما حالف بنو جفنة، أو الغساسنة، البيزنطيين. ثم أخذ السكان ينزحون، لاشتداد الحروب من شمالي شبه الجزيرة العربية ووسطها، إلى المنطقة التي سماها ابن بطوطة الهلال الخصيب، مما أدى إلى تفاعل سكاني كبير، ومن هذا التفاعل الحضاري غنمت الحجاز حصة كبرى بفضل موقعها واحتوائها الواحات التي كانت محط أنظار السكان في ذلك الزمان. وكان ذلك العصر قد عرف في القرنين الخامس والسادس الميلادي تطورًا نحو الاستقرار المدني، وبالتالي نحو إرساء معالم حضارية مع ممالك عربية توزعت عبر الجزيرة العربية.

فجر الإسلام. غير أن فجر الحضارة العربية الحقيقية لم يطل إلا مع الدعوة الإسلامية عام 622م. ذلك أن النبي (³) بنى أسس دولة حضارية متينة مستمدة من روح القرآن الكريم، ومن تعاليمه التي نزلت وهي للدين والدنيا معًا. ولهذا قيل إن الإسلام جاء قوة جديدة في عالم قديم.

مع الدعوة الجديدة والفتح الإسلامي اتجه الناس نحو عبادة الإله الواحد، والانتظام في قوانين ودساتير مدنية نظمها القرآن الكريم. فبدأ العرب ينضوون تحت لواء الإسلام، وينتظمون فيما أخذ يشكل هيكلية الدولة الحقيقية. وبين انطلاق النبي محمد ³ من مكة وهجرته إلى المدينة، ثم منها إلى العالم العربي إلى أن بلغ الإسلام بعد ذلك أقصى أنحاء العالم، ترسخت أسس حضارة إسلامية في عقل الإنسان الفرد وقلبه، وفي ضمير الجماعة.



أسس حضارة الإسلام. كانت فترة ظهور الإسلام الفترة التي أعادت صياغة الإنسان في الجزيرة العربية، وأرست لبنات حضارة جديدة أخرجت الناس من الظلمات إلى النور، ووضعت الأساس لبناء الإنسان في الإسلام. وكان الوحي هو الذي يعيد صياغة الفرد في معتقداته وأفكاره ويزكيه وينشئ الروابط ويؤسس الصرْح الذي يقوم عليه بناء الأمة. ولاتزال نصوص الوحي وسيرة الرسول ³ ـ قائد هذه المسيرة ـ هي التي تحكم حضارة الأمة الإسلامية وتقوِّمها.

ومن أبرز الأسس التي قامت عليها الحضارة الإسلامية في العهد النبوي:

عقيدة التوحيد. لقد أرسى الإسلام مفهومًا للتوحيد عندما خاطب مشركي مكة ذاكرًا لهم أنه لايكفي ما هم عليه من توحيد الربوبيّة، أي الإقرار بأن اللّه هو ربُّ كل شيء وخالق كل شيء، بل لا بد أن يقترن هذا الإقرار بالتوجه بالعبادة لله وحده لا شريك له من مخلوقات الله.

وترتَّب على هذا التوحيد آثار إيجابية في بناء المسلمين، لأن الناس عندما تُقبل على الخضوع لله وحده تحّل الحلال وتحِّرم الحرام، وتجاهد في سبيل الله لإرساء قيم الحق والعدل والمساواة والكرامة والعلم النافع.

وُيخبرنا التاريخ الإسلامي أن العقيدة الإسلامية هي التي أفرزت بطولات نادرة، وجعلت المسلمين ينتصرون على شهواتهم، ثم يصمدون أمام قوى البغي والعدوان في مكة، وينتصرون في الغزوات والسرايا التي انطلقت من المدينة المنَّورة.

ومن يتابع أبحاث المستشرقين المنصفين يلحظ أنهم يقفون مندهشين أمام هذه الظاهرة الإيمانية القوية في الحضارة الإسلامية ويقدرونها، ومثال ذلك قول جوته: إذا كان الإسلام هو التسليم لله، فكلنا بالإسلام نحيا ونموت. ويرى نيتشه أن الغرب ما يزال فقيرًا بالنسبة لروحانية الإسلام السامية.

وحدة الأمَّة. جعل الإسلام رابطة العقيدة الأصل الذي يجتمع ويتفرق عليه الناس، ورفض كل العصبيات: الطبقية والقومية والعنصرية والقبلية، وما شابه ذلك. يقول الله تعالى : ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ الحجرات: 13 ويقول أيضًا: ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيرًا ونساء ﴾ النساء:1 ويقول الرسول ³ (أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى).

إن اعتراف الإسلام بوحدة الأصل وبناء علاقات الناس على هذا الأساس نزعة إنسانية حضارية بارزة في تشريعات الإسلام المختلفة. فمثلاً: يقف الناس جميعًا في الصلاة بين يدي الله متراصيِّن، لا مكان مخصص لحاكم أو غني. ويلبسون زيًا واحداً في الحج، ويؤدون المناسك جميعها بعضهم مع بعض.

العدل. لقد عبرت بعض نصوص القرآن والسنة عن العدل، وطبّقه الرسول ³ والصحابة (رضي الله عنهم). ومن الأمثلة القرآنية: قول الله تعالى: ﴿ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ﴾ النساء: 58 وقوله: ﴿ ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا ﴾ المائدة: 8 ، وقوله: ﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم .﴾ الممتحنة: 8

ومثال ذلك ما جاء في السُّنة، من قول الرسول ³ (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ـ وكلتا يديه يمين ـ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم ما ولوا) رواه مسلم. وذم الله والرسول الظلم.

ومن الأمثلة التطبيقية للعدل موقف الرسول ³ من حبِّه وابن حبِّه أسامة بن زيد بن حارثة، وقد جاء مستشفعًا في امرأة مخزومية سرقت وتقرر قطع يدها، فأهَمَّ ذلك قريشًا، فطلبوا من أسامة الشفاعة لدى الرسول ³ في هذا الشأن، فقال له الرسول: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟”! والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ). رواه البخاري ومسلم.

العلْم. جاء الإسلام ليعيد ترتيب العقل الإنساني، ثم يُطلقه ليعرف ربَّه من خلال آياته في الكون والنفس بقصد البناء. وكان أول ما نزل من الوحي يختص بالعلم، وهو قوله تعالى : ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾ القلم:1

وامتن الله على محمد ³ بالعلم في مواضع كثيرة من القرآن، وامتن على المسلمين بأن بعث فيهم محمدًا ³ رسولاً كما في قوله تعالى: ﴿ لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ﴾ آل عمران:164 وفضَّل الله العلماء على غيرهم.

ومن دلائل اهتمام الرسول ³ بالعلم، أنه جعل فداء بعض أسرى بدر تعليم الواحد منهم عشرة من أبناء الأنصار القراءة والكتابة. ووردت أحاديث كثيرة في الحث على تحصيل العلم النافع، مما كان له الأثر الفعال في بناء حضارة إسلامية رائدة.

الجهاد. كان الجهاد ـ بجميع ميادينه ومعانيه ـ أعظم وسيلة وأقوى أساس لتحقيق العمل بالدين بما في هذا نشر مبادئ العدل والمساواة والإخاء والحرية وحماية الدين بالنفس والمال. ولذا رغَّب فيه الإسلام ترغيبًا شديدًا، حين جعل ثواب المجاهدين الشهداء في المرتبة الأولى من مراتب الأعمال الصالحة.

والتزم النبي ³ بالعهود والمواثيق في جهاده ضد المشركين في حالتي الحرب والسلم، مهما كلّفه ذلك، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها أن جماعة من المسلمين المستخْفِين بإسلامهم خرجوا من مكة للحاق بالمسلمين بالمدينة أثناء حصار الأحزاب لها، ولكن لم يسمح لهم كفار قريش بدخولها، إلا إذا التزموا بعدم الحرب مع المسلمين. فلما أخبروا الرسول ³ قال: (نفي بعهدهم ونستعين بالله عليهم) رواه مسلم. وعندما هاجر إلى المدينة، خلَّف وراءه عليًا ليؤدي عنه أمانات الكفار التي كانت بيده، ولم يستحل لنفسه الاستيلاء عليها.

الأخلاق الفاضلة. إن آيات القرآن دستور شامل لتربية الأفراد والجماعات تربية صحيحة في شتى مجالات الحياة، وهذا ما حدا بالمستشرق كارليل إلى أن يقول: “إن الإحساسات الصادقة الشريفة والنيات الطاهرة الكريمة تظهر في فضل القرآن والفضل الذي هو أول وآخر فضل وُجد في كتاب ونتجت عنه جميع الفضائل على اختلافها “.

كانت كل القيم التي أسست لقيام الحضارة الإسلامية في العهد النبوي من آثار تلك التربية الإسلامية الصحيحة للفرد والجماعة.

وتميزت هذه التربية التي بدأت بدار الأرقم بن أبي الأرقم بمكة بأنها تربية أخلاقية شمولية تتناول كل شأن من شؤون المسلم، وبأنها قرنت القول بالعمل، وبدأت تنمية الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية تجاه نصرة دين الله . وكان لحمتها وسداها الأخلاق الإنسانية الراقية التي يلحظها الإنسان في جميع أحكام الإسلام من فروض وسنن ومندوبات ومستحبات. وتمثل ذلك كله في شمائل الرسول وصحابته. ويدرك الناظر في كتاب ” الأنوار في شمائل النبي المختار ” للإمام البغوي هذه الحقيقة، إذ يكفي دلالة أن تعلم أنه أورد 1257 حديثًا وأثرًا، معظمها في الأخلاق.

العمل. لما كان العمل هو الذي يشيّد صرح الحضارة، فقد علّم الإسلام المؤمنين المثابرة على العمل، وكان الرسول ³ يتعوّذ من العجز والكسل، وقرر عليه الصلاة والسلام أن الذي يخرج لطلب الرزق لأبويه الشيخين أو لذريته الضعاف أو ليعفّ نفسه من مذلة السؤال، فهو في سبيل الله.

وارتقى الإسلام بالعمل إلى مرتبة العبادة، إذْ جعل أي عمل يبتغي فيه المؤمن وجه الله عبادة.

وحثّ الإسلام الناس على العمل لعمارة الأرض في شتّى الميادين الاقتصادية مثل: استصلاح الأرض الموات، انطلاقاً من قول الرسول ³: (من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق). ولذا شهدت وقائع التاريخ الإسلامي حركة عظيمة لاستصلاح الأرض وتحسين أساليب الزراعة وتنويع المزروعات، ومثل التعدين والإنتاج الصناعي، انطلاقاً من توجيه القرآن أنظار المؤمنين إلى أهمية المعادن وفي مقدمتها الحديد: ﴿ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ﴾ الحديد:25 ، ومثل النشاط التجاري الذي انطلق من حث الله الناس للضرب في الأرض ابتغاء فضله.

الوعي بالزمن. لا يختلف اثنان مع المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي ـ يرحمه الله ـ في تحليله لشروط النهضة الحضارية عمومًا حين قال: إن مشكلة الحضارة تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية؛ مشكلة الإنسان ومشكلة التراب ومشكلة الوقت. فالإسلام يربّي الإنسان المؤمن به على محاسبة نفسه على كل لحظة يعيشها واستغلال كل لحظة للصالح العام والخاص. قال عليه الصلاة والسلام: (من أحس قيام الساعة وبيده فسيلة فليغرسها)، ومن أول ما يُسأل عنه المرء يوم القيامة عمره فيم أبلاه.



عصور الحضارة الإسلامية. في السنة الحادية عشرة للهجرة، توفي النبي ³ ولحق بالرفيق الأعلى بعد أن حج حجة الوداع. وجاء بعده الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر الصديق فعمر بن الخطاب فعثمان بن عفان فعلي بن أبي طالب. وقد جعلوا اهتمامهم نشر رسالة الإسلام على هدي الرسول ³ واتسعوا في فتوحات البلدان ونشر رسالة الإسلام.

وفي عام 41 هـ، انتقلت الخلافة إلى دمشق مع الخلفاء الأمويين الأربعة عشر، الذين ركز معظمهم على إرساء معالم الحضارة الإسلامية. وفي عصرهم، تطور الشعر بأنواعه والنثر وفنونه (خطابة، كتابة) كما ازدهرت بعض نواحي العلوم والموسيقى والغناء. ومع الأمويين، اتسع العالم الإسلامي صوب مشارق الأرض ومغاربها، وعرف عهدهم تراثًا عربيًا مزدهرًا. وقد بلغت فتوحاتهم إفريقيا الشمالية والمغرب، ثم عبروا إلى أسبانيا (الأندلس)، فأنشأوا فيها حضارة إسلامية راسخة لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.

في عام 132 هـ، انتقلت الخلافة من دمشق إلى بغداد مع الخلفاء العباسيين السبعة والثلاثين الذين انقسم عصرهم إلى أربعة حقب زاخرة. ذلك أن الخلافة الإسلامية بلغت معهم أقصى مداها. ففي العصر العباسي، اتخذت الدولة شكلاً متطورًا، وعرف المجتمع الإسلامي عصره الذهبي. وكان من أواصر هذا التقدم الحضاري قيام المجتمع الإسلامي على ثلاث وحدات: وحدة الدين، ووحدة الاقتصاد، ووحدة اللغة. وفي ذلك العصر، قامت المذاهب الفكرية التي تعالج قضايا الشريعة والعقل مستمدة مواقفها من روح القرآن الكريم. ويمكن القول إن العصر العباسي حقق اتساعًا في النواحي الدينية والمدنية كافة.

من أبرز مآثر العصر العباسي تأسيس بيت الحكمة على عهد المأمون. وقد كان تجمعًا لكبار المفكرين والمترجمين والعلماء، وفيه بدأت عمليات الترجمة من اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية. حيث تم ترجمة وتأليف الكثير من كتب الفكر والعلوم، مما أهل المسلمين لاستقبال الفكر الإنساني في أبلغ مصادره، وإلى جانب أنشطة الشعر والنثر، برز أدب السيرة والرواية والتصنيف الأدبي وفقه اللغة والمعاجم والنحو والعلوم الدينية والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والطب والفلك والرياضيات والعلوم الطبيعية والغناء والموسيقى. ويمكن القول إن العصر العباسي رفد الحضارة الإسلامية بالعلوم وشتى مجالات المعرفة. وهو ما ظهر أثره لاحقًا على الفكر العالمي والإنتاج الغربي. انظر: العلوم عند العرب والمسلمين.

أصيب العصر العباسي بنكبة حضارية كبرى حين أقدم الفاتح المغولي هولاكو على إحراق مكتبة بغداد، فدخلت الحضارة العربية عصرًا أطلق عليه بعض الدارسين عصر الانحطاط.

إشعاع الحضارة الإسلامية. بين القرنين السابع والثالث عشر الميلاديين، أقام المسلمون حضارة عالمية جعلتهم في طليعة الشعوب الحضارية. وقد جمعت حضارتهم أسبانيا وإفريقيا الشمالية في الغرب إلى شعوب العالم القديم من مصر إلى سوريا إلى بلاد ما بين النهرين في الشرق. وكان واضحًا أن سرعة انتشار الإسلام هي التي عجلت في ربط أجزاء الخلافة الإسلامية. هكذا كان الإسلام هو المحرِّك وكانت اللغة العربية هي الصلة.



إنجازات الحضارة العربية الإسلامية. حققت الحضارة الإسلامية العربية في فترة ازدهارها الكثير من الانجازات في ميادين المعرفة المختلفة، خصوصًا في مجالات الرياضيات والفلك والطب والعمارة والجغرافيا والفيزياء والهندسة.

في الرياضيات. اخترع الخوارزمي، أحد منجمي المأمون، علم الجبر وانتشر العلم بفضله في العالم. وأخذت أوروبا في الرياضيات عن العرب مفهوم الصفر ونظام التقويم والنظام العشري (الذي دفع بعلم الرياضيات خطوات إلى الأمام) والأرقام العربية التي هي اليوم أوسع الأرقام انتشارًا في العالم. انظر: الخوارزمي، أبو أحمد.

في علم الفلك. شهد علم الفلك ظهور الأسطرلاب العربي الذي أوجده العلماء المسلمون لتحديد أوقات الفجر والمغرب والصوم، ثم طوّروه فاكتشفوا خطوط الطول والعرض وسرعة الصوت والضوء، حتى أصبح ذلك مرجعًا لعلماء الغرب. وتمكن البيروني من اكتشاف دوران الأرض حول الشمس، وهو ما أثبته جاليليو بعد ستة قرون. وترجم الفلكيون العرب الزرقالي والفرغاني والفزاري مؤلفات بطليموس في الفلك وأضافوا إليها ما بات مرجعًا بعدهم للفلكيين الغربيين. انظر: البيروني.

في الطب. تفوق العرب في فنون الشفاء التي كانت معروفة في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين. وكانت مؤلفات الرازي المتقدمة في الطب مرجعًا للأوربيين حتى وقت متأخر من القرن السادس عشر الميلادي، كما ظل الأوروبيون حتى القرن السابع عشر يتعلمون من نظريات ابن سينا الطبية. وكان ابن سينا أول من أشار إلى الطب العقلي، وهو ما أصبح فيما بعد أساسًا لعلم النفس. واشتهر عند العرب أيضًا أمر التداوي بالأعشاب والمواد الطبيعية (من ثوم ومُر وعصير جلاب وماء الزهر، إلخ) فكانت تزخر بها صيدلياتهم ومنها انتشرت إلى الشرق الأوسط فأوروبا. انظر: ابن سينا؛ الرازي، أبو بكر محمد.

في العمارة. عرف المسلمون طرازًا معماريًا تجسد في بناء المساجد، مما عده الغربيون نماذج هندسية في فن البناء. ويعترف علماء الغرب أن الجامع الأموي في دمشق وجامع ابن طولون في القاهرة كانا أساسًا لبناء عدة كاتدرائيات ضخمة في أوروبا. وقد تأثر فن البناء الغربي كثيرًا ببناء المآذن والأقواس والقناطر والأهِلة والأطراف والمثلثات والمنحنيات المعكوسة وهندسة القباب والمكعبات، مما أخذه الأوروبيون عن مساجد مكة والقدس والقاهرة ودمشق. وكان لفن الزخرفة والخط والنقوش تأثير كبير على الأوروبيين، خاصة ما تركه العرب في الأندلس (كقصر الحمراء والجامع الكبير في قرطبة).

في الملاحة والجغرافيا. كان للعرب تأثير كبير على الغرب. وقد أخذ العرب من الكنعانيين، أسياد البحر، ومن قدامى المصريين، ما أعانهم على تطوير البوصلة. وبرع الإدريسي في القرن الثاني عشر الميلادي بابتكاراته ومكتشفاته، حيث وضع أول أطلس في العالم، حاويًا سبعين خريطة، بعضها لمناطق لم تكن معروفة من قبل. وكانت رحلات ابن بطوطة وتدويناته خير معين للأوروبيين على معرفة مناطق جغرافية لم يكونوا يعرفونها. وفي القرن السادس عشر تمكن حسن الوزان من كشف مجاهل إفريقيا ويدين له الغرب بذلك، ويُعْرَف عندهم باسم ¸ليون الإفريقي·. وفي رحلات فاسكو دي جاما الشهيرة كان الملاح العربي أحمد بن ماجد هو البحار الرئيسي في القيادة. ويقال إن كريستوفر كولمبوس كان يتكل على بحار عربي في توجيه حملته البحرية التي أدت إلى اكتشاف أمريكا. انظر: الإدريسي، الشريف؛ ابن بطوطة .

في فن الجنائن والحدائق. واشتهر العرب كذلك بفن الجنائن والحدائق. وقد بات كتاب الفلاحة الأندلسية لابن العوام مرجعًا أوروبيًا في علم النبات لأنه وصف فيه نحو خمسمائة نبتة وبيَّن طريقة زراعتها والاعتناء بها وبالأرض والتربة. وكذلك ظل الأوروبيون لوقت طويل يستفيدون من العرب خاصة الأندلسيين في فنون حفظ الخضراوات والفواكه والأزهار ومواد التجميل ومساحيق الوجه والعطور والتطيب والجواهر والحُلي.

في علوم الفيزياء. أفاد الأوروبيون، من ناحية أخرى، في علوم الفيزياء ـ وتحديدًا حقل البصر والبصريات ـ من مؤلفات الكندي وابن الهيثم. انظر: الكندي، أبو يوسف؛ ابن الهيثم، أبو علي .

في الحرفيات الدقيقة والمنمنمات. برع العرب في الحرفيات الدقيقة والمنمنمات، وفي الزجاجيات والخزف والحفر والبلَّور ومزج الألوان وصباغة الحرير والأقمشة والجلود والدباغة وصقل الحديد. ومازالت بعض هذه الخامات والحرف تحمل في الغرب اسمها الأصلي (دمقس، حرير دمشقي، دباغة مغربية، أزرق محمدي). ويردها بعض الغربيين صراحة لأصلها العربي.

في الموسيقى وآلاتها. طور العرب في الموسيقى وآلاتها، فعرف الغرب الكثير منها. وما زالت حتى اليوم آلات عديدة (القيثارة، الطبلة، الزار، الناي، المزمار، مزمار القربة إلخ…) معروفة على أنها تطوير غربي للآلات الموسيقية العربية. كما أخذ الأوروبيون الكثير من الألحان العربية التي كانت شائعة في غناء القصائد العربية في قصور الملوك.

في الفلسفة. نقل المفكرون العرب أهم مصادر الفلسفة المشرقية واليونانية القديمة ترجمة وتطويرًا، فاشتهر الكندي بتطوير فلسفة أفلاطون وأرسطو، والفارابي بفكرة المدينة الفاضلة، وابن سينا بفلسفته العقلية، وابن خلدون بنظرياته الاجتماعية التي لاتزال حتى اليوم في أصل مؤلفات الكثيرين من الفلاسفة الاجتماعيين الغربيين. وبرز ابن رشد بفلسفته التي ارتكز عليها بعده فلاسفة غربيون كبار.

وقد أخذ الغربيون كذلك جمالية الخط العربي متأثرين باللغة العربية نفسها، لذلك دخلت كلمات وعبارات عربية كثيرة إلى عدة لغات أوروبية، ولا تزال حتى اليوم في نسيج هذه اللغات (الإنجليزية، الفرنسية، الأسبانية، الإيطالية، الألمانية). وقد أثرت مؤلفات عربية مثل حي بن يقظان لابن طفيل، وألف ليلة وليلة، ومقدمة ابن خلدون، إلخ… في الفكر الغربي. انظر: الكندي، أبو يوسف؛ ابن خلدون .

هكذا نجد أن المسلمين ساهموا في إعلاء الحضارة العالمية وتقدمها وتطورها، بفضل أعلامهم في العلوم والفنون والتربية والفلسفة والشعر والموسيقى. وفي مكتبات العالم اليوم آلاف الوثائق التي تشهد بالفضل للمنجزات الحضارية الإسلامية في حقول الفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء والطب والصيدلة والجغرافيا والعمارة والموسيقى، وما كان لهم من تأثير في تصنيع النسيج والورق والدهان والصابون والحبر والشمع والسكر والنشاء والزيوت النباتية والعطور والبارود، وكذلك في اكتشاف أو تطوير الميزان ورقاص الساعة والساعة المائية والطاحونة المائية والهوائية والآلات الفلكية وأجهزة سكب المعادن وصك النقود والمعدات الحربية والأدوات الطبية والجراحية، وكذلك بناء الجسور والقنوات المكشوفة وجر المياه والتدفئة والتبريد وأنظمة الري والحمامات العامة وأبراج المراقبة والتحصينات العسكرية، وسواها من المنشآت والإنشاءات والابتكارات والاكتشافات التي يعترف الغرب اليوم بفضلها للعرب وحضارتهم.

وبهذا تكون الحضارة العربية الإسلامية قد قدمت للحضارة العالمية إسهامات رئيسية مايزال العالم يستخدمها اليوم، مدينًا بها للعرب بالسبق والابتكار.



الحضارة الإسلامية في الأندلس . فَتحَ العرب المسلمون بلاد الأندلس بقيادة طارق بن زياد في رمضان عام (92هـ – 711م)، بعد أن انتصروا على جيوش القوط، وأسّسوا دولة إسلامية حكمت ثمانية قرون من الزمان، تمتد من نهاية القرن الأول حتى نهاية القرن الثامن الهجري (92 – 798هـ)، الموافق للفترة من القرن الثامن حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي (711 – 1492م).

وقد أدّت الأندلس، في عهد ولاتها الذين شجَّعوا العلم ورعوا حقوق العلماء، دورًا مهمًا في نقل الحضارة العربية الإسلامية من المشرق إلى المغرب، فقامت بلادُ الأندلس بحمل مشاعل الفكر والمعرفة مضيئة ما حولها من ظلام الغرب وتخلّفه، قبل أن يبدأ ما عُرف بعصر النهضة، الذي كانت أوروبا تعيش قبله في جهل وظلام فكري وروحي.

وقد تمّيزت الحضارة العربية الإسلامية بالأندلس بمقومات عدّة أهمها: أ – العقيدة: وهي الدين الإسلامي. ب – اللّسان: وهو اللغة العربية.

ومن ثَمّ اختلفت عن كل الحضارات التي سبقتها أو لحقت بها، إذ إن هويتها إسلامية عربية، فهي تحلِّق بهذين الجناحين اللذين لا تشاركها فيهما حضارةٌ أخرى. وهي ـ بعد ـ تَحْمِل قيم الإسلام وعزّته مع فصاحة اللّسان العربي وبيانه.

أدّى تاريخ الأندلس السياسي دورًا كبيرًا ـ سلبًا وإيجابًا ـ سواء في ازدهار هذه الحضارة ونموّها، أو في تقلصها وانكماشها. وعرفت الحضارة الأندلسية تطورات مختلفة من القوة والضعف، وصلت بها إلى ذروة قوتها ونضجها في عهد الخلافة الأُموية أيام حكم الخليفة عبد الرحمن الناصر (300هـ ـ 350هـ، 912 ـ 961م)، وابنه الحَكَم (350هـ ـ 366هـ، 961 ـ 976م).

عرفت الاندلس في هذا العصر شعراء كبارًا كابن عبدربه وابن هانئ وكبار مؤرخيها كالرازي وابن القوطية، كما عرفت فن التأليف الموسوعي كالعقد الفريد، وظهرت في هذا العصر المُؤَلَّفات الفلسفية على يد ابن مسَّرة. كما حظيت الدراسات العلمية في مجال الفلك والرياضيات باهتمام طيب وإن كان أقل شأنًا من الاهتمام بالدراسات الأدبية. وبلغ الاهتمام بالعلوم الدينية والشرعية، فظهر محدِّثون وفقهاء ومفسرون من الأعلام. ولعل ما بلغته مكتبة الخليفة الناصر من ثراء وغنى يُعَدُّ دليلاً على تلك النهضة الحضارية الشاملة التي عاشتها الأندلس في هذا العصر.

ولما انهارت الخلافة الأموية، انقسمت الأندلس إلى إمارات وطوائف، وظلت شمس الأدب والفكر ساطعة رغم تطاحن هذه الدول. وعرفت الأندلس في هذه الفترة المضطربة طائفة من أعظم مفكريها وأدبائها وشعرائها. فقد كان أكثر حكام الطوائف وأمرائها من رجال الفكر والأدب، ومن ثمّ حظيت الحركة الثقافية بتشجيعهم وحفزهم لها. من أشهرهم حاكم أشبيليا الشاعر المعتمد بن عباد وكذلك المُظَفَّر وابنه المتوكل، ثم المعتصم بن صُمادح أمير ألمريِّة والمقتدر والمؤتمن من بني هود في سرقسطة. كما برز الفقيه العالم ابن حزم (ت 456هـ) وابن حيَّان مؤرخ الأندلس (ت 469هـ) وابن زيدون درة الشعر والشعراء (ت 469هـ) وغير هؤلاء كثيرون.

وعندما استولى المرابطون على الأندلس بقيادة يوسف ابن تاشفين (493 – 541هـ ، 1099 – 1146م)، تألقت بعض الأسماء اللامعة في مختلف مجالات المعرفة. ووصلت الأندلس في هذا العصر أعلى درجات الازدهار الأدبي والفكري والحضاري. فقد كانوا كما يقول المستشرق الأسباني جوليان ربيرا: “هم الشعب الأوروبي الوحيد الذي ازدهرت عنده الفنون بشْتَّى صنوفها، والآداب والفلسفة وغيرها ازدهارًا عظيمًا. وحينما نهضت أوروبا نهضتها الفلسفية والفنية والعلمية والأدبية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين كانت الأندلس من أكبر شعوب أوروبا تأثيرًا في الفلسفة والفلك والطب والقصص وشعر الملاحم.

ومن أعلام هذا العصر الفيلسوف ابن ماجه (ت 523هـ)؛ والفتح بن خاقان صاحب قلائد العقيان (ت535هـ)؛ وابن بسام (ت 542هـ) صاحب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة. وفي مجال الطب كان أبو القاسم خلف بن عباس القرطبي (ت 516 هـ) علمًا لا ينكر.

ولما حَلَّ الموحِّدون حكامًا للأندلس (541-668هـ ، 1146-1269م)، انطلقت حركة الفنون والعلوم بقوة أكبر في مجالات التأليف والبحث والبناء والعمران، فازدهرت على عهدهم الدُّور العلمية في مختلف المدن الأندلسية في قرطبة وأشبيليا وبلنسية وغرناطة ومرسية ونشط التأليف في مختلف العلوم والفنون.

من الأسماء اللامعة لهذا العصر ابن طفيل صاحب رسالة حيِّ بن يقظان (ت 571هـ)؛ والفيلسوف ابن رشد (ت 594 هـ)؛ وابن بشكوال صاحب كتاب الصلة ـ (ت 578 هـ)، وغيرهم كثيرون.

ولما اضمحل شأن الموحدين وضعف أمرهم بالأندلس والمغرب في أوائل القرن السابع الهجري. بعد أن دام ملكهم نحو مائة وثلاثين سنة انحصرت الدولة الأندلسية منزوية في الركن الجنوبي الغربي في مملكة صغيرة هي غرناطة تحت حكم بني الأحمر (668 – 798هـ ، 1269 – 1395م) الذين امتاز عصرهم بنصرة العلوم والآداب. وقد نبغ في هذا العصر شعراء وكتاب ومفكرون ومؤرخون كبار، على الرغم من سوء الأحوال السياسية وعدم استقرارها.

ومن هؤلاء العالم النباتي والطبيب المشهور ابن البيطار المالقي الذي رحل من الأندلس إلى المغرب ثم إلى مصر والشام، وتُوفي بدمشق سنة 646 هـ، وشيخ المتصوفة بالأندلس محيي الدين بن عربي الذي نزح إلى المشرق وتوفي بالشام سنة 638 هـ، وعن هذه الفترة قال ابن الأَباَّر القُضَاِعي صاحب المرثية المشهورة في سقوط بَلَنْسِيه:

<table style="border-collapse: collapse;" cellpadding="2" cellspacing="2"><tr><td class="ptry">
</td><td style="width: 30px;">
</td><td class="ptry">
</td></tr></table>

وقد هاجر إلى تونس وتوفي بها سنة 659 هـ، وكذلك ابن سعيد الأندلسي صاحب المُغْرب في حُلَي المَغْرب وقد رحل إلى دمشق وتوفي بها سنة 673 هـ. هذا فضلاً عن وزير العصر لسان الدين بن الخطيب (ت 776 هـ)، وابن خلدون مؤسس علم الاجتماع ( ت 808 هـ).
وبحلول عام 798هـ ـ 1395م، وصل المدّ الصليبي مداه وسقطت غرناطة وانهد آخر معقل للإسلام في أوروبا.

مجالات الحضارة الأندلسية. شملت الحضارة الإسلامية في الأندلس مجالات متعددة تركت بصماتها على الحياة والأحياء من حولها. وكان من ثمار هذه الحركة أن تحولت قرطبة ـ حقًا ـ إلى عاصمة للحضارة ليس في أسبانيا وحدها ولكن في المغرب قاطبة.

يذكر المؤرخون أن قصور قرطبة تجاوزت 20,000 قصر، وأن مساجدها تجاوزت 900 مسجد، وأن حَمَّاماتها تجاوزت 700 حَمَّام. وكانت بها مدارس للطب والهندسة والعلوم والفنون. وأُنْشِئت المستشفيات ومعامل الكيمياء ومراصد الفلك. وكانت جامعة قرطبة منارة شامخة للفكر والثقافة وحاملة لواء هذه الحضارة العربية الإسلامية الشاملة.

ويمكن أن نتعرف أوجه هذه الحضارة في المجالات الآتية:

البناء والعمران. يَتَجلَّى فن البناء والمعمار في بناء المساجد، والقصور وازدهار المدن ـ مثل مدينة الزهراء التي بناها عبدالرحمن الناصر ـ وما فيها من الحدائق والنّوافير والحمَّامات العامة والخاصة. فكانت الأنموذج والمثال لما بلغه فن البناء والعمران للحضارة العربية الإسلامية.

المجال الأدبي واللغوي. اهتم حكام الأندلس على مرِّ العصور برعاية العلوم والآداب، واستقطبوا الأدباء والمفكرين ووفروا لهم المناخ الطيّب المناسب لإبداعهم، فظهرت طائفة من الشعراء والعلماء والأدباء أنتجوا أعمالاً متألقة في مختلف مجالات المعرفة، فازدهر فن الشّعر والرسائل الأدبية والتأليف في علوم اللغة والنحو والمعاجم والطبقات والتراجم.

المجال الديني والشرعي. لما كان الإسلام ُمقوّمًا مهمًا من مقومات هذه الحضارة فقد كان الاهتمام بعلومه جزءًا من شخصية الأندلس.فظهر عدد وفير من المؤلَّفات التي عُنيت بالقرآن الكريم وعلومه، وبالحديث الشريف في روايته وشروحه، وبالدراسات المنوعة في مجال الفقه والعقيدة والفلسفة وتاريخ الأديان.

مجال العلوم التطبيقية. ازدهر علم الطب، خاصة في القرنين الخامس والسادس الهجريين (الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين) ـ وبرع أطباء الأندلس في الجراحة وتحضير العقاقير، وأُنْشِئت المستشفيات، ووُضعت عشرات المؤلَّفات الطبِّية مثل كتاب الأدوية المُفْرَدَة للكتَّاني المُتَوفى سنة 420هـ، والتعريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي المتوفى سنة 403هـ.

أما علم الرياضيات، فتعد المدرسة التي ظهرت على يد الفلكي مسلمة المجريطي المتوفى سنة 394هـ من أولى مدارسه في الأندلس، وقد أدى تلاميذه من بعده خدمةً جليلة لهذا العلم.

وفي ميدان الفلك ظهر ابن برغوث (433هـ) وأبو إبراهيم بن يحيى الزرقالي القرطبي وغيرهما.

وهكذا مرت الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس بمراحل وأطوار مختلفة تبعًا للعصور السياسية التي تواترت على الأندلس، لكن الذي لا يقبل الشك هو أن هذه الحضارة كانت نتاجًا لعقلية عربية إسلامية، استطاعت بوعي واقتدار أن تزاوج بين فكرها وتلك الأنماط التي كانت سائدة في شبه الجزيرة الأيبيرية (الأسبانية) قبل الفتح العربي الإسلامي، فكانت الأقوى والأشد تأثيرًا بفضل العقيدة واللغة. فانصرف الناس عما سواها حتى شكا القسيسون من ضياع اللاتينية بين النصارى، وانصراف بني جلدتهم إلى كتابات المسلمين باللغة العربية.

لقد أدى المناخ الحضاري الذي تنسّمته الأندلس إلى العناية بجوانب العلم والفكر، فشُيِّدت المدارس وافتُتحت المكتبات، واقتُنِيَت الكتب حتى أصبح معظم الناس قادرين على الكتابة والقراءة، فازدهرت الآداب والفنون وارتقت المباني بفنّ إسلامي أصيل.

في المقالة الموسعة التالية حول الحضارة الإسلامية في الأندلس يجد القارئ مزيدًا من التفاصيل حول الآفاق التي اتسمت بها تلك الحقبة الحضارية في تاريخ الإنسانية على النحو الذي سمح لكثير من الأمم أن تتعلق بحضارة الإسلام وتغتني بلغته العربية.


أسئلة


  1. ما مفهوم كلمة حضارة؟
  2. متى بدأت مطالع الحضارات الأولى وأين؟
  3. كيف كان بزوغ الحضارة الإسلامية؟
  4. لماذا كان الإسلام محطة تاريخية لانطلاق الحضارة الإسلامية؟
  5. ما خصائص كل عصر من عصور الحضارة الإسلامية؟
  6. ما أبرز الحقول التي برزت فيها الحضارة العربية الإسلامية وأعطت إرثها للحضارة العالمية؟
  7. قدّم العرب نظريات في الرياضيات غيرت وجه العلم في العالم. ماهي؟
  8. ما دور الإدريسي وأحمد بن ماجد وحسن الوزان في الحضارة العالمية؟



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ocean
Admin
ocean


مزاجي *: : عادي
الجنسيه *: : جزائر
عدد المساهمات : 16284
تاريخ التسجيل : 21/07/2009

الحضارات القديمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحضارات القديمة   الحضارات القديمة Emptyالثلاثاء سبتمبر 28 2010, 15:31

الحضارة الإسلامية في الأندلس. لم تكن الفتوح الإسلامية في الأندلس كما كانت في المشرق متدفقة بجحافل من العرب المترابطين بينهم لغة وعقيدة وإيمانًا بالرسالة الإسلامية تحت قيادة فاتحين من الصحابة والتابعين، بل كانت الفتوح مؤلفة من شعوب مختلفة اللغات والعادات، شغلتهم الصراعات الداخلية بينهم، فقد تأجج الخلاف بين القيسية واليمنية والشامية والحجازية وبين العرب والفارسيين، وبينهم وبين البربر الذين فرقتهم الخلافات القبائلية بين الصنهاجيين والزناتيين. كما حمي صراع الفاتحين على ولاية الأندلس حتى تعاقب عليها أربعة وعشرون واليًا في خمس وأربعين سنة بمعدل وال لكل سنتين. وما كاد الفتح يتم، وتغمد السيوف، حتى تدفق السكان الأسبانيون يدخلون في دين الإسلام أفواجًا لما ألفوا من الفاتحين من حسن المعاملة وسمو الأخلاق، ولما في الإسلام من سماحة ساعدتهم على تحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية فسارعوا إلى التودد بالمصاهرة والمساكنة. ويعتبر عبدالرحمن الداخل (صقر قريش) مرسي التلاحم بين المتساكنين في الأندلس، وواضع الأسس الأولى للحضارة الإسلامية فيها. فقد حدَّ من غلواء الصراعات وأخمد الثورات وتسامح مع المذاهب الفقهية التي وصلت إلى الأندلس من مالكية وشافعية وأوزاعية حتى إذا جاء خلفه هشام (172- 180هـ، 788- 796م) اختار القضاة من اتباع مذهب مالك، فانتشر بين الناس وشدد الفقهاء في الالتزام به، فلما جاء الحكم بن هشام (180- 206هـ، 796- 821م) وجد في تشدد الفقهاء ما جعلهم يثورون ضد حكمه، فكانت فتنة النصارى بقرطبة ووقعة الحفرة في طليطلة وهيج الربض في قرطبة. فأخمد هذه الانتفاضات والثورات بحد السيف. واستمر في بناء الحضارة الإسلامية في الأندلس مطبوعة بالتفتح والتسامح والتعاون. إن الثقافة الإسلامية وما تضمنته الشريعة من عقيدة ومعاملة وسلوك، وما تستلزمه لغتها من معرفة بلاغية ولغوية، وما في كلماتها من جرس موسيقي، وما في السلوك الإسلامي من حسن المعاملات ومن تشريعات وقوانين وأحكام، وما في الأعراف البربرية من هيام بالحرية، إضافة إلى الفنون المعمارية التي ورثها الأسبان عن الرومان في بناء الكنائس والقصور والأبراج والقناطر، ثم ما أضفاه الفاتحون المسلمون الجدد على ذلك من رقة الفن الشامي وجمال الخط والزخرفة، وما جلبوه من رياش الروم والفرس، وما نقلوه عن الرومان من فنون الصناعات البحرية والحربية، كل ذلك طبع قاعدة الحضارة الأندلسية بطابع جديد. واستقرت أصول الحضارة الإسلامية في عهد عبدالرحمن الأوسط، فخلصت الأندلس إلى المذهب المالكي على يد يحيى بن يحيى وشاركت المرأة في بلورة الحضارة على يد زوجة الخليفة الأميرة طروب، وارتقى الذوق الحضاري بدخول المغني زرياب إلى الأندلس، ذلك أن المذهب المالكي المحافظ ساعد على استقرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وزرياب سما بالذوق الأدبي والفني، وكان للأميرة طروب أثر في حياة المرأة الأندلسية وإسهامها في بناء مرافق الحياة الجديدة، وباجتماع العناصر الثلاثة تهيأت الحضارة الإسلامية في الأندلس لتسمو وتتعالى. فاستبحر العمران وتطورت فنون البناء في المساجد والقصور والمارستانات وهندسة الري والنقش على الجص والخشب والنحاس وإتقان الوراقة ورياش المنازل. فساد الرخاء وطاب العيش وازدهرت الفلاحة وهندسة الحدائق وتنميق الزهور. وانعكس أثر ذلك على الحياة الحضارية والثقافية في الأندلس. فتقدمت المعرفة وانتشر العلم وبرز علماء في التفسير والقراءات والحديث والفقه وأصوله واللغة والأدب والطب والحكمة والفلك والتصوف، مما يعسر تقصيه.نظام الحكم

الخليفة. تسمى خلفاء بني أمية في الأندلس بالخلائف بدل الخلفاء إبقاء على وحدة العالم الإسلامي، وكان عبدالرحمن الناصر اتخذ لقب الخليفة سنة 316هـ، 929م، واستمر هذا اللقب بالأندلس إلى عهد ملوك الطوائف حيث تلقب الظافر بن ذي النون سنة 423 بذي الرئاستين ليعلو على لقب ذي الوزارتين الذي لقبه به الخليفة الأموي وكانت العاصمة مركز الخليفة ودار إقامته، كما كانت المدن والكور الأندلسية مستقلة إداريًا عن العاصمة قرطبة، إذ لم يحرص الأندلسيون على النظام المركزي، لأن طبيعة البلاد تتنافى مع التركيز الإداري، ولذلك كان الولاة والقواد لهم قسط كبير من النفوذ المحلي وحرية التصرف عملاً بنظام اللامركزية. ومن المناصب المعروفة في مجلس الخلفاء في الأندلس والمغرب منصب شيخ الشورى وقد تولاه ابن العربي المعافري لدى أمير إشبيلية ابن أبي بكر اللمتوني، وهو منصب عال لا يرقى إليه إلا الصفوة المختارة من رجالات الفكر وأئمة الفقه يجعلهم في مصاف الوزراء، ولهذا يلقب صاحبه بالوزير كما جاء في صنعة الكلام لابن عبدالغفور. وقد أنشئت في قرطبة دار لشورى القضاء كان أعضاؤها من جلة العلماء، يرجع إليهم في تقرير الأحكام وكثيرًا ما يذكر في تراجم علماء الأندلس أن فلانًا كان مشاورًا أو طُلب فلان إلى الشورى فأبى. وكان الخلفاء في الغالب مهتمين بأحوال الرعية وقد كان الحكَم من أشهر الخلفاء بذلك فقد استغاثت به امرأة مسلمة صرخت بمظالمها، فسارع لإنقاذها بما يذكِّر بقصة المعتصم في عمورية، كما ورد في نفح الطيب ج 5 ص 561 انظر: نفح الطيب.خطة الوزارة. كانت خطة الوزارة في عصر بني أمية بالأندلس تنتظم جماعة يعينهم الخليفة للإعانة والمشاورة، ويخصهم بالمجالسة وينتخب من بينهم انبههم ويسميه الحاجب وهو رئيس الوزراء، وكانت الوظائف الوزارية تكاد تكون متوارثة، وكان الذي ينوب عن الملك يلقب بذي الوزارتين أي وزارة القلم ووزارة السيف، ولقب بذلك ابن شهيد في عهد عبدالرحمن الناصر الأموي. ولقب الظافر بن ذي النون بذي الرئاستين ليعلو على لقب ذي الوزارتين. والحاجب هو السلطة الثانية بعد الخليفة يستأثر بالحكم، وينوب عن الملك في غيبته، ويتولى الوصاية على ولاية العهد إلى أن يكبر، ولهذا كان بعض ملوك الأندلس يبقي المملكة دون الحاجب فرارًا من حصر السلطة في يد الحاجب كما فعل الناصر. ووظيفة الحاجب يختص بها المثقفون، وكان المتولي لها من أبرز المترسلين وأعرفهم بأساليب الخطاب وبجانبه كاتب يقال له صاحب الأشغال الخراجية، كما يقال لديوان المالية (ديوان الأزمة) وصاحب الأشغال الخراجية في الأندلس عظيم المكانة، وأكثر اتباعًا وأصحابًا، وأعماله مضبوطة بالشهود والنظار، فإذا تأثلت حالته، نكّب وصودر، وخطة الوزارة في الأندلس أشبه بنظم الوزارة الحديثة حيث تتعدد الوزارات، عكس ما كان مألوفًا في المشرق وأوروبا القديمة حيث يعين الخليفة أو الملك وزيرًا واحدًا أو وزيرين. إن الحجابة لم تكن معروفة في الخلافة الإسلامية الأولى لما في الشريعة من منع مدافعة ذوي الحاجات، كما يقول أبو الأزرق في بدائع السلك وعند انقلابها ملكًا اتخذ الخليفة موظفًا خاصًا سمي بالحاجب. وفي دولة العلويين والعباسيين، كان الحاجب هو الذي يحجب الخليفة عن العامة، ويقول ابن خلدون إنها في عهده كانت تسمى في مصر بالنائب. وفي الأندلس اختص بالسلطة دون الخليفة حاجب كالمنصور بن أبي عامر، ولم تكن معروفة في دولة العبديين، ولا في عهد المرابطين والموحدين ودول زناتة كالمرينيين وبني عبد الواد. وكان الخلفاء يستشعرون خطورة وظيفة الحجابة فلا يولونها إلا للثقة في أنـظارهم. وجاء في نفح الطيب للمقري ج5 ص 264 قولة أبي يوسف يعقوب بن عبدالحق “الولايات ست ثلاث وقفتها على اختياري، الحجابة والقصبة والشرطة، وثلاث موكولة إليكم، القضاء والإمامة والحسبة، وذلك لأن الحاجب قد يستبد بالحكم وبالأخص في نهاية الدولة، فهي تحمي الخليفة عن الناس ويستغل الحاجب هذا المنصب.خطة القضاء. وتعتبر خطة القضاء بالأندلس أعظم الخطط عند الخاصة والعامة لتعلقها بأمور الدين. وقاضي القضاة يقال له قاضي القضاة وقاضي الجماعة. ويلاحظ فرق بين منصب قاضي القضاة في المشرق وقاضي الجماعة في الأندلس، فقاضي القضاة في بغداد أو القاهرة هو قاضي المملكة، ومن سواه من القضاة في الأقاليم والأمصار نواب عنه، فهو المتصرف فيهم تعيينًا وعزلاً، لهذا يلقب بقاضي القضاة، ومن عداه بالقاضي أو قاضي بلد كذا. أما قاضي الجماعة في الأندلس فهو قاضي العاصمة قرطبة. والجماعة يعني الجماعة الإسلامية التي استقرت في العاصمة قرطبة. وسلطته كانت قاصرةعلى قرطبة ونواحيها فقط، ولم يكن له سلطة على بقية القضاة في المدن الأندلسية الأخرى فهم مستقلون بأنفسهم وليسوا نوابًا، وهو يمتاز عنهم بحكم كونه قاضيًا للعاصمة ومستشارًا للخيفة وإمامًا للمصلين في أيام الجمعة والأعياد. وتبسيطًا لخطة القضاء ظهرت خطة المسدد وهي خطة قضائية صغيرة لفك المنازعات البسيطة.خطة الشرطة. وصاحب الشرطة ينظر ويفصل في الجرائم السياسية والمدنية وكل ما يتعلق بحفظ الأمن في البلاد، فهو قاضي الجنايات والمخالفات التي لا تدخل في اختصاص القاضي لأنها تتقيد أحكامها بأحكام الشريعة حرفيًا، ويقول ابن خلدون “وقد رؤي من باب السياسة تنزيه القاضي عن هذه السلطة المدنية، ووضعها في يد شخص آخر يكون عادة من كبار القادة وعظماء الخاصة وهو صاحب الشرطة”. وتحت إمرته العسس الذين يطوفون بالليل للحراسة ويعرفون بالدرابين، لأن المدينة كانت لها دروب وأبواب تغلق في أول الليل بواسطة الدرابين، وكان كل واحد منهم معه كلب وسلاح وسراج، وله القتل لمن وجب عليه الحد ويحد على الزنا وشرب الخمر، وكثير من الأمور الشرعية راجع إليه. صارت تلك عادة تقرر عليها رضا القاضي، وكانت خطة القاضي أوقر وأتقى عنهم من ذلك. ولذلك اهتم خلفاء الأندلس بوظيفة القاضي واختيار الصالح الأنسب لهذا المنصب.خطة المظالم (حق الاستئناف). إن الخصم الذي لايرضيه حكم القاضي، يستطيع أن يتظلم أمام قاض آخر يسمى صاحب الرد، الذي ينظر في القضية مرة ثانية، فإذا وجد فيها مظلمة ردها للقاضي، أو رفعها للسلطان كي يصدر فيها حكمه بعد استشارة مجلس المشورة الذي كان يضم قضاة الفتيا، وولاية الرد لم تكن موجودة إلا في المغرب والأندلس ولاتعرف في كثير من البلاد الإسلامية.خطة المحتسب. اهتم الأندلسيون بالحسبة، فاختاروا المحتسب من الملمين بالشريعة والاقتصاد والاجتماع فلذلك كان صاحب الحسبة يعتبر من القضاة ومهمته التجول في الأسواق وبجانبه أعوانه وبيد أحدهم ميزانًا للتحقق من سلامة وزن البضاعة وبالأخص الخبازة، كما أن من مهمتها الحفاظ على الأمن العام ومطاردة المتسكعين في الأسواق والحفاظ كذلك على آداب المجتمع، وما يلزم به من حشمة في ملابس النساء والرجال، ونظافة الشوارع والحمامات والمدارس. ومن مسؤولياته تحديد الأسعار حتى لايزيد البائع في الثمن، وملاحقة الغشاشين في صناعة الخرازة والدباغة والخياطة ومعاقبتهم بإقفال دكاكينهم ومعاملهم إذا غشوا الزبناء، ومن مسؤولياته إلزام البائعين من جزار وخراز وصواف بكتابة التعريفة بأثمان البضاعة، وكان المحتسب يدس عيونه لمعرفة خونة السوق لمتابعتهم فإن وجد تقصيرًا عاتب المذنب، فإن لم يتب بعد الضرب والتجريس في الأسواق نفي من البلد. وللمحتسبين أوضاع وقوانين يتدارسونها كما تتدارس أحكام الفقه، ويحكم المحتسب بالتعزير لما يراه مناسبًا لمحاربة المنكرات والخروج عن الآداب العامة. وكانت الأسواق تعطل في المدينة يوم الجمعة تقريبًا، وبالأخص وقت الصلاة وتقفل في الليل حيث يطوف العسس بالمدينة، ولا تفتح أبواب الأزقة إلا للسكان بها حفاظًا على الأمن.القصور. لم يهتم المغاربة ببناء القصور كما في الأندلس، لقرب عهدهم بالبداوة وقلة المختصين في العمارة كالأندلس التي كانت بها قصور عظيمة كالزاهرة والزهراء والمؤنس في قرطبة شارك في بنائها معماريون من بغداد والقسطنطينية ودمشق والإسكندرية وكانت هاته القصور فخمة رائعة فيها روائع الابتكارات كصهاريج الزئبق المتوهج وكالقبة الزجاجية السابحة في البحيرة في قصر طليطلة ودار السرور بسرقسطة، وقصر غرناطة الذي به بيت الديك نسبة إلى الديك البرونزي الذي عليه تمثال جندي يحمل سيفه ودرفته ويدور مع الريح وهو يشبه التمثال الذي كان فوق قصر المنصور ببغداد.الأوقاف. للأندلسيين عناية فائقة بالأوقاف على الفقراء والمساكين وأعمال البر عمومًا، والمنشآت الدينية، فقد حبسوا الضياع والدور على المساجد والمدارس الدينية وكراسي العلم والآداب والإقامة وتجهيز المساجد والخزائن العلمية والمارستانات لعلاج المرضى سواء بالأمراض الجسمية أو العقلية، كما رصدوا على الأوقاف أموالاً لشراء أضحيات العيد للفقراء واليتامى، وجاء في كتاب الوثائق والسجلات لابن العطار (330- 399 هـ) ذكر لوثيقة تحبيس الفرس ووقفه على الجهاد وتحبيس السيوف وتحبيس الأواني لتستعملها العروس الفقيرة في حفلة زفافها إضافة إلى الحلي والثياب للغرض نفسه.المرجعية الدينية

المذهب الرسمي للدولة (المذهب المالكي). نهج الغرب الإسلامي سياسة التمسك بالمذهب المالكي في قضاياه الدينية والدنيوية، حتى قيل إن أهل المغرب والأندلس لايعرفون سوى كتاب الله وموطأ مالك بن أنس ولاشك أن هذا المذهب الذي يتفق مع وضع المغرب والأندلس الجغرافي والحربي كثغور إسلامية، جنَّب البلاد شرور الفتن والخلافات المذهبية، وكان أهل الأندلس لأول الفتح على مذهب الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام الذين كانت لهم اليد الطولى في فتح الأندلس، وبقي الأندلسيون على مذهب الأوزاعي إلى عهد هشام بن عبدالرحمن الداخل الذي رحل في أيامه زياد بن عبدالرحمن بن زياد اللخمي المعروف بشطبون إلى الشرق، وسمع عن مالك كتابه الموطأ كما رحلت جماعة أخرى إلى الشرق كعيسى بن دينار وسعيد بن أبي هند، وغيرهم فلما رجعوا إلى الأندلس ادخلوا إليها مذهب مالك وكان رائدهم في ذلك شطبون الذي يعتبر أول من أدخل موطأ مالك إلى الأندلس، وقيل إن الإمام مالكًا رحمه الله سأل بعض الحجاج الأندلسيين عن سيرة ملك الأندلس، فوصفوا له سيرة الإمام هشام بن عبدالرحمن وأثنوا له عليه، وكان مالك غير راض عن سيرة بني العباس، ولاسيما بعد أن تعدى أبو جعفر المنصور على علوية المدينة بالحبس والإهانة، فقال الإمام مالك للأندلسيين: نسأل الله أن يزين حرمنا بمثل ملككم، فوصل الخبر إلى الأمير هشام، مع ما علم من مكانة مالك وورعه، فحمل الناس على مذهبه، لكن المذهب المالكي في الأندلس لم يلبث أن تأثر بعوامل البيئة المحلية فخالفوا بعض أحكامه، فمن ذلك أن الأندلسيين رغم اعتناقهم المذهب المالكي تأثروا بمذهب الأوزاعي (ت 157 هـ) والإمام المصري الليث بن سعد (ت 175 هـ) وخالفوا مذهب مالك في بعض الأحكام وفي ذلك يقول أبو الحسين النباهي المالقي (القرن 8 هـ) في كتابه المرتبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا ص 149:”ومن المسائل التي خالف أهل الأندلس فيها مذهب مالك بن أنس على سبيل المثال، أنهم أجازوا كراء الأرض بالجزء مما يخرج منها (أي الإيجاز على الجزء المزروع منها فقط وهو مذهب الأوزاعي”. وقد تابع حكام الأندلس تقليدًا ابتدأه عبدالرحمن الأول (الداخل) حين أمر الفقيه صعصعة بن سلام صاحب الصلاة بالجامع (ت 192 هـ) بغرس صحن جامع قرطبة بالأشجار واستمرت هذه العادة وانتشرت في مساجد الأندلس والمغرب حيث نجد أشجار الليمون والنارنج في صحن المسجد الأموي بقرطبة وغيره. وبجانب نصوص فقهاء المذهب المالكي احتكم القضاة إلى ما جرى به العمل في الأندلس والمغرب على خلاف المذهب المالكي وقواعده الأصولية، ولايلجأون إلى الرأي إلا للضرورة، وقد يستغنون عنه إذا رأوا أنه ينتج عنه ضرر للمجموع ويسمى هذا الاستثناء بالاستصلاح. وعرفت الظاهرية في الأندلس والمغرب على يد فقهاء الحزمية اتباع الإمام ابن حزم كالحودي وابن باشر والتجيبي، أما خصوم الحزمية من أصحاب المذهب المالكي وهم الأكثرية فمنهم أبوبكر ابن العربي واليابوري وقد شجع الموحدون مذهب ابن حزم وقدموا أنصاره في الدولة كالفقيه ابن حوط قاضي أشبيلية وقرطبة ثم سبة وسلا وأبي بكر بن سيد الناس. ولكن مذهب ابن حزم ضعف وخفت صوته إلا في بعض الظروف حيث وقع إحياؤه على يد المقريزي والشعراني في مصر وابن عبدالله محمد الأندلسي نزيل مراكش في أيام عبدالله الغالب السعدي.الموارد المالية

تقوم موارد الدولة الاقتصادية على الضرائب المشروعة كالأموال التي تجبى من الأراضي الزراعية وأموال الزكاة والجزية والمواريث لمن لا وارث له والعشور أو الأعشار، وهي ما يجبى من التجار الذين يفدون ببضائعهم إلى الموانئ الأندلسية فيدفعون عُشر قيمتها ثم ضريبة فرضت في الأندلس في عهد المرابطين وكان الغرض منها ترميم الحصون والأسوار المحيطة بالمدن الرئيسية ويقوم بسدادها أهل هذه المدن المنتفعة بها. وأما الضرائب الزائدة على ذلك فكانت تسمى بالمكوس أو المغارم، فهي ضرائب إضافية نشأت عن حاجات وظروف معينة اضطرت الدولة إلى فرضها، وكان بعضها يعطى التزامًا ومن حصيلة هذا الدخل المالي في بيت المال كانت الدولة تقوم بأوجه النفقات المختلفة على الجيوش والشرطة وقصر الخلافة والموظفين والدواوين والمنشآت العامة والمساجد والمستشفيات والسجون والعناية بمياه الشرب وإزالة الأوساخ من المسالك والأنابيب.الصلات التجارية

لقد وجدت صلات تجارية بين الأندلس ودولتي الخوارج والأدارسة، فكانت العلاقات التجارية بين تاهرت وفاس في نطاق محدود ويشير ابن حوقل إلى انتظام القوافل بين سجلماسة وفاس. وقد توجه كثيرون من صفرية فاس إلى سجلماسة عاصمة صفرية المغرب طلبًا للعلم والتجارة، كما كان لتجار المدرارين نشاط في أسواق مدينة فاس. وكان طبيعيًا أن تتوثق الصلات التجارية بين دولتي الخوارج والدولة الأموية بالأندلس لما كان بينهما من علاقات سياسية ودية. وتبادل بنو مدرار مع أمويي الأندلس السلع والمتاجر فكانوا يصدرون القمح والسكر والكرم والتمر في مقابل الثياب القطنية والثياب الكتانية والحريرية التي اشتهرت بها قرطبة، وكثيرًا ما آثر بعض التجار والحرفيين الأندلسيين الإقامة بتاهرت والعمل في أسواقها، بينما كان بعضهم الآخر يعمل في نقل المتاجر بين الدولتين، أما عن تجارة الخوارج مع بلاد السودان، فقد شكلت حجر الزاوية في نشاطهم الاقتصادي. وكانت شعوب السودان أخلاطًا شتى من العناصر الزنجية القاطنة بين البحر الأحمر شرقًا والمحيط غربًا، وبين المناطق الصحراوية أو شبه الصحراوية في الشمال وبين نطاقات الغابات الاستوائية في الجنوب. ويصف صاعد الأندلسي في طبقات الأمم هذه الشعوب بالفوضى مع وجود سياسة ملوكية تضبطهم وناموس إلهي يحكمهم. وكانت هذه الشعوب تعيش في شكل جماعات يرأسها أكبر الرجال سنًا.التجارة. اهتم الجغرافيون والرحالة بذكر أهم المنتجات الأندلسية التي كانت تصدر إلى الخارج مثل الملابس المطرزة والأصواف والأصباغ والحرير واللبود الفاخرة والورق السميك (الشطبي) والتين الجاف والخزف المذهب والزعفران وعصير الكروم. وتستورد الأندلس من إفريقيا الذهب والجلود والمعادن وبعض الحبوب والملح.الفلاحة

ظهرت الفلاحة الأندلسية في المزارع والحدائق والبساتين وكانت تربطها بالري شبكة من القنوات المائية، ومازالت محتفظة بأساليبها العربية إلى اليوم مثل الساقية والناعورة والبقاع. كما أطلقوا على القصور الملكية ذات الحدائق والرياض “المنيات” جمع منية، وقد انتشرت حول قرطبة وعلى ضفاف الوادي الكبير وأشهرها منية الرصافة التي بناها عبدالرحمن الداخل شمال قرطبة ومنية الزهراء التي بناها الخليفة عبدالرحمن الناصر في شمال غرب قرطبة، وتفوَّق الأندلسيون في تقليم الأشجار، فكان التفاح يقلم بطعم الأجاص مثلاً، ونقلوا ذلك إلى مدن المغرب بعد هجرتهم من الأندلس، واشتهرت الأندلس بزراعة أنواع مختلفة من الخضراوات والفواكه لدرجة أن كثيرًا من أسمائها دخلت في اللغة الأسبانية مثل الباذنجان والخرشوفو والسفرجل والسلق والزيتون والأرز والبطيخ السندي. ولقد اهتم علماء النباتات في الأندلس بدراسة أنواع النباتات واعتبروها جزءًا من اللغة فدونوها في معاجمهم، كما فعل أبو الحسن ابن سيده (ت 458 هـ) في كتابه المخصص. ومنهم من اهتم بالنباتات الطبية التي تستخرج منها الأدوية والعقاقير لفوائدها الصحية، مثل ابن البيطار المالقي (ت646هـ) صاحب كتاب الجامع لمفردات الأغذية والأدوية. ومنهم من كتب عن النبات من حيث زرعه ونموه ومن أشهرهم العالم الإشبيلي أبو زكريا يحيى بن العوام في كتابه الفلاحة في الأرضين على أن تقليم الأشجار والعناية بها كانت سببًا في غزارة الفواكه، ومايزال المغرب يحتفظ من الريف والمدن الأندلسية بفواكه نادرة.توزيع المياه في المدن

توجد في كل مدينة شبكة مائية توزع الماء بين الدور والسقايات والحمامات ويدير شؤونها خبراء وماتزال مدينة بلنسية تحتفظ إلى اليوم ببعض مظاهر ما تبقى من نظم المسلمين المتعلقة بري البساتين، وذلك في محكمة المياه التي تعقد عند باب المسجد الجامع (وهو موضع الكاتدرائية اليوم) ظُهر كل يوم خميس. وتتألف المحكمة من خبراء بشؤون الري يمثلون نواحي بلنسية ويرأسها أمين وينادى على أصحاب الظلامات وبعد المناقشة والمداولة يصدر الحكم وهو حكم ملزم لا يقبل المناقشة أو الاستئنافات. أما في المغرب فكان نظام توزيع المياه الداخل إلى مدينة فاس من واد الجوهر بهندسة دقيقة، حيث يصل إلى كل منزل حظه من الماء، ويصفى الماء بالنشارة (وهو ما يتبقى من نشر الخشب) لإعطائه نكهة طيبة.المرافق المائية

النافورات والسقايات والنوافير والبركات والصهاريج والحمامات والسواقي كلها بنايات مائية لاتخلو منها مدينة أو قرية لحاجة المسلمين إلى الماء الذي هو وسيلة الطهارة والوضوء والاغتسال، لهذا تفنن المسلمون في هندستها وبنائها وزينوها بالآيات القرآنية والحكم الأدبية وصور الأزهار والحيوانات، فالمسجد تتوسط صحنه نافورات وبجانبه ميضات (أماكن للوضوء)، وفي الغيطات والبساتين والغابات والحدائق نواعير ترفع المياه من النهر والآبار للسقي، وفي الطرقات العامة سقايات مزينة بالفسيفساء للشرب والأرواء، وفي البساتين صهاريج وبركات لتخزين الماء. أما الحمامات ذات الأجنحة الأربعة فتتوفر في جناح الاستقبال على خصة ماء وفي الجناح الداخلي على برمة للماء الساخن وأرضية سخينة. أما المنازل والدور فتحتوي زيادة على الآبار والسواقي والسقاية أوعية لاختزان ماء المطر. وتتوفر المدينة على شبكة خطوط مائية لنقل ماء النهر إلى كل منزل في المدينة غالبًا. أما إذا لم تكن المدينة على جانب النهر فتوجد خطارات أو ينقل الماء بواسطة القرب.الصناعات المختلفة

مراقبة الصناع والحرفيين. ازدهرت الصناعة في مدن مختلفة بالأندلس وتكونت معها طوائف حرفية عرفت باسم أرباب الصنايع. وصار لكل صنف رئيس أو شيخ منتخب من أصحابها عرف باسم الأمين أو العريف. وكان هذا الأمين مسئولاً ومدافعًا عن طائفته وأهل حرفته أمام المحتسب، فكان يبلغه رأي طائفته حول تكاليف السلعة التي يصنعونها وتحديد ثمن بيعها، كما يقوم بدور الخبير الفني في الخلافات التي تقع بين أهل الحرفة وعملائهم حول سلعة من السلع، ورأيه كان معولاً عليه لدى القاضي أو المحتسب، وكان الأمين يأخذ أجرًا من أصحاب الحرف أو (الحنطة). ولقد كفلت الدولة لهم حرية في ممارسة أعمالهم، ولم تتدخل إلا في بعض الصناعات التي كانت ممارستها تتطلب الحصول على إذن خاص، مثل بناء الحمامات وصنع الأسلحة وصك النقود وتركيب الأدوية والتطبيب والحجامة.صناعة النسيج. اشتهرت الأندلس بنسج ملابس الحرير بأنواعه المختلفة مثل الخز ويصنع من الحرير والصوف أو الوبر، والإبريسم وهو حرير خالص، والديباج وهو نسيج حريري موشى بخيوط من الذهب أو الفضة. وكان هذا بفضل عناية أهلها بتربية دودة القز. ومن أهم مراكز تربية دودة القز غرناطة ومالقة وجيان التي كان يقال لها جيان الحرير لكثرة اعتنائها بدودة الحرير. وكانت مدينة المرية في شرق الأندلس من أهم مراكز صناعة المنسوجات الحريرية، ويقدر عدد الأنوال فيها بحوالي 5800 نول، واشتهرت إشبيلية بالحلل الموشاة ذات الصور، كذلك اشتهرت الأندلس بصناعة الأنسجة الصوفية. أما صناعة السجاد والبسط والحصير فمركزها يقع في شرق الأندلس في مرسية وبسطة.صناعة الكتب. اهتم العلماء بإنتاج الكتب التي يؤلفونها فاختاروا الورق، وكان الشطبي أجوده وورق الغزال أغلاه. واهتموا بالخط فكان الوراقون يستأجرون الخطاطين الذين يختارون لون الحبر والمداد ونفائس القصب لصناعة الأقلام وديباجة الكتاب وتزيين الحواشي بالتذهيب وفنون التجليد ومنها تغليف الكتاب بالجلد السميك والنقش عليه. وفي كتاب عمدة الكتاب وعدة ذوي الأسباب وصبح الأعشى للقلقشندي ما يكفي تقصي الموضوع. وقد ورد في بعض المصادر أن أهل الأندلس كانوا أحذق الناس بالوراقة. وعثر في جامع الكتبية على كتب استعيض عن لوح الجلد أو الخشب منها بالورق السميك (الكرتون) وهي ابتكارات جديدة في فن التجليد، أما المصاحف فقد خُصَّت إضافة إلى التجليد بصنادق خشبية أو فضية تكريمًا لها وربما كسيت غلافات الكتب بالحرير. إن اكتشاف الورق في الصين وتطوير العرب لصناعته في سمرقند وشاطية كان بمثابة اكتشاف المطبعة، فقد انتقل إلى إيطاليا في القرن 13 ومنه إلى فرنسا وإنجلترا في القرن 16 فكان أعظم عامل في النهضة الأوروبية. وكان من المألوف أن يكتب الأوروبيون كتبهم ويرسمون عناوينهم بالأرابيسك، بل عثر في مخطوط رسالة للفيلسوف الألماني كانط على جملة بسم الله الرحمن الرحيم طغراء لكتابه.صناعة الخيام والمظلات. الخيام بمثابة المنازل لهذا كانوا يتفننون في تنميقها وتزيينها بالألوان والمرافق والرسوم والصور بالألوان المختلفة. فالصناع يصنعون الحيطى في المنازل لتصبح كالخيام في تزخرفها وتلوينها، ويختلف طولها وعرضها وعظمها حسب الحاجة، وتكون أحيانًا بمثابة الدور ذات المرافق المتعددة، فيها المطبخ ودورات المياه. وفي مقدمة ابن خلدون فصل خاص عن الأقبية. أما اللحافات فتصنع من الثوب السميك، وتوضع عليها الغطى والمساند المزخرفة والمطرزة بطرز الغرزة أو الطرز العادي، وأحيانًا بالخيوط الحريرية المذهبة. وخاصة الخيط الحريري من دودة القز المجلوب من صفاقس والأندلس. أما المظلات الملكية فهي منقولة في صناعتها واستعمالها عن الفاطميين، وكانت المظلة قبة من القماش شبه درقة في رأس تحمل فوق رأس الخليفة في المواكب، فهي من شارات الملك يحملها صاحب المظلة لتقي الخليفة من حر الشمس وقطرات المطر. وكان ملوك الأندلس قبل مجيئ العرب يكسونها بالدر والياقوت والزبرجد كما في نفح الطيب. وازدهرت صناعة طرز الألبسة على الصعيد الرسمي والشعبي وتسمى دارها دار الطرز حيث تنسج الثياب الفاخرة لصنع الديباج والستور، والمعاجر للنساء والخُمر والزرابي والسباني وستائر الأبواب للبيوت في المنازل.صناعة الأواني والحلي. اعتنى علماء الآثار بالأواني لأنها من مظاهر الحضارة، وتعتبر دراسة الخزفيات وصناعتها وتجارتها من أهم ما أولع به علماء التاريخ، حيث يتجلى ذوق الفنان وازدهرت التجارة، وبالأخص تجارة الكؤوس والقدور والجرار والأطباق والمسارج والزهريات والطواجين والقنوات المائية. ويذكر ابن أبي زرع في الأنيس المطرب أن بمدينة فاس أكثر من 180 دار لصناعة الفخار. كما يذكر الجزنائي ذلك في كتابه زهرة الآس. ولاتوجد مدينة في المغرب والأندلس إلا وفيها دور للخزف والفخار لحاجة الناس إلى الأواني. وتمتاز مدينة آسفي بتربة صالحة لصناعة الفخار، تسمى تراب الصيني، وربما كان ذلك لتشبهها بالأواني الصينية الفاخرة وبصنع الأواني بطريقة القوالب. أما الحلي الذهبية أو الفضية فقد انتشرت في كل المدن الأندلسية المغربية، وكان اليهود في الغالب هم المختصين في هذه الصناعة. كما كان يصنع الفخار المذهب في مالقة حسب ما يذكره الإدريسي في النزهة وابن بطوطة في الرحلة والمقري في النفح.صناعة الزجاج. عرفت صناعة الزجاج في مختلف الحضارات ومنذ القرن الثاني والأول قبل الميلاد، وهو مركب من الرمل والجير والصودا، وكان يصنع بطريقتين: طريقة النفخ وطريقة الدلك. على أن التطور في صناعة القنينات والأواني تطور بطريقة النفخ. وكانت الحضارة الفرعونية قد اشتهرت بجودة الأواني الزجاجية، ثم تطورت الصناعة إلى تلوين الزجاج. ولما عرف المسلمون هذه الصناعة طوروها لشغفهم بقوارير العطور، وصناعة الصيدلة فزينوا الزجاج بصور الحيوانات والأزهار. أما طريقة التلوين فهي بإضافة أكاسيد مختلفة كأكسيد النحاس الذي يعطي اللون الأخضر الفيروزي، وأكسيد الكوبالت الذي يعطي الأزرق الفاتح والمنجنيز الذي يعطي الأرجواني وهكذا. وكان الزجاج يصنع في مالقة والمرية. كما استورد المغاربة والأندلسيون الأواني الزجاجية من العراق. ولذلك يسمون نفائس الزجاج الملون بالعراقي. ويشير الإدريسي إلى صناعة الزجاج في القادسية بالعراق.صناعة العاج. عمل الصانع المغربي على صناعة المشط وبعض الأواني من قرون الحيوانات على أن العاج المحلَّى به من إفريقيا السوداء كان مصدر صناعة تحف فريدة خاصّة في تطعيم التحف الخشبية والصناديق الصغيرة والعلب المختلفة، وكانت الصناديق الكبيرة تزين بالتطعيم سيما صناديق العروس التي كانت من أنفس ما تقدم في حفل زفافها من رياش فاخر وطسوت فضية وصحون مفضضة وأباريق وبالأخص البابور المصنوع من النحاس الأحمر. أما التحف العاجية الممتازة فتحمل زخارف تحمل اسم من صنعت له وتاريخ صنعها. كما كانت شواهد القبور تحمل كتابات بآيات قرآنية وأبيات شعرية فيها ترجمة وتاريخ. الأسطول الأندلسي

تعود الأندلسيون الاحتفال بأسطولهم عندما يرجع ظافرًا من حرب، حيث تقوم الأساطيل بألعاب ومناورات وحركات بمرأى عظماء الدولة. وكان الأسطول يضم بروجًا وقلاعًا وتوابيت ومنجنيقات ومكاحل بارود، ونفطًا ومقاتلة. وأنواعه كثيرة منها: الشواني وتحمل ما بين المائة والخمسين والمائتين؛ البوارج وهي أكبر من الشواني؛ السطات والحراقات المجهزة بالمنجنيقات؛ والعرادات، وهي في صورة الأسد والفيل أو العقاب؛ والطرائد وتحمل الخيل؛ والغوافير وتحمل المؤن؛ والسانديات وهي الفلانك. واستعملوا في حروبهم البحرية النار اليونانية الممزوجة بالكبريت والبارود المسمى الثلج الهندي. والمعروف أن العرب استعملوا البارود سنة 906م، وحاصروا به صقلية سنة 972م واستعمله الغرناطيون في حصار باجة 1246م، وعنهم أخذه الغربيون. وكانوا يستعملون قوارير النفط وجرارة الثور، وهي مسحوق ناعم مؤلف من الكلس والزرنيخ يرمون به العدو في مراكبهم فيعمي أبصارهم بغباره. ويستعملون قدورًا مليئة بالحيات والعقارب والصابون لتنزلق في أقدامهم. أما هم فكانوا يبطنون مراكبهم بالجلود المبلولة بالماء والخل والشب والهطرون كي لاتتأثر بالاشتعال. واستعملوا الأسطام في أول السفينة، وكان مثل سنان رمح بارز في مقدم السفينة وبها يهاجمون أعداءهم فتغرق بالخرق. وكان في السفينة بيت لرئيسها ليدبر أمرها، وبه بوصلة وخريطة تسمى الرهنامج.الرحلات

لم يكن الرحالة المسلم مجرد سائح متجول بل كان يسجل في كتاباته معلومات تجارية واجتماعية مما يفيد رجال الاقتصاد. فكان الحج إلى مكة المكرمة أداء للفريضة وإجازة للعلم واتصالاً برجال الثقافة، وأخذًا للعلم رواية ودراية، مما جعل الرحلات علمًا مستقلاً يعتمد الجغرافية السياسية والاقتصادية. ومن أشهر رجال الرحلات في الأندلس: 1 – الوراق، مؤلف مسالك إفريقية وممالكها. 2 – البكري، مؤلف المسالك والممالك. 3 – الحميري، مؤلف الروض المعطار في خير الأفكار. 4 – الغرناطي، مؤلف المُغرب في عجائب المغرب. 5 – الإدريسي، مؤلف نزهة المشتاق. 6 – ابن وهب القرشي، رحل إلى الصين سنة 256. 7 – سليمان الصيرافي، كتب رحلة عن أسفاره في الخليج العربي والصين. 8 – سلام الترجمان، رحل إلى الصين أيام الواثق العباسي. 9 – اليعقوبي مؤلف البلدان. 10- ابن خرداذبة، صاحب المسالك والممالك توفي سنة 300هـ. 11- الحسن المهلبي رحل إلى السودان سنة 375هـ. 12- محمد التاريخي الأندلسي المتوفي سنة 363هـ وهو مؤلف وصف إفريقية والمغرب. 13- أبو دلف رحل إلى الصين سنة 331هـ. التقدم العلمي

درس أبو فرناس من المولدين الفلك والكيمياء والطبيعة وامتاز بعقله التجريبي وشيد في بيته شكل قبة السماء ورتب فيها ما يشبه الشمس والقمر والنجوم في منازلها، وجعلها تدور بحركة مثل حركة الأفلاك بحيث تمكن رؤية حركات النجوم والكواكب السيارة حول الشمس. أما في الطيران فقد صنع لنفسه جناحين وجعلهما من الحرير وريش النسور وترصد هبوب الرياح فطار بهما، ولم يفطن إلى ضرورة الذيل في النزول والهبوط، فسقط على مؤخرته وتوفي (راجع ص 89 المجمل في تاريخ الأندلس لعبد الحميد العبادي). المكتبات العلمية. لعل أهم مكتبة علمية في الأندلس أسسها الخليفة الحكم في قرطبة وفيها كتب بمختلف اللغات والموضوعات وقد احرقت في عهد المنصور بن أبي عامر الذي كلف لجنة بمراجعتها ثم أحرقها بعد أن زعم أن بها كتبًا إلحادية وذلك تزلفًا إلى العوام والفقهاء الذين كانوا يكرهونه.الفلسفة

كان الفلاسفة في المشرق إما أصحاب منظومة فلسفية تهتم بالتنسيق أو أصحاب تفصيل لما دق في الموضوعات، يهتمون بالصلة والسببية والمنطق والنحو. على أنهم اهتموا جميعًا بالعلاقة بين الفلسفة والدين. تطورت الفلسفة في الأندلس على يد الأندلسيين الذين ذهبوا إلى المشرق كمحمود بن عبدون (347هـ) الذي درس المنطق على سليمان السجلماسي، ورجع إلى بلاده ليكون طبيب الحكم الثاني وهشام الثاني الأمويين، وكان له تأثير في الفكر الفلسفي في الأندلس، كما يظهر ذلك في الفلسفة الرشدية. ومما لاشك فيه أن ابن رشد في طليعة فلاسفة المغرب، وكان ذا تأثير عظيم في المحيط المغربي، كما في أوروبا، وهي مدينة له في فهم الفلسفة الإغريقية الأرسطية. واستمر أثره إلى عصر كانط في بداية القرن التاسع عشر. ولم يقتصر التأثير الأندلسي في الفلسفة فقط، بل كذلك في الرياضيات فجاليليو متأثر بنظرية ابن الهيثم في البصريات، إلى غير ذلك من تطورات يصعب حصرها هنا. الشعر

شهدت الأندلس الإسلامية ولعًا بالشعر والغناء قل نظيره في حقب التاريخ المختلفة. فقد شاع انشاد الشعر في كل المناسبات، سواء الدينية أو السياسية أو الاجتماعية وظهر شعراء سجلوا بمدائحهم أعمال الخلفاء والوزراء والولاة كابن عبد ربه وابن زمرك وابن الخطيب وشعراء الطغرائيات يكتبون قصائدهم في حنايا أبواب المساجد والقصور كابن زمرك وشعراء الحماسة الذين يمثلون الفروسية العربية مثل سعيد بن جودي وشعراء التصوف. وضاقت بالشعراء أوزان الشعر العربي وأعاريضه فأقبلوا على شعر الزجل والموشحات ومقطوعات الغناء، وأصبح معظم أهل الأندلس شعراء حتى قال القزويني “إن الفلاح يحرث بثور في شلب، يرتجل ما شئت من الأشعار فيما شئت من الموضوعات.” وكان كبار القوم لا يتراسلون إلا شعرًا ويتهادون بطاقات الدعوات والاعتذارت والأهاجي والتعريف شعرًا.وفرة الانتاج الأدبي

كتب أبو الحسن ابن محمد التميمي المعروف بابن الربيب القروي، وكان عبدالكريم النهشلي يعده شاعرًا متقدمًا، إلى أبي المغيرة عبدالوهاب بن حزم الأندلسي (ت 438هـ) بعد أن أثنى على الأندلس وأهلها يعاتبه على تقصيرهم في التأليف عن مآثر بلادهم وأخبار أعلامها ويقول مثنيًا على المؤلفين السابقين: “فإن قلت إنه كان ذلك من علمائكم، وألفوا كتبًا لكنها لم تصل إلينا فهذه دعوى لم يصحبها تحقيق، لأنه ليس بيننا وبينكم إلا روجة راكب أو قارب، لو نفث ببلادكم مصدور، لا سمع ببلادنا من في القبور، فضلاً عمن في الدور والقصور، وتلقوا قوله بالقبول كما تلقوا ديوان ابن عبدربه منكم الذي سماه بالعقد. “وأجابه أبو المغيرة: وأنا أعلم أن عندكم لنا تواليف تطيرون بها”.الغناء

كان أهل الأندلس يغنون ويطربون بأسلوب الغناء المسيحي الأندلسي أو بطريقة الحداء العربي كما في التيفاشي، ثم تطور الغناء بعد ذلك على يد ابن ماجة ثم أبي الحسن المرسي، الذي أرسى قواعد الموسيقى، وكذلك العباس ابن فرناس ومسلمة المجريطي وأبو الصلت الدانئ (توفي 529هـ) وابن سبعين الصوفي مؤلف كتاب الأدوار ويحيى الخدوج المرسي مؤلف الأغاني الأندلسية على نهج الأغاني الأصبهانية. وتأسست في الأندلس مدرسة الغناء وتعليم الجواري جاء وصفها في الذخيرة لابن بسام، وكان يعلم فيها الغناء والكتابة والخط والعزف على الآلات، والرقص والخيال (التمثيل) والفروسية. انظر: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة. أما الآلات فكثيرة ذكرها الشقندي مثل العود والروطة والرباب والقانون والمؤنس والجيتار والمزمار والبوق وغير ذلك. وقد وصل من أنواع الموسيقى الأندلسية إلى إفريقيا الشمالية نوع يعرف بالإشبيلي انتهى إلى تونس، والغرناطي إلى الجزائر والبلنسي والغرناطي إلى المغرب. ورحل إلى المشرق كثير من المغنين الأندلسيين كالباهي وابنه أبو المجد الطبيب. وجاء علي بن نافع الملقب بزرياب إلى الأندلس بعد أن ضاق بوجوده في بغداد إسحاق الموصلي وأمره أن يغادر قصر الخليفة الرشيد وإلا كاد له وحطم مكانته فارتحل من الشرق إلى القيروان وغنى لزياد بن إبراهيم. انظر: زرياب. ولكنه غنى له ذات يوم بمدح السود بأبيات لعنترة بن شداد، فغضب زياد وأمر بضربه وإبعاده، فاستدعاه الحكم إلى قرطبة وفيها غنى للحكم الذي قدر مواهبه، وأقطعه الضياع والبساتين، وكان زرياب مثقفًا كبيرًا وفلكيًا بارعًا وعالمًا مقتدرًا وشاعرًا مطبوعًا. وقد طور زرياب الموسيقى العربية فزاد الوتر الخامس في العود وعزف بريشة النسر بدل الخشب، وأسس مدرسة تعليم الموسيقى يلقن طلابه فن الموسيقى على مراحل من الإيقاع إلى الألحان والعزف. وكان أول من استحدث الكورس، ولايقبل في مدرسته إلا بعد امتحان لأصوات الطلاب والكشف الطبي عن الصدر والأسنان. كما أرسى قواعد المعاشرة والمجالسة وآدابها، فطور الملابس حسب اختلاف الفصول، وتصفيف الشعر، واتخاذ الأكواب من الزجاج بدل المعادن واصطنع الأصص للأزهار من الذهب والفضة. جاء في مطالع البدور في منازل السرور للغزولي “الشراب في كؤوس الزجاج أحسن منه في كل جوهر لا تفقد معه وجه النديم، ولا يثقل في اليد ومن شرب فيها فكأنما يشرب في إناء وهواء وضياء. وظهر من أثر زرياب أكابر الملحنين والملحنات في الأندلس مثل ولادة بنت المستكفي (المتوفاة 484هـ، 1091م) وهي في قصور الأندلس أشبه بعلية بنت المهدي في بغداد. ومن أبرز الملحنين والمغنين عبدالوهاب بن الحاجب، وهو كما يقول المؤرخون واحد عصره في الغناء الرائق، وكان من أبرز الملحنين وأقدرهم على عزف العود في عصره. إن زرياب عبقري الموسيقى في عصره وكان يدعي أن الجن تعلمه النوتة الموسيقية وهو نائم، فكان يستيقظ ويملي ألحانه على جاريتيه غزلان وهنيدة، ومع ذلك فقد كان يحيى الغزال الشاعر المشهور يسخر من ألحانه كما كان ابن عبدربه يعرض به. وظهر في الأندلس موسيقيون يضعون الألحان للمغنين والمطربين كعبد الوهاب بن الحسين، كما تفننوا في صناعة العود، فاخترع أبو جعفر الوقشي الطليطلي عودًا يعزف من تلقاء نفسه، وذلك بتحريك آلات تحريكًا أوتوماتيكيًا تظهر على أوتاره. وكان الفقهاء ينكرون الطرب والغناء ولايقبلون شهادة المغني، ولم يسمحوا أن تباع كتب الموسيقى علنًا، لأن الموسيقيين المغنين كانوا يغشون مجالس الشراب.الحضارة الإسلامية في المغرب بعد سقوط غرناطة

عندما دخل الأندلسيون إلى المغرب استعجم المغاربة أخلاقهم ولغتهم. وفي رحلة موريط أن الرباطيين كانوا يتكلمون بالأسبانية، وكل هذا كان سببًا في حدوث نفرة بينهم وبين جيرانهم فألف عبدالرفيع سنة 1052هـ كتابًا في الدفاع عن إسلام الأندلسيين، غير أن الأندلسيين حملوا إلى المغرب حضارتهم وثقافتهم وكان لهم أثر عميم في حفظ الصناعة والثقافة والملاحة الأندلسية، ولقد لعبوا دورًا في القرصنة البحرية، ولم يمض على مكثهم بالمغرب مدة قليلة حتى ظهر أثرهم جليًا في الحياة الاجتماعية المغربية، وفي الأدب والعمارة بصفة خاصة، فكونوا مدرسة ثقافية تمتاز بخصائص الأدب الأندلسي من رقة وصفاء، وقدرة على مزج العاطفة بالطبيعة مع سحر الألفاظ وتناسق في انتقاء التعابير، وفي مقدمة سوق المهر ذكر لنماذج من هذا الأدب المغربي الذي يذكرنا بأدب الفردوس المفقود، كما يضم تاريخ تطوان للمؤرخ محمد داود وصفًا حيًا لحياة المهاجرين الأندلسيين إلى تطوان وأدبهم. وتجاوز هذا التأثير ميدان الأدب إلى ميدان الفن حيث عملت يد الصناع الأندلسيين على بناء ما يذكرهم ببلادهم، وكذلك حملوا معهم الموسيقى الأندلسية بأطباعها المختلفة، وأساليبهم في الري، ولم ينسوا أن يحافظوا على مظهرهم الاجتماعي الأندلسي سواء في حفلاتهم وأعيادهم أو في لباسهم أو في فنون خياطة الملابس لنسائهم من تخريم وطرز وغير ذلك. وظلوا متمسكين بتقاليدهم لم يفرطوا في شيء منها، بل إنهم حملوا معهم إلى الرباط توابيت علمائهم وصلحائهم فدفنوها من جديد لتعيش معهم في أرضهم الجديدة. ولمعرفتهم بلغة الأسبان والفرنج، ومعرفتهم بعوائد الغرب، وأنظمته فقد كان منهم السفراء إلى البلاد الأوروبية. وفي الاغتباط بتراجم قضاة الرباط لأبي جندار ذكر لعدد من علمائهم وأدبائهم وشعرائهم. وكان لطرد مسلمي الأندلس أثر في إذكاء روح البغضاء في العالم الإسلامي لعمل المسيحيين، وقد استفتى الخليفة سليمان القانوني شيخ الإسلام أبا السعود الغمادي الدمشقي في إكراه النصارى على ترك دينهم أو الجلاء، فأبى شيخ الإسلام عليه ذلك، لأن الإسلام لا يسمح بالإكراه في الدين. وكان للأندلسيين اليد الطولى في الأدب والعلم والصناعة والزراعة حتى ضايقوا أهل البلاد، وقطعوا أرزاقهم. وكان لايستعمل بلدي إذا وجد أندلسي، وذكر ابن خلدون عن رحلتهم إلى المغرب، وأثرهم القوي في إنعاش حضارتهم فيه في مقدمته بقوله: ” وألقت الأندلس بأفلاذ كبدها… إلى إفريقيا، ولم يلبثوا أن انقرضوا وانقطع سند تعليمهم في هذه الصناعة لعسر أهل العدوة لها وصعوبتها عليهم وعوج ألسنتهم ورسوخهم في العجمة البربرية”. وكان بالرباط كثير من النسوة المنحدرات من الأسر الأندلسية ينسجن أنواعًا من التعاليق والستور عجيبة التشبيك، وفي الفلاحة حمل الأندلسيون الواردون على الرباط خلاصة تجاربهم الفلاحية، وبالرجوع إلى كتاب الفلاحة الأندلسية للطنفري زهر البستان ونزهة الأذهان، وكتاب الفلاحة الأندلسية لأبي زكريا يحيى ابن العوام الأشبيلي نجد تحليلاً دقيقًا لفن الفلاحة الذي يعتمد على اختيار الأرض والمياه والغراسة وتربية الماشية واختزان التين والتفاح والكمثرى والسفرجل والأترج والرمان والأجاص والعنب والقسطل والفستق والبلوط ومن تطعيم الزهور وتلوينها والتثمير في غير الأوان. ومن عادة الأندلسيين الرباطيين أن يهتم المعلمون بتعليم الصبيان آخر رمضان أساليب تزويق الألواح بدوائر وخطوط هندسية يلونونها بمختلف الأصباغ لتدريبهم على مبادئ الهندسة. أما في الأندلس فقد تحول المورسكوس في أسبانيا المسيحية بعد نشاط محاكم التفتيش ضدهم إلى مزارعين يعملون في الإقطاعيات التي يملكها النبلاء، ونظرًا لخبرتهم ونشاطهم فقد أصبحوا عمدة الفلاحة والغراسة والاقتصاد بصفة عامة مما جعل النبلاء يقاومون الكنيسة في حملتها التنصيرية لما يفقدها ذلك من مزايا اليد العاملة. وعندما ظهرت حركة العمال لمقاومة النبلاء كانت دعوتهم إلى تنصير المسلمين ليضعفوا قوة النبلاء، لكن المسلمين آثروا العبودية وخدمة النبلاء بدل التنصير المفروض عليهم. وبعد سنة 1521م عادت الكنيسة من جديد إلى الحملة التنصيرية عن طريق محكمة التفتيش، وأنهت فظائعها بإجلاء الموريسكيين عن الأندلس، ولم يمنع ذلك من بقاء كثير من المسلمين بأسبانيا تنصروا ظاهريًا فقط كما حدث عنهم الغساني في رحلته [b:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحضارات القديمة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موسوعة تاريخ الحضارات العام
» الحضارات السامية القديمة
» صراع الحضارات
» تاريخ عن مصر القديمة
» كتاب : جغرافيا الحضارات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التربية و التعليم تلمسان :: المراجع والبحوث :: المراجع و البحوث-
انتقل الى: