دور الاستثمارات الاجنبية في البلدان النامية
أ. د . كريم نعمة النوري
البروفيسور كريم النوري (عراقي) يعمل استاذا في قسم العلاقات الدولية الاقتصادية-
كلية التجارة - جامعة فيليكو ترنفو - بلغاريا
مقدمة:
ان هذه المقالة تبحث في كيفية حدوث التحولات الاقتصادية بواسطة الاستثمارات الاجنبية المباشرة والتي تمثل طليعة التنمية في البلدان النامية والتي تمثل البلدان العربية جزء منها.
وكما هو معروف ومن الطبيعي فأن جذب الاستثمارات الاجنبية يعتمد اعتمادا كبيرا على السياسات الحكومية العامة.
اننا سنتحدث عن دور الاستثمار الاجنبي المباشر مع تأكيد اهمية المعرفة والمهارات التنظيمية والتقنيات الموجودة في الدول النامية على انشاء اقتصادات متطورة.
تمر الدول النامية في الوقت الحالي بمراحل التنمية الصناعية وأن هذا الأمر يتطلب العمل الجاد والمتواصل على جذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة وتشجيعها.
1.تأثير الأستثمار الأجنبي المباشر على الاقتصاد الوطني
ان تأثير الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سير الاقتصاد يتوقف على مجال الاستثمارات الاجنبية المباشرة بالنسبة الى باقي الاقتصاد، وعلى درجة تأثير المشروعات التي تتضمن استثمارات اجنبية مباشرة من المنافسين والموردين والموزعين المحليين أو البنية الأساسية المحلية التي لها علاقة بالاستثمارات. وقد زاد المجال النسبي للاستثمارات الاجنبية المباشرة في الدول النامية خلال السنوات الأخيرة، وعلى هذا الأساس فهي لها تأثير شديد الأهمية في تنمية الاقتصاد الوطني في أية بلد من البلدان النامية.
يجب أن ينظر الى الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي تقوم بها الشركات الأجنبية في هذه البلدان على أنها من أكبر مكونات الموارد المالية المتاحة للتنمية في البلدان النامية.
ان فعالية الاستثمارات الأجنبية المباشرة كقوة للتنمية تتوقف على عاملين وهما: تأثير الاستثمارات الأجنبية المباشرة مقابل التنمية التي تعتمد على الموارد الداخلية للبلدان النامية، والجدوى السياسية والتجارية لدمج معايير الاستدامة في عملية صنع القرار المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة.
عندما نتحدث عن الأستثمارات الأجنبية المباشرة وتأثيرها على اقتصاد البلدان النامية، فمن الضروري أن نتطرق الى تأثير الأستثمار الأجنبي المباشر والشركات المتعددة الجنسيات على مستوى المعيشة في العالم. تختلف اراء الاقتصاديين حول هذا الموضوع، فمنهم من يرى بأن انتقال رأس المال بحرية في ارجاء العالم يفيد فقط الرأسمالية العالمية والوطنية المرتبط بها وبعض المهن دون غيرهم من الفئات، وان التهافت على جذب الأستثمار الأجنبي بين الدول هو نوع من (السباق الى القاع)، بينم يرى اصحاب نظرية ( السباق نحو القمة) ان المنافسة من اجل الأستثمار الأجنبي تؤدي في دول الشمال والجنوب على السواء الى الارتقاء بمستوى التعليم وتحسين البنية الأساسية مما يرفع في النهاية من مستوى المعيشة في كل الدول، ويرى فريق ثالث ان الأستثمار الأجنبي المباشر ينمي ويرتقي بمناطق جغرافية معينة وذلك على حساب مناطق اخرى في العلم.
أما الرأي الأكثر شيوعا فيتمثل في محدودية الدور الذي تلعبه الشركات متعددة الجنسيات والأستثمار الأجنبي في التأثير على مستويات المعيشة ويذهب اصحاب هذا الرأي في تأكيد مفهومهم الى القول بأن الأستثمار الأجنبي مازال يمثل نسبة ضئيلة من الدخل القومي، وبأنه عادة ماينتقل بين الدول الغنية وبعضها، وبأن عدد الدول النامية التي حصلت على 80% من الأستثمار الأجنبي خلال عقدي الثمانينات والتسعينات لاتزيد عن عدد أصابع اليدين.
هناك رأي آخر يفند كل الأراء السابقة مؤكدا على أن الأستثمار الأجنبي ليس شراً وليس خيراً، وعلى أن تأثير تنقلية رأس المال على مستويات المعيشة يعتمد بشكل أساس على الأطر والسياسات التي تضعها الدولة المضيفة والمتعلقة بالعرض المحلي وبطبيعة المنافسة المحلية وبالقواعد العامة التي تحكم هذا الأستثمار.
أما حسب رأينا فأن مستوى الأستثمار الأجنبي قد يؤدي الى نتائج مختلفة على الاقتصاد وخاصة على الأجور ومستويات البطالة وتوزيع الدخول وذلك نتيجة اختلاف الأطر والقواعد الحاكمة في كل بلد.
2. شروط تحقيق الأستثمار الأجنبي المباشر
يجب الأعتراف بأن سياسة الاستثمارات الأجنبية تنمو بشل مطرد نتيجة التغير التكنولوجي السريع ونتيجة تحرير السياسات المتعلقة بالاستثمار والتجارة، ولم تعد حركة الأستثمار للشركات العالمية نحو الدول النامية تقتصر على البحث عن اسواق محمية أو عن عمالة رخيصة غير ماهرة أو عن موارد طبيعية قابلة للاستغلال فقط، بل تزايد الاستثمار في الاونة الأخيرة في الدول النامية في أنشطة عالية التكنلوجيا تتطلب عمالة منتجو ومنظبطة مع توافر مستويات عالية من المهارة وبنية اساسية على مستوى عالمي وشبكة من الموردين قوية تساند هذا الاستثمار.
اننا نرى اليوم عدداً كبيراً من البلدان النامية تسعى على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بشتى الطرق فمثلاً عن طريق المناطق الحرة والاعفاءات الضريبية والحوافز ........ والخ.
ان الاقتصادات النامية تسعى الى سبل نقل التكنلوجيا والادارة وتفضل أن يتم ذلك من خلال شركات مشتركة أو تراخيص التصنيع بينما ترى بعض الشركات متعددة الجنسيات خدمة الأسواق الخارجية من خلال فروع مملوكة لها بالكامل، وهو توجه توافق عليه بعض البلدان النامية في حالات خاصة.
ويفرق تقرير الاستثمار العالمي لعام 1994 بين ثلاثة استراتيجيات تتبعها الشركات متعددة الجنسيات في الدول النامية، الأولى تقتصر على خدمة البلد النامي فقط، والثانية تعتمد على قدر بسيط من المدخلات المحلية مع توجه تصديري في عدد من المنتجات، أما الثالثة فتتميز بقدر كبير من الاندماج في الاقتصاد المحلي باعتبار ان المنتجات التي تصنع في البلد النامي هي جزء من الهيكل الانتاجي العالمي للشركة متعددة الجنسيات تمثل توفير قطع بأكملها من البلد النامي تدخل في التجمع النهائي الذي يتم في بلد آخر.
ومما لاشك فيه فأن السياسات التي تتبعها الدول النامية تؤثر بقدر كبير على نوعية الاستراتيجية التي ستتبناها الشركة العالمية في هذا البلد،فاذا كانت الدولة تطبق تعريفات جمركية حمائية شديدة فأن استراتيجية الشركات متعددة الجنسيات متعددة الجنسيات ستتجه نحو احلال الواردات بدلا من التوجه التصدري ومثال على ذلك صناعة السيارات في مصر.
وعلى ضؤ ذلك فأن السوأل الذي نطرحه هو تحت أية ظروف اين تتكون الاستثمارات الاجنبية المباشرة ولماذا يتم اختيار بعض الدول بالتحديد كمكان لتوظيف هذه الأموال؟
أن الرد على هذا السوأل من الممكن أن ينحصر في النقاط التالية:
1. وجود عوامل محفزة من جانب المستثمر مثل النقص الكبير في الأيدي العاملة أو ارتفاع قيمة العملة في بلده الأصلي.
2. وجود عوامل محفزة من قبل الدولة المضيفة مثل النمو السريع في الأسواق وجودة الموارد البشرية والبنية الأساسية وحوافز التصدير ...... والخ.
3. وجود مناخ استثماري مشجع، فالوضع العام والسياسي للدولة ومدى مايتسم به من استقرار وتنظيماتها الادارية وما تتميز به من فاعلية وكفاءة ونظامها القانوني ومدى وضوحه واتساقه وثباته وتوازن ماينطوي عليه من حقوق وأعباء، وسياسات الدولة الاقتصادية واجراءتها، وطبيعة السوق وآلياته وامكانياته من بنى تحتية وعناصر انتاج، وما يتميز به البلد كطبيعة جغرافية، كل ذلك نسمه مناخ الاستثمار، وعلى الرغم مما شهدته السنوات تلأخيرة من جهود معظم الدول النامية والتي من بينها دول شرق ووسط اوروبا لتحسين مناخ الاستثمار فيها لتهيئة الظروف لجذب الاستثمارات، فأن العملية الاستثمارية في الدول المضيفة تواجه العديد من الماشكل والمعوقات والتي تحد من حركة الاستثمارات في هذه الدول.
3. مقترحات لتشجيع الاستثمار في الدول النامية
ماهي اذن المقترحات التي يجب اقتراحها من أجل تشجيع الاستثمار الاجنبي المباشر في البلدان النامية والتي تؤثر على تنميتها الاقتصادية؟
ان من بين المقترحات التي تساعد على تشجيع الاستثمارات في الدول النامية هو ازالة وتخفيف بعض معوقات الاستثمار وذلك من خلال التزام الدول بتطبيق معظم الاحكام الواردة في قوانيب الاستثمار.
وبالاضافة الى ذلك يمكن ادراج المقترحات والتوصيات التالية لتشجيع انتقال رؤوس الاموال والاستثمارات الاجنبية في البلدان النامية:
1. الحاجة الى اعادة النظر في تشريعات الاستثمار على فترات زمنية بغرض تطويرها.
2. تحديد اشكال دخول الاستثمار الاجنبي وذلك من خلال مشروعات جديدة أو في مشروعات قائمة، وتحديد القطاعات المطلوب فيها الاستثمار.
3. توجيه أنشطة الشركات الاجنبية من خلال الحوافز الضريبية والتصديرية وحوافز تأهيل الموارد البشرية.
4. وضع أسس المنافسة ومنع الاحتكار.
5. تطوير البنية التكنلوجية الوطنية المتمثلة في تحقيق الروابط بين المؤسسات الاكاديمية ووحدات البحث والتطوير والصناعة، بالاضافة الى تقوية مؤسسات خدمات المعلومات والخدمات الاستشارية الوطنية.
6. مساندة قوية للموردين المحليين والمؤسسات الصناعية الصغيرو والمتوسطة.
7. وجود أجهزة مشرفة على الاستثمار في البلدان النامية من أجل مساعدة المستثمر وترشيد التعامل معه.
8. ضرورة توفير الرعاية اللازمة للمشروعات تلاستثمارية في كافة مراحلها.
9. أهمية تحقيق الانسجام في معاملة المستثمر من النحيتين القانونية والمؤسسية.
10. توفير الحماية المناسبة لمنتجات المشاريع الاستثمارية في البلدان النامية من منافسة المنتجات المثيلة المستوردة، وخاصة خلال السنوات الاولى من تشغيل المشروع.
11. منح الجهز المشرف على الاستثمار صلاحيات وسلطات كافية من أجل أن تكون فاعليته ذا ثقل ووزنه أكبر.
12. التأكيد على مسوؤلية المستثمر تجاه تهيئة الظروف الماتية لنجاح استثماراته من خلال خسن اختياره للفرصة الاستثمارية وبيت الخبرة الؤهل من ذوي المعرفة المرتبطة بالظروف والاوضاع المحلية لوضع دراسة الجدوى اللازمة، والتأكد من جدوى المشروع وحسن الاختيار الشركاء والحرص على توازن الهيكل التمويلي للمشروع، وتوفير الادارة المؤهلة والجيدة.
وفي النهاية لابد أن نحدد أهداف الدولة من سياستها تجاه الاستثمار الاجنبي على الوجه التالي:
_ تحقيق التوجه التصديري وتنمية الصادرات.
_ ايجاد مصادر محلية لتوريدات الشركات الاجنبية في البلدان النامية.
_ الاستفادة من البحث والتطوير المحلي في تطوير منتجات الاستثما الاجنبي.
_ توجيه جزء من ارباح الشركات الاجنبية لاعادة استثمارها في البلدان النامية.
_ اختيار المسئو لين و الفنيين للشركات الاجنبية العاملة في البلدان النامية من مواطني اللدولة المضيفة.
_ مشاركة القطاع الخاص والمواطنين في رأس مال الشركة الاجنبية في البلدان النامية.
_ الافصاح من خلال التقارير والقوائم المالية لهذه الشركات عن نشاطها في البلدان النامية.
ان سلوك هذا المسلك من قبل العديد من البلدان النامية تجاه الاستثمارات الاجنبية المباشرة سيؤدي في النهاية الى التأثير على الوضع المعاشي للافراد في هذه البلدان ودخلهم القومي وكذلك على النمو الاقتصادي لهذه البلدان بشكل عام.
مجلة علوم انسانية : العدد 8 ابريل 2004 :