آثار أبو الأسود الدؤلي العلمية
يعتبر المؤرخون ان الدؤلي من اسياد التابعين (53) وابرز المتقدمين في العلم والمعرفة، واكمل الرجال رايا (54) . كان الدؤلي عالما يحب العلم والمعرفةويعتقد ان العالم مشعل المجتمع، ونوره البازغ. واشار المتنبي في اهمية العلم فقال: «وخير جليس في الزمان كتاب»ومن حكم العلماء في سمو منزلتهم قال: «الملوك حكام الناس والعلماء حكام الملوك» (55) .
ابو الاسود الدؤلي مفخرة من مفاخر الفصاحة العربية وبلاغتها، فهو اول من وضع النحو العربي وهنالك من وقف امام هذا الراي (56) والحقيقة كالشمس في رابعة النهار لايحجبها الغبار،ونلاحظ القدماء منهم ابن سلام الجمحي المتوفى 232ه: وكان لاهل البصرة في العربية قدم وبالنحو ولغات العرب والغريب عناية، وكان اول من اسس العربية وفتح بابها وانهجسبيلها ووضع قياسها ابوالاسود الدؤلي، حين اضطرب كلام العرب». (57)
وجاء ابن قتيبة المتوفى سنة 276ه. بهذا الخبر: «اول من وضع علم النحو ابوالاسود الدؤلي». (58)
وهذا ابوالطيب اللغوي المتوفى سنة 351ه يقول: «وضع ابوالاسود الدؤلي النحو بنفسه عندما سمع اللحن في قراءة القران». (59)
ويروي الجزري عند ذكر ابي الاسود (اول من وضع مسائل النحو باشارة الامام علي فلما عرضها على علي قال: فاحسن هذا النحو الذي نحوت! فمن ثم سمي النحو نحوا). ونلاحظ قول التبريزي (60) عند ذكر الدؤلي: «وهو الاصل في بناء النحو وعقد اصوله براي من عليبن ابي طالب، والعمل الجبار الثاني الذي قامبهالدؤلي، هو: تنقيط وتشكيل القران الكريم» فيقول المبرد في هذا الصدد: (اول من وضع القربية ونقط المصاحف ابوالاسود الدؤلي (61) ، انه اعرب مصحفا واحدا فيخلافة معاوية» (62) .
وهنالك مصحف شكله الدؤلي، فقد ذكر الاميني: اني شاهدت بعيني هذا العمل وهو تشكيل المصحف بلونين من الحبر الاخضر والاحمر: «راينا في خزانة الكتب الشريفة الرضوية في 12 ربيع الثاني سنة 1353 هجرية، عند تشرفنا بزيارة مشهدالرضا، مكتوب على جلد رقيق - الذي لايختلف عن الكاغذ - بخط كوفي غيرمنقط وعليه دوائر باللون الاحمر هي علامات الشكل، وجلده مذهب، موضوع فيصندوق مذهب، كلاهما في غاية الاتقان، مكتوب على جلده وقف الشاه عباس سنة 1008ه. وعدد اوراقه 68 وسطور كل صفحة 15 سطرا وطوله 24سم وعرضه23سم، قطره 3سم.
وبعد بحث وعناء في الكشف عن هذه المخطوطة، فتشرفتبزيارة الامام الرضا ثم انصرفت الى زيارة المتحف المركزي للقران الكريم وذلك في 29 جمادى الثانية سنة 1406ه. ففيه عدد كبير من المخطوطات القرانية وعند دخولك المتحف على يمينك في الخزانة الاولى وفيها ثلاثة مصاحف مشرفة، احدها كان بخط الامام علي وبتشكيل ابي الاسود الدؤلي، والمصحف المخطوط بلون اسود ومشكل بلون احمر على هيئة دوائر. عدد صفحات المصحف 68 ورقة، 15 سطرا في كل صفحة، وخطه قريب من الكوفي وبخط واضح، وفتحت الصفحة على سورة الكهف، ويوجد على جانب الصفحة من الجهة اليسرى ختم للعلامة البهائي مصدق على النسخة، وقد وقف الشاه عباس الصفوي هذا المصحف وغيره من المصاحف، وبجانب هذا المصحف، مصحف بخط الحسن والحسين وبخط عليبن الحسين.
والعمل الثالث الذي خدم به المجتمع: فقد وجدنا في بطون الكتب والمصادر، مجموعة من القصائد والمقطوعات الشعرية العالية، وقام الاستاذان الشيخ محمدحسن ال ياسين وعبدالكريم الدجيلي بجمعه وتنسيقه، وطبع وبيع في الاسواق، بعنوان ديوان ابي الاسود الدؤلي، وقد ضاع من الشعر الكثير، فلمنعثر الا على اليسير من تراثنا الادبي والذي دون وسمي باسم«ديوان الدؤلي» وهنالك بعض المقاطع المشتبهة في النسبة اليه، منها تشبه انفاسه الشعرية والاخرى لاتشبهها.
وله في النثر الفني باع وذراع، فهو صاحب النكتة والظريفة، وقد كتب من النصح والارشاد وكذلك المراسلات مع الامام علي ولاننسى انه عين لفترة زمنية قصيرة على قضاء البصرة، فرسم من الحلول لقضاء حوائج المؤمنين.
والجهد الرابع الذي قام به الدؤلي، هو: مشاركة علماءعصره في الرواية، فروي عن جمع غفير من الصحابة ومنهم الامام علي وعمربن الخطاب، وحذيفةبن اسعد الغفاري. وابن مسعود والزبيربن العوام وابوموسى الاشعري، وعبداللهبن عباس، وانسبن مالك وغيرهم من الاصحاب، وروى له ابن حنيل والبخاري ومسلم، والذي نشاهده من الدؤلي في هذا الجانب انه قليل الرواية ومن الروايات التي رويت عنه، قال: اخبرنا هشيم عن داوودبن ابي هند عن ابي حرببن ابي الاسود بن فضالة الليثي قال: اتيت النبي فاسلمت وعلمني، حتى علمني الصلوات الخمس في مواقيتهن، فقلت: هذه ساعات اشغل فيها، فمر بي وقال: فلاتشغلن عن العصرين، قال: قلت: وما العصران؟ قال: صلاة الغداة وصلاة العصر.
وروى ابو الاسود الدؤلي، قال: خطب عمربن الخطاب يوم الجمعة، فقال: ان النبي قال: لاتزال طائفة من امتي على الحق منصورة حتى ياتي امر الله عز وجل (63) .
وتتمة جهود الدؤلي الجبارة هو: اهتمامه بتلاوة القران الكريم وشارك علماء عصره في القراءة والرواية والمشهور ان اباالاسود اخذ القراءة من الامام علي ويروي الانباري في نزهة الالباب (64) : «اخذ ابوالاسود الدؤلي القراءة عن الامام علي والاشتباه في الرواية الاخرى لابن الجزري الذي قال: (65) «اخذ القراءة عرضا عن عثمانبن عفان وعلي».
وهذه الرواية خلاف السيرة التي رسمناها لابي الاسود وحياته المنطمسة في زمن عثمان، ولتوتر العلاقات بين الدؤلي وعثمان مما ادى الى ضعف هذه الرواية وامثالها.
والذي يجول في ذهني ان الدؤلي كان من حفاظ القران البارزين وقدم على تنقيطه وتشكيله وكذلك من اسياد القراء، فليس من السهل ان ياتي تابعي بسيط ويتقدم بانجاز اعظم عاصم للسان من الزلل والخطا والانحراف اللغوي، فهو تابعي متقدم ولغوي نحرير، ومن فرسان البلاغة فهو بهذه الملكة العالية وارشاده من قبل استاذه الامام علي ومرشده الاول، فاليه يعود الفضل في تهيئة الجو الملائم للدؤلي في العمل، ولو كان العمل في زمن اخر لما استطاع اي انسان ان يحرك ساكنا في كتاب الله سبحانه وتعالى، ولكن بوجود وصي رسولالله عليبن ابي طالب استطاع الدؤلي ان ينجز هذا العمل.