معروف الرصافي
ولد الشاعر معروف الرصافي في سنة 1875 ببغداد حيث أكمل دراسته فيها، ثمّ انتقل إلى القسطنطينيّة والقدس، وبعد إتمام دراسته عاد إلى وطنه.
يمتاز اُسلوب الرصافي بمتانة لغته ورصانة اُسلوبه، وله آثار كثيرة في النثر والشعر واللغة والآداب أشهرها ديوانه (الرصافي) حيث رتّب إلى أحد عشر باباً في الكون والدين والاجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطّعات الشعرية الجميلة، وقد جاء في وصفه لعظمة الخالق قائلاً:
انظرْ لتلك الشجرة ***** ذاتَ الغُصُون النظره
كيف نَمَتْ من حبّة ***** وكيف صارتْ شجره
فابحثْ وقُلْ من ذا الذي ***** يُخرجُ منها الثّمره
وانظر إلى الشمس التي ***** جَذوتها مُسْتَعِرَه
فيها ضياءٌ وبِها ***** حرارةٌ منْتشِره
* * *
من ذا الذي أوجدها ***** في الجوّ مثْل الشَّرَره
ذاك هو الله الذي ***** أنْعمُهُ مُنهمِره
ذو حِكمة بالِغَة ***** وقُدرة مُقْتدِرَه
انظرْ إلى الليل فَمَنْ ***** أوجَدَ فيهِ قَمَرَه
وزانَهُ بأنجُم ***** كالدُّررِ المُنْتشِرَه
* * *
وانظر إلى الغيْمِ فَمَنْ ***** أنزَلَ منه مَطَرَه
فصُيّر الأرض بهِ ***** بعْدَ اغْبِرار خضره
[219]
وانظرْ إلى المرءِ وقُلْ ***** من شقَّ فيهِ بَصَرَه
مَن ذا الذي جهّزهُ ***** بقوّة مفتكره
ذاك هو الله الذي ***** أنعُمُهُ مُنْهمِرَه((1))
وفي مكان آخر من ديوانه يصف مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة، توفّي زوجها وتركهما بين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيث بلغ القمّة بوصفه إذ قال:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها ***** تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثَّةٌ والرِّجلُ حافية ***** والدمع تذرفه في الخدّ عيناها
بكتْ من الفقر فاحمرَّتْ مدمعها ***** واصفرَّ كالورس من جوع محياها
ماتَ الذي كان يحميها ويُسعدها ***** فالدهر منْ بعده بالفقر أنساها
الموت أفجعها والفقر أوجعها ***** والهمُّ أنحلها والغمُّ أضناها
* * *
فمنظر الحزن مشهودٌ بمنظرها ***** والبؤس مرآة مقرونٌ بِمَرآها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها ***** حِملاً على الصدرِ مدعوماً بيمناها
تقول: يا ربّ لا تترك بلا لبن ***** هذه الرَّضيعة وارحمني وإيّاها
كانت مصيبتها بالفقر واحدةً ***** وموتُ والدها باليُتم ثنّاها
هذي حكايةُ حال جئتُ أذكرها ***** وليس يخفى على الأحرار مغزاها((2))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المدخل إلى تعلّم المكالمة العربية / إعداد: محمّد الحيدري وعلي الحيدري: ج2، ص228.
(2)الرصافي / إصدار مناهل الأدب العربي: ص60. معروف الرصافي / إيليا الحاوي: ج2، ص124.
[220]
لقد شارك الرصافي في قضايا اُمّته السياسية والاجتماعية، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم، والتي ينبغي لطالب العلم أن لا يكون طلبه للعلم لذاته بل لغايات اجتماعية وذلك من خلال ربطه بالعمل فهل وفى اللفظ بهذا المعنى؟ لذلك نجده يقول:
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا ***** حتى نطاول في بُنيانها زُحَلا
جودوا عليها بما درّتْ مكاسبكم ***** وقابلوا باحتقار كُلَّ من بَخُلا
لا تجعلوا العلم فيها كُلَّ غايتكم ***** بل علّموا النّشء علماً ينتج العَمَلا
ربُّوا البنين مع التعليم تربيةً ***** يُمسي بها ناطق الدنيا به المثلا
فجيِّشوا جيش علم من شبيبتِنا ***** عَرَمْرَماً((1)) تضربْ الدنيا به المثلا
إنّا لِمَنْ اُمَّة في عهد نهضتِنا ***** بالعلم والسيف قبلاً أنشأت دولا((2))
وعندما احتلّ الانكليز العراق سنة 1920م، وسرعان ما نصّبوا فيصل ملكاً على البلاد وأصدروا دستوراً وانشأوا برلماناً مزيّفين وأصحبت اُمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث أنشد قصيدته، وممّا جاء فيها:
عَلمٌ ودستورٌ ومجلس اُمّة ***** كلٌّ عن المعنى الصحيح مُحرَّفُ
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها ***** أمّا معانيها فليست تُعرفُ
من يقرأ الدستور يعلَم أنّه ***** وفقاً لصكِّ الانتداب مصنّفُ((3))
فكان الدستور الذي سُنّ في نظره ليس إلاّ وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عرمرم: الجيش الكبير.
(2)ديوان معروف الرصافي: ج1، ص250. معروف الرصافي / رؤوف الواعظ: ص106. معروف الرصافي: ج3، ص87.
(3)ديوان الرصافي / شرح مصطفى علي: ج3، ص168