أخرج الإمام مسلم في صحيحه، قال: ''حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيم، عن داود بن أبي هند، عن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''لايزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة''.
وأخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية: 3/,96 والقاضي عياض في الشفا1/655 والسيوطي في الدر المنثور 1/.321 وقد ذهب عدد من أهل العلم على رأسهم علماؤنا المالكية، إلى أن المراد بأهل الغرب في الحديث هم أهل المغرب والأندلس، وأن هذه العبارة وإن كانت قد فسرت بتفسيرات أخرى فإن ورودها في روايات أخرى لغير مسلم بلفظ ''لايزال أهل المغرب'' يعضد حملها على ما ذكر. ووجه الاستدلال حينئذ بهذا الحديث على أفضلية الإمام مالك وتقديم مذهبه، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد فيه لأهل المغرب باستمرارهم على الحق إلى قيام الساعة. ومعلوم أن أهل المغرب منذ التزموا بالمذهب المالكي، وهم ماضون عليه، فلزم أن هذا المذهب الذي ساروا عليه هذه القرون هو حق. وكم حاولت الدولة العبيدية المنسوبة زورا لفاطمة رضي الله عنها تحويلهم عن مذهب مالك فما استطاعت، بل العكس هو الذي وقع، فقد استطاع علماء المالكية محاصرة الدولة العبيدية شعبيا وقطع جذورها الجماهيرية ثم إسقاطها وطردها نهائيا من المغرب العربي، وإقامة كيان سني. قال الإمام القرافي في كتابه ''الذخيرة'' -1/35- في معرض ذكره لوجوه ترجيح مذهب الإمام مالك: ''ومنها ما ظهر من مذهبه في أهل المغرب، واختصاصهم به، وتصميمهم عليه، مع شهادته عليه السلام لهم بأن الحق يكون فيهم ولا يضرهم من خذلهم إلى أن تقوم الساعة. فتكون هذه الشهادة لهم شهادة له بأن مذهبه حق، لأنه شعارهم ودثارهم، ولا طريق لهم سواه، وغيره لم تحصل له هذه الشهادة'' اهـ. وقد ألّف العلامة الشريف محمد عبد الحي الكتاني كتابا سماه ''البيان المعرّب عن معاني بعض ما ورد في أهل اليمن والمغرب''، أجاب فيه على سؤال ورد إليه من طرف أبي مدين شعيب الجزائري، قاضي الجماعة بتلمسان، سأله عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ''ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نفس ربّكم من قبل اليمن''. وقال المغيرة: ''من قِبل المغرب'' هل الزيادة الواردة عن المغيرة صحيحة أم لا؟ وعلى تقدير صحتها ما معناها؟
وقد أجابه بجواب مفصل انظره هناك. أما الحديث فرواه مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: ''لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم'' حديث .1926
قال القرطبي: ''أول الغرب بالنسبة للمدينة النبوية هو الشام، وآخره حيث تنقطع أرض المغرب الأقصى فيما بينهما كله مغرب''.
وقال علي الجزنائي في ''جني زهرة الآس'' ص 5: ''وأهل الغرب هم أهل المغرب الذي هو ضد المشرق على أصح التأويلات في الحديث وأوضح الدلالات''.
الشيخ شمس الدين
__________________