اليمن الجنوبي بين اليأس والامل بدأ
النشاط السياسي الجنوبي منذ ما يزيد على ثلاث سنوات كضرورة ملحة لمقاومة
الوجود العسكري المباشر على ارض الجنوب، ومهيمنا على جميع نواحي الحياة
اليومية للمواطن الجنوبي عقب حرب 94. وهذا النشاط في حقيقته هو محاولة
جديدة كانت سبقته محاولات عديدة أخفقت جميعها لعدم نضج العوامل اللازمة
لذلك.إن أهم ما ميز هذا النشاط الجديد والمتصاعد هو تبنيه للخيار السلمي
كمنهج سياسي نضالي ،على الرغم من كل الممارسات القمعية للنظام اليمني ولا
داعي لذكرها هنا.فقد أصبحت واضحة للعيان
. إن
يقين الجنوبيين بعدالة قضيتهم وشرعية مطالبهم قد ألهمهم الصبر والاعتقاد
الجازم بان النضال السلمي وسيلة ناجحة لاستعادة حقهم المسلوب. ويبدو إن
قيادة الحراك قد راهنت بشكل أساسي على تحرك المجتمع الدولي لنجدتهم، وهذا
يبدو جليا في جميع الفعاليات طيلة الفترة الماضية للصحوة الجنوبية
الجديدة، من خلال المناشدات المتكررة للضمير الإنساني والعالمي المتمثل في
المنظمات الدولية والحقوقية.
لكن
المقولة الشهيرة "لقد ناديت لو أسمعت حيا، لكن لا حياة لمن تنادي" قد وجدت
حيزا لا يستهان به في العقل الجنوبي، سيبقى في ذاكرة الجنوبيين لأجيال
قادمة. إن هذا الاعتقاد لم يأتي من فراغ، ولكن ما حدث يوم الخميس الموافق
24/7/2009م يعزز هذا الاعتقاد يشكل كبير وهنا يحق لنا آن نسال بعض الأسئلة
الملحة والغريبة عن الحراك.
لماذا
غير الحراك منهجه السلمي وأصبح يستخدم نفس لغة الجيش اليمني؟! لغة القتل
ولعلعة الرصاص.في حين سقط الكثير من الضحايا في الفعاليات السابقة ولم يكن
الرد عنيفا يل سلميا في مجمله.
هل
فقد الجنوبيون صبرهم وباسهم الذي اشتهروا به؟! آم أنهم أدركوا أن السلم قد
استهلك وقته وانتهى كما انتهت قبله كل الآمال والأماني في إصلاح الوحدة
ومسارها المعوج اصلا.
إن
خطاب الأخ الرئيس علي سالم البيض الذي تلا الأحداث مباشرة احتوى بعض
النقاط التي نستشف منها إجابات الأسئلة السابقة، وهي إجابات ظنية ليست
بعيدة عن الواقع الجنوبي نظرا لتسارع الإحداث.
ومن هذه النقاط :-
- تأكيد
الرئيس البيض على جديته وعزمه على تحمل كامل مسؤولياته تجاه شعب الجنوب
لكل من الداخل والخارج وانه مزال رئيسا شرعيا للجنوب مؤكدا على أصالة
واستقلال الهوية الجنوبية.
- إعلان الجنوب منطقة منكوبة وبحاجة لتدخل دولي لوضع حد لتدهور الوضع الإنساني من جراء
الممارسات القمعية للنظام اليمني.
- نقد
شديد اللهجة للمجتمع الدولي ومنظماته المسؤلة عن الأمن والسلم العالمي
ووصفه بالمتفرج على مأساة شعب الجنوب والذي يكيل بمكيالين في التعامل مع
قضيته.
- تأكيده الجازم بان الجنوب ماض في نضاله على الرغم من الموقف السلبي للنظام الدولي إزاء قضيته.
والنقطتين الأخيرتين أهم ما جاء في الخطاب وهما غير مسبوقتين في أي خطاب جنوبي سابق.لان
كل
الخطابات والنداءات السابقة كانت عبارة عن مناشدات للمجتمع الدولي
للالتفات لحل المشكلة سلميا على اعتبار أن المجتمع الدولي يمثل مرجعية
قانونية ملزمة لجميع الدول،بالإضافة إلى وجود قرارات دولية سابقة من مجلس
الأمن لصالح أهل الجنوب تضمن له حق تقرير المصير وفك الارتباط مع
(ج.ع.ي).وهذه المرة الأولى التي نسمع فيها تذمرا وضيقا شديدا من الموقف
الدولي والإقليمي تجاه القضية الجنوبية.وهو صادر عن اكبر شخصية جنوبية.
بعد إن ضاق قبله الشارع الجنوبي، حيث لم يكن هذا التصعيد الخطابي للسيد
الرئيس مفاجئا فقد سبقه تصعيد على الأرض في مناسبات كثيرة، وكأنه يدق
ناقوس الخطر.وكان آخرها خروج العشرات في مظاهرة زنجبار يحملون أسلحتهم
تحسبا لأي حمق قد ترتكبه قوات الجيش اليمني التي لم تخيب ظنهم وحصل محصل.
وهذا
يجب أن يشعر النظام اليمني والمجتمع الاقليمي والدولي بالقلق الشديد. إذ
أن الحراك السلمي قام على رهان التدخل الدولي العادل واعتباره مرجعية
وأساسا لحل المشكلة، وهذا ما اقنع الجماهير الحانقة للخروج والتجمهر بعيدا
عن العنف. وأما سقوط هذا الرهان فلا أظنه مطمئنا أو مفرحا للجميع على أن
الأمور ستسير على ما يرام ، وان الثروات ستخرج من باطن الأرض الجنوبية
بسلاسة إلى جيوب الأسر الحاكمة ، وبنوك الدول الغنية. وسهولة التوسع على
حساب الأرض الجنوبية لان كل ذلك لن يعود مجديا إذا وجدت أن كامل حدودها قد
أصبحت مفتوحة على مصراعيها للتهريب والدخول الغير شرعي مع انتشار جموع
كبيرة من الجهاديين باليمن المهيئين للقيام بعملياتهم التدميرية ليدخل
الجوار العربي طواعية ضمن نطاق الفوضى الجرافة (الخلاقة) .
ولا
يسعنا هنا أن ننسى الملاحة عبر مضيق باب المندب التي ستصاب بأزمة اختناق
شديدة بالفيروسات القاتلة من اليمن والصومال للرئتين الأوروبية والأمريكية
،مع احتقان شديد للجيوب الأنفية لشرق المعمورة . عندها سيدرك الجميع أن
هذا ليس خيالا مبالغ فيه فقد سبقت تحذيرات كثيرة من عدة جهات بهذا الخصوص
خاصة. هذا إذا علم أن شعب الجنوب قد قرر التخلص من احتلا (ج.ع.ي) ونيل
حريته مهما كانت الظروف اوالثمن. وعلى ذلك يسهل الاستنتاج من الأحداث
الميدانية أن الجنوبيين قد اقتربوا من حالة اليأس السياسي من عدم جدية
المجتمع الدولي للتدخل وإيجاد حل عادل لقضيتهم.و هذا مع الوقت يسهل انبعث
الشعور لديهم بعدم الاكتراث واللامبالاة بالمجتمع الدولي وربما ازدرائه
ومعاداته ليقول كل جنوبي ((علي وعلى أعدائي))ليجد دعاة العمل بالنضال
المسلح أن دورهم قد حان ليعيدوا طرح مشروعهم مرة أخرى على الجماهير الغاضبة
التي
لم تتقبل الأمر لعدم نجاع المبررات مع بداية الحراك، في حين نجح المراهنين
على النضال السلمي والتدخل الدولي وجذبت الجماهير إلى ساحات الحرية
للتظاهر وإقامة الفعاليات الواحدة تلو الأخرى.
إن
حدوث كل ما سبق بانهيار الدولة والصمولة والحروب من شارع إلى آخر ومن
نافذة إلى أخرى أسرع بكثير عندما يدب اليأس في نفس الشعب من عدم جدوى الحل
بالعمل السياسي والأمثلة كثيرة وحاضرة.