الزكاة </FONT>لغةً النمو والزيادة. وتُطلق بمعنى
الطهارة أيضًا، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ قد أفلح من تزكى﴾ الأعلى: 14 . فالزكاة سبب في نمو المال وزيادته، وسبب في طهارة المال وطهارة نفس الغني من الشح، وطهارة المجتمع من الجريمة كما سنرى ذلك عند الحديث عن آثار الزكاة الاجتماعية والاقتصادية. والزكاة شرعًا: إخراج جزء من المال الذي بلغ النصاب لمستحقه. انظر:
الإسلام(أركان الإسلام).
مشروعيتهاالزكاة ركن من أركان الإسلام فرضها الله في السنة الثانية من الهجرة على كل مسلم ملك النصاب، والأدلة على وجوبها قول الله سبحانه: ﴿ وأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة ﴾ البقرة: 43. وقوله سبحانه: ﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكّيهم بها ﴾ التوبة: 103. وقوله سبحانه: ﴿ وآتوا حقه يوم حصاده﴾ الأنعام: 141. وقول الرسول ³ وسلم ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام
الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) متفق عليه. وقول النبي ³ لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن ( إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُردُّ في فقرائهم ) متفق عليه.
أنواعهاالصدقة الواجبة (الزكاة). الزكاة الشرعية تسمى في القرآن والسنة صدقة، قال الماوردي في الأحكام السلطانية: ¸الصدقة زكاة، والزكاة صدقة، يفترق الاسم ويتفق المسمى·. قال تعالى: ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها﴾ التوبة: 103.
وهي الزكاة الواجبة شرعًا، وقال تعالى: ﴿ ومنهم من يلمزُك في الصدقات فإن أُعطُوا منها رَضُوا وإِن لَّم يُعطَوا منها إذا هم يسخطون وهؤلاء هم الذين ﴾ التوبة: 58. يريدون نصيبًا في الزكاة الواجبة. وقال تعالى: ﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم﴾ التوبة: 60. والصدقات هنا المقصود بها الزكاة الواجبة والآية تحدد مصارف الزكاة.
الصدقة التطوعية. ذهب بعض الصحابة إلى أن في المال حقًا سوى الزكاة جاء ذلك من عمر، وعلي، وأبي ذر، وعائشة، وابن عمر، وأبي هريرة. وقد استندوا إلى قول الله تعالى: ﴿ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام
الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ﴾ البقرة: 177.
قال المفسرون: آتى المال على حبه تعني الصدقة التطوعية لأنه لايمكن أن تتكرر الزكاة في الآية نفسها مرتين، وقد وردت في قوله تعالى: ﴿ وآتى الزكاة والموفون بعهدهم ﴾ . وقد أشار بعض أهل العلم إلى أن هذا التفسير هو الأرجح .
صدقة الفطر. شُرعت في السنة الثانية للهجرة في السنة نفسها التي فرض فيها صوم رمضان ـ أي قبل الزكاة ـ وهي واجبة على المسلم يخرجها للفقراء حتى يغنيهم عن ذل السؤال يوم العيد، وهي طهرة للصائم مما حصل من لغو أو رفث في صيامه لحديث ابن عباس قال: (فرض رسول الله ³ زكاة الفطر طهرة للصائم عن اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل
الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد
الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن. وكما جاء في هذا الحديث فإنها لا تُجزِئ بعد صلاة العيد بل يجب أن يخرجها المسلم قبل صلاة العيد. وإن أخرجها قبل يوم العيد ببضعة أيام أجزأه ذلك. ومقدارها صاع من قوت البلد يخرجه المسلم عن نفسه ويخرج صاعًا عن كل من يعول من زوجة وأولاد صغار، لما رواه ابن عمر قال: (فرض رسول الله ³ زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ) متفق عليه. وقد أجاز بعض الفقهاء أن يُقدَّر هذا الصاع بمال نقدي حسب سعر العصر ويُخرج للفقير هكذا.
انظر أيضًا:
الاقتصاد الإسلامي، نظام.
وعاء الزكاة وشروطهجعل الإسلام في كل صنف من أصناف الأموال زكاة إذا توافرت في ذلك الصنف شروط أداء الزكاة منفصلاً عن بقية الأصناف. وهذا ما وصلت إليه أحدث النظريات العلمية في مجال تطبيق الضرائب كمبدأ تعدد الضريبة على رأس المال والدخل وإعفاء الحد الأدنى من الدخل. وذلك خلافًا للنظريات القديمة التي كانت تأخذ ضريبة موحدة مفروضة على أصل الثروة والتي واجهت انتقادات كثيرة من المفكرين الاقتصاديين. إضافة إلى تذمر الغني الذي كان يشعر أن الضريبة تشكل عبئًا كبيرًا عليه. وفائدة جعل كل صنف من أصناف الزكاة مستقلاً سواء أكانت أموالاً نقدية أم أموالاً عينية أنها لا تشعر الغني بثقل ما طلب منه من جهة، وتحقق العدالة في تحديد الحد الأدنى لذلك المال الذي تجب فيه الزكاة بحيث يدخل صاحبه في زمرة الأغنياء، ثم جعل نسبة على كل صنف من أصناف الزكاة تختلف عن الأخرى، فالأرض الزراعية لا زكاة عليها مع أنها مصدر الإنتاج، والزكاة فقط على الخارج منها، لذا كانت نسبة الزكاة على المزروعات والثمار الخارجة من الأرض أكثر من نسبة الزكاة في عروض التجارة، حيث تجب الزكاة فيها على رأس المال والربح. وفيما يلي الأموال التي تجب فيها الزكاة:
الذهب والفضة. نصاب الذهب عشرون مثقالاً ونصاب الفضة مائتا درهم أي أن المسلم لو ملك عشرين مثقالاً من ذهب أو مائتي درهم من فضة فقد ملك النصاب ووجب في هذا الزكاة إذا توافرت بقية الشروط. ومقدار زكاة الذهب والفضة ربع العشر، أي 2,5% لقول النبي ص ( إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء ـ يعني في الذهب ـ حتى يكون لك عشرون دينارًا فإن كانت لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول ففيها نصف دينار ) رواه أبو داود بإسناد حسن. والأوراق النقدية كالذهب والفضة نصابها 2,5%.
الأنعام. تشمل الأنعام الإبل والبقر والغنم. فتجب الزكاة في الإبل إذا بلغت خمسًا ولا زكاة فيما دون خمس من الإبل لقول النبي ص ( ليس فيما دون خمس ذَوْد صدقة ) متفق عليه. ويخرج عن كل خمس من الإبل جذعًا من الضأن أو ثنيًا من المعز، فإذا بلغت الإبل خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض ـ وهي التي أتمت السنة من الإبل ودخلت في الثانية.
وتجب الزكاة في البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة ومقدار الإخراج فيها تبيع (وهي البقرة التي أتمت السنة ذكرًا كانت أم أنثى) وتجب الزكاة في الغنم سواء أكانت ضأنًا أم معزًا، في كل أربعين شاة شاة. ودليل وجوب الزكاة في أصناف النعم الثلاثة المذكورة زكاتها قول النبي ص ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ماكانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها كلما نفذت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس ) متفق عليه.
عروض التجارة. يقصد بعروض التجارة ما أعد للتجارة ما عدا النقدين من الذهب والفضة والأوراق النقدية كالأمتعة على اختلاف أنواعها والثياب والعقار والحيوان والزروع مما أعد للتجارة. ونصاب عروض التجارة نفس نصاب النقدين.
المعادن. ويقصد بها المعادن الموجودة في باطن الأرض والركاز ـ أي الكنز ـ وقدر زكاة المعادن الخارجة من الأرض ربع العُشر، وقدر زكاة الركاز الخمس، ونصاب المعادن نفس نصاب النقدين ـ الذهب والفضة ـ ورغم أن المعادن والركاز تشتركان في أن كلاً منها مال مدفون تحت الأرض إلا أن جمهور الفقهاء ـ خلافًا للحنفية ـ يفرقون بينهما في نسبة الزكاة، فالمعدن: ما خلقه الله من ذهب أو فضة أو نحاس أو رصاص أو حديد في باطن الأرض، ويحتاج إخراجه إلى جهد. والركاز: المال المدفون في الأرض سواء كان ذهبًا أو فضة أو غيرهما.
الزروع والثمار. وزكاة الزروع والثمار واجبة لقوله تعالى: ﴿ وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ الأنعام: 141. ونصاب الزروع والثمار خمسة أوسق لحديث النبي ³ ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) متفق عليه. والوسق ستون صاعًا لما روي من قول أبي سعيد الخدري ( الوسق: ستون صاعًا ) رواه ابن أبي شيبة في المصنف. ومقدار زكاة الزروع والثمار العشر إن كانت الأرض تسقى بماء السماء، ونصف العشر إن كانت الأرض تسقى بالنضح لحديث النبي ³ ( فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريًا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر ) رواه البخاري. والعَثَري: هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي.
حلي المرأة. لا تجب الزكاة على حلي المرأة إن اتخذته للزينة في الراجح، وأما إن قصدت إدخاره فتجب فيه الزكاة لأن الزينة من حاجات المرأة، ولأنه غير معدٍّ للنماء ويختلف عن الدنانير الذهبية المضروبة، فإنها معدة للنماء بخلاف الحلي، مع ملاحظة أن الله خلق الذهب والفضة أثمانًا للأشياء لا لتعطيلهما والإسراف في اتخاذهما زينة لأن الذهب والفضة من أهم الأموال، والمال خلقه الله لتقوم به حياة الناس، فله وظيفة اجتماعية لا يجوز أن نعطلها فإن حياة الناس تقوم بالمال، قال تعالى: ﴿ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا﴾ النساء: 5. أي تقوم به حياتكم.
شروط الزكاة. للزكاة شروط هي: 1- أن يبلغ المال النصاب. فإذا لم يبلغ المال النصاب لا تجب فيه الزكاة. 2- أن يحول على ملك المسلم للمال حول ـ أي سنة ـ وهذا شرط في إخراج زكاة النقدين والأنعام وعروض التجارة. أما الزروع والثمار والمعادن والركاز فلا يشترط أن يحول عليها الحول حتى تجب فيها الزكاة لقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ﴾ البقرة: 267. 3- أن يكون المال معدًا للنماء لا لسد الحاجة، فكل من ملك مالاً ـ وإن عظم ثمنه ـ لا تجب فيه الزكاة ما لم يكن معدًا للنماء باستثناء النقدين، فإنهما أموال نامية بنفسها فمن ملكها وجب عليه أن يزكيها وإن لم ينمِّها.
مصارف الزكاة مصارف الزكاة ثمانية بيَّنها قوله تعالى: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم﴾ التوبة: 60. ولا يشترط استيعاب الأصناف الثمانية ويجوز صرفها لصنف واحد من هذه الأصناف بدليل حديث الرسول ³ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه ( فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ..) متفق عليه. فالرسول ³ لم يذكر إلا صنفًا واحدًا في الحديث وهم الفقراء. وفيما يلي تعريف بكل صنف من هذه الأصناف.
الفقراء. الفقير من ليس له مال ولا كسب يكفيه، حتى ولو كان صحيح الجسم. انظر:
الفقير.
المساكين. المسكين من كان أحسن حالاً من الفقير لكن كسبه لا يكفيه، فالفقير أسوأ حالاً من المسكين بدليل قوله تعالى: ﴿أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر﴾ الكهف: 79. فسمى الله سبحانه من يملكون السفينة مساكين وقد كانت لا تكفيهم فانطبق عليهم هذا الوصف وإن كانوا يملكون شيئًا.
العاملون عليها. يعطى جباة الزكاة من أموال الزكاة أجرة على ما يقومون به من عمل ولو كانوا أغنياء.
المؤلفة قلوبهم. وهم صنفان: مسلمون حديثو عهد بالإسلام انقطعوا بسبب إسلامهم عن أسرهم فيعطون من الزكاة ليتقوى إسلامهم. والنصف الآخر قوم من الكفار يعطون من الزكاة تأليفًا لقلوبهم ليسلموا أو دفعًا لشرهم. وقد ثبت في رواية مسلم أن النبي ³ أعطى أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس وعباس بن مرداس، كل واحد منهم مائة من الإبل وأعطى أيضًا علقمة بن علاثة من غنائم حنين.
في الرقاب. وهم العبيد يعطون من أموال الزكاة لإعانتهم على التحرر من الرق والعبودية. وقد حرص الإسلام على تحرير الرقيق بوسائل شتى. فقد جعلهم صنفًا من أصناف مستحقي الزكاة وجعل كفارة بعض الذنوب والمخالفات الشرعية إعتاق الرقيق ككفارة القتل الخطأ قال تعالى: ﴿ ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة﴾ النساء: 92. وكفارة الظهار وهو أن يمتنع الرجل عن قربان زوجته ويقول لها أنت عليّ كظهر أمي، فإذا أراد الرجوع عن قوله لزمه كفارة الظهار قال تعالى: ﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ المجادلة: 3. وكفارة اليمين قال تعالى: ﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمْانَ فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام﴾ المائدة: 89. وأمر الإسلام مالك الرقيق إذا طلب المكاتبة بتلبية طلبه، قال تعالى: ﴿ فكاتبوهم إنْ علمتم فيهم خيرًا ﴾ النور: 33. والمكاتبة طلب العبد من سيده أن يعتقه مقابل مبلغ من المال يدفعه العبد للسيد. وقبل كل شيء فقد ألغى الإسلام كل أسباب الرق ومنابعه ولم يقر إلا سببًا واحدًا وهو استرقاق الأسرى في الحرب، وكان ذلك من باب المعاملة بالمثل، فإن كل الأعراف السائدة في ذلك الزمان كانت تسترق المحارب. ومع أن الإسلام أجاز للحاكم استرقاق أسرى العدو من باب المعاملة بالمثل فإن هذا ليس واجبًا، فإن رأى الحاكم أن المصلحة في غير استرقاق الأسرى وجب عليه أن يفعل ما يحقق المصلحة للأمة، لذلك لم يسترق الرسول ³ الأسرى لا في فتح مكة ولا في معركة بدر، بل اختار ³ المن يوم فتح مكة فمنَّ على جميع المشركين المكيين باستثناء عشرة منهم، ومنَّ على أسرى معركة حنين من هوازن فأسلموا مع قائدهم مالك بن عوف، واختار الرسول ³ الفداء مع أسرى بدر بأن يُعلِّم كل أسير عشرة من المسلمين.
الغارمون. الغارم المدين سواء استدان المال لنفسه أم لغيره لإصلاح ذات البين بين الناس. ويعطى الغارم من أموال الزكاة و لو كان غنيًا إن كان الدين الذي عليه بسبب الإصلاح بين الناس. وذلك لحديث النبي ص ( لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل له جار مسكين فتُصُدِّق على المسكين فأهداها المسكين للغني ) رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح.
في سبيل الله. وهم الغزاة المجاهدون في سبيل الله المتطوعون في جهادهم، أي أنهم لا يتقاضون راتبًا من الدولة، من أموال الزكاة ولو كانوا أغنياء، فيُشترى لهم السلاح ويُؤمَّن لهم الطعام وكل ما يحتاجون في الغزو إلى أن يعودوا إلى ديارهم من أموال الزكاة.
ابن السبيل. هو المسافر الذي انقطع عن بلده وأهله وليس لديه مال يعينه على الوصول إلى أهله فيعطى من أموال الزكاة ما يعينه على الوصول إلى أهله وإن كان غنيًا في بلده.
المبادرة بإخراج الزكاةالواجب على المسلم أن يسرع في إخراج زكاته إذا توافرت الشروط. وقد كان هذا منهج الرسول ³. فعن عقبة بن الحارث قال: صلّيت مع رسول الله ³ العصر؛ فلما سلَّم أسرع فدخل على بعض نسائه ثم خرج، ورأى ما في وجوه القوم من تعاجبهم لسرعته قال ( ذكرت وأنا في
الصلاة تبرًا عندنا فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته ) رواه البخاري. وإذا كان يعلم المسلم فقيرًا لا يستطيع أن يدفع له الزكاة في الحال لبعده عنه أو غيابه فيجوز تأخيرها. ويفضل أن يفصلها المسلم عن ماله حتى لا تخالطه فيقع في المحظور المذكور في الحديث وهو هلاك المال.
دور الدولة في جمع الزكاة إن فكرة تدخل الدولة لصالح الفقراء وإجبار الأغنياء على دفع مبلغ معين من أموالهم للفقراء لم تكن موجودة قبل الإسلام، لذلك تعتبر فريضة الزكاة في الإسلام ـ وهي حق للفقراء في مال الأغنياء يأخذه الفقير لأن الله فرضه له لا منَّة ولا إحسانًا من الغني ـ فكرة رائدة في تاريخ المجتمع الإنساني أعطت الفقير حقه في أموال الأغنياء. وبقي الفقراء في غير المجتمع الإسلامي يعيشون تحت رحمة وإحسان الأغنياء إن شاءوا أعطوهم وإن شاءوا لم يعطوهم وذلك في كل أنحاء العالم، ولم يلتفت أحد في العالم إلى ضرورة إلزام الأغنياء بدفع شيء من أموالهم لصالح الفقراء إسهامًا في حل المشكلة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الفقراء إلا بعد حوالي ألف سنة من فريضة الزكاة؛ حيث صدر في بريطانيا قانون في سنة 1601م سمَّوه
قانون الفقراء وعيِّن الأشخاص الذين يستفيدون منه، وهم الرجال والنساء والأطفال والعجزة والعميان والعرج والمسنون والمسجونون إلى الأبد، ثم اقتبست أمريكا هذا القانون من إنجلترا فسنَّت قانون جمع الأموال من الأغنياء لتوزيعها على الفقراء.
ولقد حقق نظام الزكاة في الإسلام أهدافه بشكل رائع في المساعدة على محو ظاهرة الفقر. وتروي لنا كتب التاريخ أن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي (99 - 101هـ ) لم يجد من يأخذ أموال الزكاة نتيجة لحسن الجمع وحسن التوزيع، فقد أغنى الفقراء. وهنا لابد من الإشارة إلى فكرة مراقبة الله سبحانه، فالإسلام يعتمد على إيقاظ الوازع الديني عند أفراده الذي يتمثل في ضرورة مراقبة الله وخشيته في السر والعلن لأنه يرانا ويسمعنا قال الله تعالى: ﴿ وهو معكم أينما كنتم﴾ الحديد: 4. وقال الله تعالى: ﴿ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴾ غافر: 19. وفي الحديث (
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) رواه مسلم. فمن أعطي من الزكاة وهو غني لابد أن يعيدها لأن الله يعلم سره وعلانيته، كما حذر النبي أن أموال الزكاة لا تحل للأغنياء، فقال عليه
الصلاة والسلام لرجل جاء يطلب من أموال الزكاة اسمه قبيصة: ( إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش أو قال سدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه أي قائلين: لقد أصابت فلانًا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش أو قال سدادًا من عيش، فما سواهن من المسألة ياقبيصة سحتًا يأكلها صاحبها سحتًا ) رواه مسلم. والحمالة: المال الذي يستدينه الإنسان. والجائحة: الآفة التي تهلك الثمار والأموال، وحتى يصيبها ثم يمسك: أي إلى أن يجد ما يؤدي ذلك الدين، وقوامًا من عيش أو سدادًا من عيش: بمعنى واحد وهو ما تسد به الحاجة ويُغني. كما حذر عليه
الصلاة والسلام من الطمع في أموال الأغنياء والسؤال لقصد جمع المال من غير حاجة، قال عليه
الصلاة والسلام: ( من سأل الناس أموالهم تكثَّراً فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر ) رواه مسلم.
عقوبة مانع الزكاة لمانع الزكاة عقوبة في الدنيا والآخرة. أما عقوبته في الدنيا فإن الحاكم يعزره ويأخذها رغمًا عنه، وللحاكم إذا رأى أن يأخذ من مانع الزكاة أكثر مما يجب عليه فله ذلك عقوبة له وزجرًا لغيره عن الوقوع في تلك المعصية لحديث النبي ³ ( في كل سائمة إبل، في أربعين بنت لبون، ولا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شيء ) رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم بإسناد حسن. وإذا منع الزكاة جماعة جحودًا لها وإنكارًا فللحاكم أن يقاتلهم ويعتبرهم مرتدين عن الإسلام كما فعل أبو بكر، فقد قاتل مانعي الزكاة وقال (والله لأقاتلن من فرّق بين
الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً ـ أي الحبل الذي يعقل به البعير ـ كانوا يؤدونه إلى رسول الله ³ لقاتلتهم على منعه) متفق عليه.
وأما عقوبة مانع الزكاة الأخروية فهي تعذيبه بهذا المال يوم القيامة وفي نار جهنم، قال تعالى: ﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم¦ يوم يحمَى عليها في نار جهنم فتُكْوَى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾ التوبة: 34، 35. والمراد بكنز المال في الآية عدم إخراج زكاته. وقال ³ مبينًا عقوبة مانع الزكاة ( ما من صاحب ذهب ولافضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) رواه مسلم. وقد ذكر الرسول ³ في الحديث السابق أن صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها فإنها تعضه يوم القيامة وتطؤه وتنطحه. عقوبة له لعدم أداء الزكاة عنها.
الآثار الاجتماعية والاقتصادية للزكاةأولاً: تظهر الآثار الاجتماعية للزكاة على الفقير وعلى الغني وعلى المجتمع. فالفقير الذي يأخذ الزكاة يستطهر قلبه من الحقد والحسد ويستشعر اهتمام الغني به وهذا يدفع الفقير إلى تمني زيادة المال عند الغني بدلا من زواله ليبقى حظه في ذلك المال، ولا يخفى ما في هذا من زيادة الألفة بين أفراد المجتمع والتآخي بدلاً من التدابر والقطيعة والبغضاء. والغني الذي يعطي من ماله إلى الفقير تتطهر نفسه من الشح والبخل فتعتاد نفسه البذل والعطاء للفقراء ولغيرهم مما يحقق التآلف والمحبة بين أفراد المجتمع.
وأما آثار الزكاة على المجتمع فكثيرة، منها: أن تجعل المحبة والتآلف يسودان بدلاً من الكراهية والنفور، ويسهم هذا الأمر في قطع دابر الجريمة والاستقرار الأمني في البلاد فلا يمكن أن تُحدِّث الفقير نفسه بسرقة مال الغني أو إتلافه مادام الغني يعطي الفقير حقه من الزكاة.
ثانيًا: الآثار الاقتصادية للزكاة. للزكاة آثار اقتصادية تظهر في النقاط الثلاث التالية:
عدم استثمار الغني ماله، والتزامه بأداء زكاته كل سنة يؤدي إلى نقصان هذا المال، وهذا يدفع الغني إلى استثمار أمواله بأي شكل من أشكال الاستثمار المباحة حتى لا ينقص هذا المال.
وجعل الإسلام الغارمين من مصارف الزكاة وهذا يشجع التجار على استثمار أموالهم بأنفسهم حتى إذا غرموا فإنهم يُساعَدون من أموال الزكاة. كما يشجع أصحاب الأموال على الائتمان ودفع أموالهم لمن يتاجر فيها إن كانوا عاجزين عن استثمارها بأنفسهم.
يُعطى من أموال الزكاة كل عاطل عن العمل غير واجد لأدوات مهنته، وهذا يشجع على الاستثمار ويقضي على البطالة ويسهم في حل المشكلة الاقتصادية، وقد نص الفقهاء "إن من كان خياطًا أو نجارًا أو قصابًا أو غيرهم من أهل الصنائع أعطي ما يشتري به الآلات التي تصلح لمثله، وإن كان من أهل الضِياع يعطى ما يشتري به ضيعة أو حصة في ضيعة تكفيه غلتها على الدوام".