الانتخاب

الانتخاب هو جوهر النظام الديمقراطي، كما أنه الوسيلة الوحيدة لإسناد السلطة السياسية في النظام الديمقراطي كونه المرجعية الأساسية في تحديد شرعية السلطة داخل المجتمع مثلما يشكل الأساس في تجسيد مفهوم السيادة الشعبية. أي حقه في حكم نفسه بنفسه عن طريق من يختاره لممارسة السلطة السياسية.


الانتخاب إذن يمثل مكنة المواطنين الذين تتوفر فيهم شروط قانونية للمساهمة في اختيار الحكام وفقاً لما يرونه صالحاً لهم. ولأهمية الانتخاب، فقد ثار جدل واسع بين فقهاء القانون حول التكييف القانوني له، فبينما رأى البعض في الانتخابات على أنه حق من الحقوق الذاتية للأفراد، نظر آخرون إليه باعتباره وظيفة اجتماعية أو وظيفة من الوظائف العامة. في حين وجد فريق ثالث في الانتخاب على أنه اختصاص دستوري يجمع بين الحق والوظيفة. ومن الطبيعي أن يكون لكل فريق من هذه الرؤى مبرراته وحججه التي يسوقها في هذا الخصوص. فأصحاب الفريق الأول الذين يرون في الانتخابات على أنه حق للمواطن سيتندون في ذلك إلى رؤية المفكر الفرنسي جان جاك روسو الذي يرى في التصويت حق لا يمكن انتزاعه من المواطنين، ووجهة النظر هذه تستند إلى الأخذ بمبدأ السيادة والانتخاب هو إحدى الطرق لممارسة هذه السيادة. ولهذا فإن ممارسة أو عدم ممارسة هذه الصلاحية تعود للفرد، فهو حر في أن ينتخب أو لا ينتخب. كما لا يجوز وفقاً لهذه الرؤية حرمان أحد وتحت أي تبرير عدا شرط الأهلية أو السن أو الجنسية.


أما الفريق الثاني الذي يرى في الانتخاب على أنه وظيفة فهو يستند على مبدأ سيادة الأمة وأن واجب كل فرد من الشعب أن يختار النواب الممثلين لهم ضمن مجموع واحد يعبر عن إرادتهم ويحقق مصالحهم. فالانتخاب هنا وظيفة وواجب دستوري. وعلى هذا الأساس فأن للأمة سلطتها من خلال إجبار وإلزام الناخبين على الانتخاب وجعل التصويت إجبارياً، بل تقرير العقوبات على من يتخلف في أداء وظيفة الانتخاب مثلما يجوز وضع بعض القيود مثل الشرط المالي أو الشرط العلمي.


ويجد فريق ثالث أن الانتخاب هو حق ووظيفة في آن معاً، فهو حق لأنه يؤكد على وجود بعض الحقوق الطبيعية للفرد وهو وظيفة لأنه يعني أن الانتخاب ليس اختياراً للفرد له أن يمارسه أو لا يمارسه بل هو إجباري على المواطن أداؤه وإلا تعرض للمسؤولية الجزائية التي تتمثل بغرامة مالية في أغلب الأحوال.
ويمكن القول، إن الانتخاب سلطة قانونية مقررة للناخب في ضوء القانون وأن الخلاف على عد الانتخاب حق أم وظيفة هو خلاف يقوم على اعتبارات سياسية قبل أن يكون خلافاً قانونياً.


إن الجانب الأوفر في عملية الانتخاب ينصب على الأسس والأساليب التي تتبناها الأنظمة السياسية لتحقيق الغاية الرئيسة من تبني الانتخاب لتحقيق الديمقراطية. ومن البديهي القول باختلاف هذه الأسس والأساليب، أحدهما الاقتراع المفيد والآخر الاقتراع العام. إن الأخذ بالأسلوب الأول (الاقتراع المفيد) يقضي بالضرورة إلى توفر شرطين رئيسيين هما شرط الثروة وشرط التعليم في الناخب. وبالنسبة لشرط الثروة نجد أن هناك نصاباً مالياً تحدده بعض القوانين الانتخابية للتمتع بحق الانتخاب وهو شرط يحرم جزء كبير من الشعب من ممارسة حقه السياسي لذلك بدأ هذا الشرط بالانحسار مع تقدم الوعي الديمقراطي. أما شرط التعليم فأنه يعني أن يكون الناخب على قسط معين من التعليم أو على الأقل معرفة القراءة والكتابة ليتمكن من الأداء بصوته بحرية. وهناك بعض القوانين ترفع سن الناخب الأمي لغرض عدم خداعه من قبل البعض. ويختلف الاقتراع العام عن الاقتراع المفيد، فهو لا يضع شروطاً كالتي يضعها الاقتراع المفيد. حيث يتزامن الاقتراع العام مع انتشار الديمقراطية وتوسيع قاعدة الناخبين. غير ان هذا المبدأ لا يتعارض مع بعض الشروط التنظيمية لأنه مهما بلغ التوسع في تقرير حق الانتخابات تبقى هناك فئات من المواطنين لا يمكن لها الاشتراك في الانتخابات كالأطفال والمجانين وفاقدي الأهلية. كما ان بعض القوانين تضع شروطاً أخرى لا تتنافى ومبدأ الاقتراع العام من هذه الشروط مثلاً شرط الجنسية فتقصر حق الانتخاب على الرجال والنساء من مواطنيها فقط. أو تضع شرط الجنس فتقصر حق الانتخاب على الرجال دون النساء وهذا الشرط تم تجاوزه في الوقت الحاضر في اغلب دول العالم. وهناك قوانين انتخابية تضع شرط السن فتحدد الناخبين بسن معينة مثلاً (20) أو (21) أو (25) سنة وهو ما يسمى بسن الرشد السياسي أي العمر الذي يبلغه الفرد ليصبح قادراً على مباشرة حقه في الانتخاب. أما الشرط الآخر فهو شرط الأهلية العقلية أي ان يكون الناخب متمتعاً بقواه العقلية وهو شرط صحيح لان المجنون لا يمكنه المشاركة في الانتخاب، وهناك قوانين انتخابية تضع شرطاً آخر هو الأهلية الأدبية أي أن يكون الناخب على قدر من النزاهة والشرف والاستقامة وهذا الشرط على الأغلب يتعلق بأولئك الأفراد الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية نتيجة ارتكابهم جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو حسن السمعة.
ونود الإشارة إلى إن البعض من قوانين الانتخابات في الدول تذهب إلى حرمان أو منع أو إيقاف العسكريين (الجيش والشرطة والاستخبارات والأمن والحرس) من الانتخابات بحجة منع تسلل السياسة إلى الجيش.


وواقع الحال، ان الانتخاب العام هو طريق تذوق الديمقراطية وهو ينسجم مع مبدأ الحرية والمساواة مثلما هو طريق لتربية الشعب تربية سياسية جيدة.
غير ان الانتخاب هو مجموعة من الإجراءات القانونية والإدارية التي تربط الناخبين والمرشحين لاختيار العدد المطلوب من مقاعد البرلمان ويجري ذلك بالطبع بناء على نص دستوري أو قاعدة تشريعية عادية. فكيف يكون ذلك؟
هناك أولاً تحديداً للدوائر الانتخابية، بمعنى تقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية لغرض انتخاب نائب أو اكثر من كل دائرة وهي الحالة المعمول بها في اغلب الدول الديمقراطية، ولكن مع ذلك لا يمنع من القول بوجود دولاً تكتفي بجعل البلاد كلها دائرة انتخابية واحدة كما حصل بالعراق في انتخابات كانون الثاني 2005 والحقيقة ان تقسيم الدولة إلى عدة دوائر انتخابية يجعل مهمة الناخب سهلة في اختيار نائبه إذا ما قورنت بنظام الدائرة الانتخابية الواحدة التي تجعل من الصعب التعرف على المرشحين كافة في أنحاء الدولة، كما إن الدائرة الواحدة تجعل الانتخاب اقرب إلى الاستفتاء السياسي الموجه.


ومن نافلة القول فإن تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية لا يعني بالضرورة تساوي هذه الدوائر بعدد ممثليها في البرلمان لان ذلك يتأثر بعدد سكان كل دائرة. وأيضاً فإن من ضمن الأعمال الإجرائية للانتخابات يأتي ضرورة إعداد الجداول الانتخابية والغرض منها هو بيان أسماء الناخبين وتحديدهم بدقة قبل موعد الانتخابات بمدة معينة. كما تحرص دساتير الدول على حماية مبدأ سلامة الانتخابات وأهم مبدأ من السلامة هو سرية الانتخاب والتصويت والمساواة بين المرشحين في الفرص الدعائية.
وفيما يتعلق بنظم الانتخابات نجد إنها تتعدد حسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل دولة ومدى انتشار الديمقراطية فيها. وعلى العموم يمكن لنا تلمس النظم التالية:


1.الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر، حيث يكون الانتخاب مباشراً عندما يقوم الناخبون بانتخاب النواب من بين المرشحين مباشرة وهو ما يسمى بالانتخاب على درجة واحدة، أما الانتخاب غير المباشر فهو الذي يتم فيه الانتخاب على درجتين حيث يقوم الناخب بانتخاب مندوبين ليقوم هؤلاء المندوبون بعد ذلك بمهمة انتخاب اعضاء البرلمان أو الحكام ولهذا فأنه قد يتم على ثلاث مراحل أو درجات عندما يقوم النواب بانتخاب الحكام.

2. الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة يكون الانتخاب فردياً عندما يتم تقسيم الدولة إلى عدة دوائر انتخابية لعدد النواب المراد انتخابهم بحيث يكون لكل دائرة انتخابية نائب واحد ولا يجوز للناخبين ان ينتخبوا اكثر من مرشح واحد أما الانتخاب بالقائمة فهو النظام الذي يميل إلى تقليص عدد الدوائر الانتخابية مع تخصيص عدد من النواب يجري انتخابهم في قائمة اسماء المرشحين وفقاً للعدد الذي يحدده قانون الانتخاب ويمكن الأخذ بالقائمة المغلقة عندما يطلب من الناخبين التصويت على القائمة كلها دون تغيير أو تعديل كما جرى في الانتخابات العراقية الأخيرة، في حين توجد قوانين انتخابية تعطي الناخب الحق في تشكيل قائمته هو من اسماء يتم اختيارهم من عدة قوائم.


3. نظام الانتخاب بالأغلبية ونظام التمثيل النسبي وهذان النظامان يتعلقان بنتيجة الانتخاب وليس بإجراء التصويت فنظام الأغلبية يقوم على مبدأ أساس ضمان فوز المرشحين ممن حصلوا على اغلبية الأصوات في الدائرة الانتخابية ويترك الباقون وهذا النظام جائز في ظل الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة فإذا كان الانتخاب فردياً فاز المرشح الذي جمع أكثر الأصوات بغض النظر عن عددها أما إذا كان الانتخاب بالقائمة فالفوز من حصة القائمة التي حصلت على أكثرية الأصوات غير ان نظام الأغلبية يمكن ان يتم بصورتين الأولى ما تسمى بالأغلبية المطلقة هي التي تشترط للفوز الحصول على اكثر من نصف الأصوات للناخبين أي (50%+1) وإذا لم يتم ذلك يعاد الانتخاب ولذلك يسمى هذا النظام بنظام الأغلبية المطلقة، أما نظام الأغلبية النسبية أو البسيطة فهو نظام اكثرية الأصوات لأنه يعني ان المرشح الذي حصل على أكثر الأصوات وبغض النظر عن عدد الأصوات هو الذي يعد فائزاً ولذلك يسمى هذا النظام بنظام الجولة الواحدة. ويعد نظام التمثيل النسبي صالحاً لتمثيل الاقليات والأحزاب الصغيرة في المجالس النيابية لأن المقاعد النيابية توزع في كل دائرة على الأحزاب بنسبة عدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب أو قائمة وهو يصلح لنظم التعددية الحزبية على ان هذا النظام يتميز بخاصية عدم الاستقرار السياسي خاصة وأن الحكومات التي تتشكل تكون ذات سمة ائتلافية ومعروف ان الائتلافات في تشكيل الحكومات تخضع لمساومات قد تكون مرضية لكل الأطراف فتعرض عندها للانهيار مما يؤثر على حالة الاستقرار السياسي الذي ينبغي ان يسود المجتمع. وأخيراً نقول ان الديمقراطية ونظمها الانتخابية وأساليب تطبيقها ليست هي الغاية في حد ذاتها بقدر ما تعني أسلوباً للحكم غايته تحقيق الصالح العام وإذا لم تنجز الديمقراطية هذا الهدف فلا خير فيها ولا حاجة لنا بها.