المناخ

المناخ
تعكس تقارير العلماء وخبراء المناخ توقعات مفزعة بشأن مواجهة كوكب الأرض، لعواقب وخيمة اثر ظاهرة الاحتباس الحراري والجفاف والفيضانات، وارتفاع مستويات البحار وذوبان الأنهار الجليدية والعواصف. ويقول العلماء ان ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى هجرة جماعية لمن يطلق عليهم «لاجئو المناخ» للمطالبة باتخاذ خطوة إزاء خطر التغير المناخي. وكان قد التقى في جزيرة بالي بإندونيسيا، ممثلين عن مائتي دولة، إلى جانب عديد من الناشطين في مجال حماية البيئة على مدى أسبوعين في قمة المناخ في بالي، بإشراف منظمة الأمم المتحدة بغرض التوصل إلى حل بشأن التغيرات المناخية التي لم يسبق لها مثيل. وحضر قمة بالي ما يزيد على عشرة آلاف دبلوماسي وصحافي ومختص في شؤون البيئة، للمشاركة في المفاوضات الشائكة حول الاحتباس الحراري. وعلى الرغم من أن النتيجة النهائية كانت ايجابية، اثر اجماع الدول المشاركة على تبني اتفاق يمهد الطريق للتفاوض بشأن اتفاق جديد، يهدف إلى تقليل كميات الغازات المنبعثة خلال العامين المقبلين، فقد كانت هناك لحظات ساد خلالها شعور بأن القمة على وشك الوصول إلى طريق مسدود. وكانت الولايات المتحدة، إلى جانب كندا واليابان، من ضمن مجموعة صغيرة من الدول الغنية غير الأوروبية التي استمرت في رفض تسوية مقترحة حتى اليوم الأخير من القمة، علما ان الولايات المتحدة قد رفضت مسبقا اتفاقية كيوتو للحد من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون.
وبرزت انتقادات قوية ضد هذه الدول من قبل المشاركين في مؤتمر بالي، واتهم نائب الرئيس الاميركي السابق آل غور الفائز بجائزة نوبل لجهوده في التوعية على مخاطر التغيير المناخي، الولايات المتحدة علنا بالمسؤولية تجاه محاولة عرقلة التوصل إلى اتفاق في قمة بالي. لكنه أشار إلى ان مغادرة الرئيس جورج بوش البيت الأبيض مطلع عام 2009، سيزيد من فرص احتمال ان يكون للرئيس الاميركي المقبل، موقف مؤيد لخفض كميات الغازات المنبعثة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. إلا ان السؤال المهم هنا هو ما الذي جعل الولايات المتحدة تتراجع عن موقفها المتشدد السابق وتوافق على الجلوس حول طاولة المفاوضات؟ وأشارت تقارير إعلامية وشهود عيان إلى ان السبب الذي دفع الولايات المتحدة لذلك، هو تعليق لعضو وفد من جزيرة صغيرة مثل بابوا غينيا، قال للاميركيين في المؤتمر: «كنا نسعى إلى قيادة الولايات المتحدة لمواجهة تحديات التغير المناخي، ولكن إذا لم تكن لديكم الرغبة، لسبب ما، في قيادة هذه الجهود، فمن الأفضل ان تغادروا وتتركوا الأمر لنا. ابتعدوا من الطريق إذا سمحتم». وقوبل تعليق هذا العضو بعاصفة من التصفيق، واضطر الوفد الاميركي، الذي اعترته الدهشة، إلى الانضمام إلى بقية الأطراف المشاركة في اليوم الأخير للقمة. وقال وزير العلوم والبيئة الهندي كابيل سيبال، ان القمة كانت تبدو حتى آخر لحظة وكأنها على وشك الانهيار. وأضاف قائلا ان من ضمن الأسباب التي أدت إلى تغير الموقف الاميركي في بالي ضغط الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة بهدف حملها على خفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة تتراوح بين 25 و40 في المائة بنهاية عام 2020. ويمكن القول ان الجو العام للمؤتمر تحسن عقب تهديد الدول الأوروبية بمقاطعة قمة للمناخ بقيادة الولايات المتحدة في هاواي الشهر المقبل. وكانت الولايات المتحدة قد وجهت الدعوة إلى 16 دولة، بما في ذلك الدول الأوروبية، بالإضافة إلى اليابان والصين الهند بغرض مناقشة برنامج بشأن تقليص انبعاث الغازات.

المفاوضون الاميركيون ضغطوا من جانبهم ايضا بغرض حمل الدول النامية، بما في ذلك الاقتصادات الناشئة العملاقة مثل الصين والهند، على الموافقة على خفض كمية الغازات المنبعثة. ولاحظ مراقبون ان الدول النامية، وهو تعريف غير واضح يضم دولا مثل الصين وكوستاريكا، ظلت خلال المؤتمر متمسكة بموقفها الرافض لقبول فرض قيود على نسبة انبعاث غازاتها، واستندت هذه الدول في موقفها إلى ان الدول الغنية مسؤولة عن 70 في المائة من الكربون المنبعث منذ بداية الحقبة الصناعية (يبقى ثاني أكسيد الكربون في الجو لفترة 200 سنة). وتتخوف البلدان النامية من أنها ستجبر على التضحية بنموها الاقتصادي لصالح تنظيف الخراب الذي تسبب فيه العالم الصناعي. مع ذلك فإنها ستعفى خلال السنوات القليلة المقبلة، لكنها لاحقا سيتم تقييدها إلى عقد خاص بالمناخ موقع عليه من جميع الأطراف.

لكن البلدان النامية تظل حتى مع زيادة حجم التلوث الذي تقوم به تحت مستوى ما تفعله البلدان الغنية. وهي في الوقت نفسه أكثر تضررا بالتلوث. وهناك بروتوكول كيوتو الذي وقع بعد مؤتمر 1997 في اليابان، تحت إشراف الأمم المتحدة لكن منذ ذلك الوقت لم يتحقق سوى تقدم ضئيل وهذا بفضل الرئيس بوش بالدرجة الأولى الذي ظل معاندا للقيام بأي إجراء امام التغيرات المناخية. وبحسب الاتفاق فإن الدول الست والثلاثين التي تعتبر الأكثر بعثا للغازات إلى الغلاف الجوي ستخفض منها بنسبة ثابتة قبل انتهاء عام 2012. وحتى الآن استثنيت البلدان النامية من هذا الالتزام.

وتطرح خطة الطريق التي تمت الموافقة عليها في بالي، جدولا زمنيا وأجندة لمناقشات جديدة تتعلق بالمناخ خلال العامين المقبلين للتوقيع على اتفاق يغطي فترة ما بعد 2012. وستتم المصادقة على الاتفاقية في كوبنهاغن خلال عام 2012 كي تحل محل معاهدة كيوتو الحالية. وفي الاتفاق الجديد سيكون على البلدان النامية أيضا، مثل الهند والصين واللتين تتمتعان بمستوى متزايد من بث الغازات إلى الجو، الالتزام بالاتفاقية حيث ان عليهما أن يتعهدا بتقليص الغازات المبثوثة منهما.

وبحسب اتفاق مؤتمر بالي، فإن الأمم المتحدة ستطلق برنامجا لدعم الدول الفقيرة ماليا كي تتحمل الخراب الناجم عن التغيرات المناخية، مثل ارتفاع مستوى مياه البحار أو الجفاف. ولصندوق التكيف حاليا مبلغ 36 مليون دولار، لكن من المتوقع أن يرتفع رصيده إلى 5 مليارات دولار قبل انتهاء عام 2030 إذا برز الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء داخل البلدان النامية. كذلك هناك حديث عن مخطط للدفع مقابل الحماية واسمه REDD، وهذا سيسمح من عام 2013 للبلدان الفقيرة أن تبيع حصصها من الكربون المبثوث مقابل عدم حرق الغابات الاستوائية فيها. وقدر تقرير أن المبيعات لهذه الائتمانات المتعلقة بالكربون أن تصل إلى 15 مليار دولار في السنة.

وحسب المجلس الحكومي المتعلق بتغيرات المناخ والتابع للأمم المتحدة والمعروف باسم IPCC فإن «درجات حرارة أكثر ارتفاعا يعني تبخرا أكبر للمياه إلى الهواء وزيادة الجفاف بينما في الوقت نفسه سيتسبب في فيضانات حينما يهبط إلى الأرض في شكل عواصف مطرية حادة لكي يتبخر مرة أخرى بسرعة. والتأثير الأكثر سوءا هو على البلدان النامية. فسيكون هناك قحط في أفريقيا ما تحب الصحراء، وزيادة في نقص المياه بالشرق الأوسط وزيادة في مستويات البحار وهذه ستؤدي إلى إغراق الملايين خصوصا في جنوب آسيان في بلدان مثل بنغلاديش وفيتنام».