إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأصلي وأسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أما بعد ..
عندما انقضت قوات وجحافل أحفاد القردة والخنازير على قرى الضفة الغربية في العام الماضي وأحدث تنعي في القتل والتشريد والاعتداء على الحرمات والأعراض صاح المغفلون في كل مكان أين احترام المعاهدات أين بنود اتفاقية أوسلو ؟ أين سلام الشجعان [القطعان] ؟ وأخذ العملاء والخونة يروجون أن السلام هو الخيار الوحيد المطروح لحل القضية الفلسطينية، وأن أهل فلسطين ليس لهم سبيل للأمن والأمان والرخاء إلا بالسلام وأنهم لن يحصلوا على حقوقهم بالسلام، وعرفات يتم محاصرته عدة أشهر في رام الله ثم يخرج من الحصار [مثل الفأر المذعور] فيقول نحن مصرون على التمسك بالسلام !
رغم أن الآلة العسكرية للصهاينة ما زالت تتفنن في التمثيل والترويع والتقتيل للمسلمين هناك وما حدث بجنين ليس ببعيد، ولهؤلاء العملاء والخونة، ومعهم المغفلون ولكل مسلم يظن أن الأقصى سيتحرر بالسلام نهدي إليه تلك القصة من لباب الكتب لتبين المصير الذي ينتظر الجميع من معاهدات السلام مع أعدى أعداء الإسلام .
عندما وصلت دولة الإسلام بالأندلس لمرحلة الاحتضار النهائي، وبلغت الروح الحلقوم كانت غرناطة هي معقل الإسلام الأخير، والتي ضرب عليها الصليبيون الأسبان حصارًا شديدًا طيلة سبعة أشهر حتى فنيت الأقوات ومن قبلها العزائم والهمم عدا رجل واحد لم تفنى عزيمته وإرادته وإيمانه بالله عز وجل هو فارس غرناطة موسى بن أبي الغسان الذي حاول أن يثير العزائم ويوقظ الهمم من أجل الدفاع عن المدينة حتى الموت، وعدم الموافقة على تسليمها بالسلام لأعداء الإسلام وقام أمير غرناطة أبو عبد الله بدعوة أكابر الجماعة بالبلد في قصر الحمراء للتباحث في الموافقة على شروط تسلمي البلد للصليبيين واسمع للرواية التاريخية المؤثرة التي تصف ما جرى .
[اجتمع الزعماء في بهو الحمراء ليوقعوا عهد التسليم وليحكموا على دولتهم بالذهاب، وعلى أمتهم بالفناء والمحو عندئذ لم يملك كثير منهم نفسه من البكاء والعويل، ولكن موسى بن أبي الغسان لبث وحده صامتًا عابسًا ثم قال وهو يستثير عزائمهم [اتركوا العويل للنساء والأطفال فنحن رجال لنا قلوب لم تخلق لإرسال الدمع ولكن لتقطر الدماء، وإني لأرى أن روح الشعب قد خبت حتى ليستحيل علينا أن ننقذ غرناطة، ولكن ما زال ثمة بديل للنفوس النبيلة ذلك هو موت مجيد، فلنمت دفاعًا عن حرياتنا وانتقامًا لمصائب غرناطة، وسوف تحتضن أمنا الغبراء أبناءها أحرارًا من أغلال الفاتح وعسفه، ولئن لم يظفر أحدنا بقبر يستر رفاته فإنه لن يعدم سماء تغطيه وحاشا لله أن يقال إن أشراف غرناطة خافوا أن يموتوا دفاعًا عنها].
ثم صمت موسى وساد المجلس سكون الموت وعندها قال الأمير الخائر الضعيف أبو عبد الله وصاح [الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا راد لقضاء الله تالله لقد كتب عليّ أن أكون شقيًا وأن يذهب الملك على يدي] وصاحت الجماعة على أثره [الله أكبر ولا راد لقضاء الله] وكرروا جميعًا أنها إرادة الله، ولتكن ولا مفر من قضائه ولا مهرب] لاحظ استخدام القضاء والقدر في تبرير خوفهم وجبنهم عن نصرة الإسلام وحالهم كحال الجبرية الذين يقولون إننا مجبرون على المعاصي] .
وعندما رأى موسى بن أبي الغسان أن محاولاته ذهبت أدراج الرياح نهض مغضبًا ثم قال لهم مقولته الشهيرة.
نبوة موسى : قال لهم [لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم إن الموت أقل ما نخشى فأمامنا نهب مدننا وتدميرها تدنيس مساجدنا وتخريب بيوتنا وهتك نسائنا وبناتنا وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي والسياط والأغلال وأمامنا السجون والأنطاع والمحارق، هذا ما سوف نعاني من مصائب وعسف وهذا ما سوف تراه على الأقل تلك النفوس الوضيعة التي تخشى الآن الموت الشريف أما أنا فوالله لن أراه] .
بطل حتى النهاية :
لله درك يا موسى عندما بررت بيمينك فلم تراه، خرج موسى غاضبًا من مجلس المهانة والضعف والخور دون أن يرمق أحدًا أو يفوه بكلمة ثم ذهب إلى داره وغطى نفسه بسلاحه واقتعد جواده المحبوب [غارب]، واخترق شوارع غرناطة حتى خرج منها إلى معسكر الجيش الصليبي فلقيته سرية منهم مكونة من خمسة عشر فارسًا على ضفة نهر [شنيل] فانقض موسى عليهم كالأسد، وأخذ يمضي فيهم طعنًا وضربًا وأثخنته الجراح، ولكنه استمر في القتال كأنه ما يشعر بالألم جراحاته،كثيرة وكانت ضرباته ثائرة قاتلة، وهكذا لبث يبطش بالفرسان الصليبيين حتى أفنى معظمهم غير أنه أصيب في النهاية بجرح خطير ثم قتل جواده فسقط على الأرض، ولكنه ركع على ركبتيه واستل خنجره وأخذ يناضل عن نفسه حتى الرمق الأخير، ولم يرد أن يقع أسيرًا في يد خصمه بل رضي بالشهادة والقتال حتى مات رحمه الله .
ولا عزاء لأشباه الرجال ولا رجال في زمان ضاع فيه أبطال النضال