ويذكر المؤرخون ان السلطان سليمان عندما كان وليا للعهد كان يمنّى نفسه بفتح بلجراد التى عجز أجداده ( مراد الثانى , محمد الفاتح , بايزيد الثانى ) من فتحها !!
توجه السلطان سليمان القانونى على رأس جيش عرمرم مكوّن من كتائب الإنكشارية الذين ما ان يسمع النصارى فى أوروبا باسمهم يأخذ الرعب منهم كل مأخذ وترتعد فرائصهم ,ومزود بأعتى المدافع والأسلحة يمدهم 3 آلاف جمل محمل بالأسلحة و30 ألف جمل محمل بالمهمات وسفن تحمل الخيول و50 سفينة حربية و مئات من المدافع العملاقة الفتاكة التى كانت فخر الجيوش الإسلامية ..
وبالفعل يبدأ السلطان سليمان فى حصار قلعة بلجراد , وبعد شهرين ونصف من الحصار تسقط قلعة بلجراد فى 2 رمضان 927هـ , ثم دخل السلطان سليمان القانونى المدينة نفسها فاتحاً يوم 26 رمضان 927هـ ... !!
وكان يوماً مشهودا , وأمر السلطان سليمان أن يرفع الآذان من القلعة , ويذكر صاحب كتاب "تاريخ بلجراد الاسلامية" نقلاً عن صاحب يوميات السلطان سليمان الى بلجراد " بعون الله تعالى تم اليوم فتح قلعة بلغراد ... وارتفع صوت المؤذن من القلعة" , ونزل خبر سقوط بلجراد على النصارى والبابا فى روما كالصاعقة وارتعدت فرائصهم من الرعب !!
وعلموا وقتها أنهم أمام سلطان من طراز فريد , وعلموا أنه سيعيد لهم سيرة بايزيد الأول ومحمد الفاتح , فوقعت هيبته فى قلوب ملوك أوروبا قاطبةً , وبعث اليه ملك روسيا والبندقية وسائر ملوك أوروبا يهنئونه بالفتح ويعطونه الجزية عن يدٍ وهم صاغرون !!
ومن يومها سمّى المسلمون بلجراد (دار الجهاد) وكان منها القاعدة الحربية لانطلاق جيوش المسلمين لغزو باقى أوروبا , واهتم المسلمون بالأوجه الحضارية فى بلجراد حتى سمّاها المؤرخون (أندلس البلقان) وكانت تنعم بأوجه الحضارة بينما كانت سائر بلاد أوروبا لا تعرف شيئا عن أوجه الحضارة ولا عن تخطيط الشوارع ورصفها وإنارتها ليلا !!
مَن مِن المسلمين الآن يعرف شيئاً عن بلجراد الاسلامية !!!
فقد ضاعت كما ضاعت الأندلس , فصدق من سمّاها (أندلس البلقان) فهى شبيهة الأندلس فى حدث إقامتها وحدث نهايتها !!
وظل السلطان سليمان القانونى فى بلجراد حتى عيد الفطر وأقام صلاة العيد فى أكبر كنائسها بعد تحويله الى مسجد ولم ينزل السلطان سليمان من جواده حتى امتطى جوادا آخر مجاهدا فى سبيل الله رافعا كلمة الله خفاقة ...
فتح جزيرة رودس (13 صفر 929هـ , 1 يناير 1523م)
كانت جزيرة رودس هى الشوكة المنيعة التى فى حلق الدولة العثمانية , والتى تمتاز بمناعة وتحصين نادر جدا ورهيب , حتى ان سلاطين المسلمين فى صدر الدولة العثمانية ما استطاعوا فتحها ابدا كمحمد الفاتح !!
وكان يسكن جزيرة رودس نصارى الروم الصليبين المسمون (فرسان القديس يوحنا) الذين طُردوا من بلاد الشام بعد الحملات الصليبية , وكانوا تحت سلطة البابا فى روما , وكانوا على عصبية شديدة جدا ضد المسلمين , فكان طوال مكثهم يغيرون على سفن المسلمين المتجهة للحجاز يقتلون رجالهم ويأسرون أطفالهم ويهتكوا عرض نسائهم وينهبوا أموالهم ..
ويقتلون الحجيج ويحرقون سفن المسلمين وكانوا يبغضون المسلمين جدا , ويستغلون حصونهم فى الجزيرة المنيعة , فكانوا على اطمأنان بأن المسلمين لن يستطيعوا ان يصلوا اليهم ..
نهب الصليبين فى رودس أحد السفن الإسلامية التى تُقلّ الحجيج والتجار المسلمين فقتلوهم وحرقوا سفنهم , وعلم السلطان سليمان القانونى بهذا الخبر , فاستشاط غضبا لله وأقسم أنه لن يركن للراحة حتى يفتح جزيرة رودس ويطرد الكفار الملاعين منها !!
وبالفعل أخذ السلطان سليمان استعداده لفتح جزيرة رودس براً وبحراً , واستغل انشغال ملوك أوروبا بالحروب بينهم , وانشغال بابا الفاتيكان بالتصدى لدعوة مارتن لوثر وقيام المذهب البروستانت , فأرسل حملة عسكرية بقيادة مصطفى باشا قوامها 200 ألف جندى مزودين بأعتى المدافع ومعهم 700 سفينة حربية وبدأ الهجوم على أسوار رودس إلا أنهم لم يصيبوا منها شيئا لمناعتها ...
فغضب السلطان وسافر بنفسه ومعه كتائب من المجاهدين وتولى القيادة بنفسه أمام أسوار جزيرة رودس وحاصرها السلطان 6 شهر كاملة وضيّق عليها الخناق وكان طوال تلك المدة يواصل إطلاق المدافع , حتى بلغ عدد ما أطلقوه من المدافع 220 ألف مدفع !!
والمصادر التاريخية تذكر لنا حالة الطقس أثناء حصار المسلمين لردوس أنها كانت سيئة للغاية فالأمطار تتساطق على المجاهدين , والسماء تبرق والرعد يصمّ صوته الآذان , ومع ذلك لم يفت ذلك فى عضدهم ...
فاستسلم فرسان القديس يوحنا , وأمهلهم السلطان مدة 12 يوما يخرجون من الجزيرة , وأعطاهم أمانا على كنائسهم ودينهم كان هذا ديدن السلطان فى فتح بلاد النصارى بأوروبا ..