بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر
وهكذا خلا الجو لفرنسا، واجتمعت لديها كل الأسباب التي جعلتها تقبل على العدوان على الجزائر مع سبق الأسرار في غير ما اكتراث بالعالمين العربي والإسلامي.
ولقد صدقت الأيام كل تقديراتها. فتحركت جيوشها الجرارة من مرسى “تولون” في جنوب فرنسا يوم 25 مايو سنة 1830، ونزلت في يوم14 يونية من نفس السنة في شبه جزيرة سيدي فرج على بعد 24 كيلو متر من العاصمة الجزائرية طبق خطة مرسومة مدروسة، وضعها مند سنة 1818 الصاغ “بوتان” من سلاح المهندسين، كان جاء إلى الجزائر خصيصا للتجسس، ودراسة أغوار البحر في هذه الناحية المهمل تحصينها نوعا ما. لأن كل الحملات التي كانت قامت بها أكثر من دولة من دول أوربا، في العهود السابقة، على الجزائر، قد فشلت أمام العاصمة، فكان لزاما إذن البحث عن جهة أخرى مهجورة يمكن أن تنزل فيها الجيوش في شيء كثير من الأمل في النجاح .ووضع الصاغ “بوتان” خطة الغزو والاحتلال في عهد الإمبراطورية النابليونية على أن تأخذ الجزائر برًّا لا بحرًا.
وهكذا دبرت الخطة وترك أمر تنفيذها إلى الظروف المواتية والفرص السانحة والزمن اللائق وهناك في شبه جزيرة سيدي فرج التحمت القوات المعتدية بالقوات الجزائرية المدافعة عن الشرف، وعن العروبة ، وحمى الإسلام في هذه الناحية من العالم العربي الإسلامي.
ودامت الحرب مشتعلة أكثر من ثلاث أرباع القرن بين فرنسا والجزائر دون أن يتحرك أي قطر عربي، أو تخف أية دولة إسلامية لمساعدة الجزائر ومساندتها،
ومناصرتها.حتى لكأن القوم كانوا يحسبون، ويظنون أن النكبة على افتراض وقوعها إنما ستجتاح الجزائر وحدها، وستنزل بها وعليها وحدها.
ولكنهم كانوا في خوضهم يلعبون، وفي غمرتهم يعمهون، وفي تقديراتهم يستخفون ويهزأون.ذلك بأنه لم تمض إلا سنوات معدودات على الجزائر في محنتها حتى كان لسان حال العرب والمسلمين في المشرق والمغرب يردد متحسرا متندما تلك الحكمة الخالدة ” أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض” ولكن، “ولات حين مندم”.
والعجيب الغريب أن هذه الظاهرة التعسة ما انفكت طابعًا خاصًا لشعوبنا العربية والإسلامية في القديم والحديث أيضا.فهي بدل أن تتعظ، وتأخذ الدروس من ذلك الماضي البعيد، ومن هذا الحاضر المائل اللذين كافحت، وتكافح فيهما منفصلة عن بعضها البعض، مفككة عن نفسها، فتجمع أمرها، وتوحد كلمتها، وتنظم صفوفها-فهي بدل ذلك ما تزال سادرة في انفصالها وانعزالها وتفككها حتى لا يكاد الواحد من شعوب العرب والمسلمين يكترث بما يجري خارج حدوده، المصطنعة التي وضعها الاستعمار عملا بقاعدة ” فرق تسد”.
هذا على أن أعداءنا المستعمرين- على اختلاف أجناسهم، ولغاتهم
ومللهم-قابلونا، ويقابلوننا في كل ميدان موحدة كلمتهم، مجموعة أمورهم، منسقة ضرباتهم. بينما نقابلهم نحن متفرقين، متخاذلين، منقسمين على ما في جانبنا من حق وعدالة وإنسانية، وما في جانبهم من ظلم وبطش، وبربرية، وعدوان…
ولم يكن يخطر ببال حكومة الجزائر في ذلك الوقت أنها ستغزى من البر. ومن ثم كانت عنايتها بالأسطول وبقواتها البحرية تأخذ كل اهتمامها حتى أنه لم يكن لديها من جنود البر إلا ما يقرب من خمسة عشر ألفًا من الرجال.
ولذلك نزل الفرنسيون في شبه جزيرة سيدي فرج دون كبير عناء. وجعلوها هدفهم الأول احتلال العاصمة التي سقطت تحت وطأتهم، وبين مخالبهم يوم 5 يوليو سنة 1830 أي بعد اثنين و عشرين يومًا من نزولهم على أرض الوطن الجزائري ، قطعوا أثناء ها أربعة و عشرين كيلومترا.