معركة ستالينغراد نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية
معركة ستالينغراد نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية |
بعد فشل الهجوم
الالماني على موسكو في نهاية عام 1942 شهدت الجبهة السوفيتية الالمانية في
شتاء عام 1941 استقرارا نسبيا. فتخلى هتلر عن محاولة الاستيلاء على موسكو،
اذ انه اعتبر ان هجوما آخر على موسكو لا يمكن ان يفاجئ القيادة السوفيتية.
لذلك بدأت القيادة الالمانية في التخطيط لشن الهجوم في اتجاهات اخرى. ومن
اهم تلك الاتجاهات كان جنوب الاتحاد السوفيتي حيث كان بوسع الالمان فرض
السيطرة على حقول النفط القوقازية في منطقتي باكو وغروزني وكذلك على نهر
الفولغا بصفته طريقا رئيسيا تمر به المواصلات بين القسم الاوروبي للبلاد
ومنطقتي القوقاز وآسيا الوسطى. ولو نجح الالمان في تنفيذ خططهم هذه لكان
بوسعهم توجيه ضربة مؤجعة الى الاقتصاد والآلة العسكرية السوفيتيين.
اما
القيادة السوفيتية المتحمسة لنجاحاتها في معركة موسكو فحاولت انتزاع
المبادرة الاستراتيجية من ايدي الالمان في مايو/آيار عام 1942 فحشدت قوات
كبيرة في منطقة مدينة خاركوف الاوكرانية، أي في الموقع ذاته حيث اعتزم
الالمان شن الهجوم في اتجاه نهر الفولغا والقوقاز. وتمكن الألمان من محاصرة
القوات السوفيتية المهاجمة، الامر الذي تسبب في أسر ما يزيد عن 200 الف
جندي سوفيتي (بموجب الاحصائيات الالمانية) وفتح جبهة جنوبي مدينة فورونيج
وتوجهت نحوها الجحافل الالمانية واحتلت مدينة روستوف التي تعتبر مفتاحا
لجبال القوقاز. ثم أمر هتلر قواته بالانقسام الى قسمين. يواصل احدهما
الهجوم صوب القوقاز. اما ثانيهما الذي تضمن الجيش السادس بقيادة المارشال
باولوس وجيش الدبابات الرابع بقيادة الجنرال غوت. فانيط به مهمة التوجه نحو
الشرق بهدف الاستيلاء على مدينة ستالينغراد.
كانت مدينة ستالينغراد أقصى مدى بلغه الغزو الألماني في الاتحاد السوفيتي إبان
الحرب العالمية الثانية، لقد
كان حصار ستالينغراد والدفاع عنها نقطة التحول في تلك الحرب الطاحنة.
فعلى حدود تلك المدينة استنفد الألمان طاقة اندفاعهم في تقدمهم. وكان ذلك
إلى غير رجعة. ومن تلك النقطة انتقلت القوات السوفيتية من الدفاع إلى
الهجوم على طول الجبهة الممتدة إلى الجنوب من لينينغراد، ومنها أظهر الجيش
السوفيتي تفوقه في العمليات الهجومية بمثل ما أظهر من براعة في العمليات
الدفاعية العميقة.
وتعتبر ستالينغراد من أهم مدن روسيا الصناعية. فهي
تقع على بعد أربعين ميلا شرق منحنى نهر الدون، وتمتد حوالي عشرين ميلا
على ضفة نهر الفولغا. وزحفت جحافل الألمان صوب تلك المدينة التي
اشتهرت بمصانع الدبابات والجرارات .
استمر حصار الألمان لمدينة
ستالينغراد 66 يومًا. واستخدموا لذلك الغرض الجيش السادس الألماني
المكون من 22 فرقة. كما استخدموا جميع أنواع الأسلحة من الطائرات ومدافع
الهاوتزر والدبابات ومدافع الهاون، واقتحم مشاة الألمان اغلب أجزاء
المدينة. واستمر القتال على مدى شهرين واشتد الى أقصى درجات العنف. كما
احتلوا مسافة حوالي أربعة أميال من الضفة الغربية لنهر الفولغا. غير انهم
لم يتمكنوا من اخراج الجنود السوفيت من المدينة أو ابعادهم الى ما وراء
نهر الفولغا .
لقد صدرت الأوامر لقوات الجيش الثاني والستين السوفيتي
تحت قيادة الجنرال تشويكوف أن يتشبث بالدفاع عن المدينة. فدافعت الوحدات
السوفيتية عن كل شارع وكل مصنع وتشبثت بمواقعها الدفاعية خلف الجدران
ووراء أنقاض المباني وفي الحفر الناجمة عن القنابل، وتحولت ستالينغراد
إلى أنقاض وكتل من الحديد وأكوام من الحجارة. وأبت المدينة الاستسلام.
غيرأن الضربات الرئيسية لتحريرالمدينة جاءت من خارجها وكانت على هيئة هجوم أعده
المارشال جوكوف لمحاصرة القوات الألمانية في داخل المدينة. كما قام الجيش السوفيتي
بحصار مزدوج وأسموه ب "المنجل والمطرقة" لمحاصرة الجيش الألماني
السادس. فجاءت الضربات الأولى من الشمال. ثم جاءت عملية الاختراق من
الجنوب.
اما في الشمال فقد تمكن الجيش السوفيتي من القضاء على ثلاث فرق
من الجنود الإيطاليين والمجريين في تقدم سريع صوب الجنوب الغربي عبر نهر
الدون. وأطبقت التشكيلات السوفيتية عليها من جميع الجهات. فسدت أمام
الألمان كل طرق الانسحاب، وبذلك تمت محاصرة الجيوش الألمانية .
ووجهت القوات السوفيتية ضربتها القاضية من الغرب صوب نهر الفولغا وشطرت القوات الألمانية شطرين، ثم جاءت الخاتمة.
أسر الجيش السوفيتي ما يقارب 201 الف جندي الماني ناهيك عن جنود حلفائهم
الرومانيين والمجريين والايطاليين واستولى على 60 الف عربة و6700 مدفع
و1500 دبابة في أكبرهزيمة حلت بجيش ألماني في ميدان القتال.
تجلت في موقعة ستالينغراد صفات جديدة في الفن الحربي للجيش السوفيتي الذي اكتسب خبرة محاصرة العدو وتدميره.
وأثارت نتائج معركة ستالينغراد ارتباكا في صفوف
دول المحور (حلفاء
ألمانيا) التي صارت تواجه ازمة الانظمة الفاشية في كل من أيطاليا ورومانيا
والمجر وسلوفاكيا، الامر الذي ادى الى انخفاض النفوذ الالماني فيها
وخروجها من الحرب فيما بعد.
وبذلك كانت هذه الموقعة نقطة تحول في مجرى
الحرب العالمية الثانية، إذ اخذ الجيش السوفيتي في الاندفاع بعد ذلك صوب
الغرب حتى طرد الألمان من جميع أراضي البلاد.