على عجالة أحاول ان أقدم بعض الافكار عن الادب المقارن( * ) وهو علم نشأ في فرنسا
وكان الى امريكا فيما بعد بصمة واضحة فيه وفي المشرق العربي تؤرخ البداية بعودة
الدكتور محمد غنيمي هلال من باريس وعمله مدرسا للنقد الادبي والادب المقارن بكلية
دار العلوم- جامعة القاهرة وقد سبقت هذا الاستاذ محاولات للاساتذة الدكتور ابراهيم
سلامة والدكتور عبد الرزاق حميدة والاستاذ حامد عبد القادر الا ان تلك المحاولات لم
تمثل الادب بالمقارن في دقة منضبطة في جانبيه النظري والتطبيقي على حد سواء
وكما ذكرت سابقا فان الدكتور غنيمي هلال كان اول من درس الادب المقارن في دار العلوم على اسسه العلمية الدقيقة لكن الرجل توقف بطبيعة الحال عند المدرسة الفرنسية لسببين اولهما انه درس الادب المقارن في مكان نشأة العلم أقصد دراسة الادب المقارن والثاني ان المدرسة الأخرى التي شاركت المدرسة الفرنسية في موضوع المقارنة وخالفتها في الأسلوب وهي المدرسة الامريكية لم تتخلق بعد او ان شئت لم تنضج وسيأتي - ان شاء الله تفصيل القول فيما بعد- تفصيل القول في الاختلاف المنهجي بين المدرسة الفرنسية والمدرسة الامريكية في الدرس الادبي المقارن .
على أية حال فان درس الادب المقارن اليوم يكاد يذوب في النقد الادبي حيث ان الدراسات التاريخية للادب انقرضت او تكاد كذلك والكارثة في اختفاء هذا الدرس عظيمة حيث انها تمحو خصوصيات الجمال الذي يقوم على التنوع الثقافي في مجمله وعليه فانه يجب الاصرار من قبل الباحثين على دفع العمل بالدرس الادبي المقارن الى الامام ووضعه في الصدارة حتى لاتغمر الجماليات المختلفة للاداب العالمية ولاجلها قام الدرس الادبي المقارن او ان شئت فان تلك كانت سببا مهما من اسباب قيامه.
حقائق عامة :
حتى نلج الى درس الادب المقارن علينا اولا ان نناقش قضايا محددة يفيد منها طالب الادب المقارن في الفهم الدقيق لمفهوم الادب المقارن في دقة منهجية منضبطة وحتى نفهم الادب المقارن أيضا علينا دائما ان نتذكر المفهوم الذي يكاد يتفق عليه جميع المدارس الادبية وهو ان الادب اقتدار تشكيلي لغوي اللغة هي الخام الذي يشكله الفنان بعبقريته كما انه علينا ان نتذكر جيدا ان اللغة ذات ابعاد جمالية وعقلية متفاوتة وان ظاهرة التفاضل بين لغة( 2) واخرى تأتي في سياق اجتماعي وتلك ظاهرة من ظواهر اثار المواطنة(3 )في البحث العلمي - وقد اشرت في مقال لي سابق الى اثر المواطنة في حركة البحث العلمي- اذا هناك حقيقتان مهمتان اولاهما ان الادب فن لغوي محض والثانيةانه لا تفاضل بين اللغات كما يقرر العلماء فاذا ما سلمنا بالاولى والثانية فان هناك حقيقة اخرى يتحتم علينا التسليم بها وهي ان المفاضلة بين الاداب تنتفي وتحل مكانها المقارنة لان هناك حقيقة رابعة ذكرناها سابقا وهي ان اللغات تتفاوت في ابعادها الجمالية والعقلية وعليه فانه ليس هناك ادب افضل من ادب باعتبار ان الادب فن لغوي وبمان الادب فن لغوي والمفاضلة تنتفي بين اللغات بل ان التفاوت حاضر فان ذلك يدعونا الى ان ننتهج اطرا علمية دقيقة تقوم عليها المقارنة بين الاداب .
ويقتضي هذا المدخل ان نعرج على مقومات المنهج المقارن عن الفرنسيين والامريكان وسنستجلي هذه القضايا عبر مناقشتنا لأفكار المدرستين . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) كنت أود أن اصدر هذه المحاضرة بعبارة لاحد الاساتذة الكبار هو الدكتور عبد المنعم تليمة الاستاذ بآداب القاهرة وقد كنت اختلف الى استماع محاضراته في كلية الاداب الى جانب دراستي في دار العلوم فقال في احدى محاضراته في الادب المقارن ( ان الادب العربي لايدرس الا مقارنا او ان الادب العربي من اجدر الاداب بالمقارنة) حيث أثر الادب العربي بالادب الفارسي وتأثر به وتأثر بالادب الهندي راجع في ذلك كتاب الدكتور احمد درويش وكتاب وكتاب الدكتور غنيمي هلال ليلى والمجنون بين الادب العربي والادب الفارسي وراجع كتاب الدكتور علي عشري زايد في دراسة ادب الحيوان وتتبعه التاريخي ودونك كتاب الدكتور عبد الحكيم حسان في الادب المقارن الاسلامي كما ان الادب العربي أثر في الادب الاوروبي من ناحية اسبانيا حيث اثر شعراء التروبادور الشعراء الجوالون في الادب الفرنسي ومن ثم اثرت هذه الظاهرة في ادب اوروبا وراجع في ذلك كتاب الدكتور الطاهر احمد مكي الادب المقارن وقد اثرت القصة القصيرة في الادب العربي والحركة الرومانسية بشقيها الانجليزي والفرنسي وسيأتي تفصيل القول في ظواهر التأثير والتأثر مكان التطبيق ان شاء الله في المحاضرات القادمة. (1)راجع الدراسات الادبية المقارنة للدكتور علي عشري زايد وهو عبارة عن مذكرة صغيرة في حجمها كبيرة في معناها وانظر كتاب الدكتور الطاهر أحمد مكي الادب المقارن نشأته وتطوره ومناهجه وصدر عن دار المعارف.
(2)في محبة الادب الدكتور جابر عصفور ص 199 وهو عبارة عن مجموعة مقالات نشرها في جريدة البيان الاماراتية ويناقش الدكتور قضية المفاضلة من حيث الاراء الواردة في كتب التراث العربي ويخلص الى ان ذلك الفخر باللغة العربية فخر أجوف وهو في هذا المقام ينفي أفضلية لغة على أخرى. (3) انظر الدكتور عبد الفتاح عثمان نظرية الشعر في النقد العربي القديم حيث كان يناقش قول الجاحظ( كل شيء لدى العرب بديهة وارتجال )وردها الى ضرورة وطنية شعبويةلا علمية لان الجاحظ يقول في غير موضع ( والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والقروي والبدوي وانما الشأن في اقامة الوزن وتخير اللفظ وفي صحة الطبع وجودة السبك فانما الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير) .
منقولة للفائدة
|